عرب
لبنان
عن كتاب
التعددية في لبنان
الدكتور وليد
فارس 1979/01/12
ص 104- 107
لا نستطيع ان نتابع تطور الوطن المسيحي دون ان نرى ما حصل في المناطق التي
اجلوا عنها ككسروان و بيروت و البقاع و عكار و الشوف و جزين و وادي التيم.
بدأ العباسيون
بحملة استطانية استقدموا خلالها قبائل عربية اسلامية على مراحل
و اقتطعوا لها اجزاء من الارضي اللبنانية. فكلما تراجع
المردة عن بقعة من جراء الضغط العسكري العربي، استقدمت السلطات العربية قبائل
اسلامية و اسكنتها على هذه الأراضي، حيث ان اجزاء كبيرة من لبنان التاريخي
خرجت من دائرة الحضارة المسيحية الشرقية و دخلت دائرة العروبة. فسكانها
تحولوا من سريان آراميين مسيحيين الى عرب مسلمين. و نستطيع الكلام في
هذه المرحلة التارخية عن وجود لبنان عربي من خلال تواجد سكان عرب على اراض
لبنانية. فجميع الاراضي اللبنانية التي استوطنت فيها القبائل الأسلامية أصبحت
اراضي عربية.
اما الاراضي
الباقية فلم تزل لبنانية سريانية مسيحية. و أفرز التاريخ واقعا بارزا في
المنطقة لا يزال يشغلها و يشغل العالم حتى اليوم: وجود لبنانين في الشرق،
لبنان مسيحي سرياني آرامي ناتج عن تجمع مسيحيي المنطقة في حقبة من التاريخ، و
منتمية الى حضارة مسيحية واحدة، و لبنان عربي اسلامي ناتج عن قدوم قبائل
عربية توافدت عليه و سكنت على أرضه على عدة مراحل، و مرتبط عضويا بالامة
العربية و منتمية الى الحضارة العربية الاسلامية.
و اللبنانيون هؤلاء لا يستطيع ان يميزهم الا الذي تابع تاريخ كل فئة منها.
فتاريخ لبنان المسيحي الشرقي مرتبط بتاريخ المنطقة المسيحية الآرامية السابق
للفتح العربي، و تمتد جذوره الى ألاف السنين من حضارة الشعوب القديمة، و
نستطع القول هنا، أن "أصوله التاريخية" تبدأ مع الفينيقيين.
اما التاريخ العربي، فيرتبط بالتحرك العربي الذي جاء من الجزيرة العربية، فلا
نستطيع القول أن اجداد لبنان السرياني هم العرب، ( اذ انه بالواقع قد حاربهم،
وشكلوا بالنسبة له العدو الاول و الاخطر) و لا نستطيع القول ايضاً أن أصل
لبنان العربي هو مردة ـ سرياني ـ فينيقي.
فالاراضي التي تكوّن ما يسمى بلبنان، اراض شهدت تاريخين مختلفين تماما،
بالشكل و المضمون. والتاريخان هذان ولّدا نظرتين مختلفين للشعبين اللذين
سكناها. لذا ليس من المكن ايجاد تاريخ واحد لكلتي المجموعتين. من هنا يمكننا
ان نفهم فشل " التاريخ الرسمي" الذي يُدرس في المؤسسات الرسمية في الدولة
اللبنانية. فالتاريخ الواحد لا يمكنه استيعاب تصورات شعبين... كيف يمكنه
الانتقال من تاريخ المردة الذين حاربوا الخلافة العربية، الى تاريخ عروبة
لبنان الرافضة للمردة؟....
و لعل عدم تجاوب "التاريخ الرسمي" في لبنان مع تطلعات و مشاعر الفريقين، قد
خلق ضياعا قوميا عندهما و خاصة عند المسيحيين مما ادى الى تكوين عنصر هام في
تفجير القضية اللبنانية، و هي قضية هوية لبنان التي سنبحثها فيما بعد.
اذا منذ 1305، بدأ حكم جديد في لبنان، على إثر اندحار الوطن المسيحي فيه.
فسيطر العسافيون و هم امراء عينهم العرب ليحكموا لبنان، على جميع المناطق
اللبنانية الواقعة من جنوب كسروان حتى الشمال. و لم يكن العسافيون وحدهم
يشكلون اقطاعية لبنان. بل بسطت القبائل العربية اقطاعيتها في الشمال مع آل
سيفا و البقاع مع الفريخ و الشوف مع معن و الجنوب مع الشهابيين و بيروت
والغرب (اي عاليه و بعبدا و شويفات) مع امراء ارسلان و حلفاءهم. و في هذه
الفترة التي امتدت منذ انتهاء الاستقلال المسيحي في لبنان سنة 1305 حتى حوالي
سنة 1623، تلخصت التحركات على الساحة اللبنانية بتطاحن القبائل و الاقطاعيات
الاسلامية (الدرزية بنوع خاص) في حرب قبلية نقلت رحاها من عصبية الجزيرة
العربية الى سهول و جبال لبنان.
و بينما رزح المسيحيون و الموارنة خاصة تحت حكم الاقطاعيات العربية، و شل
استقلالهم، و جزأت مناطقهم الى امارات و مناطق يرأسها شيوخ و امراء عرب و
تركمان واكراد، تولت العائلات الاقطاعية العربية شؤون ادارة البلاد و اختفى
لبنان السرياني من الوجود السياسي القومي، و حلّ محله لبنانا آخر هو لبنان
العربي و قد تنازعه السنة و الشيعة و الدروز، و تمكن الآخرون من الانفراد في
القيادة. و يمكن درس حقيقة الامارة العربية من خلال ثلاثة مراحل، مرحلة
التوحيد، مرحلة المعنيين، مرحلة الشهابيين.
المرحلة الاولى، انتهت بانتصار الامير فخر الدين على العائلات الاقطاعية
الاخرى، و كان ذلك نتيجة لسببين:
1-
مساهمة العثمانيين الغير مباشرة باضعاف اخصامه، ذلك لأن موقف فخر الدين كان
قريبا منهم.
2-
مساهمة مسيحيي لبنان بقوتهم القتالية في معارك المعنيين ضد اعدائهم و ذلك لا
سباب سنراها فيما بعد.
اذاً بدأ عهد الامارة مع توحيدها و اعتلائها من قبل فخر الدين في نهاية الربع
الاول من القرن السابع عشر.