عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
الدكتور علي أبو عسّاف  

الآراميّون

"تاريخا و لغة وفنا"

الدكتور علي أبو عسّاف


ثانياًـ الآراميون في بلاد الشام.

أولى  المستشرقون عناية كبيرة بالأخبار الآشورية، وما حوته من أنباء توغل البدو الاحلامو ـ والاحلامو ـ آرام في بلاد ما بين النهرين، واهملوا وثائق مصرية تتحدث عن ضغظ البدو على بلاد الشام الجنوبية، ومرد ذلك إلى ان الوثائق الآشورية، ادق من الوثائق المصرية، وتمس التاريخ الآرامي مباشرة.

 إلاّ أن درسة الوثائق المصرية، قد تقودنا إلى استنتاجات إيجابية، لها علاقة بالتاريخ الآرامي.

وكان البدو، الذين عرفوا عند المصريين باسم "شاصو"، يهددون كيانات الدويلات الكنعانية الهزيلة، التي تخضع للنفوذ المصري.

ففي عهد تحوتمس الثالث (1490 ـ 1436 ق.م.)، ازداد ضغط البدو على جنوبي فلسطين، فشن في عام 39 لاعتلائه العرش، غارة عليهم وشتتهم. وفي عهد سيتوس الأول (1305 ـ 1290 ق.م.)

نشروا الفوضى والاضطراب في جميع أجزاء بلاد الشام الجنوبية وهددوا غزة.

فاستهل حكمه بقيادة حملة ضدهم، لاذوا على اثرها بالفرار إلى المناطق الصحراوية. ويستفاد من الوثائق المصرية إياها، ان البدو قد انتشروا في فلسطين، وبلاد موآب ، و ادوم، و عمون، والاراضي الصحراوية الممتدة إلى الشرق من هذه البلدان.

وذكر رعمسيس الثاني (1290 ـ 1223 ق.م.)، ان البدو قد نقلو اليه معلومات كاذبة عن تحركات الجيش الحثي بين حلب و قادش.

وفضلاً عن ذلك نجد في ملف البردي المعروف باسم "بردي انستاسي" ان البدو يسكنون مناطق قادش (تل النبي مند حالياً) وتوبيخ (إلى الجنوب من قادش)[17].

وهذا يعني انهم كانوا يسكنون هذه المناطق وكانوا منتشرين في المناطق الممتدة من العقبة حتى حلب على التخوم بين البادية والسهول الداخلية، مثلما كانوا منتشرين على ضفة الفرات اليمنى.

وإن كنا قد تعرفنا على اسم البدو الذين جعلوا من الضفة اليمنى للفرات نقطة ارتكاز للانطلاق نحو بلاد ما بين النهرين، يبفى اسم البدو الذين ذكرهما المصريون مجهولاً.

 فالمصادر الآشورية ذكرتهم بالاسم، بينما ذكرت المصادر المصرية اسم الآدوميين فقط.

ونرجح ان يكون السوتيون، الذين ذكرتهم رسائل أمراء دويلات بلاد الشام إلى امنوفس الثالث (1403 ـ 1364 ق.م.) والرابع (1364 ـ 1347 ق.م.)، واطلق عليها اسم رسائل العمارنة، من الشاصو أو مثلهم، وفي وقت واحد، تحرشوا بممالك بلاد الشام، فاستنجد ملوكها بالفراعنة، لدفع شرهم عنهم. فالسوتيون كغيرهم من القبائل البدوية، تسربوا إلى جناحي الهلال الخصيب، وامتزجوا مع السكان، وكان لهم شأن كبير في كثير من الحوادث التاريخية.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى نظن ان عبارة الشاصو (البدو) المصرية قد شملت ايضاً الآراميين.

اذ ان الوثائق المصرية، التي تعود إلى عصر "امنوفس" الثالث (1403 ـ 1364 ق.م.)، تفيد أن الآراميين كانو ايضاً في بلاد الشام، كما ورد في القوائم التي اكتشفت عام 1964 في معبد الأموات العائد لهذا الفرعون. هنا وردت أول اشارة اليهم في الوثائق المصرية على النحو التالي " الآراميون أو بلاد الآراميين".

ومع ان العبارة  لا توحي لنا بالشيء الكثير، إلاّ أنها يجب ان تؤخذ كدليل على وجود الآراميين في بلاد الشام.

ويستدل من قواعد كتابة هذه الجملة باللغة المصرية، ان الآراميين الذين عرفهم المصريون كانوا لا يزالون على الغالب بدواً رحلاً[18]، واستقرت جماعة منهم فيما بعد بالاراضي التابعة لدولة "اوجاريت" فمارسوا الزراعة وامتلكوا الحقول. ففي عصر الملك الاوجاريتي "عمي ستامرو" الثاني (النصف الأول من القرن الثالث عشر ق.م.)

ورد اسم العلم " ابن آرامي" وشبه الجملة " حقول الآراميين"[19] التي نرى فيها ان الآراميين قد هجروا حياة البداوة واختلطوا بالمزارعين. ولكن اين؟.

وفي الحقيقة ان الآراميين لم يؤسسوا دولاً على سواحل بلاد الشام بل في داخلها. وامتدت حدود اوجاريت نحو الداخل إلى العاصي بين " جشر الشغور" شمالاً، و "افاميا" جنوباً.

 فمن المرجح ان حقولهم كانت في تلك المنطقة، وعلى وجه التحديد في قرقرر (قرقر) التي جرت فيها المعركة الشهيرة بين "سلمانضر" الثالث الآشوري و "برهدد" ملك دمشق.

 عندما جلس على عرش آشور "شلمانوا شيرد" الثالث (سلمانضر) (859 ـ 824 ق.م.)

واخ يشن الغارات على بلاد الشام، فلاقى مقاومة عنيفة في كل مكان، وتحالفت ضده الممالك الشامية التالية بزعامة برهدد (ابن هدد الثاني) ملك دمشق حسب رواية الآرشويين:

1 ـ إرخولتني ملك حماة مع 700 عربة 700 فارس 10000 مقاتل.

2 ـ آحاب ملك إسرائيل 2000 عربة 10000 مقاتل.

3 ـ امير قوية (مملكة صغيرة على شاطئ تركية بين نهري سيحان وجيحان)  500 مقاتل.

4 ـ امير مصري (مملكة مصرى مجهولة) 100 مقاتل.

5 ـ امير بلاد ارقاتانه إلى الشمال الشرقي من طرابلس 100 عربة 10000 مقاتل.

6 ـ ماتينو بعل امير ارواد 200 مقاتل.

7 ـ امير اشناتو (إلى الجنوب من جبلة) 200 مقاتل.

8 ـ ادونو بعل امير سيانو (إلى الشرق من جبلة) 30 عربة 1000 (×) مقاتل.

9 ـ جندب امير بلاد العرب 1000 هجان

10 ـ امير بيت روحني

11 ـ باعاسه امير عمان 1000 (×) = مقاتل.

ومما يلفت النظر ان أخبار هذا التحالف قد دوّنت مراراً.

وهنالك وثيقة مصرية أخرى، تشير إلى تحضّر الآراميين، وهجرهم حياة البداوة، وسيادتهم على غيرهم.

 اذ ذكر في احد سجلات الحدود المصرية، ان "مرنبتح" (1223 ـ 1205 ق.م.) فرعون مصر، كان له معسكراً أو معقلاً في بلاد آرام.

وحول اسم آرام قال الباحث "هلك" انه من المحتمل ان يكون سجل خطأ من الكاتب الذي أراد ان يكتب آمورو، مكتب آرام بلاً عنه[20].

أما "ايدل" فقد قال ان الكاتب لم يخطئ، وعلينا ألآ نأخذ هذه العبارة بعد الآن كدليل على الوجود المصري في بلاد آمورو، بل في بلاد الآراميين، ومن المحتمل ان يكون المكان المشار اليه هو في مملكة دمشق الآرامية [21].

والخلاصة هي ان الآراميين كانوا موجودين كبدو في بلاد الشام منذ القرن الخامس عشر ق.م. وان عبارة شاصو المصرية، لابد وانها كانت تشمل ايصاً الآراميين. ويسدل من الأجداث التي جرت خلال القرون الثلاثة الأخيرة للألف الثاني ق.م.

ان الغلبة كانت لهم في بلاد النهرين بينما انطوى امر السوتيين. ويمكن للمرء ان يفترض الشيء ذاته بالنسبة إلى بلاد الشام.

 (يتبع)

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها