عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

الفصل السابع

الحضارة الآرامية

تأليف

أ. دوبون سومر

  اذا كان الآراميون، الذين لهم ان استوطنوا في اقطار شتى، قد نجحوا في المحافظة على لغتهم وفي نشرها في مختلف ما هذه الاقطار وغيرها من البلدان، فانهم برغم ذلك ، لم يكونوا في بداية تاريخهم سوى جماعات من البدو ظهروا على مسرح

تاريخ المنطقة، لكنهم سرعان ما تأثروا بحضارات شعوبها واقتبسوا منها بفعل التعامل والاحتكاك، وطمعّوا ثقافاتهم بالكثير من هذه الحضارات المميزة. وما يهمنا هنا: حقلا الفنون ولآداب، اللذان سنعرضهما بإيجاز.

أولا" ـ الفن

     لم يصلنا من اعمال الآراميين القدامى الفنية الاّ القليل الذي لا يكفي للإحاطة بمحتواها الفني كما ينبغي.
    ففي ((تل حلف)) (جوزانا) الواقع في وادي نهر الخابور دلّت اعمال التنقيب، التي قام بها(( فون اويّنهايم)) عن وجود مجموعة غنية من التمثيل والنقوش يعود تاريخها، كما نعتقد، الى العهد الآرامي الممتد بين القرنين الحادي عشر والتاسع قبل الميلاد. 1. وحين دراستها يتبين مدى تأثرها بالفن الميتاني بشكل واضح. مما يدل على ان هذه البلاد كانت فيما سبق خاضعة لسيطرة ((دولة الميتابيين)) 2 . لذلك لا نستغرب ان يكون الفن الآرامي في تلك الفترة متأثرا" بالفن الميتاني. ولدينا منها الآن نماذج تبدو نابضة بالحياة وبالحركة رغم بدائيتها (الاشكال: 2 ـ 4) 3.

   وفي شمال سورية عثر في مدينة ((زنجيرلي)) وفي غيرها من الاماكن التابعة لها مثل ((ساكجا كوتزي)) على اصناف لا بأس بها من القطع الاثرية، تعود لعهود آرامية مختلفة، منها ما هو متأثر بالفن الحثي، الذي دخل الى هذا البلد مع احتلال ((الحثيين)) له، ومنها ما هو متأثر بالفن الأشّوري، بدءا من عهد الملك ((زلما ـ نصّار)9 الثالث (القرن التاسع قبل الميلاد) وللفائدة نعيد الى الاذهان، ان ملوك ((سمأل)) كانوا اتباعا للإمبراطورية الأشورية (الاشكال 8 ـ 11).

    وفي مدينة ((حماه)) الواقعة على نهر العاصي في سورية اكتشفت مسلة من البازالت، تمثل قربانا جنائزيا، وفي اعلاها صورة لنسر ذي رأسين 4 . ان العمل الفني الجاري على هذه المسلة متأثر بالفن الحثي. وبرغم ذلك فانه يتعذر تقرير فيما اذا كان هذا الاثر من اعمال الحثيين الصرف، أم انه يعود ألى عهد الآراميين المتأثر بالف الحثي.

   واخيرا ففي دمشق، أشهر عاصمة آرامية، لم نعثر الاّ على ((نقيشة)) من الحقبة الآرامية، ترمز الى ((ابي الهول))، وضعت خصيصا لترصيع احد جدران الجامع الكبير 5، الذي حل مكان معبد ((حدد)) القديم. لقد استخدم في انشاء هذه النقيشة الاسلوب الفينيقي، مما يدل على ان ملوك دمشق كانوا يلجأون الى استخدام العمال والفنيين الفينيقيين في اعمال البناء والنحت والتصوير، تماما كما فعل الملك ((سليمان)) حينما بنى ((هيكله)) في مدينة القدس. ان القطع العاجية البالغة الروعة في النحت وغيره، المكتشفة في ((ارسلان طاش)) قد نقلت من دمشق، بدليل ان احداها كانت تحتمل اسم ملك ((دمشق)) المدعو ((حزائيل))، والقطع الاخرى تعتبر نماذج هامة (الاشكال 5 ـ 7). كما اكتشفت قطع اخرى مماثلة في كل من ((مجدّو)) و((الناصرة)) و((نمرود)). وفي كل هذه القطع المكتشفة، يبدو جليا نماذج انماط فنية مستمدة من المذاهب المصرية والايجية والفينيقية. وبالقرب من مدينة حلب عثر حديثا على مسلة مزينة بنقيشة تمثل ضورة الاله ((ميلقارت)) قام بنصبها ملك ((دمشق)) المعروف باسم ((بار حدد)) الأول (راجع ايضا صفحة 54 وما بعدها). والاعمال الجارية على هذه المسلة متأثرة بالأسلوب الفني المتبع في مدينة ((زنجيزلي)) 6 .

القسم الاخير


1- هذا هو رأي معظم النقاد والباحثين. ولكن بعضهم يفترض ان بعض القطع الاثرية المكتشفة في " تل خلف" يعود تاريخها إلى زمن اقدم بكثير... ( طبعاً يجب هنا التمييز بين فخار ما قبل التاريخ في التاريخ في تل حلف وبين القطع التي نحن بصدد البحث فيها. الوراجع- الدقق).

2- دولة اسسها بعض من الشعوب الجبلية في شمال شرق سوريا في منطقة الخابور وكانت عاصمتها مدينة " واشوكانّي"، التي لم تكشف بعد راجع: تاريخ الشرق الادنى القديم، تعريب الدكتور توفيق سليمان والدكتور على ابو عساف، يطلب من دار أماني للنشر والتوزيع. المراجع - المدقق).

3- ( راحع : تموز عقيدة الخلود والتقمص في فن الشرق القديم تعريب وتحقيق الدكتور توفيق سليمان، يطلب من دار أماني للطباعة والنشر والتوزيع- طرطوس من جميع المكتبات الكبيرة. المراجع - المدقق).

4- H. Ingholt, Report Préliminaire sur sept campagnes de fouilles å Hama en Syrie, P. 80 s., Planche XXVI.
5- ان هذه الوثيقة لم تنشر بعد، غير ان المستشرق R. Dssaud اشار إليها في دراسته، التي تقدم بها إلى مؤتمر المستشرقين، الذي انعقد في باريس في تموز عام 1948م.

6-W. F. Albright, Bullettin of the American schools of Oriental research, N°87(1942),P.29.

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها