مقدسات اشورية ام مواقف سياسية متحجرة؟
قبل الكتابة عن تلك المقدسات الاشورية ، احب ان نذكر القراء ، ان الفكر
القومي الاشوري كان يشكل ثورة فكرية بين السورايى بعد نهاية الحرب العالمية
الاؤلى .
اولا تطور المفهوم القومي في اوروبا و في شرقنا
A
ـ لا شك ان القراء يعرفون ان المفهوم القومي قد انتشر في اوروبا بعد
الثورة الفرنسية 1789 م.
و قد نشره نابليون بونابرت في المناطق التي خضعت
له بين 1800 و 1814م.
كما ان الثورة الصناعية في اوروبا سوف تغير
مجتمعاتها و سوف تنتقل السلطة من الملوك الى الشعوب، و تحول الولاء الملكي
القديم الى ولاء للامة . في اواخر القرن التاسع عشر ، و خاصة بعد الحرب
البروسية الفرنسية 1870 م حيث استطاع بسمارك ان يوحد الدويلات الالمانية و
قضى على امبراطورية نابليون الثالث و اجبره على التخلي عن الحكم في فرنسا .
و قد انتزع منطقتي الالزاس و اللورين من فرنسا معتبرا ان سكانها من الالمان
لانهم يتكلمون اللغة الالمانية.
نشب صراع فكري بين المفهوم الالماني للامة
و المفهوم الفرنسي .
المفهوم الالماني بسيط يعتمد على الجذور الالمانية
للفرد، و لا يوجد اختيار او ارادة للفرد ، اي ان الطبيعة هي التي تحدد هوية
كل انسان. المفهوم الفرنسي يختلف كثيرا، كل فرد يولد في الاراضي لفرنسية
يحق له المطالبة بالهوية الفرنسية حتى وان كان اصله من افريقيا او الصين.
ان الرغبة و الارادة تلعب دورا كبيرا فمن حق الاسباني و الايطالي المطالبة
بالهوية الفرنسية اذا كانوا يعيشون في مناطق فرنسية . بالفعل نابليون
بونابرت ولد بعد ثلاث سنوات من ضم جزيرة كورسيكا الى فرنسا، و بالكاد كان
يجيد اللغة الفرنسية التي كان يتكلمها بلهجة كورسيكية كانت محطة سخرية من
زملائه في المدرسة الحربية.
لم ينتشر مفهوم الامة الجديد في شرقنا الغارق تحت سلطة العثمانيين.
لقد
استقلت اليونان في اواسط القرن ال19 عشر و في اواخره بقية دول البلقان
بينما ظل المسلمون العرب تحت حكم العثمانيين حتى بعد وصول حزب الاتحاد و
الترقي الذي حاول فرض سياسة تتريك المجتمعات العثمانية من عرب، اكراد،
ارمن، يونان، سريان و غيرهم. لقد عرف اخوتنا الارمن المفهوم الحديث للشعور
القومي في اواخر القرن الـ 19 عشر، وذلك يعود الى تطور المجتمع الارمني،
وجود جاليات خارج السلطنة العثمانية تشربت المفهوم الجديد للانتماء القومي،
انتشار جرائد ارمنية تهتم بمصير الشعب الارمني في بلاده التاريخية، نشوء
احزاب ارمنية جديدة تناضل من اجل حكم ذاتي لان الشعب الارمني يريد ان يحافظ
على تراثه.
المشكلة ان الدول الاوربية كانت تتنافس من اجل الاستيلاء على
تركة اي المناطق التي كانت خاضعة للسلطنة العثمانية او الرجل المريض
كما كان يسمونها!
من المؤسف ان السلطنة العثمانية الظالمة قد عمدت الى
سياسة الانتقام من المسيحيين الذين يعيشون تحت حمايتها، و كانت تسلح بعض
المسلمين لضرب المسحيين الامنين كما جرى لشعب السورايى في حكاري و في جبل
لبنان بين 1840 ـ 1860 م.
بلغ عدد الضحايا في جبل لبنان حوالي 60 الف
مسيحي، سفكت دمائهم بسبب سياسة العثمانيين الظالمة. من المعلوم ان فرنسا
تدخلت و ارسلت فرقة صغيرة لحماية المسيحيين و لكن من يعوض عن ال 60 الف
قتيل؟
هل تعلمون لولا تلك المذابح المشؤمة لكان ازداد عدد المسيحيين في
لبنان بابناء و احفاد هؤلاء الضحايا اي حوالي اكثر من مليوني نسمة !
ناهيك
عن الذين تركوا البلاد و ذابوا في المجتمعات الغربية.
من اهم الاسباب التي دفعت الاتراك بالاشتراك في الحرب مع الالمان طبعا طموح
الاتراك باسترداد مصر من الانكليز. ولكن السبب غير المعلن هو انهاء القضية
الارمنية و ذالك بالتصفيات الجماعية سنة 1915م.
و فيما بعد وصل السيف الى
اجدادنا السورايى الابرار. السؤال الذي يطرح، هل كان اجدادنا يطالبون بحكم
ذاتي مثل
الارمن؟
الجواب كلا لان السورايى كانوا موزعين على عدة مناطق متباعدة و لان
كل فرد من السورايى ينتمي الى كنيسته او طائفته اي نظام الملة حيث تحول
كل بطريرك الى مسؤول عن رعيته في النظام العثماني. لقد حافظ اجدادنا
حتى اواخر القرن الـ 19 عشر م.
على انتمائهم السرياني رغم انقساماتهم
الدينية من القرن الخامس الميلادي، ولكن المفهوم الحديث للشعور القومي لم
ينتشر بين مجتمعاتنا التي ظلت متمسكة بمفهوم الملة العثماني كل كنيسة ملة
اي شعب سوف نرى ان نظام الملي سوف يزيد بين التباعد الفكري بين الاوساط
السريانية كما ان الخلافات العقائدية ظلت حاجزا يمنع التقارب بين مجتمعات
السورايى، كذلك وجود مجتمعات مسيحية مستعربة تجهل جذورها السريانية مثل
ابناء كنيسة الروم الذين كانوا يعتقدون انهم من بقايا اليونان خاصة و ان
كبار رجال الدين كانوا يعينون من الكنيسة اليونانية ـ
اي يونانيين بكل معنى
الكلمة ـ ولكن ابناء كنيسة الروم هم السريان الملكيون.
Bـ
الكنيسة السريانية الشرقية او النسطورية في اواخر القرن الـ19 عشر. لقد
عرفت ايضا بكنيسة الفرس وذلك لانها كانت موجودة داخل اراضي الامبراطورية
الفارسية و ليس لوجود مسيحيين من العنصر الفارسي كما يتصور البعض. عندنا
اسماء فارسية عديدة ـ ربما اشهرها افرهاط الفارسي ـ
لعبت دورا في تاريخ
الكنيسة الشرقية . اغلب المؤرخين المختصين في تاريخ الكنيسة يسمونها
الكنيسة السريانية الشرقية، و تبدل الاسم سنة 1976 الى الكنيسة الاشورية.
عاش ابناء هذه الكنيسة في منطقتي حكاري و اورمية محاطين بالاكراد و الازري
في ايران الحالية و في مناطق جبلية وعرة سوف تسمح لهم الحفاظ على لغتهم
السريانية و تراثهم بعكس الكنيسة الكلدانية حيث انتشرت في مناطق تسود فيها
اللغة العربية مما دفع المسيحيين الى تعلم اللغة
العربية بسرعة لانها لغة شرقية او سامية قريبة من لغتنا الام .
انتشرت عدة بعثات انغليكانية و اميركية في اواسط القرن الـ19 عشر و ذلك
لمساعدة ابناء الكنيسة السريانية الشرقية، فبنيت المدارس، و طبعت الكتب،
وانتشرت بضعة مجلات بين السورايى. هذه النهضة سوف تخلق وعيا بين المثقفين،
ولكن الانكليز سوف يخدعون ابناء تلك الكنيسة و سوف يحركونهم الى العراق
لخدمة المصالح الانكليزية. الجدير بالذكر ان ويغرام كان قد كتب في كتابه
THE ASSYRIAN
CHURCH
سنة 1910 انه يسميها الكنيسة الاشورية لان بقية الاسماء من كلدانية، فارسية
، سريانية ،نسطورية كانت مستخدمة و هو يسرع و يكتب
there is no
historical authority for this name
.
لا شك ان التنافس العلمي بين الانكليز و الفرنسيين من اجل فك رموز
الكتابة المسمارية سوف ينشر التسمية الاشورية بين السورايى . يؤكد المؤرخ
FIEY
في بحثه المشهور
ASSYRIENS OU
ARAMEENS
كيف حصلت مشكلة التسمية الاشورية اذ كتب صفحة 149 ان تعبير مسيحيو بلاد
اشور سوف يتحول الى المسيحيين الاشوريين .من المهم الاطلاع على كتاب
David WILMSHURST
،
THE ECCLESIASTICAL 1
ORGANISATION OF
THE CHURCH OF THE EAST
ـــ1813 ـ 1913
IN C.S.C.O VOL 582 2000
فهو يستخدم التسمية السريانية صفحة 4
EAST SYRIAN
اما التسمية الاشورية
فقد كتب عنها ان التسمية الحديثة الاشورية لم تكن معروفة في اغلب
الفترة الزمنية في هذه الدراسة اي بين 1813 و 1913 م.
لقد وجدت في المكتبة الشرقية في بيروت رسالة من بطريرك الكلدان سنة 1895
عنوانها رسالة ... مار كيواركيس عبد يشوع الخامس بطريرك بابل على السريان
المشارقة اي الكلدان الى اخوتنا السريان المعروفين بالنساطرة الموصل
1895.
الفت انتباه القارئ ان هذا الكتاب لا يزال موجودا، وهو باللغة السريانية.
ارجو ان لا يتسرع احد بنكران الكتاب كما تعودنا من الاخوة الذين ينقلون من
الكتب التاريخية بدون اي نقد علمي.
المشكلة هي كيف يتحول السريان المشارقة النساطرة الى اشوريين بعد الحرب
العالمية ؟
|