عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
  

"الأليكسو" و سقوط العقل المشرقي

الأحادية و العداء المطلق لكل ما ليس بعربي (مسلم) أحد أبرز علامات الإمبريالية العربية الإسلامية. بها تُعرف و بمثل هذا يُشار إليها و من دونها تذوي و تحتضر. و "انتصارات" الإسلام على مختلف أوجهه، عربية كانت أم فارسية أم تركية أو كردوية على سبيل المثال لا الحصر، لم تكن تتحقق لو أن سبلها "اقتصرت" على الغزو و حملات التطهير العرقي و الديني المستمرة حتّى الآن، و فرض الجزية و إجبار الشعوب على اعتناق الإسلام، و أخيراً و ليس آخراً نظام تمييزهم العنصري  الأشهر - نظام أهل الذمة فحسب. فهذا كلّه لا يكتمل دون حفلة "طهور عقلي" لمن نجا من أنياب الوحوش و سياط الجلادين و سيوفهم. فانتصار العربان يجب أن يكون ساحقاًً نقيّاً صافيا،ً لا تشوبه شائبة. انتصاراتهم لا يجوز أن تعلق بها و لو حبّة رمل من رمال صحاريهم الشاسعة العتيدة الصامدة أبداً بشموخ و إباء و امتياز في وجه رياح الحداتة و التطور. فالصحراء العربية الإسلامية شاسعة في تمدّد مستمرّ لا تتقلّص أبداً...  عجاجها و غبارها بلغا أمّهات المدن فعشّشا في عقول أهاليها و روّادها أيضا عتيّاًً. فهم إن أرادوا الحركة فإلى الوراء فقط، و إن  عنّ لهم تحويل النّظر فنحو القعر حتماً... "انتصار" العروبة المسلمة إذا يجب أن يكون كاملاً 100% أو 999،99% على أسوأ تقدير، أي على شاكلة انتخاباتهم و مبايعاتهم، أو لا يكون... و لأجل كلّ هذا و ذاك كانت "الأليكسو"... 

التنظيم الآرامي الديمقراطي

المكتب السياسي

=====================================================

نطوان نجم

 الأليكسو: فلسفة و إشكالات

محاضرة ألقيت في دير سيدة المعونات. جبيل، بدعوة من نادي أدونيس، بتاريخ 29 حزيران 1991

الكلام عن الأليكسو اي المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم لا ينفصل البتّة عن الكلام عن ميثاق الوحدة الثقافية العربية. فقد نصّت المادة 14 من دستور المنظمة على ما يلي: "يُصدّق على هذا الدستور مع التصديق على ميثاق الوحدة الثقافية العربية". اذاً، الارتباط العضوي بينهما صميمي. الميثاق هو الغاية. و المنظمة هي طريقه. فهما كلّ لا تجزأ فيه.

من هذا المنطلق أعالج موضوعي. و لذا فإني أطلق تسمية الأليكسو على أيّ من المصدرين، الاّ حيث تنبغي الإشارة إلى المرجع.

أولاً – فلسفة الأليكسو

في أساس اي نظرة و موقف او مبدأ منطلقٌ او منطلقاتٌ تشكّل الخلفية و الهدف و الركيزة و الجوهر و النُّسغ و الروح و المناخ. هذا ما يمكن أن نسميه "فلسفة النظرة".

و للأليكسو فلسفتها اي منطلقاتها الأساسية و مرتجياتها و خلفياتها و أهدافها و ركائزها و نُسغها و روحها و مناخها.

هذه الفلسفة ظاهرة في المسلّمات و البداهات المبّر عنها بمثل النصوص التالية، و هي على سبيل الأنموذج لا الحصر:

-         "الوحدة الثقافية العربية" (عنوان الميثاق و هدفه)

-         "استجابة بالشعور بالوحدة الطبيعية بين أبناء الأمة العربية" (مقدمة الميثاق)

-         "وحدة الفكر و الثقافة هي الدعامة الأساسية التي تقوم عليها الوحدة العربية" (مقدمة الميثاق)

-         "المجتمع العربي و القومية العربية" (مقدمة الميثاق)

-         "الشخصية العربية" (مقدمة الميثاق)

-         "تمكين للوحدة الفكرية بين أجزاء الوطن العربي" (المادة الأولى من الميثاق)

-         "بثّ روح  القومية العربية" (المادة الأولى من الدستور)

-         "تعيين أهداف التربية في جميع مراحل الدراسة" (المادة الأولى من الميثاق)

-         "التعريف بالثقافة العربية الإسلامية" (المادة الخامسة عشرة من الميثاق)

-         هذه المسلّمات و البداهات هي مثل ايٍّ أخرى، بمعنى أن أصحابها يعتمدونها على أنها أمور مبتوت بها و لا حاجة للنقاش حولها.

من هنا نبدأ.

إننا نرفض هذه المسلّمات و البداهات. و كل نقاش حول القبول بالأليكسو أو رفضها ينطلق من هذا الموقف.

فالأساس الأساس، إذاً، هو في موضوع القومية العربية و الوحدة العربية. فمن يقبلهما يقبل الأليكسو فكرة و هدفاً ووسيلة، و إن ناقش بعض التفاصيل و الطرائق. و من يرفضْهما يرفِضْها، و لا تعود للتفاصيل من أهمية.

و اللافت في نصوص الميثاق و الدستور أن لفظة "العروبة" لم ترد ولا مرّة على الإطلاق. و كأنما واضعوا الأليكسو أرادوا مشكورين، أن يذهبوا مباشرة إلى الهدف الصريح باستعمال التعابير الصريحة الواضحة التي لا تقبل لا التباساً و لا ابهاماً و لا مواربة و لا لفّاً و لا دوراناً. فقالوا بالقومية العربية و الوحدة العربية و الأمة العربية و الوحدة الثقافية العربية، الخ... و لم يأتوا على ذكر لفظة "العروبة" ربما لأنها لا تزال تحمل عند بعضهم غير معناها الحقيقي، و لأنها، بالتالي، مجال للاختلاف في التعريف و التحديد ففي الهدف و الرؤيا ففي الوسائل و الأساليب...

إن رفضنا، كمجتمع مسيحيين، أن نكون جزءاً من القومية العربية ليس جديداً. لذا، ليس جديداً أن نرفض الأليكسو.

لقد رفضنا الأليكسو مباشرة و وجاهياً منذ أن وُضع الميثاق و دستور المنظمة في العام 1964. و رفضنا سابقتيها في المؤتمر الثقافي العربي المنعقد في بيت مري في العام 1947، و في "المعاهدة الثقافية" بالذات التي أقرّها مجلس جامعة الدول العربية في العام 1945 و لم يؤيدها لبنان.

فانضمام لبنان إلى الأليكسو لا يعني، اذاً، ايّ تغيّر جوهري أو فجائي في اقتناع المسيحيين و رؤياهم. إنما يعني أن توازناً وطنياً ما قد كُسر مما سمح بتمرير ما لم يكن يمرّ في السابق. لقد تمّ هذا الإنضمام بسرعة غريبة و بغفلة من مجتمع غرق الى ما فوق الرأس في مأساة و لا أبشع قصمت ظهره و فتكت به.

و ندخل في فلسفة الأليكسو على نحو أعمق و أوضح اذا استعرضنا الأساليب التي تتوخاها الأليكسو و تجسّد فلسفتها.

تفول المادة الرابعة من الميثاق إن الدول الأعضاء تعمل "على بلوغ مستويات تعليمية متماثلة عن طريق تنسيق أنظمة التعليم فيها، و بخاصة توحيد السلّم التعليمي و توحيد أسس المناهج و خطط الدراسة و الكتب المدرسية و مستوى الإمتحانات..."

و تنصّ المادة الثانية عشرة على ما يلي: "توافق الدول الأعضاء على تأليف "الكتاب الأم" الذي يعدّ المرجع الرئيسي لما يؤلّف من كتب مدرسية في تاريخ البلاد العربية و حضارتها و جغرافيتها و لغتها و أدبها و مقوّمات المجتمع العربي". هكذا بالنصّ الحرفي.

و توصي المادة الرابعة و العشرون "على تعادلِ أو توحيد الشهادات في مراحل الدراسة المختلفة" بين الدول الأعضاء.

أما المادة السابعة و العشرون فتقول: تتخذ الدول الأعضاء الوسائل اللازمة للتقريب بين اتجاهاتها التشريعية التربوية و الثقافية و توحيد ما يمكن توحيده منها".

و هكذا يتبين أن الخطّ الرابط بين هذه الوسائل كلها هو التوحيد.

توحيد الفكر

توحيد الثقافة

توحيد البلاد العربية

توحيد فلسفة التربية

توحيد المستويات التعليمية

توحيد السلّم التعليمي

توحيد أسس المناهج

توحيد خطط الدراسة

توحيد التشريع التربوي

توحيد الكتب المدرسية

توحيد مستوى الإمتحانات

توحيد الشهادات

هذه "التوحيدات" كلها تعني أن فلسفة الأليكسو فلسفة تبوتق. فلسفة قولبة. فلسفة انصهار و تذويب. انصهار و تذويب في قومية عربية، في أمة عربية، في وحدة عربية. و المعروف أن القومية العربية إسلامية الشكل و المضمون و الرؤيا. و إلاّ لا وجود حقيقياً لها. و هذا لا يمكن للمسيحيين، إذا ما أرادوا أن يبقوا مسيحيين و لا يفعلون ما فعله ميشيل عفلق، أن يقبلوا به أو يتساهلوا بشأنه.

و يهمّني أيضاً أن أشير الى أن كل فلسفة تبوتق و قولبة و انصهار و تذويب، أيّاً تكن الإيديولوجية التي تقول بها أو المذهبُ الذي تعتنقه هي فلسفة طاغية توتاليتارية. إنها هكذا بحدّ ذاتها و طبيعتها. و هي، بالتالي، مناقضة كلُ التناقض للحرية و الإنفتاح و الإبداع و الإثراء و تفتّح شخصية الإنسان و التفاعل الإنساني.

ثانياً – اشكالات الأليكسو

مشكلة الأليكسو الأساسية و الجوهرية هي، اذاً، في قوميتها العربية و فلسفتها الإنصهارية التذويبية. لذا، يبدو الكلام على الإشكالات باهت اللون و من باب اللزوم ما لايلزم.

ففي القانون رقم 29 الصادر بتاريخ 24 نوفمبر 1990 الذي أجاز انضمام لبنان إلى الأليكسو وردت عبارة تقول: "و ذلك بما لا يتعارض مع أحكام الدستور اللبناني".

و هذا دليل من داخل الموضوع يبرهن أن هناك شيئاً ما غيرُ قويم.

هذا الشيء أشار إليه تماسياً وزير التربية الوطنية الشيخ بطرس حرب في جواب له يتعلق بالأليكسو، نشرته له جريدة "الأنوار" بتاريخ 5 حزيران 1991. فال السيد الوزير:

"إن لبنان لا يمكن أن يوافق على مبادئ تتنافى و دستوره. و هناك بعض البنود التي تتعارض و الدستور اللبناني. و قد تحفّظ لبنان رسمياً عليها و لاقى تحفّظه قبولاً و موافقة من قبل المؤتمرين. كما تحفّظ على القرارات التي تصدر بالأكثرية في اجتماعات منظمة الأليكسو و التي تتعارض مع الدستور اللبناني و طلب من المؤتمرين أن لايلتزم لبنان بها، فوافقت المنظمة". و يضيف الخبر في الصحيفة أن الوزير "تمنى باسم الحكومة اللبنانية أن يصار إلى تعديلِ ما يتعارض مع الدستور اللبناني في ميثاق الأليكسو كي يكون انتماءً كلياً".

1-      ما من أحد ضد التعاون و تبادل الخبرات و الإفادة المتبادلة من الطاقات و الإنفتاح و الإنطلاق و الدخول في كلّ ما يقرّب الناس إلى بعضهم بعضاً. هذا شيء. و أن تنضم دولة إلى اتفاق أو معاهدة محجّتها أن تزيل عن نصف عدد أبناء هذه الدولة شخصيتهم و خصوصيتهم و شعورهم و ثقافتهم و رؤياهم، و تفرض عليهم القومية العربية و الوحدة العربية و فلسفة انصهارية تذويبية، فهذا شيء آخر تماماً.

الأليكسو، على ما رأينا، ليس أداة لمجموعة من الدول تريد التعاون في ما بينها و الإفادة من خبرات و طاقات بعضها البعض فحسب. إنها، اساساً و جوهراً، خطة موضوعة لوطن "واحد" يلملم أجزاءه، و لشعب "واحد" يعمل على تنمية جوامعه المشتركة و تكثيفها و رصّها رصّاً إلى حدّ القولبة.

و لمعرفة الفرق بين النوعين، لنقارن ما جاء في الأليكسو و ما تنصّ عليه اليونسكو، نجد أن هذه تحقق فعلاً التعاون و التضامن و الإثراء المتبادل مع الحفاظ على هويّة كل جماعة و على الحرية و الخلق و الإبداع و الذهاب صعداً في تفتح شخصية الإنسان، فرداً و جماعة. بينما التعاون في الأليكسو و الإفادة من الإمكانات و الطاقات المادية ليست سوى أهدافٍ ثانوية و هي في خدمة الهدف الجوهري الأساسي الكبير.

في يقيننا أن الأليكسو خطر داهم رهيب على المسيحيين في لبنان، اذ يسير بهم بأسلمة تدريجية، ثقافة و إحساساً و رؤيا و وطنياً و سياسياً، نحو الأسلمة الدينية. و هذا ليس تصوراً ذهنياً. و لا حكماً على النيات. إنه ينقل صورة صادقة و دقيقة لما جرى و يجري للمسيحيين في غير بلد إسلامي عربي، و يتعظ به. و عند الجميع الخبرُ اليقين.

فهل للدُستور اللبناني إمكان في صدّ هذا الخطر؟

من جهة يقول الدسنور اللبناني إن "لبنان وطن سيّد مستقل، وطن لجميع أبنائه... هذا القول، في يقين الرافضين للقومية العربية و للفلسفة التذويبية، يكفي وحده لكي يمنع لبنان، أساساً، من الإنضمام إلى الأليكسو.

من جهة يقول الدستور اللبناني إن "لبنان وطن سيّد مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه...". هذا القول، في يقين الرافضين للقومية العربية و للفلسفة التذويبية، يكفي وحده لكي يمنع لبنانَ، أساساً، من الإنضمام إلى الأليكسو. و لكنه لم يمنعه. و ذلك لأن الدستور اللبناني، من جهة أخرى، يقول إن "لبنان عربي الهويّة و الإنتماء". و يطلب من الدولة أن تجسّد هذه الهويّة و هذا الإنتماء، مع مبادئ أخرى، "في جميع الحقول و المجالات دون استثناء". و هذا القول، في يقين القوميين العرب، يبرّر انضمام لبنان إلى الأليكسو. لا بل يوجبه.

و بذلك أدخل الدستور اللبناني اللبنانيين و يُدخلهم، المؤيدين منهم لانضمام لبنان إلى الأليكسو و المعارضين، في نقاش و جدال و صراع و توتر و احتدام و تشنّج تؤزّم المشكلة بدل من أن تجد لها حلاً، و يعمّق الهوّة بين مجموعتي الشعب اللبناني بدل من أن يقرّبهما من بعضهما بعضاً. و في أجواء انعدام التوازن الوطني، فإن الكلمة الأخيرة، عملياً، ليست للمعارضين بل للمؤيدين.

و هذا إشكال أول. و الدستور اللبناني لا يشكّل هنا لا الحماية و لا الضمانة و لا الدرع الواقي.

2-      نصّت المادة العاشرة من الدُستور اللبناني على ما يلي:

"التعليم حرّ ما لم يخل بالنظام العام أو ينافي الآداب أو يتعرّض لكرامة أحد الأديان أو المذاهب و لا يمكن أن تمسّ حقوق الطوائف من جهة إنشاء مدارسها الخاصة، على أن تسيلر في ذلك وفاقاً للأنظمة العامة التي تصدرها الدولة في شأن المعارف العمومية".

في هذه المادة ست تعابير و جمل مهمّة.

أ‌-        التعليم حرّ.

ب‌-    الإخلال بالنظام العام.

ج-  منافاة الآداب.

د-  التعرض لكرامة أحد الأديان أو المذاهب.

ه-  حقوق الطوائف في إنشاء مدارسها.

و-  الأنظمة العامة.

التعابير و الجمل من الرقم "ب" إلى الرقم "و" لا تتناقض و الأليكسو. فهذه الأخيرة لا تدعو إلى الإخلال بالنظام العام أو منافاة الآداب. و لا تتعرض لكرامة أحد الأديان أو المذاهب. و لا تعترض على حقوق الطوائف في إنشاء مدارسها. و لا تدفع المؤسسات التربوية إلى الخروج على الأنظمة العامة التي تصدرها الدولة في شأن المعارف العمومية. كلّ ذلك يتمّ على النحو الذي ينبغي أن يتحقق فيه، إنما ضمن فلسفة الأليكسو و أهدافها. فهل الدستور، هنا، يشكّل الضمانة المطلوبة.

الجواب الصريح: كلاّ.

و تبقى عبارة: التعليم حرّ.

لا يوجد توافق وطني صريح حول معنى هذه العبارة و أهدافها و مقتضياتها. و الدستور اللبناني لا يفسرها و لا يعرّفها و لا يحدّد مضمونها.

هناك من يفهمها في ضوء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و الإعلان العالمي لحقوق الطفل، و يضعها في أجواء الفلسفة الليبرالية على النمط الغربي. و المسيحيون اللبنانيون هم، إجمالاً، في هذا الخط.

أما العروبيون و اليساريون، من كل الطوائف، و المسلمون، إجمالاً، فلا يرون أي تعارض بين "حرية التعليم" إلى هيمنة الدولة، ما دامت فلسفة الدولة تتوافق و أهدافهم. و كذلك، لا يرون تعارضاً بين حرية التعليم و فرض كتاب واحد موحّد على المتعلّين، أقلّه، في مدارس الدولة، أي المدارس الرسمية. و سبق للدولة اللبنانية، قبل تعديل الدستور و الإنضمام إلى الأليكسو، أن فرضت على تلامذة المدارس الرسمية، عن طريق المركز التربوي، كتباً واحدة موحّدة معينة، و لم ترَ في ذلك أيّ مسّ في حرية التعليم. علماً أن ذلك يمسّ فعلاً حرية التعليم. لأن التلاميذ الملزمين مادياً بالإنتساب إلى المدارس الرسمية أُلزموا بالكتاب الموحّد و لم يكن لهم فيه اختيار. و إذا غضّت سلطات تربوية مسيحية النظر عن هذا الأمر أو لم توله ما يستحق من أهمية، تقصيراً منها أو إهمالاً أو إخلالاً بمسؤولياتها، فليس ذلك دليلاً على توافق ما حصل و حرية التعليم.

هذا في الماضي، فكيف في المستقبل؟

إن الزخم الذي جاءت الأليكسو في جوّه لا يشجّع كثيراً على الإعتقاد بأن الليبراليين سيُقنعون الدولة، و من ورائها، بمفهومهم لحرية التعليم. و سيدخل اللبنانيون في نقاش و جدال و صراع و توتر و احتدام و تشنّج لا يخدم الوحدة الوطنية و لا الجهد التربوي.

هذا إشكال ثانٍ. و الدستور اللبناني عاجز عن الحماية و الضملنة المطلوبتين.

3-      على صعيد التعاون بين الدول العربية و تبادل المنافع و الخبرات، قد ترسل الدولة اللبنانية بعثاتِ إلى دولر المعلمين في الدول الأعضاء في الأليكسو، حيث يتمّ صقلهم أو إعادة تأهيلهم.

و قد نصّت المادة الثالثة من الميثاق على ما يلي:

"تؤكد الدول الأعضاء أهمية العناية بإعداد المعلم العربي روحياً بتزويده بالمبادئ الدينية و القيم العربية الأصيلة، و قومياً بتزويده بالثقافة العربية، و مهنياً بتزويده بأحدث النظريات التربوية و طرق التربية و التعليم الخ...". 

هذه هي أهداف الإعداد. و هكذا سيصاغ المعلمون هناك. و هؤلاء، يوم يعودون إلى المدارس اللبنانية، و الرسمية منها بنوع خاص، ما الذي سيعلّمونه؛ و أيِّ توجيه سيوجّهون؟ و كيف ستواجه القوانينُ و الأنظمة، و حتى الدستورُ اللبناني، هذه الأوضاع في المستقبل؟

هذا إشكال ثالث. فهل من يدلّنا كيف سيحول الدستور اللبناني دونه؟

4-      جاء في المادة الرابعة من دستور المنظمة ما نصّه الحرفي: "لكل دولة عضوٍ صوتٌ واحد في المؤتمر العام. و تتخذ القرارات بالأغلبية المطلقة إلاّ في الخالات التي تنصّ فيها أحكام هذا الدستور على اشتراط أغلبية الثلثين".

على هذا الصعيد، يؤكد وزير التربية الوطنية الشيخ بطرس حرب أن المنظمة وافقت على ألاّ يلتزم لبنان بما تنصّ عليه هذه الفقرة.

إن ما نجح فيه السيد الوزير مهمّ للغاية. إلاّ أن المجازفة لا تكمن هنا فحسب. إنها أبعد من ذلك. فمن يضمن أن وزيراً للتربية آخر، ممن يُؤمنون بكل ما تؤمن به الأليكسو، لا يرى في المستقبل أن هذا القرار أو ذاك لا يتعارض و الدستور اللبناني، فيَدخل الجميع في متاهات تحاليل و شرح و فتاوىً و تحاليل و شروح و فتاوىً مضادة؟ فيقوى الشرخ في المجتمع بدل أن تساهم التربية في تضييقه.

قد يقول قائل إن المحذور الذي تثيره يتعلق بالوفاق الوطني على أمور التربية و سواها أكثر مما يعود إلى الأليكسو بحدّ ذاته. و هو مثل سواه موجود قبل الأليكسو.

نعم. هذا صحيح.

و لكن انضمام لبنان إلى الأليكسو و تبني المسؤول التربوي ما لا يشكّل قاسماً مشتركاً في ما بين اللبنانيين، يعطي هذا المحذور قبولاً رسمياً، فيصعب، بالتالي، الخروج منه. و تكون الأليكسو قد زادت في الطين بلّة.

هذا إشكال رابع. و الدستور اللبناني غير قادر على مواجهته.

5-      في نطاق "التوحيدات" التي تثيرها الأليكسو، و بخاصة ما نصّت عليها المادة الرابعة من الميثاق، كيف يمكن مواجهة هذا التحدي؟ و أذكّر أن المادة الرابعة تنصّ على ما يلي:

"تعمل الدول الأعضاء على بلوغ مستويات تعليمية متماثلة عن طريق تنسيق أنظمة التعليم فيها، و بخاصة توحيد السلّم التعليمي، و توحيد أسس المناهج، و خطط الدراسة، و الكتب المدرسية، و مستوى الإمتحانات و قواعد القبول، و تعادل الشهادات، و أساليب إعداد المعلمين و إدارة المؤسسات التعليمية".

قد يقول بعضهم إن مبدأ التعليم الحرّ هو الكفيل بوضع الأمور في نصابها.

و لكن مفهوم التعليم الحرّ ليس واحداً عند اللبنانيين، و الدستورُ اللبناني لا يتكلم على مضامينه، على ما رأينا. بل إن الدستور في مادته العاشرة يوحي و كأن الحرية كلها محصورة، بنوع خاص، في مسألة أن يكون للطوائف مدارسها الخاصة. مع التأكيد "على أن تسير (هذه المدارس) في ذلك وفاقاً للأنظمة التي تصدرها الدولة في شأن المعارف العمومية".

و الذرائع إلى "التوحيدات" عديدة. و أهمها أن يصبح للبنانيين جميعاً نظرةٌ واحدة إلى الوطن. و قد أعلنت السلطة صراحة سعيها لفرض كتاب موحّد، أقلّه، في التاريخ و التنشئة الوطنية. و قد ورد ذلك في اتفاق الطائف الذي صدقه المجلس النيابي بتاريخ 15/11/1989.

فإذا اجتمع الأليكسو إلى الطائف إلى انعدام التوازن الوطني، تعرفون النتيجة سلفاً.

هذا إشكال خامس. و الدستور اللبناني كنصٍّ – فَصْلٍ لا حول له و لا قوة على هذا الصعيد.

6-      نصّت المادة العاشرة  من ميثاق الوحدة الثقافية العربية "على أن تكون اللغة العربية لغة التعليم و الدراسات و البحث في مراحل التعليم كلها، و على الأقل في المرحلتين الإبتدائية و الثانوية و في الوقت نفسه تعمل الدول العربية على توثيق صلة طلابها بالثقافة الأدبية و العلمية و الفنية الحديثة، و مساعدتهم على إتقان الوسائل اللغوية التي تمكنهم من استيعاب هذه الثقافة".

ليس في هذا النصّ ما يحول دون تعلّم اللبنانيين لغات أجنبيةً قدر ما يشاؤونز كما ليس فيه أيّ تشجيع علني و صريح عليها. و كأنما اختصت الأليكسو، في هذا المجال بهمّ إنماء اللغة العربية و تقويتها و ترسيخها و إعطائها الأولوية المطلقة.

العربية لغتنا الرسمية

العربية أحد قواسمنا الوطنية المشتركة .

العربية طريقنا إلى التفاهم و التعاون و التفاعل مع العالم العربي.

فما من أحد يتنكر لها. على العكس تماماً. و لا مجال للخلاف حول هذا الموضوع.

إنما الأليكسو ستزيد من عمق مشكلة من عمر الإستقلال.

ذلك أن خلافاً في لبنان قائم في لبنان منذ ذلك التاريخ حول التعريب و رفض التعريب. و المقصود تعريب الرياضيات و العلوم و الفكر الفلسفي و علم النفس... و الإعتراض على التعريب لم يأتِ - و لن يأتِ – كرهاً بالعربية أو حطّاً من قيمتها    أو سعياً للحدّ من انطلاقها و إثرائها. و إنما لأسباب عملية مصلحية بحت تعود إلى أن إتقان اللغات الأجنبية هو بهدف تمكيننا من مواكبة التطور السريع و التقدم العلمي المذهل بالإضافة إلى التّعمق بثقافات عالمية و الاحتكاك العقلي و الفكري بها. و هذا الإتقان لا يأتي عن طريق حفظ المفردات و القواعد اللغوية، بل و أيضاً و خصوصاً، عن طريق الدخول مباشرة في أجوائها و تآليفها العلمية و الفكرية و الثقافية.

إن الأليكسو لم تخلق هذه المشكلة. إنما ستؤججها و تعطيها بعداً قانونياً.

هذا إشكال سادس. و الدستور اللبناني سيقف مكتوف اليدين أمامه. خصوصاً و أن المادة الحادية عشرة منه و التي نصّت على قانون يحدد الأحوال التي تستعمل بها اللغة الفرنسية (بصفتها لغة أجنبية)، لم تتجسد بعد بقانون. أما إذا صدر مثل هذا القانون و نصّ صراحة على ضرورة أو حرية أو منع تعليم الرياضيات و العلوم و الفكر الفلسفي و علم النفس باللغات الأجنبية، عندئذ يبطل هذا الإشكال.

 لا يجوز باسم الإفادة من إمكانات دول الأليكسو و طاقاتها، و الإفادة مما تتيحه هذه المعاهدة على أصعد كثيرة إيجابية أن نعتبر أن "خيرَ ذا بشرِ ذا و اذا اللهُ قد عفا".

لا. إن شرّ الأليكسو أكبر و أعمق و أبعد من خيورها كنها. و أهم ما في شرّها أنه يعتدي صراحة على شخصية نصف الشعب اللبناني و خصوصيته و شعوره و ثقافته و رؤياه، و يفرض عليه، مباشرة و مداورة، مفهوماً قومياً و تطلعاً سياسياً يرفضهما من أساسهما و يقوده إلى الأسلمة.

و لا يجوز أيضاً أن يفرض أحد على أحد نظرته. فإذا كان سوانا من اللبنانيين راغباً في الأليكسو أو في مثلها، فيجب أن يتاح له في مجال تحقيق رغبته.

لذلك،

باسم الحرية،

باسم التوافق الوطني،

باسم الحق و العدالة،

و تأكيداً على المسيرة السلمية،

لا بدّ للدولة اللبنانية من الإنسحاب من الأليكسو. و قد نصّت المادة الثانية و الثلاثون من ميثاق الوحدة الثقافية العربية على وسيلة الإمسحاب الإجرائية.

و يمكن للفريق اللبناني الراغب في الأليكسو و فوائده أن ينتسب إليه بصورة خاصة و مباشرة. فقد جاء في جزء من المادة السابعة من دستور المنظمة عنوان هو: "الهيئات العربية غير الحكومية المعنية بنواحي النشاط التربوي و الثقافي و العلمي". و تحت هذا العنوان جاء النصّ التالي: "و يجوز لبعض الهيئات و المؤسسات و الإتحادات المعنية بالتربية و الثقافة و العلوم أن تطلب الإنتساب إلى المنظمة".

و هكذا تحترم حرية الجميع. و يصل كلّ إلى حقوقه، و تنتفي الإشكالات و مخاطرَ الصراع و الإنقسام.

طبعاً، سيهبّ معارضو مثل ها الموقف إلى المناداة بالويل و الثبور و عظائم الأمور، و إلى نعي الوحدة الوطنية و الإنصهار الوطني، و إلى قذفنا بتهم الإنعزال و التقسيم و الصهينة و ما شابه.

لنا على كل ذلك ردود هادئة و مناسبة في حينها.

إن ما يهمنا هو إنقاذ الحرية بكلّ أبعادها و مقتضياتها. الحريّة غايتنا. و الإنسان الحرّ غاية الغايات. و إنّا لهذه الغاية لا بدّ واصلون.  

=====================================================

ميزانية  منظمة الالكسو العربية للعام 2003-2004 تصل إلى 17 مليون دولار

الخميس 26 ديسمبر

2002 00:10

اقر المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الكسو) الأربعاء ميزانية العام المالي 2003-2004 ووصلت أرقامها إلى 17 مليون دولار حسب ما أعلن مصدر في المنظمة التي تتخذ تونس مقرا لها   وقال المصدر ان المجلس اقر هذه الميزانية التي شهدت ارتفاعا طفيفا في الاجتماع الذي عقده للاعداد للدورة العادية للمنظمة التي ستعقد من 28 الى 30 كانون الاول/ديسمبر في تونس.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها