عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
الدكتور علي أبو عسّاف  

الآراميّون

"تاريخا و لغة وفنا"

الدكتور علي أبو عسّاف


 

ثالثاًـ الممالك الآرامية في بلاد بابل

أعاق " تجلات فلصر" الأول (1112 ـ 1074 ق.م.) توغل الآراميين في بلاد النهرين. وبعد وفاته، اضطربت الأحول في بلاد آشور فتخلت عن مقاومتهم، لآنها افتقرت إلى قائد حازم يقف بوجههم، ويمنع تدفقهم عبر الفرات.

لذا اكتفت بصون رقعتها الأصلية الضيفة بين الدجلة والزاب الأسفل. أما بابل فلم تبد أية مقاومة، بل هاجر الآراميون اليها، وتمكن احد قادتهم هدد ـ ابال ـ اديني من خلع ملكها مردوك ـ شابيك ـ زير ـ ماتي، وتنصيب نفسه ملكاً عليها، وذلك في عهد الملك الآشوري آشور ـ بيل ـ كالا (1071 ـ 1054 ق.م.)، الذي كانت له علاقات ودية مع الملك المخلوع.

ومع ذلك سارع للاعتراف بالملك الجديد، ثم تزوج ابنته. وعلينا ان نتساءل عن هدف آشور ـ بيل ـ كالا. من الاعتراف بهذا المغتصب، وأقامه امتن الروابط معه.

ومن الممكن ان تكون دوافعه سياسية. وهي رغبة الآشوريين أن يتوطن الآراميون في بلاد بابل، فيتقوا شرهم، سيما قد انتزعوا اكثر الأراضي أيدي السكان الأصليين. واذا كان الآمر كذلك، فيكونوا قد اخطؤا الحساب.

 اذ ان هجمات القبائل الآرامية لم تتوقف، بل أخذت تنطلق من بابل باتجاه الجنوب والشمال مهددة بلاد آشور نفسها[22].

ومن تتبع الأخبار (في حوليات) الملوك الآشوريين نستطيع التعرف على أسماء القبائل الآرامية وأماكن تواجدها في العراق.

فعندما خرج تيكولتي ـ نينورتا الثاني (888 ـ 884 ق.م.) من آشور سائراً حذاء جبال "طرطار" (زغروس)، ثم عاد إلى الدجلة ليعبره عند مصب نهر الاعظيم، ذكر اسم بلاد "اوتواتي"[23]، نسبة إلى القبيلة الآرامية اوتاواتي، التي وجدها أمامه على ضفاف الدجلة، وفي السهول الواقعة بين الزاب الأسفل، ونهر الاعظم  حيث استقرت قبل عصر هذا الملك.

وفي حوليات الملك الآشوري آشور ـ ناصر بال الثاني (883 ـ 859 ق.م.) ذكرت لأول مرة أسماء القبائل الكلدانية الآرامية التي استوطنت الجزء الجنوبي من بلاد بابل، أي بلاد البحر الممتدة على جانبي شط العرب، وفي السهول بين أنهار قارون، والكرخ، والدجلة.

وقد هاجمها سلمانصر الثالث (858 ـ 824 ق.م.) لأنها اعتدت على بابل، وهذه القبائل هي:

 لاراك و بيت دكوري وكان يحكمها (الشيخ عدين) و بيت اديني و بيت اموكاني، وكان حاكمها موشلم مردوك و بيت شيلاني و بيت شعالي و بيت ياكين التي كان يحكمها ياكين، والتي كانت اقوى الويلات التي ذكرناها. وقد اطلق الملك الآشوري إياه اسمها على الجنوب البابلي بأكمله، فاصبح يعرف باسم "بيت ياكين" منذ تلك الحملة[24].

ولم تكن العلاقات بين دولة بابل والآراميين، ولا بين بابل وآشور كذلك، ولا بين الآشوريين والآراميين ايضاً ثابتة. فحينما قاد شمشي هدد الخامس (823 ـ 810 ق.م.) ملك آشور حملة ضد ملك بابل مردوك ـ بالطو ـ إقبي تحالف هذا الأخير مع الكلدانيين والعلاميين وسكان بلاد نمار والآراميين ضد آشور.

وقبل ذلك وكما سنرى ساعد الملك البابلي نابو ـ أبال ـ اديني الثوار الآراميين في بلاد سوحي ضد الآشوريين. وعلى النقيض من هذا تخبرنا الوثائق ان الملك البابلي "ايريبا ـ

 مردوك" الذي حكم في النصف الأول من القرن الثامن ق.م.، قد ارجع الحدائق والحقول التابعة لـ "يشكلتو ـ وسبارتو" الى اصحبها الشرعيين، بعد أن اغتصبها الآراميين من أصحابها القاطنين في مدينتي بورسيبا وبابل.

والواقع أننا نشك في صحة هذه الوثيقة، لأن سوبارتو بعرف البابليين هي بلاد آشور التي لم تكن آنذاك بحاجة إلى مساعدة البابليين.

وأما في عهد الملك البابلي نبو ـ اشكون الثاني، الذي حكم عند منتصف القرن الثامن ق.م.، فقد تبدلت الأوضاع واضطربت، ورافق الصراع ضد المهاجرين الجدد، الذين يرغبون في الحصول على الأرض، صراع داخلي، انتهى فيما بعد إلى خضوع بابل بأكملها للكلدانيين وللآراميين[25].

ولم يتوقف الصراع بين الآشوريين والآراميين. ففي عهد الملك الآشوري "تجلات فلصر" الثالث (745 ـ 727 ق.م.)، وبعد وفاة الملك البابلي نبو ـ شوم ـ اشكون الثاني بقليل، توسع الآراميين، وهددوا حدود آشور الجنوبية. لم يفعل نابو نصار معاصر تجلات فلصر شيئاً ضدهم، فانبرى لهم هذا الأخير، وخاض حروباً عديدة ضدهم على شواطتيء الدجلة والفرات والسوربو (الاسم القديم للجزء الجنوبي من الدجلة) حتى مصاب نهر الاكلو (الكرخ) في البحر الواطي (أي الخليج العربي).

وما انفك يقاتلهم حتى استسلم له مردوخ ـ أبال لـ اديني شيخ بيت ياكين. والقبائل التي ذكرت آنذاك كانت "اتيوع" و "روبوع" و "خارينو" و "البدودو". وبعد وفاة تجلات فلصر الثالث اغتصب مردوخ ـ أبال لـ اديني الثاني (722 ـ 705 ق.م.) شيخ القبيلة الكلدانية القية بيت ياكين عرش بابل بدعم من الكلدانيين والآراميين. ولم يرق هذا الحدث الخطير لـ "شرّوكين" (سارجون 722 ـ 705 ق.م.)، فشن حرباً شعواء على هذا المغتصب وحلفائه العيلاميين.

فاحتل بلاد بابل، وانهزم أمامه مردوخ ابال اديني، واتحه إلى بلاد يديورو. ولاحقه شرّوكين، ودخل عاصمة ملكه دور ياكين.

والقبائل الآرامية التي حاربها شرّوكين وقضى عليها كانت: "ايتوع" و "روبوع" و "خارينو" و "ليدودو" و حمرانو" و كبولو حنارو" و "فوقودو" و "سوتو" في بلاد "يديورو"[26]. ويطابق هذه القائمة ثبت بأسماء القبائل الآرامية المنقوش على اسد تل يرسب ( تل احمر الحالي)، والتي يأتي على رأسها اسم قبيلة "اوتاواتو"[27].

وبعد وفاة " شرّوكين" (سارجون) بقي العداء مستحكماً بين الآشوريين من جهة، والبابليين والآراميين من جهة ثانية.

فقد استمرت الحروب بينهم طيلة عهد الملوك الآشوريين سنحريب (704 ـ 681 ق.م.) و "اسرحدون" (681 ـ  669 ق.م.). 

وبما ان أحداث هذه الحروب مرتبطة بتاريخ الآشوريين اكثر من ارتباطها بتاريخ البابليين والآراميين، نحجم عن تفصيلها في هذا المكان.

وفي الختام نشير إلى ان احتلال نابو بولصر (625 ـ605 ق.م.) لبابل، وتتويج نفسه ملكاً عليها، كان انتصاراً للآرامية، ولعبادة الرب مردوك، وانتهى إلى الأبد الصرع بين البابليين والآراميين من جهة، وبينهم وبين الآشوريين من جهة أخرى، الذي امتد حوالي ستة قرون من الزمن.

وبما ان الباحثين يعتبرون تاريخ المملكة البابلية الجدبدة (إمبراطوريه كلدان العالمية) هو استمرار لتاريخ بابل، فأننا نكتفي بهذا القدر من الدراسة في تاريخ الآراميين ببلاد بابل، والمراحل التي مر بها تاريخهم الطويل حتى وصولهم إلى السلطة وتأسيسهم المملكة البابلية الحديثة[28] .

  (يتبع)

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها