هل صحيح أن الأشوريين قد إستخدموا اللغة الآرامية كلغة رسمية؟
أهدي هذا البحث المتواضع الى الشاب السرياني
Milad Malke
عند زيارتي الثانية لمدينة القامشلي تعرفت على هذا الشاب الغيور و قد
أهداني لي شخصيا و للدكتور أسعد صوما خريطة تاريخية تبرز أماكن
التواجد الآرامي في بيت نهرين ( الجزيرة السورية اليوم ) و في بلاد آرام (
سوريا القديمة ). إنني سعيد جدا لأنه يتابع الأبحاث العلمية التي تتعلق
في تاريخ شعبنا السرياني الآرامي الجبار
!
أولا - ما هو الفرق بين " طرح تاريخي " و " حقيقية
تاريخية" ؟
المطلع على تطور الدراسات حول تاريخ الشرق القديم يعرف جيدا إن
العلماء و خاصة علماء الآثار في نهاية القرن التاسع عشر قد رددوا
طروحات تاريخية جديدة مبنية على ما إكتشفوه من معلومات في الكتابات
الأكادية التي إستطاعوا فك رموزها في حوالي سنة ١٨٥٧
.
بعض الملاحظات المهمة
:
أ - كان العلماء حتى بداية القرن التاسع عشر يستخدمون أسفار التوراة
و بعض المصادر اليونانية لمعرفة تاريخ الشرق القديم . أسفار التوراة
و المصادر اليونانية هي غير كافية لتعطينا فكرة صحيحة عن تاريخ
الشرق القديم . لقد ورد في أسفار التوراة ذكر الشعب " الحثي " و لكن
العلماء كانوا يجهلون من هو هذا الشعب و أين هي أماكن تواجده!
فك رموز الكتابة الهيروغليفية و خاصة المسمارية قد سمح للعلماء أن
يتعرفوا أكثر على تاريخ و أهمية الدور الذي لعبه الشعب الحثي
!
ب - ما هي لغة الأشوريين ؟
إن المصادر اليونانية قد ذكرت مرارا الشعب الأشوري و عندما فك
العلماء رموز الكتابة المسمارية التي إكتشفوها أسرعوا في تسميتها
"
باللغة الأشورية " و سكن سرعان ما إكتشفوا بأن هنالك كتابات
مسمارية مختلفة تتحدث عن " لغة
سومرية " و أن الكتابات التي وجودها
في بلاد أشور تؤكد أن إسم اللغة ( الشرقية ) هو اللغة الأكادية و ليس
"
اللغة الأشورية " كما هم إدعوا
!
ج - إن جميع العلماء المتخصصين في تاريخ اللغات الشرقية أو في
تاريخ الشرق القديم يؤكدون أن الشعب الأشوري كان يتكلم اللغة الأكادية
و أنه لا يوجد " لغة أشورية و لا لهجة أشورية
!".
د - السريان المشارقة المدعون بهوية أشورية منقرضة هم الوحيدون اليوم
يرددون عن غباء مطلق بأنهم يتكلمون " لغة أشورية " و يضحكون على
أنفسهم و يؤكدون " أن قاموس شيكاغو الشهير يؤكد بوجود لغة أشورية
".
تخلف فكري رهيب لأن قاموس شيكاغو و إن كان إسمه
" Assyrian "
فهو يؤكد في المقدمة بأن الإسم العلمي و التاريخي
هو " اللغة الأكادية".
ه - ربما أفضل برهان يشير لنا مدى الفرق بين " طرح تاريخي " و "حقيقية
تاريخية" هو التسمية البابلية
:
*لقد
أخذ علماء الآثار التسمية البابلية من المصادر اليونانية القديمة
!
*قدامى
اليونانيين قد أخذوا التسمية البابلية من التسمية الإدارية الفارسية
التي أطلقوها على بلاد أكاد القديمة و كاننت أكثرية السكان من الآراميين
و هذا واضح من المصادر السريانية النسطورية
.
*كثير
من العلماء لا يزالون يستخدمون التسمية البابلية اليوم للإشارة
الى سكان بلاد أكاد و هي تسمية خاطئة لأن علماء الآثار لم يجدوا
كتابات أكادية قديمة تتكلم عن " شعب بابلي قديم " و لكن نقلوها من
من المصادر اليونانية القديمة
.
*
الإدعاء بوجود شعب بابلي تاريخي و حقيقي هو طرح تاريخي و ليس
حقيقية تاريخية
!
ثانيا - النقاش العلمي البناء و تفوق أعداد الآراميين
على الأشوريين في
بلاد أشور نفسها
! .
في نهاية سنة ٢٠١٥ ألقيت محاضرة في مدينة نيوجرسي و قد إلتقيت
مع الإخوة السريان الآراميين هناك و قد جرت عدة نقاشات تاريخية بيننا.
عندما ذكر أحد الإخوة أن الأشوريين قد إستخدموا اللغة الآرامية كلغة
رسمية في جميع أنحاء امبراطوريتهم تدخلت في النقاش و عارضت هذه
الفكرة لأنه غير صحيح تاريخيا (علميا)
أن الأشوريين قد إستخدموا
اللغة الآرامية كلغة رسمية بل بالعكس لقد حافظ الأشوريون على إستخدام
اللغة الأكادية كلغة رسمية ( لقد نشرت سابقا رسالة ملك أشوري يوبخ فيها
أحد الموظفين في بلاد أكاد و يطلب منه أن يكتب باللغة الأكادية و ليس الآرامية
لأن اللغة الأكادية هي اللغة المعتمدة ). لقد شرحت لهؤلاء
الإخوة الغيورين بأن الكلدان أنفسهم و بالرغم من أنهم آراميون و أن لغتهم
الأم هي الآرامية فإنهم بدورهم قد حافظوا على اللغة الأكادية كلغة رسمية
و هذا واضح من عشرات الكتابات الرسمية التي تركوها إن كان في بلاد
أكاد أو المناطق التي كانت خاضعة لإمبراطورتيهم
!
لقد
تدخل أحد الأخوة الغيورين و قد أكد بدوره بأنه يوجد عدة مؤرخين
اليوم يؤكدون أن الأشوريين قد إستخدموا اللغة الآرامية كلغة رسمية و حجتهم هي
أن علماء الآثار قد إكتشفوا عدة كتابات أكادية مع كتابة
صغيرة باللغة الآرامية هي أشبه بتلخيص بسيط للكتابة الأكادية
!
و
هنا شرحت للأخوة الحاضرين ملخص ما كتبه العالمان
TADMOR
و
GARELLY
حول عملية إنصهار بقايا الشعب الأشوري ضمن البوتقة
الآرامية و هذا ما يسميه العالم تدمر"ARAMAIZATION
"
في بحثه
THE ARAMAIZATION OF ASSYRIA: ASPECTS OF WESTERN IMPACT.
إن العنصر الآرامي قد تغلب عدديا و حضارايا على الشعب الأشوري
في بلاد أشور نفسها و كان الآراميون يشكلون أكثرية السكان في بيت
نهرين ( الجزيرة السورية) وفي بلاد أكاد ( بلاد الآراميين في مصادر السريان
النساطرة ) و في بلاد آرام ( سوريا التاريخية )...
للأسف لا يزال بعض السريان الغيورين يتوهمون أن على الباحث في
التاريخ أن يردد" ما تعلموه "هم و يتناسون أن الباحث المتخصص قد جمع
و تحقق بمنهجية أكاديمية في كثير من النقاط التي يطرحها
.
ثالثا هل صحيح أن الأشوريين قد إستخدموا اللغة الآرامية كلغة رسمية ؟
هذا الكتاب هو للباحث
M. L. Folmer
عنوانه هو
:
The Aramaic Language in the Achaemenid Period: A Study in Linguistic
Variation
الموضوع واضح جدا و هو محدد زمنيا في أيام الإمبراطورية الفارسية
و الشيئ الرائع هو أن هذا الباحث قد ردد في مقدمته هو اللغة الآرامية
القديمة هذه الفكرة : الأشوريون قد إستخدموا اللغة الآرامية كلغة رسمية
!
بعض الأخطاء التي وردت في هذه المقدمة و أدت الى الإدعاء بأن اللغة
الآرامية كانت اللغة الرسمية في عهد الإمبراطورية الأشورية
:
أ - الباحث فولمر
Folmer
في الصفحة ٣ يردد ما ورد في سفر الملوك
الثاني حيث نرى أن المسؤولين اليهود قد طلبوا من أحد قادة الملك الأشوري
سنحاريب أن يكلمهم باللغة الآرامية و ليس العبرية كي لا يفهم
عامة اليهود المتواجدين على الأسوار...
*
أسفار التوراة لا تعتبر مصدرا أمينا و هذه الرواية هنا لا تعتبر مصدرا
لأن أسفار التوراة قد كتبت بعد حوالي ٢٠٠ سنة من هذه الحادثة
.
*
هذه الرواية تثبت لنا أن قائد الحملة كان آراميا و هذا ليس بغريب
لأن الآراميين كانوا يحتلون مراكز مهمة في الإدارة الأشورية
.
*
هذه الرواية ليست برهانا على أن الإمبراطورية الأشورية قد إستخدمت
اللغة الآرامية كلغة رسمية
.
ب - نقش بر ركيب ملك سمأل
!
هذا النقش أو الكتابة قد وجدت في سمأل أي في البلاد التي إستوطنها
الآراميون و شكلوا فيها أكثرية سكانية منذ بداية الألف الأول ق٠م إلى
القرن الرابع عشر الميلادي
!
بلاد
آرام ( سوريا ) و بيت نهرين ( الجزيرة ) قد إحتلها الأشوريون
و لكنهم لم يستوطنوا فيها و من الطبيعي أن يحافظ سكان هذه المناطق
الآرامية على إستخدام اللغة الآرامية و نقش برركيب من الخطأ إعتباره
برهان على أن الأشوريين قد إستخدموا اللغة الآرامية
!
الباحث
فولمر
Folmer
في الصفحة ٣ يردد مفهوم خاطئ
!
ج - لقد شرحت سابقا إن وجود ترجمة صغيرة في اللغة الآرامية على
بعض ألواح الاجر باللغة الأكادية لا يثبت أن اللغة الآرامية كانت رسمية
و لكن أن نسبة كبيرة من الموظفين كانوا من الآراميين الذين وضعوا
تلك الملخصات بلغتهم الأم كتبويب للوائح الأجر خاصة في المخازن ( و ليس
المكتبات ) للحفاظ عليها
.
في
الصفحة ٤ يعتبر فولمر هذه الكتابات الآرامية بأنها برهان على
إستخدام الأشوريين للغة الآرامية كلغة رسمية و هذا ليس برهانا مقبولا!
الخاتمة
لقد ذكر فولمر حرفيا ما يلي
:
Babylon in this period was strongly Aramaised and the Aramaic language seems
to have replaced Akkadian as the main spoken language of the contry.
أ
- نرى هذا العالم يستخدم تعبير
Babylon
بمعنى بلاد بابل و هو
يجهل بأن جميع سكانها كانوا من الآرامين جنسا و لغويا و بأنه لا يوجد
شعب بابلي " صار يتكلم اللغة الآرامية
!"
ب - لقد نشر العالم " كول " أرشيف نيبور سنة ١٩٩٦ و هو مجموعة
من الرسائل باللغة الأكادية تثبت لنا أن القبائل الآرامية قد إنتشرت في
كل بلاد أكاد
: COLE, ST.W, Nippur IV, The Early Neo-Babylonian Governor’s
Archive From Nippur.
1996
ج - لقد حافظ الكلدان الآراميون على إستخدام اللغة الأكادية كلغة رسمية
و هذا واضح في الكتابات التي تركوها . بينما كانت اللغة المحكية هي
الآرامية لأنها لغتهم الأم و نحن نعلم أن اليهود قد تعلموا اللغة الآرامية
خلال سبيهم الى بابل
!
د - الفرس هم الوحيدون الذين إستخدموا اللغة الآرامية كلغة رسمية
و هنالك عشرات البراهين و النصوص الآرامية في جزيرة الفيلة على
نهر النيل إلى مناطق بعيدة في إفغانستان
!
The Aramaic Language in the Achaemenid Period: A Study in Linguistic
Variation
Par M. L. Folmer
https://books.google.fr/books?id=7-m1R072Ks0C&printsec=frontcover&hl=fr#v=onepage&q&f=false
The Aramaic Language in the Achaemenid Period
(Peeters
1995) |