عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

اقرأ المزيد...

الدكتور أسعد صوما أسعد
باحث متخصص في تاريخ السريان ولغتهم وحضارتهم

ستوكهولم / السويد


لمحات من تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية

(الجزء السادس)

090808 

((في هذا الجزء السادس ستتعرف ايها القارىء اللبيب على مدى انتشار رقعة الكنيسة السريانية الشرقية في اصقاع بعيدة من آسيا الوسطى، وعلى عدد كراسيها المطرانية حينها والذي بلغ اكثر من 200 كرسي اسقفي منتشرة في مناطق نائية، ربما سمعتَ عنها فقط في كتب الجغرافيا وتاريخ الجغرافيا.

ان هذه الكنسية البطلة تستحق كل اعتبار وتقدير من القريب والغريب لماضيها العريق. وينبغي ان تكون مصدر فخر للكلداني والسرياني والآشوري وغيره، ومبعث اعتزاز بتاريخ اجداده السريان ليسير على خطاهم ويكتشف مجدداً تاريخه الحضاري وتراثه السرياني المسيحي الغني، فيتعرّف على عظمة اجداده الذين غدر بهم الزمن فدمّر حضارتهم المسيحية الراقية التي صنعوها، ونكل بالمآثر العظيمة التي بنوها بعرق جباههم))

المبشرون السريان المشارقة وعملهم التبشيري:

كان المبشرون السريان المشارقة يتبعون في عملهم التبشيري أسلوباً ناجحاً جداً، اذ بالاضافة الى التبشير كانت ترافق عملهم جملة خدمات. فكلما أنشأوا مطرانية جديدة افتتحوا هنالك مراكز ثقافية ومدارس للتعليم ومكتبات ومشفى لخدمة السكان الدينية والثقافية والطبية.

 ان ذاك العمل التبشيري وما رافقته من خدمات والذي قام به المبشرون السريان في القرون الوسطى سبق في اسلوبه ومجاله الارساليات التبشيرية الكاثوليكية والبروتستانتية (الاوروبية والاميركية) بعشرات القرون لانها تركز بدورها على التعليم وتقديم الخدمات الطبية والتعليمية.

 ان السريان في القرون الوسطى نالوا شهرة واسعة جداً في مجال التعليم والخدمات الطبية لابناء قومهم وللشعوب التي عاشوا بينها ومعها وبجوارها.

إذ كان المبشرون/المعلمون السريان منتشرين في كل مكان بين الشعوب التي يبشرون بينها ويعلموها لرفع مستواها الثقافي ليتمكنوا من دراسة الانجيل والكتب اللاهوتية كما فعلوا مع المغول مثلاً.

 وكان هؤلاء الرهبان السريان الذين اختيروا لمهام التبشير يسيرون وفق منهج موحد بعد ان تحدد مهام كل واحد منهم ومنطقته ليبدأ بالتعرف عليها وعلى شعوبها، فينطلقون وهم يحملون في جعبتهم الكتاب المقدس فقط.

وكان المبشرون يسيرون على الاغلب برفقة التجار السريان على طول طريق الحرير القديم مستفيدين من معرفتهم بالمناطق وخبرتهم في الترحال.

وكانوا يعيشون حياة تقشف بسيطة ومستقيمة ومليئة بالايمان والمحبة والتواضع فيقدمون صورة صادقة جميلة عن السيد المسيح وكنيسته، لذلك كانت حياتهم المسيحية تترك اثرها الايجابي اثناء التبشير فيتبعهم الناس وينضمون الى المسيحية.

ان المكتشفات الاثارية المتأخرة في مقاطعة سميريخنسك Semiryechensk في سيبيريا الجنوبية أكّدت بدون شك على ان المسيحيين في تركستان كانوا باعداد ضخمة لغاية القرن الرابع عشر وان الكثير من القبور المسيحية المكتشفة بجوار بلدات طوقمق Tokmak وبشبك Pishpek قرب بحيرة إسيك كول ، تحمل شواهد بالسريانية تتراوح ما بين عام 1249 وعام 1345، منها قبر يعود الى عام 1255 للخوري أسقف آما Ama ، وقبر آخر عام 1272 لصاحبه ويدعى زوما Zuma وألقابه:

 كاهن وقائد وامير وهو ابن القائد كافارديس Gawardis، وقبر من عام 1307 يحمل اسم جوليا زوجة الخوري الاسقف يوحنان.

وهذا ما يكشف عن عدم أخذهم بقوانين تبتّل الاساقفة هناك. ومن الاسماء التي على القبور أيضاً سبريشوع عام 1315، شليلا 1326، فصوحا عام 1338،...الخ. ان المقابر المسيحية المكتشفة شمال منعطف نهر هوانغهو Hwang-Ho منقوشة بالتركية لكن بعض المقاطع فيها جاءت بالسريانية.

 أما القبور التي تعود الى نفس الفترة والمكتشفة قرب بحيرة إيسيكول Issyk-Kul وبالاخص في المنطقة التي تشغلها اليوم مدينة آلماآطا Alma Ata العاصمة القديمة لجمهورية كازاخستان (قبل انتقال العاصمة الى آستانا عام 1997) فانها منقوشة بالسريانية بالخط السرياني الاسطرنجيلي عدا شذرات قليلة باللغة التركية المدونة بالحرف السرياني (كرشوني).

 وهذا يكشف بوضوح على ان الاتراك المسيحيين هناك استعملوا اللغة السريانية لاغراض غير كنسية ايضاً.

ان اللغة السريانية كانت اللغة الطقسية للكنيسة المسيحية في آسيا الوسطى، حيث كانت تربط جميع ابرشيات الكنيسة السريانية الشرقية بالكنيسة الام في العراق.

 لكن وجدت لغات محلية ايضاً طريقها الى تلك الكنائس لأن بعض النصوص الدينية السريانية ترجمت الى لغات محلية كالصوغدية والاويغورية.

ان البعثات الالمانية قد عثرت على شذرات من وثائق ادبية مدونة بسبع عشرة لغة محلية، وان هذا يكشف عن وجود أثنيات دينية وقومية عديدة مختلفة في آسيا الوسطى حيث انتشرت الكثير من الافكار الفلسفية والدينية مثل الكونفوشيّة والطاويّة والبوذيّة والمانوية، والمسيحية والاسلامية، وغيرها، وكل ينافس الاخر.

 لقد أثرت المسيحية السريانية والثقافة واللغة السريانية في بعض شعوب آسيا الوسطى الى حد معين، وخاصة في مجال القضايا الكنسية والتعابير اللاهوتية التي اخذ بها المواطنون المتنصرون واستعملوها، فلا غرو إن وجدنا هناك كلمات سريانية ذات صبغة دينية متداولة بين المواطنين مثل ܡܗܝܡܢܐ "مهيمنا" (مؤمن)، ܡܗܝܡܢܬܐ "مهيمنتا" (مؤمنة)، ܚܣܝܐ "حسيا" (مطران)، ܩܫܐ "قشا" (قسيس)، ܩܒܪܐ "قبرا" (قبر)، الخ.

 وحتى المغول الذين لم يدخلوا المسيحية استعملوا بدورهم ألقاباً وتعابير سريانية تقليدية نحو: ܡܪܝ ܚܣܝܐ "مار حسيا" (سيادة المطران)، ܪܒܢ "ربّان" (ربّان،  لقب الرهبان).

 ولما باشرت الكنيسة الكاثوليكية في ارسال مبعوثيها الى تلك الاصقاع كان المواطنون يخاطبونهم بالالقاب والتعابير السريانية المعتادة لديهم. وأثناء حكم الخان المغولي العظيم غويوك Guyuk، مُحب المسيحيين، كان عامة الشعب، على حد قول المؤرخ السرياني المعاصر لتلك الاحداث غريغوريوس ابن العبري (1226-1286)، يستعملون عبارة ܒܪܟܡܪܝ "برخمر" (بارك ياسيدي) في تحيتهم اليومية (تستعمل العبارة اليوم كالقاء تحية على رجال الدين).

ومن الجدير بالذكر هنا ايضاَ، ان الاسماء السريانية أخذت طريقها مع المبشرين في الانتشار بين الشعوب المسيحية هناك مثل ܥܒܕܝܫܘܥ (عبديشوع)، ܣܒܪܝܫܘܥ (سبريشوع)، ܝܠܕܐ (يلدا)، ܕܢܚܐ (دنحا)،  ܩܝܡܐ (قياما)، الخ.

جدول أبرشيات  الكنيسة السريانية الشرقية أثناء انتشارها الكبير:

ندوّن هنا أسماء الكراسي المطرفوليطية، وكل كرسي مطرفوليطي كان يحكم عدّة ابرشيات اسقفية.

 (ان المطروفوليط "أو المطرفوليط، بدون حرف الواو بعد الراء" هو مطران الابرشية الاعلى والاوحد، وقد يكون في ابرشيته الكبيرة عدة مطارنة (اساقفة) آخرين يعملوا تحت ادارته في مختلف المناطق من ابرشيته. ان كنسية المشرق بشقيّها لا زالت تسير وفق هذا التقسيم القديم بين وظيفة المطرفوليط  حاكم الابرشية ووظيفة المطران "الاسقف" التابع للمطرفوليط).

 ويقدّرعدد تلك الكراسي المطرفوليطية في القرن الثالث عشر بــ 25 كرسياً مطرفوليطياً، وكل كرسي منها يضم عشر ابرشيات اسقفية يبلغ مجوعها ما بين 200- 250 ابرشية، وتتوزع على النحو التالي:

1- الكرسي البطريركي، ويلتحق به مطرفوليط كشكر، ويتبعه أحد عشر مطراناً يقيمون في كل من الحيرة، والانبار، وكرخا، وبوازيخا، وبداريا، وطيرهان، وكوسرا، واوكبارا، وواسط، ورادا، ونفارا.

2- مطروفوليط  جنديسابور، ويتبعه مطارنة سوسة، وأهواز، وسوستر.

3- مطرفوليط  نصيبين، ويتبعه مطارنة باكردا، وبَلدا، وارزون، وغسلونا، وماردين، وآمد (دياربكر)، وميفرقط، وحران، والرقة.

4- كرسي تِرِدون،  ويضم مطروفوليط البصرة ومطارنة أوبولا، ودستانا، ونهر المرا.

5- مطروفوليط الموصل، ويتبعه مطارنة نينوى، وبيث باغاس، والحديثا، وداسينا، ونوهدرا، وارميا.

6- كرسي حدياب، ويشمل مطروفوليط أربيل، ومطارنة معلتا، وزوعبيا، وكفتون.

7- كرسي بيث غرمايى، ويضم مطروفوليط كرخا، ومطارنة دكوكا، وبوازيخا.

8- مطروفوليط حلوان ومطران حمدان.

9- كرسي فارس (برسيس)، ويشهمل مطروفوليط راوردشير، ومطارنة شيراز، وشابور، وأصطخر، وجزر سوقطرة، وقطارا، ومسميغ، ودرين، وهرموز.

10- كرسي خراسان، ويشمل مطروفوليط مَرو، ومطران نيشابور.

11- كرسي أتروباتن، ويضم مطروفوليط تاوريسيوم، ومطارنة مراغة، وأخلاط.

12- مطروفوليط هرات، ومطران سجستان.

13- كرسي أران، ويضم مطروفوليط بُردعة.

14- مطروفوليط منطقة الري Rayy بالاضافة الى مطران أصفهان.

15- كرسي ديلم، ويضم مطروفوليط مُكَر.

16- الهند، وتضم عدة كراسي مطروفوليطية وكل كرسي منها يضم عدة مطرانيات.

17- الصين، وتضم عدة كراسي مطروفوليطية في سيانفو وعدد معين من الكراسي المطرانية.

18- تركستان، وتشمل عدة كراسي مطروفوليطية في سمرقند وعدد من الكراسي المطرانية.

19- مطروفوليطية دمشق.

20- القدس، استحدثت ابرشيتها المطرانية عام 835 ثم ارتفعت لأبرشية مطروفوليطية عام 1065.

------------------

(يتبع الجزء السابع) 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها