عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

بقلم: حذابيا

نصيحة الى الشاب المتحمس آشور كيوركيس

 

الى السيد اشور كيوركيس، انت شاب حالم ومتحمس. لكن تنقصك المعرفة الدقيقة، والنزاهة في التعاطي مع النصوص، والنظرة النقدية التي تميز بين الغث والسمين، والامانة العلمية في النقل، والموضوعية في الكتابة. عندما تحتضن هذه الخصائل الخمس التي يتحلى بها اهل العلم والمعرفة وتجعلها قانوناً لك في حياتك الفكرية، ستكتشف حينها العالم من جديد وسترى بانك تغلبت على ما يعكر صفاء الذهن والرؤية السديدة، وتحررت من القيود؛ وستستطيع حينها تغليب قوة المنطق على العاطفة والعقل على النقل والواقعية على الاحلام غير الواقعية، وسترى ايضاً ان كتاباتك اصبحت متزنة وطعمها لذيذ وفائدتها جمة للقراء، وانك اصبحت كاتباً جيداً يقدره الناس ويعتبره اهل العلم والدراية.

ان عنوان كتابتك "أنشودة قومية آشورية من القرن الثالث عشر"،  مرفوض جملة وتفصيلا لانه لا يمت للحقيقة بشيء، وتبرز فيه غلطتان قبيحتان: الاولى ان هذه القصيدة ليست "قومية" كما تدعي، لانها قصيدة أو مقالة منظومة كجدول يعدد اسماء بطاركة  كنيستنا المشرقية وصفات كل واحد منهم، فما هو القومي فيها؟ والغلطة الثانية ان القصيدة ليست "اشورية" كما يحلو لك ان تسميها، بل هي سريانية. ولا اعلم كيف وصمتها "بالاشورية" وحشرتها بها. اذ لا يجوز ابداً تسمية كنيستنا المشرقية في عهودها القديمة وتراثها القديم لا اشورية ولا كلدانية، بل سريانية كما كان اجدادنا يسموها ويسموا انفسهم. ان التلاعب على الكلمات لخداع بعض القراء لا ينفع لان حبل الكذب قصير، ان البعض من افراد شعبنا من العارفين بحقيقة تراثنا وكنيستنا بامكانهم كشف الحقيقة وفضح الموضوع اذا ارادوا.

 

لننتقل الى موضوعك:

لقد اوردتَ شاهداً من قصيدة شاعرنا السرياني المعلم كيوركيس وردا الاربيلي (توفي  حوالي سنة 1300) حول جثالقة (بطاركة) المشرق، التي نشرها احد عمالقتنا الذي افنى عمره في خدمة وتعليم لغتنا السريانية ونشر تراث الاجداد، الا وهو الاب يوسف بيث قليتا (توفي في الموصل عام 1955)، وكان قد نشرها اولا في اورمي عام 1908، ثم عاد ونشرها ثانية في الموصل في 15 آذار من سنة 1924. وقد نشرها في نهاية كتاب ܡܪܓܢܝܬܐ (المرجانة) لعلامتنا اللغوي البارع عبديشوع بربريخا مطرافوليط نصيبين وارمينيا (توفي عام 1318). وكان هذا اول كتاب قام الناشر يوسف بيث قليتا بطباعته على اثر تاسيس مطبعته في الموصل بعد هجرته اليها.

وقد كتب الناشر القس "يوسف بيث قليتا" مقدمة بليغة مؤثرة جدا للطبعة الاولى من الكتاب المذكور (طبع منه فقط 210 نسخة)، وتحدث فيها عن الاضطهادات التي واجهها شعبنا في اورمي، ويذكر في الحاشية كيف ان بعضهم هرب من اورمي الى الموصل بعد ان تركوا خلفهم املاكهم والكثير من كتبهم القيمة منها حوالي 400 كتاب في منتهى القدم، وبضعة كتب منها ( 14 كتاب) كانت مدونة عل جلد الغزلان، وقد "ابيدت كلها على يد المخربين" كما يخبرنا.

ويتحدث الناشر في المقدمة ايضاً عن خلو الساحة الفكرية من الكتّاب الذين يجيدون السريانية وعن الفقر الثقافي والادبي الذي اصابنا. وقد جاء في مقدمته البليغة ܕܗܐ ܡܢ ܙܒܢܐ ܕܡܐܬܝܢ ܫܢܝ̈ܢ ܝܬܝܪ ܚܣܝܪ: ܐܬܬܒܪ ܩܢܝܐ ܘܐܙܕܠܚܬ ܕܝܘܬܐ ܕܟܠܗܘܢ ܣܦܪ̈ܐ ܒܢ̈ܝ ܐܘܡܬܐ ܣܘܪܝܝܬܐ: ܣܛܪ ܡܢ ܣܪܝܕܐ ܕܡܫܬܟܚ ܗܪ ܬܡܢ اي "منذ حوالي مائتين سنة تقريبا، كُسر قلم جميع الادباء ابناء الامة السريانية، وسفك حبرهم، عدا بعض [الكتّاب] الذين نراهم هنا وهناك..."

ففي قصيدته السباعية التي نحن بصددها، يذكر شاعرنا "كيوركيس وردا" اسماء بطاركة كنيستنا المشرقية، وينسب كل واحد منهم الى مدينته او منطقته التي ينتمي اليها أو عرف بها او كان اسقفا عليها. كما ان البعض الاخر لم ينسبهم الى مدن معينة بل ذكر لهم صفات اخرى حميدة. اما الجثالقة الذين نسبهم الى مدنهم ومناطقهم نذكر منهم:  "ابراهم الكشكري" (159-171)، و "شحلوفا الكشكري" (220-240)، و "ايشوعياب الارزوني" (595-582)، و "سبريشوع الجرمقاني" (596-604)، و "وغريغور الكشكري" (605-609)، و "مار ايشوعياهب من حدياب" (649-659)، و "سركيس النصيبيني" (860-872)، و "انوش من بيث كرماي" (877-884)،  "إسرائيل الكرخي" (-961)، و"مار عبديشوع الجرمقي" (963-986)، و"مار إيليا الأول الطيرهاني" (1028-1049)، و"يوحنا إبن مدينة السلام" (1049-1057)، و"برصوما من صوبا (نصيبين)" (1134-1136)، و "ايشوعياهب من بيث زبداي" (1149-1175)، الخ.

كما انه يذكر بعض البطاركة المنحدرين من الموصل التي كانت مدينة مهمة. وكما هو معروف بان الموصل تسمى بالسريانية "اثور" ܐܬܘܪ، لذلك يقول عن الذي يتحدر منها "فلان الاثوري" اي "فلان الموصلي"، فاذا قلنا بالسريانية "مار ماري الاثوري" يعني اننا نقصد "مار ماري الموصلي"، وإن قلنا "عبديشوع الذي من اثور" فهذا يعني "عبديشوع الذي من الموصل". وبهذه الطريقة يذكر لنا كل من البطاركة: "مار ماري الموصلي" (987-999)، و"عبديشوع الموصلي" (1085-1090)، و "مكيخا الذي كان مسؤلا في الموصل" (1092-1110)، و"إيليّا الذي تربى بين العلماء في الموصل" (1111-1132)، و"عبديشوع من الموصل" (1139-1448).

ولما كانت الموصل تسمى اثور، لذلك لا يجوز ان نترجم عبارة  ܡܪܝ ܡܐܪܝ ܐܬܘܪܝܐ الى صيغة "مار ماري الاثوري" بل "مار ماري الموصلي" لان اثور بالسريانية هي الموصل بالعربية، لكن حتى وان قلنا "مار ماري الاثوري" فهذا لا يعني انه اشوري القومية بل هو فقط موصلي المدينة.

ومثلما تسمى الموصل بالسريانية ܐܬܘܪ "اثور"، كذلك تسمى مدينة بغداد بالسريانية ܒܒܝܠ "بابل". وهذا واضح في كتب جميع ابائنا واجدادنا السريان المشارقة.

عندما نشر يوسف بيث قليتا قصيدة كوركيس وردا في تعداد البطاركة لم يقل ان لفظة ܐܬܘܪܝܐ "اثورايا" تعني اشوري، بل موصلي. وهذه حقيقة واضحة لكل العلماء وقرّاء ثراثنا السرياني. فهل تعتقد ياسيد اشور بانك اذكى من شاعرنا كوركيس (توفي عام 1300) وردا الذي استعمل لفظة "اثورايا" بمعنى موصلي؟ أو انك افهم من اديبنا يوسف بيث قليتا الذي نشر القصيدة المذكورة وحافط على المعنى بان "اثورايا" تعني موصلي؟ أو انك اشطر من بقية كتّابنا القدماء الذين استعملوا "اثورايا" بمعنى موصلي"؟ هل انت اكثر منهم فهماً للغتنا ونصوصها ومعنى الفاظها؟ تفضل وقدم لنا شاهدا سريانياً واحدا فقط لاحد ادبائنا القدماء قال فيها عن نفسه "اثورايا" بمعنى اشوري!

ان مجرد ترجمة كلمة موصلي السريانية ܐܬܘܪܝܐ الى اشوري يعتبر إما جهلا عفوياً، وهذه خطيئة تغتفر، او تزويراً متعمداً وهذا خطأ لا مغفرة له بل يجب فضحه.

لذلك نقولها للشاب المتحمس اشور كيوركيس: لا تعطي للكلمات والجمل معانٍ من عندك وحسب رغباتك، بل كن امينا لتراث اجدادك واعمل على نشره بهويته وباسمه الذي كانوا يستعملونه كي تنال ثقة الناس واحترامهم لك.

واذا خطر ببالك ان تسأل لماذا استعمل الاب يوسف بيث قليتا في مقدمته للكتاب المذكور الذي طبعه تعبير ܐܘܡܬܐ ܣܘܪܝܝܬܐ "الامة السريانية"؟ الجواب ببساطة لاننا جميعاً سريان، وأمتنا هي الامة السريانية، وان اسم "سريان" هو الاسم الذي استعمله جميع اجدادنا وجميع اباء كنسيتنا المشرقية وجميع مؤلفينا خلال التاريخ، وبينهم علامتنا عبديشوع الصوباي في جدوله عن ادبائنا حيث سماهم "سريان" بقوله:  ܡܟܝܠ ܕܝܢ ܕܣܕܪܢ ܣܝ̈ܡܐ ܕܐܒܗ̈ܬܐ ܝܘ̈ܢܝܐ: ܢܫܪܐ ܠܡܣܕܪ ܠܣܝ̈ܡܐ ܕܐܒܗ̈ܬܐ ܣܘܪ̈ܝܝܐ  "بعد ان سردنا مؤلفات الاباء اليونان، نبدأ في سرد مؤلفات الاباء السريان". (كتاب المرجانة، صفحة 69).

 فسر ايها الشاب المتحمس على درب الاباء والاجداد السريان ولا تحيد عنه.

ولتكن نعمة الرب معك وبين افراد عائلتك.

حذابيا

(من عنكاوا http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,708058.0.html

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها