"تسييس"
المحكمة الدّوليّة، حجّة للخائفين من أحكامها
090505
عندما
تجري المحاكمات لدى الأنظمة المتسلّطة، في قاعات مغلقة بعيداً عن
الصّحافة والإعلام، وسط حواجز وعوائق أمام فرق المحامين "الغير
أحرار"، وتحت مظلّة جسم قضائي خاضع لتوجّهات وتوجيهات النّظام، لتصدر
الأحكام "الجائرة" بناءً على شهادات وبراهين وأدلّة وهميّة لا يسمح
لأحد بالتّشكيك في صحّتها أو التّدقيق في سلامتها، عندها يمكن الكلام
عن محاكمات مسيّسة وأحكام ظالمة،......... أمّا عندما تجرى المحاكمات
بشكل علني يبثّ مباشرة عبر الإعلام المرئي والمسموع من على أهمّ
المنابر الدّوليّة وتحت إدارة فريق من القضاة اللبنانيّين والعرب
والدّوليّين ووسط دفاع محتمل أشهر فرق المحاماة في العالم، فكيف يمكن
أن يتمّ تسييس مثل هذه المحاكمات ؟
بكلّ
تأكيد سيكون من سابع المستحيلات توجيه التّهم لأيّ شخص ما لم يكن
هناك أدلّة حسيّة كافية للقيام بذلك، فالمشتبه بهم أو المتّهمين
سيكون بمقدورهم توكيل أهمّ وأقوى المحامين للمرافعة عنهم تحت مراقبة
مئات أجهزة الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب من مختلف دول العالم
ووسط متابعة لملايين المشاهدين حول العالم، وبالتّالي لن يكون هناك
أيّ مجال للتّلاعب وللتّحوير وللتّزوير في المعطيات بناءً على رغبة
هذا النّظام أو ذاك بهدف تمرير تهمة ملفّقة ضدّ طرف ما.
أمّا
فيما يتعلّق بآليّة عمل لجنة التّحقيق الدّوليّة وعمّا إذا كان إيقاف
الضّبّاط الأربعة عملاً مبرّراً أم تعسّفيّاً، فهذا أمر مختلف تماماً
إذ أنّ هذه اللجنة كانت تقوم بمهمّة التّحقيق وتقديم التّوصيات التي
تعتبر أنّها ملائمة لسير التّحقيق، ولم تكن يوماً ما لجنة لتوجيه
التّهم أو لإصدار الأحكام، فهي عملت وتعمل بناءً على معطيات معروفة
أو سريّة أو سريّة جدّاً، قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة (وقد تكون
مسيّسة أيضاً)، إنّما لا علاقة بالمطلق بين آليّة عمل لجنة التّحقيق
الدّوليّة وبين آليّة عمل المحكمة الدّوليّة ....لذا لا يجوز تضليل
النّاس والرّاي العام من خلال محاولة الخلط بين عمل المحكمة
الدّوليّة وعمل لجنة التّحقيق الدّوليّة، فالمحقّق يستطيع إيقاف
مشتبه بهم على ذمّة التّحقيق وبناءً على أدلّة أو شهادات صحيحة كانت
أم ملفّقة، ولكن فقط للمحكمة (الإدّعاء العامّ، والمحامين والقضاة
والمحلّفين) الحقّ بدرس الملفّ وتقييم الأدلّة لتصدر بعدها الأحكام
بالبرائة أو بالإدانة.
من
هذا المنطلق يمكن القول بأنّ المساعي الحثيثة التي تبذلها بعض
الأطراف من أجل التّشكيك بنـزاهة عمل المحكمة الدّوليّة ومحاولة
إصدار الأحكام المسبقة على نوايا القضاة الدّوليّين، لا يمكن للمرء
تقييمها سوى على أنّها محاولات للهروب إلى الأمام وإستباق نتائج
المحاكمات ليتسنّى لهم وصفها بالمسيّسة فيما لو أتت كما لا يحلوا
لهم، وبالتّالي فهي بدون أدنى شكّ أطراف خائفة على نفسها أو على
مصالحها نتيجة للأحكام التي يمكن أن تصدر عن هذه المحكمة، ولهذا
تحاول هذه الأطراف باستمرار التفنّن والتّفلسف في تفسير وتصنيف
وتقييم الحدث بشكل يمكن أن يساهم في تعزيز فرضيّة الشّك في عمل
المحكمة الدّوليّة ....ولكن عبثاً يحاولون ... فالشّعب اللبناني ليس
بشعب ساذج ولا بشعب بسيط، .. وهذا لو يدلّ على شيء إنّما يدلّ على
أنّهم يعرفون سلفاً أنّ أحكامها لن تكون بما تشتهيه أنفسهم أو أنفس
حلفاؤهم.
Ayman Chehade
|