عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

اقرأ المزيد...

الدكتور أسعد صوما أسعد
باحث متخصص في تاريخ السريان ولغتهم وحضارتهم

تعقيب على مشكلة المطارنة الستة ومشاكل الكنيسة السريانية الارثوذكسية

ستوكهولم / السويد


الجزء السادس

رد عام على بعض الرسائل:

منذ ان بدأتُ انشر هذه المقالات النقدية عن الكنيسة السريانية الارثوذكسية وامراضها ومشاكلها وضرورة اجراء إصلاحات شاملة فيها، اخذت تصلني بعض الرسائل التي لم أكن أتوقعها تدلي دلوها في الموضوع. وقد وردت هذه الرسائل من أناس مختلفين، بعضهم أصدقاء وبعضهم اشخاص لا اعرفهم. والمفرح المحزن في الموضوع ان غالبيتهم يشاركوننا نفس النظرة الى واقع الكنيسة المأساوي ومستقبلها الغامض. كما انهم يشكرون ويدعمون محتوى المقالات ويركزون على فكرة المصالحة بين الاكليروس دون قيود وشروط ويصرون على ضرورة إجراء إصلاح كنسي شامل كحل منقذ للكنيسة قبل أن تستفحل المشكلة وتكبر. كما وصلنا عدد قليل من الرسائل التي تنتقدنا ولا تطرح اية حلول فأهملناها.

ونستشف من خلال هذه الرسائل ان الغالبية الصامتة من أبناء الكنيسة في حالة استياء عام من الوضع الراهن في الكنيسة ومن تقاعس الاكليروس ومن المشاكل الصغيرة والكبيرة التي تراكمت خلال العقود الماضية ولا زالت تستمر لليوم بعد ان دخلت الكنيسة في مرحلة جديدة لا تنذر بالخير. لكن المفرح ان الغالبية يدعمون المصالحة والإصلاحات وهم ضد الانقسامات. لذلك ينتظر الجميع أن تجري المصالحة حالا دون اية اعتبارات من الطرفين.

 وجواباً عن الاستفسارات أصرح لكتّاب الرسائل وللأخوات والاخوة القراء هنا بأنني لست طرفا في هذا النزاع السخيف بين الاكليروس، ولست مع طرف ضد آخر، انما بسبب محبتنا وغيرتنا على الكنيسة المسكينة التي تتقاذفها الأمواج العاتية نقوم بكتابة هذه المقالات لأجل تشخيص الامراض وثم معالجتها بهدف اصلاح الكنيسة.

 لا شك ان المطارنة الستة، بغض النظر ان كانوا على حق أو باطل، يشكلون نسبة هامة من مطارنة الكنيسة (عدا فروعها في الهند) ومعاقبتهم جميعا إجراء سيخلق ردات فعل ويهز بنيان الكنيسة. اننا ننتقد الاسلوب الفاشل الذي عالج فيه المطارنة الستة مشكلتهم مع البطريركية، حينما بادروا الى حجب ثقتهم عن البطريرك والشعب لا يعلم شيئا عن المشكلة، فقالوا كلمتهم الأخيرة في بداية الطريق حينما أصدروا بيانهم الاستقلالي المليء بالتناقضات. فان كانوا قد وصلوا الى طريق مسدود مع البطريرك كان عليهم أولاً نشر اعلان عام موجه للشعب يشرحون فيه قضيتهم وابعادها وطالبين حكم الشعب، لهذا السبب وقفت غالبية الناس في البداية ضد البيان الصادر منهم. لكن جهالة إصدار بيانهم الفاشل قابلته جهالة أكبر من المطارنة الذين نقضوه ببيان أكثر فشلاً فعقّد المشكلة بدل ان يحلها، وبسببه تغيرت مواقف الكثير من الناس.

 كما وصلتني ايضاً معلومات عن وجود بعض الصور في الانترنت، وهي مشينة ومهينة بحق الاكليروس السرياني، وخاصة بحق قداسة البطريرك افرام الثاني. انني استنكر بشدة هذه الصور المقرفة وأرفضها رفضاً قاطعاً ويجب رميها في المزبلة مباشرة. واقول لهؤلاء الأشخاص الذين ركّبوا هذه الصور المفتعلة ويتصرفون بالظلمة كالخفافيش: ان عملكم المعيب هذا هو إساءة عظيمة بحق الكنيسة وابنائها ونحن منهم، ولا يوجد أي شخص عاقل يقوم بهكذا عمل تخريبي. أبهذا الأسلوب التافه تريدون ان تقدموا لنا افكاركم؟ ألا تخجلوا من فعلتكم المشينة بحق رئيس كنيسة عريقة؟ أن البطريرك هو رئيس الاكليروس والكنيسة وهو رمزها ومؤشرها في المجتمع وفي كل مكان، ولا نقبل الاساءة الشخصية اليه ابدأً أبداً ومهما كانت الأسباب. ولا نشتري مطلقاً مبرراتكم السخيفة لهكذا أعمال تحقيرية بحقه حتى وان أخطأ، ومهما كانت هذه الأخطاء عظيمة وشنيعة فأنها لا تخولكم ابداً للتصرف بهكذا حماقات جنونية. نحن نعلم ان قداسة البطريرك يسامحكم لأنه لا يكره احداً ولا يحقد على أحد وهو يصلي لكم لينير الرب دروبكم نحو العقلانية والخروج من الدروب المظلمة نحو النور، لكن هذا الموقف التسامحي منه لا يؤهلكم ان تستمروا في تماديكم بالإهانات حتى وان لم يكن هناك من يردعكم غير ضميركم. لذلك انصحكم أن تعودوا الى رشدكم وضميركم، وتقوموا بإلغاء هذه الصور المقرفة من الانترنت، لتعود لكم قيمتكم الإنسانية التي ضحيتم بها لإرضاء رغبة الانتقام السوداء الكامنة في نفوسكم المحتارة لتشويه سمعة البطريرك. سامحكم الله.

 وقد وصلتني أيضا رسالة من شخص مجهول يسأل "لماذا ادافع عن المطارنة الستة" "وأدعم المطران متى روهم". ولأجل الايضاح أعلن للجميع بأنني لا أدافع عن أحد من الاكليروس لأن الاكليروس باجمعه بحاجة الى اصلاح، ولا علاقة لي بالمطارنة الستة الذين ثاروا وتمردوا على قداسة البطريرك وحجبوا ثقتهم عنه، لا من قريب ولا من بعيد. أما بخصوص المطرانين الموقوفين: فالمطران "متى روهم" مثلاً لم التقِ به ابداً وهو مطران، آخر مرة التقيت به ربما كانت قبل أربعين سنة، أما المطران "حزائيل صومي" فلم يسعفني الحظ لألتقي به ولا مرة واحدة في حياتي. أما دفاعي عنهما فهو من باب الدفاع عن المبدأ العام بعدم توقيف وطرد كهنة من الكنيسة مهما كانت الاسباب، لأن الكنيسة لا تنهض بالعقوبات بل بالمحبة والتسامح والتشجيع والدعم والاستفادة من خبرات وتجارب الجميع. ان عقوبة التوقيف الانتقامية التكسيرية مرفوضة كلياً وقد اكل الدهر عليها وشرب وهي خسارة كبيرة للكنيسة والانسان ودليل على فشل الاكليروس في التعاطي مع المشاكل.

 شخصياً لا اعرف ما هي مشكلة المطران روهم التي بسببها اضطر ان يترك ابرشيته ويستقر في أوروبا. وقد سمعنا معلومات متضاربة وغير موثوقة بهذا الخصوص تقول انه اختلف مع العشائر أو ربما مع الحكومة السورية فاضطر الى الفرار. عندما يقع أي شخص سرياني في مأزق ما وهو بريء فان الحس السرياني القومي يتطلب منا أن ننهض جميعا للدفاع عنه ولمساعدته. وإذا دخل أحد افراد اكليروسنا في خلاف ونزاع يخص السريان مع طرف غير سرياني كائناً من كان، حينها يجب على السريان أجمع ان يدعموا هذا الكاهن السرياني ضد خصومه من غير السريان من باب "انصر اخاك ظالماً ومظلوماً".  فبدل ان تقوم الكنيسة بالدفاع عن المطران روهم لمساعدته وحل مشكلته فإنها اوقفته عن الخدمة. لا شك ان ابرشية المطران روهم كانت من عيون الابرشيات السريانية وأكثرها نشاطاً وعملاً سريانياً نفتخر به، فالنشاطات التي كان تقوم بها الكنيسة هناك مثل المهرجانات السنوية للأغنية السريانية والفنون، ومهرجانات اللغة السريانية والشعر والمسرح، الخ، والتي كنا نسمع عنها بكل فخر واعتزاز، كانت مفخرة للسريان في العالم أجمع. كما ان مشروع الدير الضخم الذي أنشأه المطران في ابرشيته (رغم اننا لم نشاهده) ورغم عدم النجاح في تحقيق الهدف منه، فانه يكشف حجم النشاطات والعمل الهام في ابرشية الجزيرة السورية بالقياس مع الابرشيات الاخرى.  

واليوم، أن يتحول هذا المطران في نهاية حياته الى شريد وطريد وموقوف، فهذا شيء معيب ومسيء للكنيسة جداً بغض النظر عن كل الأسباب التي هي لصالحه أو ضده.

 وقد علمتُ من مصادر موثوقة جداً ان هناك اجتماعات جارية منها عقدت ومنها ستعقد في بعض المدن في السويد وفي بعض الدول الأوروبية الأخرى لدراسة موضوع المطارنة الستة، خاصة ان عدد المستائين من الوضع الكنسي الراهن والمتعاطفين معهم قد ازداد كثيرا بعد أن أصدرت البطريركية "بيان الاعتذار" غير الواقعي، الذي يهددهم بالعقوبة "بتوقيفهم عن الخدمة" إن لم يوقعوا عليه. وعلمنا بان هذه التجمعات تضم مثقفين ومسالمين ينشدون المصالحة والحلول السلمية، ولكنها تضم ايضاً متحمسين يسعون للحرب بهدف الانفصال الكنسي، ويحاولون تشجيع بعض الاكليروس على الاستقلال ومطالبين انصارهم بقطع علاقتهم مع البطريركية. وقد سمعنا ان طبول حربهم بدأت تقرع وخيولهم تصهل معلنة الحرب، فصمَّت آذاننا من دوي طبولها ونفير ابواقها الداعية الى الانقسام.

يبدو ان شهر نيسان لن يمر بخير على السريان. فبينما كان شعراء السريان قديماً يتغنون ببهجة الربيع بقدوم نيسان كقول ابن العبري:

ܗܐ ܡܛܐ   ܢܝܣܢ  ܘܠܥܝܝ̈ܩܐ    ܒܝܐ ܢܦܫ

ܘܒܗ̈ܒܒܐ  ܠܛܘܪܐ ܘܕܒܪܐ   ܫܘܒܚܐ ܐܠܒܫ

الترجمة: "ها قد حل نيسان جالبا الفرج والمؤاساة للمكروبين، فألبس الجبال والبراري بحلة وردية قشيبة". إلا ان الشاعر الأمريكي البريطاني "ت.س. إليوت" تهجم على نيسان في احدى قصائده العالمية الشهيرة واتهمه بانه أقسى شهور السنة لأنه يقض مضاجع هدوء الطبيعة والأرض الراكدة، فيحرك كل حياة كامنة فيها لتنهض من رقادها الشتوي وتخرج منها الى الحياة. لكن يبدو ان شهر نيسان الذي نحن فيه الآن سيكون أكثر شهور السنة ضرراً للكنيسة ووحدتها إن لم تتدخل العناية الربانية، وسيجلب الحزن بدل الفرح والفرج لجميع السريان. لأنه في نهاية نيسان تنتهي فترة التهديد النظري التي منحتها البطريركية للمطارنة الأربعة لتبدأ معاقبتهم ودخولها في حيز التنفيذ. فإما القبول والتوقيع على "وثيقة اعتذار" تخول البطريرك ان يعاقبهم حتى بتجريد ابرشياتهم منهم، وإلا فعقوبة التوقيف عن الخدمة تنتظرهم عند الباب. وحسب المعلومات المتداولة ان المطارنة لن يوقعوا على الوثيقة بصيغتها الحالية. والانقسام قد يحصل في الحالتين، أي إما على يد البطريرك حينما يجبرهم على توقيع وثيقة الاعتذار، أو على يد المطارنة الستة لأنهم لن يقبلوا بالتوقيع وسيعلنوا انفصالهم ومن معهم. ففي الحالتين هناك انقسام والخاسر هي الكنيسة وأنت وأنا.

لذلك نوجه نداء محبة إلى جميع المتورطين في هذا الموضوع، والى جميع السريان بان لا ينصتوا الى أصوات النشاز التي تقرع طبول الحرب وتنفخ في ابواق النفير، بل مطلوب من جميعنا ان نتصرف بحكمة لدعم المسامحة والمصالحة بين الاكليروس المتخاصم حفاظا على وحدة الكنيسة التي هي هدف الجميع. ونحن على استعداد ان نساهم في المصالحة بين الاكليروس ان لزم الامر. وهنا أقول لأحد المتحمسين الذي اقترح "إقامة محاكم سريانية مدنية لمحاكمة الاكليروس والسنودس وإصدار الاحكام المناسبة بحقهم، لخلق سابقة قانونية تسجل في التاريخ المعاصر لهذه الكنيسة" المهترئة والتي نخرتها الامراض من كل جانب، أقول له بان هذه الفكرة جيدة طالما ان السنودس لا يستطيع حل مشاكل الاكليروس التي بدأت توجع رأس السريان. ان العدو يتربص بالكنيسة وابنائها لتدمير ما تبقى منها، واكليروسها للأسف غارق حتى اذنيه في سبات مشاكله وخلافاته المعيبة، فمحاكم مدنية عادلة ستحل الموضوع حتماً. لذلك تتطلب هذه المرحلة الكثير من الحكمة والتسامح والتواضع ونكران الشخصية ورغباتها في هذا الصوم الاربعيني الذي هو موسم المسامحة والغفران وتجدد الحياة المسيحية الحقيقية. وهنا يطيب لنا ان نستشهد بالصلاة "المنسوبة" لقديسنا وشاعرنا الأكبر مار افرام السرياني راجين من الاكليروس ان يصليها ويطبقها في حياته، يقول مار افرام في صلاته: "يا ربي ومالك حياتي: أعتقني مِنْ روح البَطالة والكسل واليأس، وحررني من حُبّ السلطة والكلام الباطل، وأَنْعمْ عليَّ أَنا عَبدُك الخاطِئ روح العفَّة والتواضع والصّبر والمحبَّة. نعمْ يا سيدي وإلهي اعطيني المقدرة أَنْ أَعْرِفَ ذنوبي وأرى عيوبي، وأن لاّ أدينَ إخْوتي، فإنَّك مباركٌ إلى دهر الداهرين، آمين.".

 وأخيراً أشكر لجنة التقصي عن اخبار المطران المخطوف "يوحنا ابراهام" بخصوص رسالتها لنا والتي تصرح فيها "بان مطران حلب لا زال على قيد الحياة وصحته جيدة، وهو اسير لدى احدى المجموعات المسلحة "المعروفة" في سوريا، وهناك امل كبير بإطلاق سراحه ان شاء الله". وقد جاءت هذه الرسالة للتوضيح بخصوص ما ذكرناه عن المطران يوحنا في نهاية الجزء الرابع من هذا المقال.

فاذا كان هذا الخبر صحيحا كما تصرح لجنة التقصي عن المطران، فهذه لا شك أعظم بشرى سارة لنا ولكل أصدقاء ومحبي المطران يوحنا ابراهام، لا بل لكل السريان، وكلنا ننتظر رجوعه الى أحضان السريان.

كما أشكر الاقتراح الذي قدمه أحدهم بان نترجم هذه المقالات الى الإنكليزية وغيرها لإفادة من لا يقرأ العربية، فربما نقوم بذلك ان وجدنا فسحة من الوقت لهذا الشأن.

من يرغب قراءة الأجزاء السابقة من هذا المقال عليه فتح هذا الرابط

Syriac_Orthodox_Church/5.

يتبع قريباً الجزء السابع 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها