عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

مقترحات لحل الأزمة السورية من دون فراغ دستوري

المحامي محمد أحمد بكور

ان النظام الحاكم سورية وبعد مرور ثلاثة أشهر على اندلاع الانتفاضة وتصاعدها، والتي تعاطى معها بوحشية، فأستخدم القوة المفرطة والأسلحة الثقيلة، مما أودى بحياة المئات من الشهداء والاف الجرحى والمعتقلين، قد برهن على عدم توفر النية والارادة للتغيير والاصلاح، وانه مصر على خيارالحل الامني وغير جاد بحل سلمي لرفضه كل الدعوات بالانتقال من الاستبداد الى الديمقراطية.

       ولهذا فان ادعاءات النظام بالدعوة الى الحوار الوطني ما هي الا ممارسة للماطلة والتضليل والتدليس وكسب الوقت، لانه يراهن على نجاح خيار الحل الامني، ومعتقد بانه بمزيد من القمع والبطش والقتل والتنكيل والارهاب، سيوصل الشعب الى الارهاق واليأس ليتخلى عن أهدافه.

       ان ما يعلنه النظام عن الحوار الوطني هو مجرد كذبة كبرى يبغي من ورائها تخدير الشارع الملتهب؛ لان أي حوار جدي ان لم يتجاوزه الزمن له شروطه التي تقوم على الآتي :

أولاً : توفر مواطنين يتمتعون بحريتهم، وتوفرمساواة بين جميع الاطراف بمعنى اخر حوار حول طاولة مستديرة.

ثانياً : تحديد الموضوع وجدول الاعمال أي مع من ؟ وعلى ماذا ؟، ونرى ان في مقدمة جدول الاعمال تعديل شبه كامل للدستور او الغائه، وكيفية نقل السلطة سلمياً الى حكومة انتقالية وليس حوار شكلياً يراد به تبرير نهج النظام وسياساته لا تغييرها باستخدامه انتهازيين وضعفاء من الصم والبكم والعمي، ومناقشة بعض القضايا المعاشية وتجزئة الازمة الوطنية على مستوى المحافظات وهذا ما يتردد على ألسنة المسؤولين ومنهم وزير الاعلام، فالازمة شاملة ومتعددة الجوانب وأكبر وأبعد من الحاجات اليومية مع أهميتها ويعلمون ان حركة الشعب هي تعبير عن صيرورة تاريخية وقضية اقتصادية واجتماعية وسياسية وحرية وكرامة بامتياز، ولا يحلها حشد الموالين والضعفاء لاقرار الاملاءات والخروج الى الشعب باعلان اتفاق اذعان يمثل ارادة النظام وسياساته.

       ان الحوار الوطني الفعلي هو مع قادة التظاهرات، فهم الممثلون الحقيقيون في الساحة السورية، ان لم يجدوا ان قد فات أوانه؛ لان النظام فقد كل ما يملكه من شرعية شكلية وفعلية، والاهم خسارته الشرعية الشعبية لإيغاله في دم أبناء الوطن تحت ذريعة التآمر وعصابات مسلحة وسلفية، وباقامة امارة اسلامية هنا وهناك لاستجداء التأييد الخارجي من دول اقليمية وكبرى وعظمى، وهو يجتر الاتهامات التي سبقه بها حكام تونس ومصر وليبيا واليمن، ولارتكابه حماقات وفظاعات ومجازر في كل المناطق السورية، وما حدث يوم جمعة أطفال الحرية في 3 ايار 2011 يعيد للذاكرة الاحداث الدامية والمجازر الجماعية للاعوام 1979 – 1982، وسياسة البطش والقبضة الفولاذية على النقابات المهنية والعلمية والتمثيل ببعض قادتها، ومذابح سجن تدمر وحماة وجسرالشغور التي تعد من جرائم الابادة الجماعية والتي سيحاسب عليها.

       وان هذا يؤكد ان النظام غير اهل للثقة او مؤهل للقيام بحل سياسي وخاصة بعد ان اعلن مساعد أمين قطر حزبه محمد سعيد بخيتان ان لا تغيير للمادة 8 من الدستور، وسبق لهذا الدعي بان أعلن ان نظامه على استعداد للتضحية بثلث الشعب السوري.

       لقد فوت النظام في سورية فرصاً كثيرة ولو انه كان جاداً لتجنب خيار الحل الامني واراقة الدماء التي أغرقت كل الفرص عند الكثيرين وأوصلت أكثرية الشعب السوري لقناعة بان راس الهرم السياسي ليس عقبة وانما معاد للتغيير والاصلاح، ومع ذلك ربما ما تزال امام الرئيس فرصة أخيرة ليؤدي عملاً وطنياً باتخاذ خطوة تاريخية بان يكون جسراً للعبور الى الديمقراطية واقامة دولة القانون التي يتساوى فيها جميع المواطنين من دون تمييز، ويكون صمام امان للحفاظ على وحدة البلاد وتجنيبها الكوارث لكي لا يجرها اصحاب المصالح  لحرب اهلية ويلقون بها الى الهاوية.

       وانطلاقاً من ايماننا بتعدد الرؤى ووجهات النظر وللخروج من المأزق الخطير، فان واجب المسؤولية الوطنية والتاريخية تدفعنا لندلوا برأينا ونعرض مقترحاتنا على كل المعنيين في الداخل أولاً والخارج ثانياً ثوار وسياسيين وقانونيين، لايجاد حل لهذه الأزمة الخطيرة التي تعصف بالبلاد والعباد، ولا ندعي العصمة فمن اجتهد وأخطأ فله أجر ومن أصاب له أجران، وتتلخص مبادرتنا بان يؤدي الرئيس بشار الأسد بما يملكه من صلاحيات دستورية دوراً وسيطاً للانتقال السلمي الى الديمقراطية ومن دون ان يحدث فراغاً دستورياً وتكون البلاد معرضة للفوضى والاضطراب والشلل باتخاذه الخطوات الآتية :

1-  اصدار أوامر جدية بوقف اطلاق النار كونه رئيساً للدولة وقائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة، وسحب القوات الامنية والمجموعات المسلحة التابعة لها والوحدات العسكرية، ليبقى الجيش حامياً للوطن وسيادته ورمزاً لوحدته، واحالة المسؤولين عن القتل والبطش الى المحاكم.

2-  التوقف الرسمي عن التعبئة الطائفية علنية وسرية، اعلاماً وخطاباً سياسياً.

3-  اصدار عفو عام شامل وحقيقي عن كل الجرائم السياسية للمحكومين والملاحقين في الداخل والخارج.

4-  التخلي عن أساليب الحيل القانونية والتحايل السياسي كما جرى بالغاء حالة الطوارئ.

5-  ممارسة حقه الدستوري بموجب المادة 149 باقتراح تعديل مواد الدستور التي تكرس الحزب القائد للدولة والمجتمع وتمركز السلطات التي أدت الى الاستبداد، واصدار مراسيم تلغي كافة القوانين والقرارات الاستثنائية المعطلة للحريات، أو ممارسة حقه بموجب المادة 61 والمادة 108 بدعوة ما يسمى بمجلس الشعب والطلب منه تعديل الدستور بما يتلائم مع المطالب الشعبية والضرورات التي توفر الاجواء للانتقال الى الديمقراطية، ويطال التعديل تمديد فترة التسعين يوماً لانتخاب رئيس للجمهورية، وكذلك تمديد الفترة المحددة لانتخاب مجلس للشعب.

6-  اقالة نواب الرئيس، وتشكيل حكومة وحدة وطنية من الكفاءات الوطنية برئاسة شخصية مستقلة، تنال موافقة المعارضة الشعبية والسياسية في الداخل، تكون مهمتها تسيير الاعمال، والاعداد لانتخابات هيئة تأسيسية تضع دستوراً للبلاد، وتشرف على انتخابات مجلس للشعب وتكليف رئيس الوزراء بصلاحيات الرئيس حسب الدستور لعدم وجود نواب له بعد اقالتهم.

7-  يصدر الرئيس قراراً بحل ما يسمى بمجلس الشعب بموجب صلاحياته المنصوص عنها بالمادة 107 من الدستور.

ان هذه المقترحات يجب ان تنفذ في مدة أقصاها شهرين، ويسمح خلالها بالتظاهرات السلمية حتى يتم التأكد من تحقيقها.

   ان هذه الاجراءات تتيح الانتقال السلمي الى الديمقراطية من دون فراغ دستوري قد يؤدي الى الارباك والفوضى، وبمناخ حرية نسبي بعد التعديلات الدستورية المقترحة ننتقل من الشرعية الشعبية ومن الشعارات الى العمل المسؤول مستنداً الى شرعية دستورية وقانونية لتجاوز الازمة والحفاظ على وحدة الدولة والتفرغ لعملية اعادة وتجديد بنائها.

   ان التمسك بالسلطة ووضعها فوق مصلحة الوطن سيكون ثمنه باهضاً على الجميع ويهدد وحدة المجتمع وقد تغرقه بالدماء، فالانتفاضة تتسع بحركة دائمة ومتسارعة وتتجه نحو الثورة، وكل يوم يرتفع سقف شعاراتها ومطاليبها واصرارها على انهاء الحكم الاستبدادي، وأصبحت مساحة المناورة والمرواغة شبه معدومة بعد أن استنفذت السلطة مصداقيتها.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها