عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

اقرأ المزيد...

الدكتور أسعد صوما أسعد
باحث متخصص في تاريخ السريان ولغتهم وحضارتهم

تعقيب على مشكلة المطارنة الستة ومشاكل الكنيسة السريانية الارثوذكسية

ستوكهولم / السويد


 

الجزء الحادي عشر

بعض الأفكار الإصلاحية بخصوص المطارنة

تهدف سلسلة هذه المقالات الى إصلاح الكنيسة من نظرة حضارية ومستقبلية وتمس الصميم وتوجعه، وربما تزعج التقليديين وتخدشهم، لأنها تقوم على طرح الأمور بمنتهى الصراحة وتسمية الأشياء بأسمائها الصحيحة دون مجاملات ودون القاب.

ننتقد هنا بعض القضايا الكنسية والطقسية التي لا علاقة لها بالإيمان، بل تلك التي أصبحت من العادات السيئة التي من شأنها ان تؤثر في المطارنة وبقية الاكليروس سلباً، وتجعل بعضهم يسقط في حمأة الخطيئة بسبب أمراض الكبرياء والغرور والأنانية وحب العظمة. ونستعرض هنا بعض الأمور غير المستحبة والمظاهر السلبية في حياتهم ليروها فيعملوا على التخلص منها مباشرة، كما نقترح حزمة من الإصلاحات خاصة بالمطارنة. والدعوة موجهة للبطريرك والمطارنة للتعاون معاً للأخذ بهذه الأفكار الاصلاحية وتطبيقها في الكنيسة.

1- إلغاء الكراسي الفخمة المخصصة للمطارنة في الكنائس:

اعتادت بعض الكنائس ان تضع في هياكلها كرسيا كبيراً فاخراً لمطران الأبرشية يتميز بحجمه وتصميمه وثمنه، يجلس عليه المطران اثناء زيارته للكنيسة، فيتبختر مغروراً بين كهنته وشمامسته الجالسين على كراسي عادية. وقد تملكنا العجب حين سمعنا ان بعض المطارنة وبكل وقاحة يطلبون من الكنائس ان تعد لهم هكذا كراسي. وقد خلقت محبة الكرسي الفاخر مرضاً قاتلاً لدى بعض المطارنة، هو مرض العجرفة والكبرياء. وحينما يجلسون على هذا الكرسي المتميز يسقطون من عيون كهنتهم وشمامستهم في الهيكل، كما انهم يصغرون في عيون الناس في الكنيسة عندما يروهم جالسين على هذه الكراسي والغرور وحب العظمة قد قتلتهم من الداخل.

ان الكرسي الفاخر في الكنيسة هو رمز الكبرياء والغرور والبعد عن الايمان، وهو تماماً على نقيض حياة السيد المسيح وتعاليمه القائمة كلها على التواضع.

وقد نسي هؤلاء ان المسيحية كلها تواضع، وان حياة الرب كلها دروس عظيمة في التواضع، لكنهم يتصرفون كالكتبة والفريسيين، ويعتقدون انهم أكبر من ربهم.

نطلب من قداسة البطريرك ان يطلب من جميع الكنائس التي لها كرسي خاص للمطران ان يلغوا هذه الكراسي حالاً ويرموها، والأفضل ان يحرقوها في النار التي يشعلوها في عيد الصليب.

2- إلغاء منبر المطران:

ان البعض من كنائسنا أنشأت منبراً عالياً وضعته في فم الهيكل ليجلس عليه المطران فيراه كل الناس في الكنيسة. مقلدين في ذلك منابر الخطابة الموجودة في الكنائس الأوروبية القديمة. ان منابر الكنائس الأوروبية القديمة أنشأت ليقف عليها الواعظ ليعظ فيسمعه كل الحاضرين في الكنيسة، لأنه لم يكن هناك حينها اجهزة تكبير الصوت (وميكروفون) فاضطروا لاستعمال المنابر العالية في جانب الهيكل ليسمعوا صوتهم للجميع. هذه الحماقات التي اقتبستها بعض كنائسنا يجب ان تتوقف حالاً. لان هناك اليوم مكبرات للصوت في كل الكنائس يستعملها الكهنة والشمامسة فيسمعهم الجميع في الكنيسة ولا حاجة للمنبر الذي اضحى أداة للغرور والكبرياء لدى مطارنتنا. لذلك يجب حرق المنبر أيضا في نار عيد الصليب.

3- إلغاء لقب "سيدنا" السيء واستعمال لقب "أبونا" الجميل:

اعتاد الناس ان يطلقوا لقب "سيدنا" على البطريرك والمطران. وهذه كلمة بشعة للغاية ومنبوذة قلباً وقالباً ولا تمت الى المسيحية، ويجب الاستعاضة عنها بلقب "أبونا" الدارج بين الناس والذي هو أجمل لقب كنسي في المسيحية، خاصة ان كلمة "بطريرك" تعني "أب الآباء". ان لقب "أبونا" يمثل جوهر الدين المسيحي ويختصر تعليمه القائم على علاقة الابوة والبنوة بين المؤمنين والرب، كون جميع المسيحيين عائلة واحدة رئيسها هو الرب، والكاهن فيها "أب روحي". فاذا كان السيد المسيح قد علّمنا في صلاته ان نخاطب الرب نفسه وندعوه "ابانا الذي في السماوات" فهل البطريرك أو المطران أكبر من الله لنقول له "سيدنا" بدلاً من "ابونا"؟ ان لقب "سيدنا" هو من بقايا الأمور الكثيرة المنحرفة التي دخلت الكنيسة فأفسدت جوهر الدين المسيحي. لذلك حان الوقت لتنظيف جوهر المسيحية من الأوساخ والادناس التي علقت فيه ورميها الى المزبلة، وبينها لقب "سيدنا" البشع جداً، واستعمال لقب "أبونا" الجميل والرائع بدلاً عنه. اننا ننتظر من البطاركة والمطارنة أن يطلبوا من المؤمنين في كنائسهم ان لا يخاطبوهم من الان فصاعداً بلقب "سيدنا" بل "أبونا".

ففي السويد مثلاً لا نستعمل أي لقب لأي شخص مهما كبرت وظيفته أو عظم شأنه او بلغ عمره، بل نناديه باسمه فقط. فالوزير ورئيس الوزراء والبرفسور والطبيب ورئيس الأساقفة وغيرهم نناديهم باسمهم دون أي لقب. لذلك يتعجب السويدي عندما يفهم بان السريان يستعملون لقب "سيدنا" لمطرانهم في السويد. والأنكى من ذلك عندما يتحدث السريان مع رئيس أساقفة السويد أو مطارنة السويديين مثلاً، فينادوهم باسمهم الحاف، لكن عندما يتحدثون مع مطران سرياني فيقولون له "سيدنا".

أما في اميركا فقد وصلت السخافة والجهل بالسريان (مؤمنين واكليروس) بانهم يستعملون كلمة "سيدنا" حتى عندما يتحدثون الإنكليزية، وكأن كلمة "سيدنا" القبيحة هي مقدسة ومن الكتاب المقدس ويجب استعمالها حتى بالانكليزية، فتأمل!!!

حان الوقت إذا للبطريرك لتحرير المسيحية من الانحرافات والقيام بتنظيف كنسي عام وشامل من الداخل ومن الخارج.

4- إلغاء تقبيل يد المطارنة وبقية الاكليروس:

يجب الغاء تقبيل ايادي المطران وبقية الكهنة حالاً. فهذه عادة سيئة للغاية وبعيدة تماماً عن روح المسيحية المتواضعة، وهي من مخلفات القرون الوسطى. وكل مطران يمد يده للمؤمنين ليقبلوها فهذا كاهن مريض نفسياً يجب معالجته لدى الأطباء النفسيين، لأنه ينبغي ان يقدم صليبه الخشبي للمؤمنين للتبارك وليس يده ليقبلوها.

5- إلغاء نشيد استقبال المطارنة:

يوجد في الكنيسة السريانية نشيد سرياني يغنيه الشمامسة والشماسات اثناء استقبال المطران في الكنيسة. وهذه النشيد كله مبالغات منبوذة، وخرافات مخجلة، يصف المطران بصفات خيالية كاذبة، فيجعله كالأنبياء قداسة وكالقديسين طهارة، لذلك يجب إلغاء هذه العبارات الكاذبة من الكنيسة حالاً. عندما يسمع المطران هذا النشيد وبالرغم من انه يعلم علم اليقين بانه لا ينطبق عليه أي شيء منه ابداً، إلا انه يغتر بنفسه ويمتلكه الغرور والكبرياء. ان مضمون هذا النشيد يساهم في زرع أمراض الغرور والعجرفة والكبرياء في قلوب المطارنة، فيسقطون.

يقول مدراش (نشيد) استقبال المطارنة بنصه السرياني:

 ܬܐ ܒܫܠܡ ܪܥܝܐ ܫܪܝܪܐ

ܘܡܕܒܪܢܐ ܚܟܝܡܐ.

ܫܬܐܣܬܐ ܕܥܕܬܐ ܐܝܟ ܦܛܪܘܣ

ܘܠܦܘܠܘܣ ܕܳܡܶܝܬ ܟܠܟ.

ܐܚܐ ܘܚܒܪܐ ܕܢܒܝ̈ܐ      

ܘܒܪ ܬܓܡܐ ܬܘܒ ܕ̈ܫܠܝܚܐ.

ܛܢܢܐ ܐܝܟ ܐܠܝܐ         

ܘܒܬܘܠܐ ܐܝܟ ܝܘܚܢܢ.

ܛܘܒܐ ܠܥܕܬܐ ܕܩܒܠܬܟ.

الترجمة:

"اهلاً بك أيها الراعي الصالح والمدبر الحكيم. انت أساس الكنيسة مثل بطرس الرسول، وشبيه بولس الرسول في اعمالك. انت نظير الأنبياء، ومن طغمة الرسل، وصاحب غيرة مثل النبي إيليا، وبتول طاهر مثل يوحنا الحبيب. فهنيئاً للكنيسة التي تحل بها".

بربك أيها القارىء الكريم هل المطران الذي في كنيستك يستحق هذه الاوصاف والالقاب؟ هل هو فعلاً مثل بطرس وبولس في خدمته وتضحيته وقد استشهدا لأجل المسيح؟ هل مطرانك يشبه الأنبياء والرسل في تعاليمه ومحبته وغيرته ونزاهته وعفته؟ الجواب هو حتماً لا، فهو لا يستحق واحدا بالمائة من هذه الاوصاف. وإذا لم يكن يستحقها فلماذا تنشدها له عندما يزور كنيستك؟ أهو من باب الخجل أو المجاملة؟ لذلك حان الوقت لتنظيف الكنيسة من هذه الهرطقات والخزعبلات التي يضحك الناس فيها على المطران وهو بدوره يضحك عليهم.

بعد حذف هذا النشيد من استقبال المطارنة نقترح استعماله فقط لاستقبال البطاركة والمفارنة، رغم انه لا ينطبق عليهم ايضاً لكن لقيمته الرمزية ولرمزية درجتهم التي تدل على وحدة الكنيسة.

نحن نعلم بان بعض المطارنة سيحاولون جهدهم لإبقاء واستعمال هذا النشيد بعباراته الكاذبة لاسترضاء نفوسهم الضعيفة التي هي بحاجة الى الوصف، وانهم سيحاربون لأجله، لكن على البطريرك عدم الاستسلام والرضوخ لهم، بل الاستمرار بحملة التنظيف العام وحذف هذا النشيد.

6- إلغاء الصلبان المعدنية واستعمال صلباناً خشبية:

يجب على جميع المطارنة ان يعلقوا صلباناً خشبية في اعناقهم، وأن يحملوا دائماً صلباناً خشبية أخرى بيدهم تيمناً بصليب المسيح الخشبي الذي أصبح رمز المسيحية.

 كما يجب منع الصلبان المعدنية الكبيرة اتي يستعملها المطارنة والخوارنة على صدورهم لأنها أصبحت للزينة وليست للإيمان. ان الصليب الخشبي هو رمز المسيحية، ويجب على كل أفراد الاكليروس تعليقه على صدورهم، ليس للزينة انما للإيمان ولقيمته الرمزية في المسيحية. للأسف ان الكثيرين من الذين يعلقون الصلبان المعدنية يستعملون الصليب المعدني الكبير كزينة على صدورهم، فيتحول هذا الصليب لديهم الى أداة للغرور بدل الايمان ليذكرهم بواجبهم المسيحي والكهنوتي. لذلك ينبغي ان يكون صليب الجميع خشبياً رمزاً للتواضع.

والصليب ليس امتيازا يمنحه المطران لبعض الكهنة دون غيرهم لان هذا الفعل اهانة للصليب وليس تكريمه. ان الصليب رمز للمسيحية ومذكر لتعاليمها وليس ميدالية او قلادة زينة، وينبغي تحريره من سوء الاستعمال، لذلك واجب عل جميع افراد الاكليروس المسيحي دون استثناء ان يعلقوا صليبا خشبيا في اعناقهم.

7- منع المطارنة من الحضور في حفلات الرقص والغناء:

اعتاد بعض المطارنة البعدين عن الله والانجيل ان يتصرفوا في المجتمع وكأنهم علمانيين، حيث يحضرون أحياناً حفلات الغناء والرقص والاكل والشرب والسكر. ومعروف للجميع ان في هكذا حفلات تلبس النساء والصبايا ثياب الحفلات وتكون على الاغلب قصيرة أو متميزة تظهر منها ملامح الجسد. لذلك ليس لائقاً أبداً للمطران والراهب وحتى البطريرك (المتبتلين) الحضور لهذه الحفلات ومشاهدة الصبايا والسيدات يرقصن ورؤية ملامح اجسادهن.

المطران انسان يجب ان يحترم نفسه وأن لا يعرضها للسقوط في حمأة الخطيئة برؤية هكذا مشاهد انثوية فيها شيء من الاثارة والخلاعة، فيحملق المطران بهن وتلعب الفئران في عبه (كما يقول المثل). لذلك ينبغي عليه عدم حضور حفلات يتخللها رقص وغناء ومشروبات وثياب قصيرة تجنباً للشهوة واثارة الغرائز.

وان غرائز الرجل لا تموت ولا يحدها عمر معين، بل تستمر معه حتى في شيخوخته ولغاية مماته. لذلك جعل الأولون الرهبنة والتبتل للرجال كفلسفة تقشف وعفة، ليتغلب الرهبان بواسطتها على أنفسهم وعلى رغبة الجنس وشهوات الجسد، التي لا تنتهي عندهم لكونهم رجال حتى وان كانوا كهنة ورهبان ومطارنة طاعنين في السن.

أخبرني كاهن شيخ جليل وقور جداً قائلاً بلغة رمزية: "انه رغم شيخوختي ولحيتي البيضاء فاني أتأثر بجمال الورود ورائحتها، فكم بالأحرى إذا كان المطران أو الراهب أصغر مني بخمسين أو أربعين أو ثلاثين سنة؟" فقلت له ان بعض المطارنة والرهبان يذهبون الى الحفلات حيث السيدات والصبايا يرقصن بثياب غير محتشمة، فلماذا؟ وفاجأني بمنتهى الصراحة قائلاً: "نعم انهم يذهبون للحفلات التي فيها موسيقى ورقص خصيصاً لهذه الغاية، والنظر الى النساء وهن يرقصن". وأضاف: "يجب على أصحاب الحفلات ان لا يدعوا المطارنة والرهبان لحفلاتهم، وان صدف وحضروا في هكذا حفلة بدون دعوة، فعلى أصحاب الحفلة إخراجهم من الحفلة ورميهم الى الخارج". 

لذلك يجب على البطريرك منع المطارنة والرهبان من الذهاب الى حفلات الغناء والرقص والشرب. باستثناء الاحتفالات الثقافية والقومية والمهرجانات التراثية التي لا يتخللها رقص وخلاعة.

انتهى المقال

يتبع في الجزء الثاني عشر

 ويضم حزمة أخرى جديدة من الاصلاحات 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها