عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 ناجي نعمان  

 المَوارِنَة أُعطوا لبنانَ، فهل حافظوا عليه؟

 ناجي نعمان في ثنائيه:

 صدرتْ عن منشورات المكتبة البولُسيَّة، من ضمن سلسلة "أمسِيات الأحد"، ثنائيه للأديب والباحث ناجي نعمان، تحملُ العنوانَين الآتيَين: "المَوارِنَة من السَّهل إلى الجبل" و"المَوارِنَة من الجبل إلى المدينة"، وذلك لِمناسبة مرور ستَّةَ عشرَ قرنًا على التَّاريخ المُفتَرَض لوفاة القدِّيس مارون.

يَلِجُ نعمانُ ثنائيَّتَه بتَساؤل، فيقول: لَطالَما فاقَتْ شهرةُ المَوارِنَة أعدادَهم ومناطقَ وُجودهم؛ ذلك أنَّهم، بعد نَشأتهم في وادي العاصي (سوريا الحاليَّة)، انتَقلوا إلى لبنانَ، وجعَلوا منه حِصنَهم، حتَّى امتَزَجَ تاريخُهم بتاريخه، واسمُهم بِاسمه.

                 ويُضيف: تَمَسَّكَ المَوارِنَة - ولاسيَّما في أزمان الاضطِهادات الطَّويلة الَّتي تَعرَّضوا لها مع سائر المَجموعات المسيحيَّة في هذا المَشرِق - بصَلابة مُعتقَدهم ونَقاوة مُمارسة شعائرهم الدِّينيَّة، فحُفِظوا في الأرض الَّتي حافَظوا عليها. بَيدَ أنَّهم، لمَّا استَقَرَّتْ بهم الأحوالُ في لبنانَ بُعيدَ الاستِقلال، لم يَتَمَكَّنوا من الحفاظ على ما أُعطُوا، ولا على أنفسهم، فزادَتْ هجرةُ بَنيهم إلى خارج لبنان، وضَعفَ تأثيرُهم في هذا البلد، وانعَكسَ ذلك تَراجُعًا في تأثير المسيحيِّين ككلّ، في لبنانَ والمَشرِق.

 ويجولُ نعمان، في الجزء الأوَّل من ثنائيَّته، في تاريخ الموارنة، من حياة القدِّيس مارون إلى زمن الاضطرابات في القرن التَّاسعَ عشر، مُلقِيًا الضَّوءَ على انتقال الموارنة إلى لبنان، وعلاقتهم بالجراجمة-المردة، والمونوتيليَّة التي عرفوا، ونشأة البطريركيَّة المارونيَّة على يد يوحنَّا مارون، ودور الموارنة خلال الحملات الصَّليبيَّة، كما في زمن المعنيِّين والشَّهابيِّين. وهو، في ذلك، لا يُوردُ التَّاريخَ المُعلَنَ للأحداث فحَسب، بل يُحاول، عبرَ تقديم الطُّروحات المُعاكِسَة لما هو مُعتَقَدٌ صحيحًا، بلوغَ الوقائع متى أمكنَ له ذلك.

 وينتقلُ نعمان، في الجزء الثَّاني من الثُّنائيَّة، إلى الكلام على المَوارِنَة خلال القرن العِشرين، وإلى اليوم، فيذكرُ حالَهم بين الحربَين العالميَّتَين، كما في زمن التَّبَدُّلات الكبرى الَّتي عرفَها لبنان بُعيدَ الاستِقلال، قبل أن ينتقلَ إلى الحديث عن ما عُرف بالمارونيَّة السِّياسيَّة، فعن تنظيمات الموارنة السِّياسيَّة، ومؤسَّساتهم الرّهبانيَّة، وقدِّيسيهم، وأعدادهم، ودورهم الثَّقافيّ.

ويُنهي نعمان الجزءَ الثَّاني قائِلاً: ناضلَ المسيحيُّون بعامَّةٍ، المَوارِنَة بخاصَّةٍ، للبقاء في هذا المَشرِق، وذلك من أجل الحفاظ على معتقدهم والتمتع بالحريات الجَماعيَّة والفَرديَّة؛ وتحملوا ، في هذا السَّبيل، شتَّى الاضطِهادات.

ويُضيف: استَطاعَ الموارنة ، على مراحل، التمركز في لبنان، وجعله مقراً دائمًا لهم، يَقيهم شر الخضوع للآخرين. وتوصلوا إلى التَّحكُّم بمَصير جبل لبنان، لا بَل رَبطوا مصيرَه بمصيرهم، ولَطالَما كان شعارهم: إمَّا العَيشُ في لبنان، وإمَّا المَوْتُ فيه. فهلا يزال هذا الشِّعارُ قائما، أم ان ترك صخر الجبل إلى رَفاه المدينة افقد الموارنة شأنَهم وشأوَهم، وإِذ دَعاهُمُ البحرُ لَبَّوا النِّداءَ، وأكثَروا؟

ويتساءَل: لقد أُعطِيَ الموارنة لبنانَ، لا بَل استحقوه، فهل حافَظوا عليه؟ ذاك سؤالٌ تبقى إجابتُه في ضمير كلِّ فَردٍ، كما على همَّة تأريخ الجَماعة.

 هذا، ويصدرُ قريبًا لنعمان، عن دار نعمان للثَّقافة، كتابٌ بعنوان "المسيحيُّون، خَميرةُ المَشرِق وخَمرتُه"، يَستندُ إلى أعمالٍ سابقةٍ للمؤلِّف، ويَجمَعُ كلَّ ما كتبَه في موضوع المسيحيِّين المَشرِقيِّين. وسيُعرَضُ هذا الكتاب، على العكس من كتب نعمان السَّابقة، للمَبيع، وإنْ كان مَردودُه، هو الآخر، سيصبُّ في خانة المجَّانيَّة، إذ سيُحوَّلُ لِدَعم صُمود اللُّبنانيِّين، كلِّ اللُّبنانيِّين، في أرض أجدادهم.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها