تعليقات حول النقاشات التاريخية حول هوية شعبنا ؟
20120601
وجدت هذه الحكمة مؤخرا و هي تقول "عيوب الجسم قد
يسترها متر قماش و عيوب الفكر قد يكشفها أول نقاش "!
كل نقاش حول أي موضوع يعبر - في النهاية - عن وجهة
تفكيرنا في هذا الموضوع !
نحن نعيش اليوم في مرحلة مهمة في" تاريخ شعبنا" فمن
جهة كل سرياني سورايا يستطيع أن يعبر عن رأيه و يشرح
الدوافع كي يقنع الآخرين , و من جهة ثانية نرى بعض
الأحزاب و المواقع و المؤسسات تفضل عدم النقاش في
موضوع الهوية لأنه أمر محسوم برأيها أو يثير بعض
الخلافات و هي تدعي أنه من الأفضل عدم الخوض في هذه
النقاشات في هذه المرحلة (و ها قد مضت أكثر من سبع
سنوات) و هذه الأحزاب لا تزال تتوهم أنها تستطيع أن
تلعب دورا في تحديد هويتنا التاريخية !
علما
أن الهوية التاريخية لشعب ما تتحددها المصادر و
المراجع التاريخية .
أولا
- النقاشات التاريخية الأكاديمية .
أ
-
لقد بدأت هذه النقاشات في بداية القرن التاسع عشر و
كانت حول جميع العلوم و من ضمنها الدراسات التاريخية .
و مع تطور علم التاريخ و نشر و ترجمة الأغلبية الساحقة
من المصادر السريانية فإن هذه النقاشات الأكادمية حول
تاريخنا السرياني الآرامي يقوم بها علماء نزهاء
متفرغون لدراسة المصادر السريانية. الباحث المتفرغ
يعني في أكثر الأحيان أنه يلقي محاضرة أو محاضرتين على
طلابه و يمضي باقي وقته في دراسة المصادر السريانية .
إنني أذكر إنني علقت في خلال مؤتمر حول المؤرخين
السريان أن في تاريخ ميخائيل الكبير قد ورد في النص
السرياني أن أبجر ملك الرها كان أرمنيا و فذكر الباحث
Andrew Palmer
أن التاريخ السرياني المنتهي بعام 1234 م هو أيضا يذكر
أن أبجر هو أرمني !
ب
-
بعض الأحيان هنالك إختلافات بين العلماء مثلا بعض منهم
متخصص في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية و يكون في أغلب
الأحيان يجيد اللغة اليونانية القديمة و ربما
اللاتينية و غالبا ما تكون نظرته لتاريخ بيزنطيا تنطلق
من العاصمة و منها إلى بقية المناطق التي كانت خاضعة
للإمبراطورية البيزنطية . الخلاف قد يحدث عندما يتكلم
الباحث المتخصص في التاريخ البيزنطي حول المشاكل التي
وقعت بين البيزنطيين و الشعوب التي كانت خاضعة
للبيزنطيين كالأقباط و الأرمن و السريان الآراميين .
كثيرون من مؤرخي بيزنطيا يرددون أن هذه الشعوب كانت
تبغي التحرر من نير الإمبراطورية البيزنطية و هذه
نظرية من بداية القرن العشرين لا يوجد لها براهين في
مصادر تلك الشعوب !
ج
-
في نص مشهور لإبن العبري ورد فيه أن الله أرسل العرب
للشعب السرياني ليحررهم من ظلم البيزنطيين ! بعض مؤرخي
بيزنطيا يعتمدون على هذا النص بدون أن يتحققوا في
المصادر السريانية قبل الإحتلال العربي للشرق. بينما
المؤرخون المتخصصون في تاريخ السريان يعرفون من خلال
المصادر السريانية أن السريان لم يحاولوا " التحرر "
من اليونانيين لأسباب قومية و لكنهم إستقلوا و رفضوا
مجمع خلقيدونيا٤٥١ م لأسباب عقائدية !
د
-
الباحثون الأكادميون لا " يغامرون " في طرح نظريات أو
نقد أبحاث علماء آخرين في مواضيع دقيقة قد تكون لها
علاقة مباشرة مع إختصاصهم . العلماء المتخصصون في
تاريخ الشرق القديم يجب أن يكونوا ضالعين بإحدى لغاته
القديمة من سومرية و أكادية و كنعانية و آرامية و
عبرية قديمة . فالعالم المتخصص في تاريخ الفينيقيين لا
يستطيع أن يعلق على موضوع تأثير اللغة السومرية على
الأكادية !
هنالك بحث مشهور للعالم
S. Kaufman
عنوانهThe
Akkadian Influence on
Aramaic (Chicago, 1974).
هذا العالم كان يجيد اللغتين الأكادية و الآرامية
القديمتين و بحثه أصبح مرجعا لكل من يريد الإطلاع على
مدى تأثير اللغة الأكادية على الآرامية !
المضحك المبكي أن أحد المتطرفين من الذين يجهلون ما
معنى منهجية تاريخية قد سمح لنفسه في تغيير عنوان
الكتاب فأصبح" تأثير اللغة الأشورية على اللغة
الآرامية "
ه -
هنالك جامعات عديدة في العالم تحتوي على أقسام تهتم في
السريانيات ( السريان و كنائسم و تراثهم ) و علم
الأشوريات ( تاريخ الشعوب القديمة ). هنالك تنافس علمي
بين الجامعات و حتى بين العلماء أنفسهم فهم يحاولون
تسليط الضوء على أمور لم يذكرها غيرهم من الباحثين أو
ينشرون وثائق قديمة مكتشفة حديثا. هذا التنافس العلمي
الشريف يدفع بالعالم أن ينتبه أكثر على البراهين التي
يقدمها لأنه يعلم أن كثيرين من العلماء و الطلاب
سيطلعون على بحثه و قد ينتقدونه في نفس المجلة التي
نشر فيها مقاله ! الباحث الذي يعلم في جامعة مرموقة لا
يستطيع أن يتلاعب بالحقائق لأنه يتعرض إلى خسارة مركزه
في الجامعة
ثانيا
- االنقاشات التاريخية غير العلمية .
أ
-
النقاشات الأكادمية تؤدي غالبا إلى تسليط الأضواء حول
الموضوع المناقش و يستفيد الجميع من تلك النقاشات لأن
الجميع يبحثون عن هدف واحد و هو الحقيقة التاريخية كما
هي . بينما النقاشات التاريخية غير العلمية فهي لا
تقدم أي معلومات مفيدة للقراء و هذا ما صار يعرف
بالنقاشات العقيمة في مواقعنا .
ب
-
أغلب الأحيان يشارك في هذه النقاشات التاريخية غير
العلمية بعض " المتحزبين " الذين يخلطون بين بحث علمي
يهدف إلى معرفة الحقيقة و بين مبادئ و طروحات حزبية :
أغلبية الأحزاب المسيحية في لبنان تؤمن بوجود " هوية
تاريخية لبنانية " و هم يتخلون عن ويتهم السريانية
الآرامية من أجل " هوية لبنانية مصطنعة "! و من لا
يؤمن بهوية لبنانية تاريخية يتهم بأنه قومي سوري أو
عروبي !
ج
-
بعض المتحزبين ( خاصة دعاة الفكر الأشوري المزيف )
يدخلون بأسماء مستعارة و يدافعون عن طروحاتهم
التاريخية الخاطئة متوهمين أن المثقف السرياني لا
يستطيع أن يتحقق من صحة المعلومات التاريخية . المؤسف
أن هؤلاء السياسيين أصحاب الأسماء و الهويات المستعارة
يرفضون أن يكتبوا أسمائهم الحقيقية و لكنهم يتدخلون في
مواضيع تاريخية دقيقة مؤكدين أنهم على حق و أنهم أدرى
بتاريخهم من العالم المتخصص المتفرغ !
د
-
من المضحك أن بعض المغامرين يبحثون عن دور يلعبونه أو
يريدون مساعدة أصدقاء لهم في الأحزاب االسريانية التي
تدعي الهوية الأشورية فيتدخلون تحت راية الحياد و
الغيرة و المصلحة العليا فيرددون نفس الطروحات
التاريخية المزيفة .
و قد جرى لي نقاش مع شاعر مدعي بالآرامية و الغيرة
عندما كتب لي و لكنه يعرف عن نفسه بأنه شاعر سوري .
الأسئلة
و الأجوبة موجودة على هذا الرابط " صبري يوسف:
آرامي
أصيل أم مدافع عن التزوير؟"
..\Replies_and_Comments\090706.htm
ه
-
يتوهم السريان المدافعون عن طروحات الفكر االأشوري أن
مبدأ" حرية الرأي " هي حجة قوية تسمح لهم بالإيمان
بأنهم يتحدرون من الشعب الأشوري القديم! هنالك عدة
طروحات تاريخية كردية تدعي تارة أنهم يتحدرون من
الميديين و طورا من الكاشيين
Cassite!
و في الحالتين الطرح الكردي هو غير علمي !
كيف يسمح السرياني لنفسه أن " يؤمن - حرية الرأي -
بطروحات تاريخية مزيفة و لا يسمح للكردي أن يدعي أنه
من أحفاد الميديين أو الكاشيين !
حرية الرأي لا تعني حرية في تفسير التاريخ !
ثالثا
- هل نقفل باب النقاشات حول هويتنا التاريخية ؟
أ -
إن النقاشات التاريخية الأكادمية هي شبه معدومة بين
مثقفي شعبنا السرياني الآرامي و ذلك للأسباب التالية :
*
ندرة الباحثين المتخصصين في التاريخ بين أبناء شعبنا .
*
عدم تشجيع المواقع التي تدعي الحيادية لأنها غير
حيادية و تحارب التاريخ العلمي ...
*
بعض الباحثين (د . أمير حراق و د. أسعد صوما...)
يهتمون بأبحاثهم و كتبهم و مشاركاتهم في المؤتمرات
العلمية ربما لأنهم لاحظوا أن النقاشات حول الطروحات
التاريخية هي سياسية محضة (أي غيرعلمية).
ب
-
إن النقاشات حول هويتنا التاريخية هي سياسية حزبية و
هي مهاترات غير مفيدة لأنها تفضح الإنقسامات العميقة
بين أفراد شعبنا. بعض المتطرفين يرفعون شعار الوحدة و
الغيرة و في نفس الوقت يدعون أن الكلدانية و السريانية
هي مجرد كنائس تنتمي إلى " الأمة الأشورية "
ج
-
النقاشات حول الطروحات التاريخية لها سلبيات و
إيجابيات فمن سلبياتها أنها لا تشجع نحو وحدة حقيقية و
لكن من أهم الإيجابيات أن تفضح طروحات الفكر الأشوري و
تعريه !
د
-
كثير من النقاشات حول الهوية التاريخية تؤدي تعليقات
مليئة بالكلمات المسيئة و أغلب الأحيان من كتاب
متسترين تحت أسماء مستعارة : بعض المتطرفين دعاة الفكر
الأشوري يتوهمون أن طروحاتهم التاريخية هي مقدسة يجب
عدم التخلي عنها ! فنرى بعض " الأكاديمين" يدافعون عن
تعابير خاطئة مثل "اللغة الأشورية " و يعتبرون أنفسهم
أساتذة في الفكر القومي بالرغم من أن طروحاتهم هي
خاطئة! سورايا لا تعني أشوري و لكن سرياني و التسمية
السريانية هي تسمية صارت مرادفة للتسمية الآرامية !
ه
- إذا كنا ننتمي فعلا الى هوية واحدة تاريخية يجب أن
نشجع كل نقاش له علاقة بتاريخنا ! الهوية التاريخية
لشعبنا تحددها المصادر السريانية (و ليس أشورية أم
كلدانية أم لبنانية). إقفال النقاش العلمي المسؤول حول
هويتنا هو تشجيع مباشر للنقاشات غير العلمية حيث نرى
بعض المتطفلين على علم التاريخ ينشرون ثرثرتهم بدون
حياء !
الخاتمة
أ -
بالرغم من ندرة النقاشات التاريخية العلمية المسؤولة
فنحن نؤمن أن عدم مناقشة الموضوع هو أشد ضرر من
مناقشته !
ب
-
إن عدم مناقشة هذا الموضوع المهم هو تهرب من الأحزاب
التي تدعي الوحدة و الصدق !
و الإدعاء أن هذا الموضوع " هويتنا التاريخية" سيناقش
لاحق هو موقف سياسي و تهرب من الأحزاب التي تدعي
الهوية الأشورية !
ج
-
كل سرياني له الحق أن يعبر عن رأيه هل يتمنى نقاشا
مسؤولا حول إسم و هوية شعبنا أم يفضل ترك هذا الموضوع
مغلقا ! نعم يحق لكل منا أن يقدم رأيه في هذا الموضوع
و لكن لا يحق لكل سرياني حتى و لو كان شاعرا أو أديبا
أن يحدد هويتنا التاريخية لأنها و بكل بساطة من إختصاص
الباحثين النزهاء ! |