1)
إذا نظرنا إلى الموقع المحلي الجغرافي السياسي لما يُطلق عليه
حالياً اسم سورية، لوجدنا أنها تمتد من البحر المتوسط غرباً
إلى العراق شرقاً، ومن تركيا شمالاً إلى الأردن وفلسطين
جنوباً، ولبنان في الغرب.
وضمن هذا الإطار العام تبلغ مساحة سورية الحالية 185ألف كم2.
أما إذا نظرنا إلى امتداد سورية من خلال مقياس موقعها الفلكي
على خريطة العالم، فهي تمتد على نحو خمس درجات عرض من 19 َ،
32° شمالاً تقريباً، وذلك من أقصى جنوب جبل العرب جنوباً إلى
أقصى شمال شرقي الجزيرة شمالاَ، عند ملتقى الحدود الشمالية
السورية-التركية مع نهر دجلة، كما تمتد على نحو ستٍ من درجات
الطول من 43 َ، 35° شرق غرينتش.
ويغطي هذا الامتداد المسافة بين رأس ابن هاني على البحر
المتوسط، ونقطة التقاء الحدود الشرقية السورية مع نهر دجلة.
لا يعبر موقع سورية عن أهميته العظيمة، إلا إذا نظرنا إليه من
خلال أبعاده الكاملة الحقيقية، والمدى الذي بلغه خلال التاريخ
في المجالين العربي والعالمي، إذ يكاد يكون هناك إجماع عالمي
على أهميته. وقد برز ذلك بشكل واضح وجدّي في التاريخ المعاصر،
بعد الحرب العالمية الأولى، عندما انهارت الإمبراطورية
العثمانية، التي كانت سورية قلبها النابض، وعندما حدثت
المجابهة بين حركة الاستقلال والوحدة العربية، التي اتخذت من
سورية مقراً لها، وبين الحلفاء الطامعين في تلك البقعة الخطيرة
من العالم، والذين كانوا أيضاً على موعد مشبوه مع الحركة
الصهيونية العالمية، لتحقيق تلك الأطماع. ففي ذلك الوقت، وفي
صيف عام 1919 صدر تقرير لجنة «كنغ-كرين» الأميركية، يعبر عن
الأفكار التي كانت سائدة آنذاك بالنسبة إلى أهمية موقع سورية،
وقد ورد في ذلك التقرير ما يلي:
«لما
كانت سورية جزءاً من رأس الجسر، الذي يربط بين أوروبا وآسيا
وإفريقيا ـ حيث يلتقي الشرق والغرب بصورة فريدة ـ فإن موقعها
ذو أهمية إستراتيجية، وسياسية، وتجارية. كما أن له أهمية من
زاوية الحضارة العالمية، لهذا يجب أن تتصف التسوية التي توضع
لهذه المنطقة بالعدالة، بحيث تبقى على الأقل، ذات نتائج حسنة،
لها صفة الاستمرار بالنسبة لقضية نمو حضارة خيّرة في العالم».
يتبع... |