الجزء
الثاني عشر
تابع موضوع إصلاح المطارنة
ننتقد هنا بعض الأمور الكنسية السلبية التي من شأنها أن تؤثر
في الاساقفة سلباً، ونستعرض بعض المظاهر السيئة التي تسود في
حياة بعضهم ليروها فيعملوا على التخلص منها. كما نقدم بعض
الأفكار كمساهمة في اصلاح الكنيسة وننتظر ضمها الى دستور
الكنيسة
على البطريرك والمطران والراهب ان يكونوا صائمين حياتهم كلها:
ان المطران في وضع اليوم تتوفر له كل شروط العيش الباذخ حيث
المال وموائد الطعام العامرة والسلطة الكنسية المفتوحة، وكل
هذه الأمور تساهم في ابعاده عن الله. كما ان كل راهب يحلم أن
يصبح مطراناً، وذلك منذ الساعة الأولى لرسامته راهباً، حيث
يفكر في قرارة نفسه "متى سأصبح مطراناً لأتنعم بكل هذه
الامتيازات" حتى وان كانت مفسدة للكاهن والكهنوت.
أما المؤمنون فينتظرون من البطريرك والمطارنة ممارسة التقشف
المعيشي الذي يجب أن تتسم به حياة الكهنة الحقيقيين، كتناول
اقل ما يمكن من الطعام البسيط. ويجب ان يكون البطريرك والمطران
والراهب صائمين حياتهم كلها، والاعتذارات كلها مرفوضة مهما
كانت. وبذلك يكون البطريرك قدوة للكنيسة كلها، والمطران قدوة
للاكليروس في ابرشيته والراهب قدوة في سلوكه.
ان البطريرك والمطارنة في الأساس رهبان دخلوا هذا السلك للتنسك
والعبادة والصوم والصلاة الدائمة، لذلك قطعوا أنفسهم عن ملذات
العالم بواسطة ممارسة الصوم الدائم ليتمكنوا من السيطرة على
غرائزهم وشهواتهم والأفكار السلبية التي تكمن لهم باستمرار في
خفايا الطرق، فيتفرغوا للعبادة والنسك. يعلمنا التاريخ الكنسي
بان البطاركة والمطارنة كانوا صائمين حياتهم كلها، (كان
البطريرك الياس الثالث (توفي 1932) أول من سمح بأكل السمك
أثناء الصوم للاكليروس الصائم وللمؤمنين، وذلك في السنودس
التاريخي الذي عقده في دير مار متى عام 1930 والذي كان علامة
فارقة في تجديد هذه الكنيسة وطقوسها وممارساتها، رغم كون
البطريرك الياس صائماً حياته كلها).
وكان بعض البطاركة والمطارنة يلبسون شعر الماعز الخشن تحت
ثيابهم ليعذبوا جسدهم ويبقوا ساهرين وحذيرين من المغريات
والشرور، وكي لا ينسوا بأنهم في الاساس رهبان هجروا مباهج
العالم.
إن عالم اليوم مليء بالمغريات الموجودة في كل طريق وكل زاوية.
وأفضل علاج للانتصار على المغريات هو الصوم الدائم: أي
الامتناع الدائم عن أكل اللحوم ومشتقاتها والمأكولات الأخرى
اللذيذة، وامتناع كلي دائم عن التصرفات السلبية والأفكار
السيئة والمشاعر والاحاسيس النفسية غير اللائقة. رغم وجود
البعض من الرهبان الصائمين حياتهم كلها.
لذلك يفضل ان يكون البطريرك والمطران والراهب صائمين حياتهم
كلها.
كل مطران بلغ الخامسة والستين من عمره يجب ان يحال على
التقاعد:
ان التقاعد هو خطوة مهمة في حياة الإنسان العامل ليرتاح بعد
تعب السنوات التي عمل فيها. وسن التقاعد في السويد هو 65، لكن
إن أراد المتقاعد فبالإمكان أن يعمل سنتين إضافيتين ايضاً ان
كان هناك حاجة له. والتقاعد هو من حق كل إنسان بغض النظر عن
طبيعة عمله ووظيفته ووضعيته. الكل يتقاعدون في هذا العمر. لذلك
يعتبر التقاعد مهماً ايضاً لكهنتنا بكل درجاتهم من البطريرك
ونزولاً، ومن حقهم الحصول على راتب التقاعد والراحة في خريف
العمر، بعد سنوات العمل الكنسي الطويلة. فكل
مطران بلغ الخامسة والستين من عمره يجب إحالته على التقاعد مثل
كل الناس، لكن ان كان هناك حاجة له فبالإمكان ان يعمل في
ابرشيته سنتين اضافيتين بعد التقاعد. وهذا هو نظام التقاعد
العام لكل الناس مهما كبرت او صغرت وظائفهم.
ويجب على المطارنة المتقاعدين ان ينتقلوا للعيش في الاديرة أو
في البطريركية مكرسين حياتهم للصوم والصلاة والعبادة، ولا مجال
للتساهل في هذا الموضوع، لكن يجب ايضاً الاستفادة من خبراتهم
وثقافتهم في التعليم والوعظ والتأليف والاستشارة.
ان مراكز الابرشيات ليست ملك المطارنة ليمكثوا فيها ويستعملوها
كملك شخصي بعد التقاعد، لذلك لا يحق للمطران المتقاعد أبداً
البقاء في ابرشيته والعيش فيها، حتى وان حمل جنسية تلك الدولة
وملك بيتاً فيها، بل مكانهم الطبيعي بعد التقاعد هو في الاديرة
والبطريركية.
ينبغي
على البطريك ايضاً ان يتقاعد:
ونفس القانون التقاعدي الكنسي يجب أن يشمل البطريرك ايضاً. أي
يجب على البطريرك ايضاً ان يتقاعد عن الخدمة أثناء بلوغه عمر
التقاعد العام، لكن سن التقاعد للبطاركة يمكن ان يحدد بسبعين
سنة لا أكثر.
كان المرحوم البطريرك زكا الأول (2014-1980) في السنوات
الأخيرة من عمره شيخاً ومريضاً وعاجزاً، لذلك كانت إدارة
الكنيسة شبه مشلولة حينها، ومع ذلك لم يشأ ان يتقاعد رغم
الاقتراحات التي قدمها له البعض بهذا الخصوص. فلو تقاعد لكان
شخصياً سيرتاح من أعباء الكنيسة في السنوات الأخيرة من عمره
وهو بأمس الحاجة للراحة التي يستحقها، ولكان وضع الكنيسة أفضل
بكثير لأن الكنيسة كانت بحاجة الى بطريرك يتمتع بصحة ونشاط
ومقدرة على التحرك واتخاذ القرارات الصحيحة والجريئة.
لذلك حان الوقت لتقاعد البطاركة. لكن يجب على البطريركية ان
تؤمن مركز إقامة يليق بالبطريرك المتقاعد واحتياجاته. ويفضل ان
يبقى في دار البطريركية أو أن يقيم في أحد الاديرة ليتفرغ
للعبادة التي لأجلها دخل سلك الكهنوت.
ينبغي
ان يتقاعد
البطريرك والمطران بعد خدمة عشرين سنة:
وبالإضافة الى تطبيق عمر التقاعد القانوني للمطران وللبطريرك،
فان كل مطران خدم عشرين سنة كمطران في ابرشية واحدة او أكثر،
يجب أن يحال على التقاعد بغض النظر عن عمره وصحته ورغبته (حتى
وإن لم يبلغ الخمسة والستين). لان من بقي في كرسيه هذا الوقت
الطويل (عشرين سنة) فان جعبته قد خلت حتماً من الأفكار الجديدة
والمفيدة، وأفلس ذهنه من تقديم أي شيء جديد لإدارة ابرشيته،
كما ان طاقته ومقدرته لتطوير ابرشيته قد انتهت. لذلك تستحق
الأبرشية ان يأتيها مطران جديد مليء بالحيوية والأفكار الجديدة
المفيدة.
وعند رسامة مطارنة جدد يجب ان يوقعوا على التعهد القائل بأنهم
سوف يحالون على التقاعد بعد خدمة عشرين سنة بغض النظر عن عمرهم
وصحتهم.
وكذلك الوضع بالنسبة للبطاركة، فيجب احالتهم على التقاعد بعد
خدمة عشرين سنة في البطريركية بغض النظر عن أعمارهم وصحتهم. لا
شك ان فترة عشرين سنة في خدمة البطريركية طويلة جداً وكافية
ووافية، لذلك ان الكنيسة بحاجة للتجديد والى قيادات جديدة
بأفكار عصرية جديدة. ننتظر من البطريرك افرام الثاني ان يتبنى
موضوع تقاعد المطارنة والبطاركة بهذه الصيغة الموضحة ويدخلها
في دستور الكنيسة.
لا يجوز للمطران ان يخدم في اية ابرشية أكثر من خمس سنوات:
لا ينبغي ان يبقى المطران في أبرشيته أكثر من خمس سنوات، بل يجب
أن يُنقل
لغيرها بناء على طلب الأبرشية التي تريده. لكن إذا ارادات
ابرشيته وطلبت تجديد خدمته فيها، فبإمكانه ان يمكث فيها دورة
أخرى فقط لا غير (أي خمس سنوات أخرى فقط). وان لم ترغب به اية
ابرشية فيجب ان يسكن في الاديرة للعبادة او في البطريركية
للاستفادة من معرفته وخبرته.
وقبل رسامة المطارنة الجدد يجب او يوقعوا على تصريح يتعهدون
فيه بأنهم سينقلون من الابرشية بعد مرور خمس سنوات، وانهم
سيحالون للتقاعد في سن الخامسة والستين، أو بعد عشرين سنة من
الخدمة، حتى وان لم يبلغوا سن التقاعد بعد.
وبهذه الطريقة سيضطر المطارنة للعمل بشكل ممتاز على أمل ان
تطلبهم ابرشيات أخرى بعد انقضاء مدة الخمس سنوات في الأبرشية.
إعلان عن
الحاجة الى
مطران جديد لأبرشية شاغرة:
إذا احتاجت ابرشية شاغرة الى مطران، او
أرادت أبرشية ما
تغيير مطرانها الحالي، فيجب على هيئة الأبرشية ان تصدر اعلاناً
وظيفياً بذلك تنشره في موقع البطريركية ومواقع الابرشيات تشرح
فيه مواصفات المطران المطلوب، وذلك على نسق الإعلانات عن
الوظائف الشاغرة في جريدة العمل، مبتدئاً:
نحن مجلس الأبرشية الفلانية، بحاجة الى مطران جديد
لأبرشيتنا ليدير شؤونها الروحية والكهنوتية بالتعاون مع مجلس
الأبرشية ومجالسها الكنسية وكهنتها. وعلى المطران أو الراهب
الذي يرغب وتتوفر فيه الشروط والمواصفات والمؤهلات التالية
(كذا وكذا) ان يقدم طلبه الى مجلس الأبرشية مرفقاً بسجل حياته
CV
ووثائق دراساته ونشاطاته.
وكل مطران او راهب يجد في نفسه المواصفات المطلوبة ويرغب في
الحصول على هذه الوظيفة أن يقدم طلبه واوراقه الى مجلس
الأبرشية، الذي سيجري معه مقابلة وظيفية جدية بخصوص طلبه،
لمناقشة مؤهلاته الايمانية والعلمية والإدارية، ولفحص لياقته
الشخصية للوظيفة. وبهذه الطريقة القائمة على المنافسة سيتم
اختيار الرجل المناسب للابرشية حسب رغبتها. وبفضل هذه الطريقة
للاختيار والتعين سيجتهد المطارنة والرهبان حينها لتحسين
مسلكهم وسجلهم الشخصي وإغناء جدول نشاطاتهم، للحصول على وظيفة
مطران في الأبرشية التي قدموا اليها طلبهم. وبعد ان يتم
الاتفاق بين مجلس الأبرشية مع أحد مقدمي الطلبات على كل
التفاصيل (وضمنها راتب المطران وصلاحياته وتقاعده)، يقوم
البطريرك برسامته مطراناً للابرشية إذا كان راهباً، او بتعينه
للابرشية إذا كان مطراناً.
عقوبة
توقيف المطارنة وبقية الاكليروس:
إن عقوبة توقيف المطارنة وبقية الاكليروس عن الخدمة أو طردهم
هي عقوبة فاشلة تعطي نتيجة معاكسة لذلك يجب تغييرها. ولما كانت
العقوبة ردة فعل على الأخطاء المرتكبة من قبل الكهنة بكل
درجاتهم، لذلك يجب ان تهدف الى معالجة الكهنة واصلاح نفوسهم
فنربحهم، وليس الى الانتقام منهم وتكسير رؤوسهم وإذلالهم
فتخسرهم الكنيسة،
لان هذا لا يليق بعالم المسيحية وتعاليمها. ولأجل اصلاح
المطران الذي أخطأ ومعالجته، يجب ارساله ليعيش في أحد الاديرة،
ويمكث هناك فترة معالجته كلها دون أن يخرج خارج الدير، ممارساً
التقشف الحياتي بتناول ابسط الأطعمة، والصوم الدائم، قاضياً
وقته كله في الصلاة والعبادة ودراسة الكتاب المقدس وكتب الآباء
الروحيين والتأمل الروحي، الخ. وإذا كان خطأ الكاهن المعاقب
كبيرا جداً فيجب ان يقضي طوال فترة عقوبته منفرداً في الصومعة
ممارسا الصوم والصلاة والتأمل دون الخروج منها الا لقضاء
حاجاته. وكل غلطة قابلة للعقوبة تستحق فترة معينة من الإصلاح
يحددها البطريرك للكاهن المعاقب (مطران، قس، راهب) ويحدد له
برنامجا كاملا يجب اتباعه اثناء عقوبته. وبهذا الطريقة تتاح
فرصة ذهبية للكاهن المعاقَب ان يتوب توبة حقيقة ويصلح نفسه في
الدير والصومعة الى ان تنتهي فترة عقوبته المعينة من قبل
البطريرك. وبهذا الشكل من العقوبة نكون قد ربحنا الكاهن
المعاقَب بدلاً من أن نخسره بالتوقيف أو الطرد، فيخرج بعد
انتهاء عقوبته انسانا جديدا محباً للخدمة هجر عادته السيئة
وسلبياته القديمة وأصبح انساناً جديداً ممتلئاً إيماناً ومحبة
وغيرة مسيحية حقيقية ورغبة جامحة في العمل والخدمة. إذاً، يجب
على العقوبة ان تهدف الى معالجة واصلاح اعوجاج النفوس وليس الى
تدميرها كما يجري الآن.
وأفضل مكان لإرسال المطران ليقضي فترة عقوبته وتتاح له الفرصة
لإصلاح نفسه من خلال التخلص من امراضه كحب العظمة والغرور
والشهوة والشراهة والحقد والكره وغيرها، هو الاديرة مثل دير
مار متى في العراق، ودير ما ملكي، ودير مار اوكين في
طورعابدين. لكن كون اديرتنا قد تحولت الى مزارات سياحية يتردد
اليها السواح بأعداد كبيرة ولم يبق فيها اية فسحة للحياة
الروحانية، لذلك اقترح ارسال المطارنة والرهبان المُعَاقَبين
الى الاديرة على "جبل آثوس المقدس" في اليونان، حيث يعيش
الرهبان هناك حياة بسيطة للغاية قائمة على التنسك والعبادة
والعزلة عن العالم، والعمل اليومي.
دورات
تعليمية لتثقيف البطريرك والمطارنة وتجديد علومهم:
ولأن البطريرك هو الرئيس الأعلى للكنيسة فعليه ان يجدد نفسه
باستمرار من حيث الايمان والسيرة الكهنوتية، والثقافة العامة
والعلم الكنسي، والمعاملة والإدارة الجيدة والعلاقات.
ولأن المطران هو رئيس كنيسته فعليه أيضاً ان يجدد نفسه
باستمرار من حيث الايمان والعلم والمعاملة. وكي يستطيع ان يجدد
نفسه ينبغي على البطريركية ان تخصص اسبوعاً او اكثر في كل سنة
تقدم فيه بعض البرامج الدراسية والإصلاحية للمطارنة. حيث يلتقي
جميع المطارنة في هذا الأسبوع الدراسي السنوي ويدرسون فيه بعض
المواضيع الهامة على يد علماء اختصاصيين تدعوهم البطريركية الى
هذه الاجتماعات لإلقاء محاضرات ودروس في مواضيع تتعلق
بالمسيحية والكتاب المقدس والكنيسة وطقوسها ونظامها وتاريخها
ولاهوتها ومسيرتها، ولغتها، الخ، أي تقديم دورات دراسية لتطوير
مهارات المشاركين واعدادهم، وفي نهاية الدورة الدراسية يتقدم
جميع المطارنة لامتحان عمَّا درسوه في الدورة التثقيفية. فهذه
مثلاً عادة دارجة في كل قطاعات المجتمع في السويد، حيث تعطى
دورات تثقيفية للمشاركين لأجل تطوير أنفسهم ومقدراتهم
واختصاصاتهم فينعكس ذلك في مجال عملهم. وبهذه الطريقة يتجدد
المطران باستمرار فيتمكن بدوره من تطوير ابرشيته وكهنته.
وينبغي على المطران بدوره أن يعمل دورات تثقيفية مشابهة
لاكليروس ابرشيته، مرة أو مرتين في السنة، حيث يدعو باحثين
مختصين ومحاضرين لإلقاء محاضرات تعليمية للاكليروس لنفس الهدف.
لأن الاكليروس المثقف والمهيأ بشكل جيد، والذي يجدد ايمانه
وعلمه وخبراته باستمرار، سينجح حتما في كنيسته.
ويتبع
في الجزء الثالث عشر
مع مجموعة أخرى من الأفكار الاصلاحية |