الجزء
الثالث عشر
تابع
إصلاحات للمطارنة
نسرد هنا مجموعة جديدة من الأفكار الإصلاحية، وهي عبارة عن
واجبات تتحسن
السيرة الشخصية اثناء اتباعها، وتزداد الثقة وتتقدم الكنيسة
اثناء تطبيقها.
1-
يجب على المطران ان يكون قدوة في الصلاة والصوم
والأخلاق:
ولأن المطران في أبرشيته هو محط أنظار المؤمنين في الايمان
والعبادة، فينبغي عليه ان يكون قدوة
لجميع الاكليروس والعلمانيين في الايمان والصلاة والصوم
وممارسة طقوس العبادة بأوقاتها المنتظمة، وان لا يتغيب عن
الصلاة في الكنيسة مع المؤمنين. وانه كلما التقى بالناس يجب ان
يدعوهم دائما لقراءة الانجيل وللصلاة والتوبة والمحبة والتسامح
وتجديد الايمان والقدوم الى الكنيسة والمشاركة في حياتها
وطقوسها ونشاطاتها.
2-
يجب على المطران أن يأخذ معه الكتاب المقدس ويكون برفقته
دائماً:
يجب ان يكون الكتاب المقدس مع المطران وبرفقته دائما أينما كان
وحيثما حل، ويكون مرئياً للمؤمنين. وأن يقرأه باستمرار طوال
حياته، ويعيشه، ويشجع الاكليروس والناس على درسه وعيشه.
فالكتاب المقدس حياة يعيشها المؤمن وليس فقط كتاب للقراءة. وان
يدرس المطران باستمرار شروح الآباء وخاصة شروح الآباء السريان
للكتاب المقدس، فيصبح مرجعاً هاماً للاكليروس والمؤمنين في كل
ما يتعلق بالكتاب المقدس والكنيسة من قضايا. كما ينبغي عليه ان
يطالع باستمرار كتب النسك والزهد وقصص حياة القديسين والشهداء
للاقتداء بسيرتهم التي تقوي روحانية الكاهن، وكذلك يدرس كتب
حسن الاخلاق الكهنوتية، وكتب الحياة الروحية، وأن ينصح
الاكليروس والمؤمنين ويشجعهم دائماً على درسها.
3-
المطران
والبطريرك
بحاجة الى مرشد روحي:
ينبغي على المطران أن يأخذ له أحد الكهنة المتمرسين والمتقدمين
في العمر مرشداً روحياً، يمارس على يديه سر الاعتراف باستمرار،
ويأخذ منه النصح والإرشاد الروحي دون مجاملات، كي لا يستمر
المطران في خطأه وخطيئته بمعرفة وبدون معرفة وهو لا يدري ذلك.
وان يجبر كل فرد من الاكليروس في أبرشيته ان يتخذ له كاهناً
مرشداً روحياً للاعتراف والإرشاد والنصيحة.
ان دور المرشد الروحي مهم جداً لكل الاكليروس وخاصة للبطريرك
والمطارنة ليساهم في استقامتهم. وبدون مرشد روحي سيبقى
الاكليروس يتخبط بين أزقة الخطيئة وسراديب الخطأ.
4- رياضة روحية للمطارنة:
المطارنة بحاجة ماسة الى تقوية الناحية الروحية لديهم. وبتقوية
الناحية الروحية لدى المطارنة ينعكس هذا ايجاباً على
ابرشياتهم. ويتم تقوية الجانب الروحي لديهم بان يقوم البطريرك
بإرسال كل مطران ليعيش في أحد الاديرة في طورعابدين أو في جبل
آثوس في اليونان ويمكث فيه شهرا واحداً في كل سنة، يمارس فيه
الرياضة الروحية القاسية، ويعيش حياة التقشف طيلة الشهر
وبالصلاة الدائمة دون انقطاع، ودرس الكتاب المقدس وشروحاته
وكتب الاخلاق والنساك والآباء الروحيين، والتخلي عن الكبرياء
والغرور ومحبة السلطة والمال.
(كما ان الدعوة موجهة الى قداسة البطريرك ايضاً ليقوم بنفسه
بهذه الرياضة الروحية القاسية في احد الاديرة، ويفضل على جبل
آثوس في اليونان، ليكون قدوة لمطارنته وبقية الاكليروس لتقوية
الحياة الروحية في الكنيسة).
5-
إلغاء النشيد الذي يقول ان "الكاهن أكبر من الملاك":
يقول أحد الأناشيد السريانية
التي تُغنى في الكنيسة
بان "الكاهن أكبر من الملائكة"
ܟܗܢܐ
ܪܒ
ܡܢ
ܡ̈ܠܐܟܐ:
ܘܡܥܠܝ
ܡܢ
ܢܘܪ̈ܢܐ.
فلم أجد مبالغة أكبر من هذه. ان الكثيرين من الكهنة لا يتبعون
تعاليم الانجيل كما ينبغي، وان الكهنوت بالنسبة لبعضهم ليس إلا
متجراً للعيش والارتزاق. فما أتعس ذاك الملاك إذا كان هذا
الكاهن الضعيف فعلاً أكبر منه، وما أتعس ذلك الكاهن إذا صدق
هذا القول بانه أكبر من الملاك. فإذا كان أحد الشعراء السريان
القدماء قد نظم هذا النشيد القائل "ان الكاهن أكبر من الملاك"
وثم وُضِع في الكنيسة، فهل يعقل ان نصدقه ونستعمله، وخطايا
وأخطاء رجال الدين وسلبياتهم قد ملأت سجلاتهم، وهي واضحة أمام
أنظار الجميع (رغم وجود بعض الكهنة الجيدين الى جانب السيئين).
وربما يقول قائل ان هذا القول رمزي فقط لان الكاهن يمسك
القربان الذي يمثل جسد السيد المسيح. لكن كل شخص بإمكانه مسك
القربان وتناوله، وليس فقط الكاهن، وتعاليم الانجيل لا تعيق
احداً من ذلك. وإذا كانت هذه نظرة السريان القدماء، فاليوم
تغيرت المفاهيم كلياً، وخاصة في المجتمعات المدنية والعلمانية.
لذلك يجب الابتعاد من الخيالية واللجوء الى الواقعية لإقناع
الناس والشباب بالإيمان وبالكنيسة لاستمراريتها.
يقال انه عندما سمع الملاك هذا النشيد بان "الكاهن أكبر من
الملاك"، حزن جداً وسارع بالذهاب لعند الرب يشتكي كيف يكون
الكاهن الانسان أكبر منه وعيوب بعض الكهنة واخطائهم وخطاياهم
لا تحصى. فقال له الرب: لا تحزن أيها الملاك، فالكهنة مثل
غيرهم فيهم الجيد وفيهم السيء، فيهم الإيجابيات وفيهم كل أنواع
العيوب والامراض، فيهم من هو فعلاً كبير وفيهم من هو صغير
للغاية، وهم بشر والبشر ضعفاء يحبون الوصف واحياناً المبالغات
ويقعون في شباك خطيئة الكبرياء. فارتاح الملاك وانصرف وهو
يتمعن بحماقات الانسان وبتصرفاته وسلوك الكهنة وخطاياهم التي
حاول ان يحصيها لكنه عجز عن ذلك، فاستسلم.
6-
صور كبيرة لبعض المطارنة في هياكل الكنيسة:
لفت نظر الناس مؤخراً
من خلال ما عرض في وسائل الاعلام،
ان بعض الكنائس السريانية في السويد تضع في هيكلها صوراً كبيرة
جداً لأحد مطارنة السريان في السويد، اثناء زيارته لها للقيام
ببعض النشاطات. وكأن هذا المطران هو من أكبر القديسين أو من
أشهر آباء الكنيسة القدماء الذين يجب ان تعلق صورهم في الكنائس
ليتبارك منها المؤمن. وكل من شاهد هذه الصور من كهنة وعلمانيين
استاء كثيراً من هذا التصرف الاخرق الذي تقوم به بعض الكنائس.
وقد انتقلت مؤخراً عدوى هذا المرض الخطير الى أبرشية المانيا
أيضا، فبدأت بعض الكنائس تضع في الاحتفالات صورة كبيرة جداً
لمطرانهم في هيكل الكنيسة، مقلدين بذلك السويد.
ولا نعلم ان كان المطارنة أنفسهم متورطين في قضية وضع صورهم
الكبيرة أم لا. لكن هذه التصرفات غير المسؤولة هي انحرافات
كنسية خطيرة يجب ان تتوقف ويحاسب القائمون عليها.
وعلى البطريرك التصرف السريع لمنع هذه الهرطقات المسيئة
للكنيسة، قبل ان تنتقل العدوى الى ابرشيات اخرى وتصبح عادة تعم
كل الكنائس في تعظيم مطارنتها.
7-
الشفافية في التعاطي مع المال:
المال خادم مطيع وصديق مفيد،
لكنه
سيد مُذِل ومُهين. وللمال سلطة وسطوة على الناس الى حد
العبادة، لذلك حذرنا الكتاب المقدس من سوء استعماله.
لهذا يجب على البطريرك والمطران في الشرق والغرب الابتعاد
كلياً عن المال وإدارة المال. فلا البطريرك ولا المطارنة يجب
ان يديروا أي مال كنسي. لأن إدارة مال الكنيسة يجب ان تكون
بيد العلمانيين فقط. وهذه النقطة هامة جداً يتفق عليها كل
السريان أينما كانوا.
ان أموال البطريركية هي ملك الكنيسة والسريان، ويجب ان تكون
بيد لجنة مالية مختصة من العلمانيين، تديرها بكل شفافية، وتقدم
جواباً لكل سؤال يتوجه اليها من أبناء الكنيسة بخصوص المال.
ومن مهام هذه اللجان المالية دفع رواتب البطريرك والمطارنة
وبقية الحاشية البطريركية وتسديد المصاريف الأخرى بمنتهى
الحكمة، واستقبال المداخيل المختلفة، والعمل على استثمارها
بطرق أخلاقية تناسب مع المفاهيم المسيحية.
ان وظيفة البطريرك والمطران هي ان يتعاطوا بالقضايا الروحية
والكهنوتية والطقسية فقط، وليس المال. ان إدارة المال تتبع
أحيانا بعض الطرق الملتوية وفيها ايضاً بعض الحيل والغش، وكل
هذه الأمور لا تناسب الكهنوت والايمان والكنيسة. ان بعض لجان
الكنائس تتداول احيانا بالمال الأسود (غير مصرح فيه للدولة
تجنباً لدفع الضرائب)، وهذه جريمة ضرائبية خطيرة، والقوانين
تعاقب على ذلك.
وقد نبهنا الكتاب المقدس من سلطة المال وشرورها عندما اعتبره
إلهاً،
رغم أهميته
الكبرى للمؤمنين والاكليروس والكنيسة وللمشاريع.
وكون المال سيف بحدين لذلك يجب
التعاطي معه بمنتهى الشفافية، والكشف عن رصيد البطريرك ورصيد
كل المطارنة، والاعلان عنها سنوياً وبكل شفافية، وكذلك الكشف
عن مصادر المداخيل وطرق المصاريف والانفاق.
كما يجب على كل مطران ان يجبر كهنة ابرشيته للتصريح بمداخيلهم
ومصاريفهم أيضا وبمنتهى الشفافية.
(بعد مجازر "سيفو" سافر المطران (البطريرك بعدئذ) الشاب أفرام
برصوم الى أوروبا لحضور مؤتمر السلام وللدفاع عن حقوق السريان،
وكان موفداً من قبل البطريرك الياس الثالث (1932-1917). وعندما
حل في أحد الفنادق في لندن ساوم مع الفندق ليخفضوا له سعر
الغرفة، فتنازل عن تناول الفطور اليومي فخفضوا له السعر. ان
هذا المطران الحريص
يتنازل
عن وجبة طعام يومية ليوفر ثمنها حرصا على مال الكنيسة. كما كان
يمشي يوميا مشوارا طويلا للذهاب الى المكتبة العامة ليقرأ
مختلف الصحف مجانا ليوفر بعض القروش كي لا يضطر الى ركوب الباص
وشراء الجريدة. أليس هذا هو الكاهن الحقيقي الذي يتعامل مع مال
الطائفة بشكل صحيح؟ اننا ذكرنا هذه الحادثة هنا للعبرة كي
يتعلم منها الاكليروس اهمية الحرص على اموال الكنيسة.)
الجزء الرابع عشر
ويضم مجموعة أخرى من الأفكار الإصلاحية |