لو فرضنا مثلا أننا رغبنا في التدخل في خصوصياتهم، فهل سنصل في لحظة ما
لدرجة
خرابهم ودمارهم وتفشّيهم في حياتنا العامة والخاصة؟ فكلما سمعتُ عبارة "لن
نتدخل في
الشأن السوري الداخلي"، قارنتُها بآثار النظام البعثي الحاكم في كل عائلة
لبنانية
وحتى سورية، وفي كلّ قرية آمنة ومدينة هانئة، وفي أمتعة كل مهاجر ومُهجّر.
كم من سوري معتقل في أقبية وزارة الدفاع وفي سجنَي رومية وطرابلس؟ إن أردت
أن
تعرف الجواب، فاسأل الأمهات المحجبات المعتصمات في خيمة المعتقلين
والمفقودين أمام
مقر "الاسكوا" في وسط بيروت.
وإذا رغبت في معرفة عديد القواتيين والكتائبيين والأحرار وشباب "المقاومة
اللبنانية" وعناصر الجيش اللبناني الذين قصفوا واحتلوا وحاصروا حمص وحماه
ودرعا
وبنياس وقتلوا المواطنين الأبرياء، فما عليك سوى أن تسأل شهودا عيان من
الأشرفية
التي افترشوا ملاجئها طيلة حرب المئة يوم.
أمّا عن عمليات الاغتيال ومحاولات التصفية التي قام بها جهاز الأمن في
القوات
اللبنانية بالتعاون مع المخابرات اللبنانية على الأراضي السورية، فلا تُحصى
ولا
تعدّ. وإن أردت إحصاءات دقيقة في شأنها، فالشهيد غازي أبو كرّوم، ابن
الشوف، الذي
سقط صبيحة الاول من تشرين 2004، سيعطيك الجواب الشافي حتماً.
حسناً، سأنسى كل ما تقدم. لكن كيف أمحو من ذاكرتي ذاك الناظر الحلبي الذي
تحكّم
بحرية الرأي في مدرستنا الواقعة في منطقة الدورة- برج حمود؟ كيف أنسى حين
كنت في صف
"البروفيه"
عندما أخرجني بالقوة هذا الناظر "المنفوخ" بهواء مخابراته، من الطابور
في الملعب لأنني أردت المشاركة في اعتصام تلاميذ المعارضة حينذاك، لأننا
رفضنا
الاحتفال بالاستقلال تحت حكم الاحتلال والوصاية؟
بعد هذا الفصل اليسير من موسوعات النظام البعثي السوري في الاجرام
والمعاناة
والارهاب الفكري والجسدي، ولا أتدخل؟ طبعا طبعا طبعا ومن حقّي الطبيعي أن
أتدخل!
سأتدخل
لتسجيل الموقف فقط مع كل تمنياتي لو باستطاعتي تقديم الدعم اللوجيستي
وحتى الميداني! علماً وبخلاف ما يروّج النظام البعثي عن إمداد لبناني
لمجموعات
مسلحة سورية، باستحالة إدخال شفرة حلاقة إلى سوريا من دون علم اجهزة النظام
الامنية
والبوليسية والجمركية
!
ساتدخل للرد على دريد لحام واقول له : إذا كانت محاربة إسرائيل واسترداد
"الجولان"
من خارج مهمات الجيش السوري، فما رأيك لو يستعين نظامك بكافة الاجهزة في
المقاومة الاسلامية في لبنان-حزب الله للقيام بالواجب بدل لعب دور الوسيط
في نقل
السلاح من ايران الى مشروعها اللبناني والكف عن الادعاء انكم دولة ممناعة
ومقاومة
؟؟!... على ما يبدو ان "غوار الطوشي" قد مات في نفسك، و ان حلمك في اسقاط
"بدري بيك
ابو كلبشة" قد تحوّل الى "متلازمة استكهولم"!
سأتدخل لأقول للشعب السوري الثائر:
·
نشعر بوجعكم لطالماً تذوقنا المرارة نفسها ومن الجلاد ذاته. قاوموا كما
قاومنا
وصامدنا، ولا تُدخِلوا ثورتكم في زاروب الطائفية لأن جميع الشرائح السورية
تضررت من
مخالب النظام البعثي.
·
نحس مع عائلات الضحايا، فعلى حائط كل بيت لبناني صورة شهيد سقط برصاص بعثي
ومن
لف لفيفه!
·
لن ولم نكنّ الكره والبغض لكم كشعب غُلب على أمره من نظام ديكتاتوري فاشٍ
نازٍ،
حائز على كأس العالم في الوحشية واللاإنسانية لأكثر من ثلاثين عاماً على
التوالي!
ولكن، لن نسامحكم إن فشلتم في إسقاطه ولم تأتوا بنظام ديمقراطي عادل يعرف
تماماً
معنى الحرية والحياة ودينامية الشعوب، نظام يتناوب عليه العلوي والدرزي
والسنّي
والمسيحي بالتداور.
·
من استبدل كلمة "حالة طوارىء" بـ "قانون مكافحة الارهاب"، لا تتوقعوا منه
اصلاحات ولا ترضوا ان تأخدوها من يديه الملطختين بدم الاطفال والنساء
واصحاب الرأي
الحر. مصير المنطقة متوقف على شجاعتكم واستبسالكم وليكن الرب بعونكم
أبداً.
أمّا
للشعب اللبناني العريق، فأقول: كما تسعون دائما إلى رفض الديكتاتوريات في
باقي الدول وإلى رفض التدخلات والوصايات الخارجية عليكم، كذلك يأتي دوركم
اليوم
لإسقاط الطغاة والمتغطرسين في دوائركم الصغيرة: في شوارعكم، في وظائفكم، في
قياداتكم، في مؤسسات الدولة واجهزتها، في البيوت الروحية، في الأحزاب، في
الجمعيات
والمدارس والجامعات... فلقد حان الوقت فعلاً لتجلي النموذج اللبناني في
ممارسة
الديمقراطية الشاملة والرائد في المؤسسات المنتظمة البعيدة عن الفساد
والتفرّد
والشمولية.