عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
  

آزخ احداث ورجال

آزخ ماَضياً وَحاضراً

مقدمة الكتاب

بقلم: نيافة مارغريغوريوس يوحنا ابراهيم  متروبوليت حلب

يتناول النصف الأول من كتاب ( آزخ احداث ورجال) تاريخ المقاومة في جبل طور عبدين الأشم خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتضمن النصف الآخر منه ملفاً لأعلام وأبطال آزخيين ستفتح سيرتهم المتميزة بالتجرد والبساطة والشجاعة والعنفوان بابا لمعالجة قسوة الماسي والحروب التي لفت كل المنطقة.

ومن خلال قراءة الأفكار الواردة في ثنايا هذا الكتاب أريد أولاً: أن أتوقف عند نقطة هامة تتعلق بالتاريخ والشعب. وثانياً: أن أحكي قصتي مع هذا الكتاب ولماذ يرى النور في هذه الأيام.

تاريخياً نحتاج لبحث علمي رصين يحدد موقع مدينة آزخ جفرافياً قيل المسيحية وبعدها، ويبين مكانة هذه البلدة التي اشتهرت بالمقاومة والبطولة في القرنين التاسع عشر والعشرين بين بقية بلدات مابين النهرين، ويتحرى جذور الشعب السرياني في آزخ وأطرافها. ولتوضيح هذه الفكرة نطرح السؤالين التاليين:

السؤل الاول: أليست آزخ الحالية هي مدينة بازبدي أو بازبدّى زيدي الواقعة في إقليم بازيدي الذي حتى الآن مازال النقاش قائماً حول تعيين موقعة؟

إننا نعتقد بأن دراسة معمقة لتاريخ إقليم أو كورة بازبدي في العصور القديمة الآشورية والكلدانية والفرثية ثم الساسانية، فالعهد المسيحي الأول وما قبل الإسلام وبعده ستلقي أضواء جديدة على جغرافية آرخ وتاريخيها.

ففي المرحلة المسيحية مثلاً نرى آزخ البلدة مرتبطة بأبرشية الجزيرة (اي جزيرة ابن عمر او  قردو ويسميها ياقوت الحموي باقردّى على وزن بازبدى) كما نقرأ في (تاريخ الأبرشيات)- المخطوط – لقداسة العلامة مار أغناطيوس أفرام الأول برصوم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق (+ 1957 ) سلسلة طويلة لأساقفة ومطارنة هذه الأبرشية العريقة وهى تبدا من القرن الخامس للميلاد وتمتد حتى الثلاثينيات من القرن العشرين. ويؤكد البطريرك برصوم بأن هذه الأبرشية كانت واحدة من ابرشيات كرسي مفريانية المشرق. وهذا قد يتعارض مع مايقول المطران أدي شير في كتابه: (تاريخ كلدو واثور) عن علاقة بازبدى بأبرشية باعربايا (أى أبرشية العرب)، وتبقى كلمة الفصل في هذا الأمر على عاتق التحقبق العلمي. أما سلسة المطارنة لهذه الأبرشية فتبدأ بأسقف قردو الآسقف مياّس الذي حضر مجمع داديشوع الجاثليق في القرن الخامس للميلاد وقد ورد ذكر بار يشوع أسقف عرب الجزيرة بين القرنين الثامن والتاسع. ويعتمد البطريركان مار أغناطيوس أفرام برصوم، ومار أغناطيوس يعقوب الثالث (1980 +) على تاريخ مشيخا زخا (الذي له قصة لا نريد أن ندخل في تفاصيلها). في هذا التاريخ ورد ذكر مزار أسقف بازبدي حوالي سنة (120) م وهو الذي قلّد الأسقفية نحو هذه السنة شمشون ثاني أساقفة حدياب. ,ايضاً في أواسط المئة الثالثة يرد ذكر شوبح اليشوع أسقف بازبدي في عهد شحلوفا تاسع أساقفة حدياب. ومن خلال دراسة التاريخ الكنسي للمنطقة قد نشاهد أحيانا ًبأن أبرشية الجزيرة مرتبطة لأسباب مختلفة بأبرشية نصيبين الشهيرة بدلالة أن أسقفها كان يحمل اسم:( مطران الجزيرة ونصيبين) ومعلوم لدينا بأن آزخ البلدة كانت تابعة كنسياً لأبرشية الجزيرة، ولكننا لا نستطيع تحديد تاريخ ارتباطها حتى الأن، وهده المسألة أيضاً تبقى كلمة الفصل فيها للتحقيق العلمي.

أما في أواخر القرن الثامن عشر للميلاد وأوائل القرن التاسع عشر فإننا نرى الضباب ينقشع عن هذه البلدة حيث نقرأ في مصادر التاريخ الكنسي المختلفة والمتعددة شذرات عن هذه البلدة. مثلاً: لدينا أخبار المطرانين مار ديوسقورس يشوع أبن عبد المسيح الآزخي، وأخيه مار قورلس كوركيس الآزخي اللذين تسلما زمام أبرشية الجزيرة تباعاً بين الأعوام 1927 -1847 وقد لازمتهما نسبة الآزخي ملازمة واضحة. كما نقراً عن ما قورلس برصوم لحدو الآزخي أيضاً الذي رسم مطراناً عام 1851 وتوفي في خريف 1872 م بأنه كان مطراناً على آزخ البلدة عام 1861م فلقب بمطران آزخ.

ويبدأ ذكر بازبدى في المصادر العربية الإسلامية منذ القرن السابع الميلادي وتحديداً في عهد خلافة عمر بن الخطاب عندما فتح إقليم الجزيرة القائد العربي عياض بن غنم سبة 640م وكان فتحه لها سلما. فقد وردت عندكثير من المؤرخين والجغرافيين العرب مثل البلاذرى في "فتوح البلدات"، وابن خرداذبة في كتاب "المسالك والممالك"، وتحدث عنه ياقوت الحموي فقال: "هو اسم قرية في قبالة جزيرة ابن عمر سميت الكورة بأسرها بها، وبالقرب منها جبل الجودى وقرية ثمانين". ويشرح ابن حوقل في كتابه "صورة الأرض" عن جبل الجودى وقرية الثمانين فيقول: " وجبل الجودى بقرب الجزيرة وفيها القرية المعروفة بثمانين التي يقال إن سفينة نوح عليه السلام استقرت عليه لقوله تعالى: واستوفق على الجودى ( سورة هود 11 الآية 47). ويتصل هذا الجبل كما ذكرت بالثغور باللكام. ويقال إن جميع من ما كان مع نوح عليه السلام في السفينة ثمانون رجلاً فبنوا هذه القرية ولم يعقب منهم أحد فسميت باسم عددهم".

أما المتشرقون فلقد اختلفوا في تحديد موقع بازبدى إقليماً ومدينة غير أن هارتمان استطاع تعيين الموقع الحقيقي لقلعة بازبدى استناداً إلى أوصاف المتشرق الألماني سخاو لهذا الإقليم. يقول هارتمان عن موقع القلعة:"إنه إلى الجنوب من المدينة الحديثة (الجزيرة حالياً) غربي أطلال جسر دجلة القديم".

وجدير بالذكر في هذا المجال أن العلماء الغربين الحديثين شككوا في الرأي القائل بأن بازبدى هي عين سبه Sephe. الذي كان سائداً فترة من الزمن عند بعض المستشرقين".

السؤال الثاني: تضعنا أسماء العشائر الآزخية المتداولة حتى يومنا هذا والتي إليها تنتسب معطم العائلات السريانية الأرثوذكسية المنحدرة من بلدة آزخ أمام أكثير من سؤال حول منشأ هذه العائلات.

والسؤال الذي يطرح نفسة هو: هل ترتبط هذه العائلات بأصول آشورية أم آرامية أم عربية أم غيرها من الأصول؟

إننا نعلن بكل صراحة وصدق الخوض في اثنية الشعب السرياني في آزخ يجرنا إلى متاهات نحن بغنى عنها وذلك لأن مصادرنا قليلة جداً ، وما نكتبه يعتمد على بعض المصادر الحديثة خاصة تلك التي تتحدث بشكل عام عن تاريخ بلاد ما بين  النهرين وبصورة خاصة عن منطقة طور عبدين، ولهذا نقول: إن بلاد ما بين النهرين خاصة عن منطقة طور عبدين هي على أرجح الآراء وكما تشير أغلب مصادرنا التاريخية بلغتنا السريانية ومؤلفات المستشرقين الكبار آرامية اللغة مما يشير إلى آرامية الجنس مع وجود الاختلاط والتداخل الكبير بالأقوام والشعوب الأخرى التي عرفت تاريخياً في هذه الأرض الغنية بالتعدد الاثني.

وفي هذا المجال لا نريد أن نتوسع في تاريخ حركة الكرسي الأنطاكي وانتقاله من أنطاكية عاصمة سورية قديماً إلى أديرة في كورة أنطاكية أولاً، ثم إلى ملاطية وأطرافها ، وأخيراً استقراره في دير الزعفران، حتى عودته إلى دمشق عاصمة سورية حالياً. فلدينا بعض الدراسات التي يؤكد نظرية انتقال عائلات وأعداد لا بأس بها من الشعب السرياني من كورة انطاكية إلى ملاطية وأطرافها، ثم ماردين وما جاورها، ليكونوا بالقرب من رئيسهم الروحي وفي حمايته. ويحتاج هذا الموضوع إلى مزيد من البحث والاستقصاء لأنه يلقي الضوء على تاريخ هجرة السريان وحركة انتقالهم في أرض آبائهم وجدودهم تبعاً للظروف السياسية وارتباط هذه الظرف بالاضطهادات التي شنها أعداء الكنسية ضد هذا الشعب الآمن بسبب تمسكه بالعقيدة الأرثوذكسي.

أما عن الوجود العربي في هذه المنطقة فيبدو أنه قد بدأ  قبل قرنين من الفتح الإسلامي. وفي رأينا أنه ممكن للباحث  أن يتتبع مراحل هجرة القبائل العربية خاصة العدنانية منها من شبه الجزيرة العربية مروراً بحضرموت والبحرين فالمدائن فالموصل ثم بلاد ما بين النهرين وخاصة جزيرة ابن عمر وأطرافها والدليل على الوجود العربي في المنطقة هو بعض الأسماء مثل باعربايا الإقليم والقرية (وهذه اللفظة أطلقها السريان على المنطقة المتدة بين بازبدي وإلى بلد ونصيبين ومعناها ديارالعرب) وأيضاً قرية عربان. إضافة إلى ورود قبائل عربية رحُل في هذه البقعة في كثير من المصادر السريانية قبل الإسلام. ففي سيرة الشهيد مار أحودامه (575+) أحد كبار رجالات الكنيسة في القرن السادس، نقرا بأن هذا المجاهد اهتم بدعوة القبائل العربية للانضمام إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية. من هنا نشات كنيسة  عربية مسيحية على مذهب السريان الأرثوذكس في بلاد ما بين النهرين، كما كانت هنالك كنيسة عربية في اليمن بين الحميرين، وفي الشام بين الغساسنة، وفي كوفا والحيرة بين المناذرة. فالكرازة التي تمت في هذا الإقليم نصرت جماهير من بني ربيعة وغيرها من القبائل العربية وأنشأ لهم مار أحودامه ديرين وبعض الكنائس.

ولا نعتقد بأن القبائل العربية التي انتقلت من بلاد ما بين النهرين بسبب ظروفها الخاصة قد دخلت كلها في الإسلام ولا بد أن يكون بين الشعوب التي استمرت في مسيحيتها من كانوا عربا جنسا. ولكننا لا نقول سكان آزخ وأطرافها هم من بقايا القبائل العربية، حتى ولو امتازوا بلغتهم العربية عن بقية البلدان والقرى والتي استخدمت اللغة السريانية الآرامية كلغة محكية في حياتها. ولا نؤيد النظرية القائلة بأن للآزخيين علاقة بالقبائل العربية المنحدرة من تكريت العاصمة الثانية للكنيسة السريانية الأرثوذكسية بعد أنطاكية، بسبب لهجتها القريبة من لهجة أبناء القرى المجاورة بدير مار متى قرب الموصل مثل: بعشيقة وبحزاني. دليلنا الأول هو وجود السريان المسيحيين في بازبدي والمنطقة قبل ورود أي ذكر للعرب في بلاد ما بين النهرين بثلاثة قرون. ودليلنا الآخر على هذا الكلام هو أن عدداً من العشائر الآزخية تنحدر اصلاً من بعض القرى في طور عبدين و لغتهم الأم كانت السريانية الآرامية وان تغلبت عليهم اللغة العربية بسبب الأصل اللغوي السامي المشترك، ولمرور زمن طويل على وجودهم في آزخ.

ومهما يكن من أمر فما قلناء أعلاء يؤكد أن الصيغة الأساسية التي سيطرت على أهل آزخ هي السريانية، وربما كان الدور الحاسم في هذا الموضوع للانتماء الديني وتحديداً للانتساب إلى كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية.

وتبقى – كما قلنا وكررنا- كلمة الفصل المسائل المتعلقة بآزخ والجزيرة جغرافيا وتاريخياً وأثنياً بصورة خاصة، على عاتق التحقيق العلمي. وإننا ندعو الباحثين إلى خوض مجاله وغماره بنزاهة وجرأة عالية وبتجرد ودون تعصب إلى هذا الطرف أو ذاك. ونشير بكل وضوح ان تاريخ هذه المنطقة في رأينا يمثل بوتقة تفاعلت فيها الشعوب وبخاصة السامية. ولا ننفي التفاعل مع الشعوب غير السامية أيضاً.

عن بهرو سوريويو 1991

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها