الأخطاء التاريخية في مقدمة "
اللمعة الشهية" - القسم الثاني
ثالثا - منهجية النقد
:
ا - يفتقر شعبنا السرياني الآرامي
الى مجلات تاريخية تعمل فعلا
على تصحيح الأخطاء بين المثقفين السريان.
المثقف السرياني لم
يتعود على الدراسات النقدية و هو يعتقد في أغلب الأحيان ان الناقد
يتهجم على الباحث او
صاحب دراسة معينة . النقد العلمي هو وسيلة
للوصول الى الحقيقة التاريخية و كثير من الأحيان يشارك باحثين
يعلمون في جامعات مرموقة في النقاشات التاريخية الدائرة. هؤلاء
العلماء يعرفون جيدا ان دراساتهم النقدية سيطلع عليها عدد كبير
من المتخصصين في تلك المواضيع لذلك تكون مشاركتهم قد ألقت
أضواء جديدة على المواضيع المطروحة
.
ب - لا اهدف التقليل من مكانة
المطران داود العلمية و التاريخية
و إنني أكيد لو كان يعيش في هذا العصر لكان من اعظم المؤرخين
!من
يتابع تطور الفكر القومي بين السريان يجد ان مقدمة " اللمعة
الشهية" التاريخية قد أثرت بقوة على الباحثين و اللغويين في اواخر
القرن التاسع عشر.
ج - يتضايق بعض الغيورين لأنني أذكر
اسماء بعض المفكرين
الذين يتبنون طروحات تاريخية خاطئة :
و
يتضايقون أكثر عندما
اصحح طروحات بعض رجال الدين مع إنني اقدر جهودهم الجبارة
و غيرتهم على امتنا السريانية و تراثها الآرامي العريق و لكنني
أشعر من واجبي تصحيح المغالطات لأن هدفنا هو معرفة تاريخنا
الصحيح و العودة الى جذورنا الحقيقية. اتمنى على الاخوة أن
يشجعوا النقد البناء كي تنتشر المعلومات التاريخية الصحيحة:
مثلا حمورابي كان عموريا و هذا يعني انه لم يكن أشوريا و لا
كلدانيا و لا سريانيا
!
رابعا - ما هي منهجية المطران داود التاريخية ؟
أ-
لقد إنتشرت في اوروبا و اميركا - خلال القرن التاسع عشر – عدة
مدارس
تأريخية تؤكد ان التأريخ لم يعد يدرس كأدب بل كعلم يهدف
الى معرفة التاريخ الصحيح و رمي النظريات غير العلمية
.
سوف نرى لاحقا أن المطران داود - و بالرغم من عدم دراسته
و تخصصه في التاريخ - عرف ان هدف البحث التاريخي هو
الوصول الى الحقيقة كما هي. لقد وجدنا بعض المفكرين السريان
يتبجحون أن اللغة السريانية الآرامية هي اقدم لغة في العالم
!
نجد في اللمعة الشهية صفحة ١٥ " اننا لا نعتقد أن اللغة الآرامية
هي أقدم اللغات السامية كما زعم قوم و أقل من ذلك أنها اقدم لغات
العالم كما زعم غيرهم بلا بينة و لا أساس
"
لقد سبق المطران داود في مفهومه لمنهجية البحث التاريخي
الكثيرين من السريان الذين لم يفهموا بعد أن التاريخ هو البحث عن
حقائق و ليس سرد لأحلام شوفينية متعصبة
.
أصاب المطران داود عين الحقيقة بالنسبة الى قدم اللغة الآرامية
فهي ليست اقدم لغة في العالم و ليست اقدم اللغات السامية/الشرقية
فهنالك اللغات السومرية و الأكادية و العمورية و الكنعانية التي هي
اقدم منها
.
ب - من يتمعن في مقدمة اللمعة الشهية
يلحظ ان المطران داود
بالرغم من تمسكه بهويته السريانية الآرامية و غيرته في نشر
الكتب لتعليم اللغة السريانية فهولا يتلاعب في الحقائق التاريخية
كي يفاخر بعصبية عمياء في اللغة السريانية
!
ج - المدهش في مقدمة اللمعة الشهية
ما كتبه المطران حول اللغة
العربية صفحة ١٢ " و انما ذكرنا العربية اولا بين اللغات السامية
لأن العربية باعتراف جميع المحققين هي أشرف اللغات السامية
من حيث هي لغة و أقدمهن و أغناهن".
لن اتطرق الى موضوع " أشرف اللغات السامية" لأنه يفتح
بابا للجدل نحن بغنى عنه و لا اعتقد أن احد القراء يخالفنا إذا
قلنا ان اللغة العربية قد أصبحت أغنى اللغات الشرقية في مفرداتها
و تقبلها للعلوم و التطور . و لكن - و بكل تأكيد - اللغة العربية
لم تكن اقدم اللغات الشرقية فاللغة الأكادية اقدم من اللغة العربية
بأكثر من ٢٥٠٠ سنة و اللغة الآرامية
-
العزيزة على قلب المطران
داود - هي أقدم من العربية بألف سنة
!
د - من المستحيل على الباحث في
التاريخ ان يتحقق في كل الأمور
التاريخية التي يكتب عنها و المطران داود كان عالما لغويا فرضت
عليه الظروف ان يكتب عن تاريخ الشعب و اللغة السريانية الآرامية.
لا يحق علينا اليوم ان نصدر حكما قاسيا بحق هذا العالم لأنه عاش
في الصدر الثاني من القرن التاسع عشر و لم يستفد من الدراسات
السريانية الجديدة حول المصادر السريانية الغنية
.
حكمنا القاسي هو على اصحاب الطروحات المتحجرة الذين لا
يريدون ان يتحققوا و لكنهم يستغلون " أخطاء" المقدمة في اللمعة
الشهية متوهمين أنها براهين علمية لطروحاتهم المزيفة
خامسا - مصادر و مراجع المطران داود
كل
ناقد لبحث تاريخي يبدأ بدراسة سريعة للمصادر و المراجع
التي إعتمد عليها صاحب البحث . أغلب المفكرين السريان في
نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين لم يذكروا المراجع
و المصادر التي إعتمدوا عليها
.
ا - المطران دواد لم يترك لنا فهرسا
بمصادره و مراجعه : إذا كانت
هذه العادة مقبولة في نهاية القرن التاسع عشر فهي غير مقبولة
في البحث التاريخي المعاصر . و طبعا مقدمة المطران داود ليست
مدرسة او طريقة علمية يجب علينا إتباعها بل بالعكس يجب تجنبها
.
كتابات فريد نزها حول هويتنا السريانية هي مجرد آراء فكرية
و ليس دراسات تاريخية معمقة و مبرهنة بمصادر و مراجع علمية
.
ب - من يتفحص المقدمة يلاحظ ان
المطران داود قد استشهد
يالمؤرخ يوسيفوس اليهودي و قد ذكر أسماء بعض العلماء الأوروبيين
و لكن للأسف لم يذكر لنا أسماء كتبهم و يحدد لنا الصفحة كي
نستطيع مراجعتها و التأكد من صحتها
.
ج - في الصفحة ١٢ يذكر لنا إسم
العالم الفرنسي رينان و يستشهد
بنص مشهور له مما يوحي للقارئ أن المطران داود قد إطلع على
كتاب العالم الفرنسي و لكنه حقيقة لقد أخذ هذا - النص المشهور
-
من قاموس بايان سميث (راجع الصفحة ١١
(.
د - إن أغلبية معلومات المطران داود عن الآراميين السريان هي
مأخوذة من التوراة . لا بد لنا ان نشير الى ان التوراة - حتى اواخر
القرن التاسع عشر - كان يعتبر مصدرا و مرجعا لمعرفة تاريخ
الشرق القديم . و لكن بعد نشر و ترجمة و دراسة الكتابات السومرية
و خاصة الأكادية صار العلماء يملكون مصادر تسمح لهم في التدقيق
في روايات التوراة : الطوفان هو قصة منقولة من الأساطير التي
كانت منتشرة في العراق القديم
.
ه - لقد وصلتنا مئات النصوص الأكادية
و الآرامية التي تخبرنا عن
تاريخ اجدادنا الآراميين : هذه النصوص لم يتطلع عليها المطران
داود و بالتالي لم يكن يعرف مدى إنتشار الآراميين في شرقنا
الحبيب و لم يكن مطلعا على إنصهار بقايا الشعوب القديمة ضمن
الشعب الآرامي
.
و - يجدر بنا ان نذكر القارئ ان
المطران داود هو رجل دين مسيحي
له نظرة مقدسة لأخبار التوراة لأنه يؤمن انه كتاب موحى من الله
.
فالمطران داود لا يدقق في خبريات التوراة و بالنسبة له هي أخبار
حقيقية لا غبار عليها بينما العلماء المتخصصون في تاريخ الشرق
يحققون و يدققون في أخبار التوراة فهم يشككون في وجود الملك
داود و لكن إكتشاف نصوص تل دان الآرامية حيث ورد تعبير
"
بيت داود " قد بدد شكوكهم . اما عن وجود شخصيات مثل ابراهيم
و يعقوب و سام و نوح فأكثرية العلماء لا تؤمن بوجودهم. قصة
موسى في مصر مأخوذة من حكاية تتكلم عن حياة سركون الأكادي
!
ز - إن تصديق المطران داود لكل
أخبار التوراة سوف تدفعه
الى الوقوع في أخطاء تاريخية و جغرافية عديدة : سوف اكتفي
بذكر مغالطة جغرافية كبيرة اذ يذكر المطران داود في بداية مقدمته
الصفحة ٧ الطبعة الثانية:
"اعلم
أن اللغة السريانية كانت يوما لغة أمة عظيمة ساكنة في
قسم كبير من أرض آسيا ٠ اي بلاد الشام مع جزائرها و الجزيرة
و العراق و آثور و ما يجاور هذه البلاد الى حدود الفرس شرقا
و بلاد الارمن و بلاد اليونانيين في أسيا الصغرى شمالا و حدود
بلاد العرب جنوبا . و كانت هذه كلها يقال لها عند اليهود أرام لأن
أرام بن سام هو الذي تبوأها و عمرها بنسله".
*
لا يوجد اي نص في التوراة يوحي لنا ان الآراميين قد
سكنوا كل هذه المناطق الشاسعة
.
*ير
صحيح ان أسفار التوراة قد أطلقت تسمية " بلاد آرام"
على الشرق: إن تعبير " بلاد آرام" و
"
ملك آرام" كان يطلق
حصريا على ملك دمشق الآرامي ، و حدود مملكة دمشق التاريخية
معروفة جغرافيا
.
*إن
الآراميين كانوا يشكلون أكثرية ساحقة في الشرق منذ القرن
الثامن قبل الميلاد ليس " لأن أرام بن سام هو الذي تبوأها و عمرها
بنسله ". و لكن لأن العلماء و من خلال دراسة النصوص الأكادية
توصلوا الى معرفة إنتشار الممالك و القبائل الآرامية في كل الشرق
و صهرها لبقايا الشعوب القديمة
.
*إن
التوراة قد دونت في بداية القرن السادس قبل الميلاد و هي
تشير لنا عن دور الآراميين في تاريخ الشرق. فنحن لا نصدق حرفيا
أن " أرام بن سام هو الذي تبوأها و عمرها بنسله " و لكن هذه
الجملة تعني بكل بساطة أن الآراميين هم الأكثرية في الشرق.
دراسة تاريخية حول مقدمة " اللمعة الشهية" القسم
الأول
الأخطاء التاريخية في مقدمة " اللمعة الشهية" -
القسم الثاني
ضرورة تصحيح الأخطاء التاريخية في " اللمعة
الشهية" القسم الثالث
أسباب " خلط" الهوية الآرامية بالتسمية الأثورية في مقدمة
اللمعة
الشهية القسم الرابع |