ما
هي هوية مسيحي الشرق؟
20120213
يقال أنه في نهاية القرن التاسع عشر كانت منتشرة في إيطاليا أكثر
من عشرين لهجة أو لغة إيطالية محلية و لكن مع إنتشار الخدمة العسكرية و
خاصة إختراع الراديو و بث البرامج باللغة الإيطالية الحالية
أسرع في إختفاء تلك اللهجات المحلية
.
مسيحيو الشرق ينتمون جميعا الى الشعب السرياني الآرامي ولكن
قسم كبير منهم يدعي بهوية عربية متحججين بذرائع واهية مثل وجود
قبائل عربية مسيحية قبل الإسلام
!
من المؤسف أن كثيرين من مسيحي الشرق لا يهتمون في معرفة
جذورهم التاريخية و أهميتها و هم يخلطون دائما إنتائهم الوطني أي
الإنتماء الى دولة معينة و الإنتماء التاريخي ( القومي
).
أولا
- الإنتشار الآرامي
أ-
يؤكد بعض المتعصبين العرب أن الشعوب القديمة من أكاديين و عموريين و كنعانيين و عبرانيين و آراميين ما هي إلا شعوب عربية خرجت من شبه الجزيرة العربية .
هذه نظرية خاطئة يريدون بها الإدعاء أن فلسطين و إسرائيل و لبنان و سوريا و العراق كانت عربية قبل الإسلام .
البرهان القاطع الذي يفضح هذه النظرية هو الجمل العربي لأن أول ذكر له في
التاريخ كان في مدونات ملوك أشور حول معركة قرقر ٨٥٣ ق٠م و هذا يؤكد أن
الشعوب الشرقية ( السامية ) القديمة لم تستخدم الجمال و لم تخرج من الصحراء
العربية و لكن من الباديا السورية!
القبائل
السوتية و الأحلامو و الآراميين تنتمي الى شعب بدوي واحد سكن مئات السنين في الشرق و قد إستفاد من هجوم شعوب البحر في حوالي ١٢٠٠ق٠م التي قضت على الإمبراطورية الحثية و أبعدت النفوذ المصري من جنوب سوريا .
صحيح أن الآراميين لم يؤسسوا إمبراطورية واسعة و لكن ممالك عديدة منتشرة في بلاد آرام (سوريا) و بيت نهرين (الجزيرة) و بلاد أكاد(جنوب و وسط العراق).
ب - من المدهش أن العلماء اليهود - بعكس
المفكرين العرب
-
ينشرون أباحثا أكاديمية حول تاريخ الآراميين القدامى فالباحث
بنيامين
مذار منذ حوالي ٥٠ سنة يكشف صفحات عن الآراميين و يطلق عليهم صفة الإمبراطورية لأهمية تاريخهم
The Aramean Empire and Its Relations with Israel, by Benjamin Mazar
http://www.jstor.org/pss/3210938
و
يلخص الباحث" ملامات" تاريخ الآراميين في صفحات قليلة و لكنها تلقي الأضواء على بعض النقاط الغامضة من تاريخ الآراميين
THE ARAMAEANS by A.Malamat
History/THE_ARAMAEANS
أما العالم" حاييم تدمر " فإنه أكد أن عدد الآراميين قد فاق الأشوريين في بلاد أشور نفسها ! و ذلك في مقاله الشهير
THE ARAMAIZATION OF ASSYRIA: ASPECTS OF WESTERN IMPACT HAYIM TADMO
English/History/Hayim-Tadmor.pdf
لا شك أن العلماء اليهود إهتموا بدراسة تاريخ الآراميين القديم بسبب القربى بين الشعب اليهودي و الشعب الآرامي القديم و بسبب الحروب العديدة بين الشعبين!
ج - أسفار التوراة تتكلم كثيرا عن الآراميين
و قبل فك رموز الكتابات المسمارية كانت أسفار التوراة تقريبا المصدر الوحيد حول تاريخ الآراميين القديم .
و هنالك معلومات عن ممالك آرامية لا نعرف أخبارها إلا من خلال التوراة :
مملكة آرام صوبا , آرام معكا , آرام رحوب و آرام جشور التي كانت عاصمتها بيت صيدا
.
http://www.jewishmag.com/69mag/bethsaida/bethsaida.htm
ثانيا - من هم السريان ؟
أ - التسمية السريانية
:
إهتم العلماء منذ القرن التاسع عشر لمعرفة أصل التسمية السريانية و قد إنتشرت عدة آراء في القرن العشرين حول هذا الموضوع .
إختلاف العلماء حول أصل التسمية السريانية لا يعني أنهم مختلفين حول هوية الشعب السرياني إذ أن هنالك إجماع حول إنحدار السريان من الشعب الآرامي .
بعض العلماء يعتقد أن التسمية السريانية هي تسمية مصرية قديمة بينما أغلبية من العلماء تؤكد أن التسمية السريانية مشتقة من التسمية " الأشورية " القديمة و كان العالم الفرنسي إرنست رينان قد نشر هذه الفكرة في كتابه تاريخ اللغات السامية و هي أن اليونانيين قد أخذوا إسم
Syria
من
Assyria
و لكن رينان يؤكد أن التسمية السريانية قد أطلقت على الآراميين الذين قبلوا الديانة المسيحية
.
ب - سلوقس " ملك سوريا
"
ب -
سلوقس " ملك سوريا
"
هنالك
مصادر فارسية عديدة تثبت أن الفرس قد أطلقوا تسمية
أسورستان الإدارية على كل الشرق الذي كان خاضعا لهم و إن اليونانيين
قد
أخذوا التسمية
Assyria
من
الفرس
و ليس من الشعب الأشوري.
و لكن
بين ٥٣٨ و ٣٠٠ ق. م كان اليونانيون يستخدمون تارة سوريا
Syria
و طورا
Assyria و
لكن بعد مجيئ الإسكندر الى الشرق
و خاصة
بعد إقتسام إمبراطوريته بين قواده نرى أن سلوقس سنة٣٠٤ يعلن نفسه ملك
سوريا.
و بلاد
سوريا سوف تصبح منطقة جغرافية
واضحة
المعالم فهي غرب الفرات أي في المناطق الآرامية .
و قد
نقل
لنا الجغرافي اليوناني
سترابون
(القرن الميلادي الأول قبل المسيح) :
"يقول
لنا أيضاً بوسيدونيس إن هؤلاء الذين أطلق عليهم اليونان إسم السريان"
Syrian "فإنهم
يطلقون على أنفسهم إسم الآراميين".
ج - الترجمة السبعينية و التسمية السريانية
طلب بطليموس ملك مصر من اليهود أن يترجموا التوراة من اللغة العبرية الى اللغة اليونانية في بداية القرن الثالث ق٠م .
هذه الترجمة المشهورة ستعرف بالترجمة السبعينية و الجدير بذكره أن اليهود قد ترجموا التسمية الآرامية في النص العبري الى سرياني
Syrian
في
اللغة اليونانية و هكذا بلاد آرام تترجم الى بلاد سوريا و الشعب الآرامي الى الشعب السرياني
!
ثالثا - التسمية السريانية هي مرادفة للتسمية الآرامية
.
أ - المصادر السريانية
هنالك عشرات النصوص في المصادر السريانية تبرهن لنا أن السريان كانوا يؤمنون أنهم آراميين فمار أفرام السرياني (توفي ٣٧٣) كان يسمي السريان بالآراميين و لغتهم باللغة الآرامية !
كما أن الشاعر يعقوب السروجي في تقريظه لمار افرام
:
"
ܗܢܐ
ܕ
ܗܘܐ
ܟـܠܺܝܠܳܐ
ܠܟܠܗ
ܐًܪܡًܝܘܬܐ
ܗܳܢܳܐ
ܕ
ܗܘܳܐ
ܪܗܝܛܪܐ
ܪܰܒܳܐ
ܒܝܬ
ܣܘܪ̈ܝܝܐ
"
و ترجمتها
"
هذا ألذي صار إكليلا للأمة ألأرامية جمعاء هذا ألذي صار خطيبا كبيرا بين
ألسريان ."
هذا النص يثبت لنا أن الأمة الآرامية هي مرادفة للأمة السريانية
.
هنالك نصوص سريانية أوضح مثلا في كتابات مار يعقوب الرهاوي
(
توفي ٧٠٨ )
"
ܘ
ܐܦ
ܠܘܬܢ
ܐܪ̈ܳܡܳܝܶܐ
...
ܗܳܟܰܢܳܐ
ܐܶܬܩܪܝܺܬ
ܡܶܢ
ܥܰܬܝܩܳܐ
ܒܢܰܝ
ܐܪܡ
"
ألترجمة:
وأيضا عندنا ( نحن ) الأراميون... وهكذا سميت من قبل ألقدامى من
أبناء أرام .
كما ورد في أحد ميامره
"
ܗܘ
ܗܟܘܬ
ܐܳܦ
ܚܢܰܢ
ܐܪܡܝܐ
ܐܘ
ܟܺܝܬ
ܣܘܪ̈ܝܝܐ
"
و هكذا عندنا نحن ألأراميين أو ألسريان
.
ب - المؤرخ يوسيفوس اليهودي و نصوص سفيرة
الآرامية
.
لقد إستخدم السريان التسميتين السريانية و الآرامية مترادفتين و هنالك نص مشهور للعالم إبن العبري يقول فيه " لم يرد الأراميون
(السريان) أن يختلطوا مع الآراميين الوثنيين
" .
هنالك برهان قاطع يثبت ترادف الإسمين السرياني و الآرامي
:
*
تحولت سوريا الى ولاية رومانية في القرن الأول ق٠م و قد قسمت إداريا الى عدة مناطق :
سوريا الأولى , سوريا الثانية , فينيقيا الساحلية و فينيقيا الداخلية و عاصمتها دمشق و منطقة وسط الفرات
...
*
و قد ورد تعبير " سوريا كولن " في كثير من النصوص اليونانية مثلا في تاريخ اليهود لفلافيوس جوزيف اليهودي نرى هذه التعابير
:
"
كان لآرام أربعة أولاد أحدهم عوض وهو البكر ... بنى مدينة دمشق الواقعة بين
فلسطين وسوريا الملقبة بكولن " .
وفي مكان أخر يستعمل تسمية سوريا السفلى
وسوريا العليا
".
*
لقد حاول العلماء في القرن التاسع عشر معرفة ما معنى " كولن" في اللغة
اليونانية و لكنهم وجدوا أنها لفظة غير يونانية و لم يعرفوا معناها!
*
في بداية القرن العشرين إكتشفت في ضيعة سفيرة قرب حلب ثلال نصب باللغة الآرامية هي كناية عن معاهدة و قد ورد فيها تعبير " كل آرام " و " آرام العليا " و " آرام السفلى " .
و قد ترجمت تلك النصوص الى اللغات الفرنسية و الإنكليزية و كثرت الدراسات حولها
.
*
أحد المؤرخين اليهود في الثلاثينات من القرن العشرين يؤكد أن تسمية " كولن" اليونانية هي " كل " الآرامية التي وردت في نصوص سفيرة و يؤكد العالم بنيامين ماذار أن سوريا كولن هي " كل آرام
".
و هذا يؤكد أن تسمية سوريا الجغرافية هي مرادفة لبلاد آرام القديمة
!
رابعا - هل يوجد مسيحيون مشارقة ينتمون الى العرب ؟
أ
- ظل السريان الآراميون يشكلون أكثرية السكان في الشرق بعد الإحتلال العربي الإسلامي و لكنهم بعد طرد الفرنج من الشرق سيتعرضون إلى
هجومات ضارية مما ستؤدي تقليص نسبتهم رويدا رويدا .
و كان السريان الآراميون منقسمين منذ القرنين الخامس و السادس الى ثلاث
كنائس متناحرة
:
*الكنيسة
السريانية الشرقية النسطورية (الكلدانية و الأشورية اليوم)
*الكنيسة
السريانية الملكية (كنيسة الروم اليوم
)
*لكنيسة
السريانية اليعقوبية (السريانية الأرثودكسية اليوم
) رغم هذه الإنقسامات المذهبية فإن جميع أبناء تلك الكنائس كانوا
يؤمنون
أنهم سريان آراميين
!
ب - الإحتلال العثماني و نظام الملة
.
ترك العثمانيون خلال حكمهم الطويل في الشرق ١٥١٦ - ١٩١٨م المسيحيين يديرون شؤونهم الخاصة ثم مع إنتشار الكثلكة و خاصة الفكر القومي سوف يوسع الخلافات بين جميع الكنائس المسيحية في الشرق.
و كان السريان الملكيون قد تخلوا عن لغتهم الأم السريانية في القرنين العاشر و الحادي عشر و صاروا في نهاية القرن التاسع عشر يدعون بأنهم أحفاد القبائل العربية المسيحية التي كانت منتشرة في شبه الجزيرة العربية قبل مجيئ الإسلام
.
ج - سريان مستعربون و ليس عرب مسيحيون
!
كل المسيحيين في الشرق يتحدرون من السريان الآراميين و لكن أكثرية ساحقة منهم إستعربت و تخلت عن لغتها السريانية الأم و صارت تؤمن - لأنها تتكلم اللغة العربية - بأنها تنتمي الى الشعب العربي
.
من المؤسف لنا أن هؤلاء المسيحيين يدافعون عن الفكر العروبي عن خوف أو من أجل مصالح سياسية
!
لا يوجد مسيحيون عرب يتحدرون من القبائل العربية المسيحية لأن من يتابع تاريخ تلك القبائل العربية المسيحية يجد أنها دخلت الإسلام من أجل الإستفادة من مغانم الحروب!
الخاتمة
تنتشر بين السريان خاصة في بلدان الإغتراب مؤسسات ثقافية و أحزاب سياسية تدعو الى عودة المسيحيين الى جذورهم الآرامية
الحقيقية معتمدين على مصادر السريان الغنية
.
العودة الى الجذور الآرامية يلاقي بعض المقاومة من قبل المسيحيين المستعربين المستفيدين من العيش ضمن الأكثرية العربية .
بعض السياسين السريان الموارنة يتخلون عن الهوية السريانية الآرامية و
يدعون بالعروبة لتأمين مصالحهم السياسية
.
عودة المسيحيين المشارقة الى جذورهم الآرامية الحقيقية تعني أنهم سكان الشرق الأصيلين و أن تاريخهم يعود الى أكثر من ٣٠٠٠ سنة
!
|