عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
  

 تاريــخ الارامـيـين القـديــم والحديــث

080210

 

نوري بطرس

 عاش الاراميون في الشرق القديم مع جيرانهم من الآشوريين والبابليين والكنعانيين والحيثيين. الا ان تاريخهم القديم لم يظهر الا في نهاية الالف الثاني قبل الميلاد، أي بعد السومريين والاكديين بزمان طويل. غير انهم لعبوا دوراً هاماً في ذلك التاريخ على الرغم من انهم لم يتمكنوا من تأسيس مملكة قوية مثل غيرهم من الشعوب، بسبب عدم تماسكهم واتحادهم. ومع ذلك صد الاراميون بعد توسعهم طموحات الاشوريين وسببوا مشاكل عديدة للشعوب الاخرى فاصبح تاريخهم مرتبطاً مع الشعوب المجاورة، وهناك مصادر عديدة في تاريخ آرام القديم اهمها نصوص الكتاب المقدس، وهناك ايضاً الكتابات المسمارية الاشورية، والمخطوطات الارامية القديمة التي اكتشفت مؤخرا، ويعد كتاب البروفيسور \"دوبرنت سومر\" والذي سماه (الاراميون) من المصادر المهمة في هذا الشأن(1) يقول فيه بان الاراميين هم قبائل سامية نزحت من الصحراء وراحت تغزو الاراضي الخصبة في بلاد مابين النهرين وسوريا حتى استطاعت استيطان هذه المناطق والاستيلاء على زمام الحكم فيها، ثم دخلت في صراع مع الاشوريين بعد ان استطاعت ان تكون لها موطىء قدم على شكل ممالك صغيرة.

وان كان نفوذ الاراميين السياسي قد تلاشى وزال الا ان ماتركوه للاجيال اللاحقة يعد عظيماً وزاخراً بالمنجزات، ولعل اشهر ما ابدعوه تلك الحضارة الراقية واللغة الارامية التي كتبت بها اروع النصوص الارامية حتى اصبحت اللغة الرسمية في الامبراطورية الفارسية وطغت على العبرية في فلسطين وكتب بها اليهود التلموذ والتراجم، وبالارامية تكلم المسيح وكتب بها انجيل متى. كما نجد الالهة الارامية القديمة في سوريا لا سيما (عتار كاتيس) قد عبدت لفترة طويلة. وهكذا ترك الاراميون آثاراً جليلة في تاريخ الحضارات البشرية الكبرى بلغتهم وطقوسهم اكثر مما خلفوه في تاريخهم السياسي(2) . ويصعب على الباحث ان يحدد تاريخ قدوم الاراميين الى الهلال الخصيب، الا ان اغلب المؤرخين يتفقون على انهم استطاعوا غزو الاراضي السورية وبلاد مابين النهرين، ويعطينا الكتاب المقدس (العهد القديم) معلومات مفيدة حول سكن الاراميين في منتصف الالف الثاني (ق.م) القسم الاعلى من بلاد الرافدين، وهناك صلة قرابة يبنهم وبين العبرانيين وقد ذكر في الكتاب المقدس اسم يعقوب الارامي الذي سماه (اسرائيل) او الارامي التائه(3)
في القرن الرابع عشر (ق.م) لم يجد أي باحث تاريخي اثراً يدل على صلاتهم الحضارية مع العبرانيين في النصوص الكتابية. غير ان الاراميين واصلوا تسللهم الى بلاد الرافدين ويدل على ذلك الرسالة التي ارسلها ملك الحيثيين الى ملك بابل انليل الثالث في نحو سنة (1275) ق.م. وفي نحو سنة (1200) ق.م سقطت الدولة الحيثية بينما حارب الاشوريون في عهد ملكهم اشور –ريش- ابشي في (1149) ق.م الاراميين ووصلوا في غزواتهم الى سواحل البحر المتوسط، وقد اطلق الملك الاشوري \"نبراري الثاني\" (911-890) ق.م على الاراميين تسمية (سكان الصحراء). وفي القرن العاشر ق.م شن الملك الاشوري \"بلكالا\" الاول حرباً على الممالك الارامية في حوض الفرات بعد ان شكلت مملكة هناك باسم (بيت أديني) ووصل نفوذها الى نهر البليخ ووادي الخابور ونصيبين، وسكنت قبيلة اوتواتي الارامية ضفاف دجلة من الزاب الاسفل الى نهر العظيم وبعد استقرارهم في هذه الربوع عكفوا على الزراعة والتجارة ولكن ظلت الدويلات الارامية مستقلة عن بعضها ولم تتوحد في اتحاد فدرالي، وقد حاولت الدولة الاشورية القضاء عليهم(4) .
وشعرت البلاد البابلية بالخطر الارامي مثلما شعر به الاشوريون وفي عهد \"اداد-ادين\" (1083-1062) ق.م احتلت القبائل الارامية (دور كوريكالزو) الواقعة جنوب بغداد واستطاع الاراميون قطع طرق الاتصال بين بابل وبورسيبا. كذلك انتشرت الاقوام الكلدانية قي جنوب بابل الى الخليج الفارسي (كلدو)، وفي الجانب السوري تقدم الاراميون ووصلوا (حلب) غير انهم جوبهوا بمقاومة من الحيثيين بعد انهيار كيانهم السياسي. واسس الاراميون دولة (يعودي) وقد اتخذت \"زنجرلي\" عاصمة لها وسقطت (حماة) بيد الاراميين، وقد وجدت في نصوص الكتاب المقدس انه في عهد الملك داود كان ملك حماة يدعى (يورام)(5)، والحفريات التي اجريت حديثاً كشفت عن حضارة ارامية مع كتابات ارامية كثيرة. ومن اهم الممالك الارامية في سوريا \"ارام-صوبا\" \"وارام بيت رحوب\" \"وارام دمشق\". وقد شن الملك داود حربا على الاراميين كما ذكر في سفر صموئيل. (8/3-10) وفي بلاد ما بين النهرين تغلب الملك الاشوري على الاراميين مما ادى الى تقليص نفوذهم حيث استطاع \"اشور ناصربال\" (883-859) ق.م توسيع نفوذه حتى وصل حدود بابل، وقد انهكت الحروب الاشورية المستمرة الممالك الارامية مما اضطرتها الى النزوح نحو البلاد البابلية واستمرت في نزوحها حتى وصلت عيلام في القرن التاسع (ق.م). ومن اهم القبائل التي استوطنت بابل قبيلة \"اوتوع\" \"وربوع\" \"وحريلو\" \"ولبدودو\" وهذه كلها اسماء قبائل آرامية سكنت بابل(6).

وكان \"مردوخ بلادان\" قد شن حرباً على \"سرجون\" عندما تربع على عرش المملكة البابلية سنة (722) ق.م بينما، حاول الملك الاشوري ان يقابل القبائل الارامية والكلدانية، وكان الكلدانيون وبنو جلدتهم الاراميين لا يزالون يسكنون بلاد بابل رغم الضربات القاسية التي انهالت عليهم، حتى احتل القائد الكلداني \"نبوبلاسر\" بلاد بابل واعلن نفسه ملكاً عليها واستولى على نينوى في سنة (612) ق.م بمساعدة الماديين وحلت محلها المملكة الكلدانية، وامتزج آراميو بابل في المملكة الجديدة، ولم يتلاش كيانهم السياسي على الرغم من انهم فقدوا استقلالهم منذ القرن التاسع والثامن (ق.م) وظلوا في كل مكان من بلاد ما بين النهرين وسوريا، وحتى انتهى تاريخهم السياسي بعد ان لعبوا دوراً هاماً مدة اربعة او خمسة قرون، هؤلاء الذين قدموا من الصحراء وانتشروا في شتى الامكنة وفي اغلب البقاع في الشرق الادنى القديم استمروا في اثبات وجودهم على صعيد آخر، فقد بقيت لغتهم وطغت على لغات البلدان والممالك القديمة مدة الف سنة، وهي لغة سامية مثل الاشورية والبابلية والفينيقية والعبرانية، وقد عثر على الكثير من الكتابات الارامية القديمة في مختلف المناطق، فقد وجدت كتابة قصيرة منحوتة على مذبح صغير في ما بين النهرين في (غوزانا) تل ملف الحالية وهي عاصمة دويلة آرامية، كما وجدت نقوش آرامية بالقرب من حلب في القرن التاسع (ق.م)، وكتابة منحوتة على نقش بارز في حران باسم الملك (بعل) اله حران او الآله قمر. غير ان الالفباء المكتوبة ظهرت في فينيقية في نهاية الالف الثاني. وقد اخذ الاراميون بعضاً من الابجدية الفينيقية واضافوا اليها الحروف الاخرى ويشهد بذلك نصب \"ملقارت\" التي ترتقي كتابته الى النصف الاول من القرن التاسع، اذ كتبت باللغة الارامية الخالصة وعثر عليه في حلب روش حبة اخرى فقد اقتضت العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين مختلف الدويلات الارامية استعمال لغة واحدة في وقت مبكر تكون لغة آرام كله(7) وعند الاطلاع على التاريخ العلم للعالم الارامي في القرن الثامن نجد ان العصر الذهبـي للغة الارامية كانت في ذلك الزمان. وربما في القرن العاشر عندما كانت الدويلات الارامية على اشدها(8)، وقد فرضت اللغة الارامية ذاتها حتى على الغزاة فكان هناك كتبة اراميين في الادارة الاشورية(9) وكانت الدولة الارامية مفهومة عند بعض رؤساء اورشليم. وهناك مراسلات عثر عليها في الدولة الاشورية مكتوبة بالارامية وخاصة في عهد \"اشور بانيبال\" سنة (650) ق.م على الرغم من انها لم تكن اللغة الرسمية(10). وهناك الواح من الفخار عثر عليها في نينوى واشور وغوزانا كتبت عليها بالاشورية والارامية، وكان الاشوريون والاراميون يعيشون جنباً الى جنب في مدن عديدة من بلاد ما بين النهرين. وفي سنة (636) ق.م حينما جلس \"نابوبلاسر\" على العرش الكلداني في بابل واسس سلالة بابلية جديدة اخذت اللغة الارامية تكتسب حيوية وازدهاراً وكان الطابوق البابلي لا تزال عليه كتابات مسمارية واخرى آرامية وهذه اشارات على ان الارامية والاكدية كانت تستعمل جنباً الى جنب ردحاً من الزمن(10) حتى باتت لغة المراسلات الدبلوماسية. وعندما سقطت بابل على يد \"كورش\" في (539) ق.م سرعان ما اصبحت الارامية لغة الامبراطورية الفارسية الرسمية، وكانت المراسلات بين مصر وفارس بلغة آرامية مما يدل على انها كانت لغة دولية، اما في البلاد البابلية فقد عثر على الواح في مدن بابلية كثيرة على انها كتابات آرامية مثل بابل واوروك ونيبور آرامية. وكانت الهند وافغانستان وبلاد اخرى في آسيا قد فتحت ابوابها امام اللغة الارامية منذ العصر الاخميني وفي اريحا في فلسطين عثرت على كتابات آرامية، وفي مصر وجدت بعض الوثائق الارامية في عهد العصر الفارسي. وهذا مما يؤكد قول المؤرخين ان المملكة الفارسية كانت آرامية في ثقافتها وكتاباتها ونشاطها الدبلوماسي. وان احتكاك الارامية باليونانية جعلها تتلقى عدداً غير يسير من الكلمات اليونانية. وكما تطورت اللغة تطورت الكتابة فنشأت نماذج جديدة من الكتابة الارامية منها العبراني والنبطي والتدمري والسرياني(11). ومن المحتمل ان يكون سفر دانيال الذي يعود تاريخ بعض اجزائه الى سنة (167) ق.م قد كتب بالارامية. فآرامية الكتاب المقدس يطلق عليها اسم الكلدانية وهي الارامية الوحيدة التي عرفت في عهد ما قبل الميلاد، وفي عهد المسيح كانت اللغة الوحيدة التي تكلم بها الشعب وكتبت بها الأناجيل، وبحلول القرن السابع الميلادي وبسبب الغزو العربي انقرضت الارامية الغربية ولكن بقيت الكثير من المناطق تستعمل الارامية في عدة قرى ومدن متفرقة في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين. وكانت تدمر قبل سقوطها بيد الرومان تهدي لنا عدداً وافراً من الكتابات الارامية وكانت على اتصال وثيق مع بلاد ما بين النهرين.
ومنذ انتشار المسيحية اخذت الارامية تترسخ في النصوص الادبية ولهجاتها الرئيسية فاصبحت السريانية لغة الرها وكتب فيها ادب غزير لا سيما اللاهوتي. وعاشت السريانية حتى القرن الثالث عشر كلفة ادبية، ونقلت اليهم مؤلفات اليونان العلمية ومازالت الارامية الى اليوم اللغة الطقسية كجماعات مسيحية في عديدة في الشرق الاوسط والجماعات المسيحية في طور عبدين وشمال العراق والموصل واطرافها وشرق بحيرة اورمية، ولازالت في جوهرها تلك اللغة التي تكلم بها الاراميون الى بلاد ما بين النهرين قبل (3000) سنة(12).

ومن اهم الاثار الارامية التي تدل على عظمة الفن الارامي القديم ما عثر عليه من نقش بارز في دمشق التي كانت عاصمة اهم دولة آرامية ويمثل وحشاً وهمياً. وفي \"زنجرلي\" في شمال سوريا عثر على آثار آرامية تدل على روعة الفن الآرامي القديم. ومازال المعبد الآرامي في هيرا بوليس المدينة الواقعة غربي نهر الفرات في سوريا باقياً على عظمته، وقد اشار اليه \"لوقيانوس السميساطي\" في الآلهة السورية(13). وتشتهر حلب بمعبدها القديم الذي يدل على الاثار الارامية القديمة.

الهوامش والمصادر

1- ترجم الاب البير ابونا قسماً من الكتاب ونشره في مجلة سومر الجزء الاول والثاني. المجلد التاسع عشر لسنة (1963).
2-
المطران جورج حبيب، السريان الاراميون من امسهم الغابر الى يومهم الحاضر ص31. مطبعة الاديب- دمشق (1998).
3-
جاء ذلك في تثنية الاشتراع من الاسفار الخمسة الاولى من العهد القديم (26/5).

4- لنكبل: تاريخ بلاد بابل واشور، ترجمة البير ابونا مجلة سومر الجزء الاول المجلد السادس عشر لسنة (1960).

5- جاء ذكرها في سفر صمؤئيل (9/8-10) (14/47).

6- سبتينو موسكاتي: الحضارات السامية القديمة ترجمة الدكتور يعقوب بكر، ص175.

7- البير ابونا: ادب اللغة الارامية، ص16 دار المشرق بيروت (1995).

8- جورج رو: العراق القديم، ترجمة حسين علوان وزارة الاعلام (1984).

9-جان بوتيرو: الكتابة –العقل- الالهة، ص81 ترجمة البير ابونا مراجعة د. وليد الجادد وزارة الاعلام (1990) .

10-هاري ساكز: عظمة بابل، ص172 ترجمة د. عامر سليمان (1979).

11- ليو اونيهايم: بلاد ما بين النهرين، ص199 ترجمة سعدي فيضي دار الرشيد (1981).

12- كوركيس عواد: تحقيقات بلدانية تاريخية اثرية في شرق الموصل. مجلة سومر، الجزء الاول والثاني (1961)

ص43.
13-
من اعمال لوقا السميساطي:مختارات من محاوراته، ص235 ترجمها سعد صائب ومفيد عرنوق وزارة الاعلام

سلسلة الكتب المترجمة (1979).

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها