الكتاب الأول
التعددية وليدة التاريخ
إن الواقع التعددي الحضاري، للمجموعه البشرية التي تؤلف المواطنية
اللبنانية، معقد و بسيط في آن واحد.
الواقع التعددي معقد، لأن العناصر التي تدخل في تركيبته متعددة و متشعبة.
و الواقع التعددي بسيط لأنه ينطلق من أسس واضحة، يمكن تجريدها من الشوائب
الثانوية التي تتفاعل معها و حولها. فاذا راقبنا موضوعيا التحولات
الأساسية، التي جرت ولا تزال داخل البيئة اللبنانية، رأينا أن المحرك الأول
لهذه التحولات هو تواجد كتلتين أساسيتين على أرض مشتركة اسمها اليوم
الجمهورية اللبنانية.
الكتلتان الأساسيتان، هما المسيحية والإسلامية، و بتعبير أصح المسيحيون و
المسلمون. بالطبع، لا يمكن التكلم عن أية تعددية إن لم يكن هنالك على الأقل
مجموعتان أساسيتان.
و اذا اكملنا المراقبة الموضوعية، نرى أن المحرك هذا، أي تواجد الكتلتين
على أرض معينة، يتفاعل منذ مئات السنين بشكل واحد و وفقا لمنهجية واحدة. كل
كتلة تريد الحياة و تحاول العيش حسب تصورها المميز.
من هنا، و لكي نستطيع ادراك حقيقة هذا الواقع علينا أن نستعرض تاريخه،
لنكون مخلصين مع سيرتنا العلمية في البحث الجدي. المحرك لا يعمل من دون
المسيحية والإسلام و مراقبة عمل المحرك من خلال التاريخ لا يكون إلا
انطلاقا من تاريخ المسيحية والأسلام.
ولكن ما يهمنا نحن هنا، هو تاريخ الإلتقاء بين المجموعتين، في منطقتنا و
على بقعتنا بالذات. و ليس تاريخ كل مجموعة على حدة في جميع تطوراتها.
اذا افترضنا أن انتشار المسيحية في الشرق تم منذ سنة 64 بعد المسيح،
فاستيطان الدين المسيحي في العالم القديم و منه منطقتنا تم نهائيا في القرن
الثالث، عندما اعتبرت المسيحية دين الدولة الوحيد من قبل الأباطرة الرومان.
استمرت المسيحية في العالم المتوسطي و انتشرت في أوربا طيلة قرون. جاء
الإسلام في القرن السابع من الجزيرة العربية و التقى بالمسيحية في الشرق
فور خروجه من الجزيرة.
فيتحدد تاريخ الالتقاء إذاً، في المنطقة منذ ثلاثة عشر قرنا، عند الفتح
العربي للشرق الأوسط و يمكن اعتبار ولادة التعددية الحضارية نتيجة لهذا
الإلتقاء..
يتبع