عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
  

الدكتور روجيه شكيب الخوري                                                              

rogerchakib_elkhoury@hotmail.com

+63 939 737 9136
+961 1 633 492


كتابات آرامية عبر التاريخ = ܟܬ̥ܺܝܒ̥ܳ̈ܬܳܐ ܐܳܪ̈ܳܡܳܝܳܬ̥ܳܐ ܒ̥ܡܰܟ̥ܬܒ̥ܳܢܽܘܬ̥ܳܐ.

الدكتور روجيه شكيب الخوري. بيروت في 10/4/2015

ما هي المعايير في تقييم اللغات في العالم ؟

ما هي مرتبة اللغة الآرامية - السريانية في التاريخ؟

(دراسة علمية - تاريخية - اجتماعية - لغوية للآراميين السريان، تُعنى بكيانهم السابق، خطوط كتاباتهم، تعرضهم لويلات الفتوحات، ووضعم الحالي بهدف الاستمرار في محيطهم)

* ما يمكننا قوله بمجد وعظمة، إن لغتنا الآرامية التي تتجاهلها اليوم شاشاتنا المرتهنة للغير بسبب المنافع الشخصية المادية والعقائد الخاصة، والتي نسيها أيضاً رجال الدين المسيحي مسايرةً لأخوانهم في العقائد الدينية الأخرى، والتي أخيراً لا يعرف شيئاً عنها قادتنا السياسيون، تماماً كفنّانينا الذين يجيدون الغناء والابتسامات العريضة على المسارح...، تلك اللغة كانت، وما زالت صيحة نصر للانسانية، تجسيد لرقي الفكر البشريّ لغويّاً، وذلك لأنها، رغم اندثار الممالك الآرامية الكثيرة المبعثرة في المشرق، ظلّت حيّة في أمبراطوريات متعدّدة وعظيمة، مثل الأمبراطورية الآشورية، والأمبراطورية الفارسية، والأمبراطورية الرومانية، والأمبراطورية العربية...

لقد ظلّت تلك اللغة المجيدة 3000 سنة رائجة دون انقطاع (تماما كما فعلت السنكريستية)، ما لم تستطع لغة أخرى في العالم أن تعلو مثلها وتحظى بمجدها، في مسيرة التاريخ!

نعم، زالت أمبراطوريات ضخمة في العالم، وبقيت لغتنا الآرامية محكيةً دون زوال!

أنظروا إلى كِتاب التوراة، الذي هو أهم كتاب في كيان اليهود (الكنعانيين). إنه ما زال بلهجة آرامية. لقد خلّدها وجسّد عظمتها إلى الأبد.

أنظروا إلى الكلام الجوهري عند الآراميين السريان (الموارنة تحديداً). إنه ما زال بلهجة آرامية، هي السريانية الحديثة اليوم، تنشد أنغامها بألحانها الراقية، ولا تستطيع التخلّي عنها لأنها جوهر كيانها وعمق لاهوتها!

أنظروا إلى الجامعات في المشرق (العراق) والغرب، كيف أنها ما زالت تحافظ عليهـا وتهب شهادات الدكتوراه والپروفسورا فيها، لأنها تدرك أنها من التراث العالمي الذي لا يمكن الاستغناء عنه!

أنظروا إلى الأدباء والأطباء والمثقفين الحاليين، كيف أنهم ما زالوا ينكبون على تنشيطها، ويؤلفون الموسوعات فيها، وينشرون القواميس بصددها. ألا يعني كل هذا أن ما هو جوهريّ، يبقى جوهريّا وحيّاً، وأن مسيرة الزمن لا تُحتسب مسيرة في خلود طبيعتها؟

* أمّا من الناحية الدينية وبفم كبار المدافعين عن المعتقدات الدينية، فإننا نذكّر بغيض من فيض، بما قاله الشيخ عبد العزيز طبجي، عندما كرّم لغتنا المجيدة، بقوله إنّ آدم وزوجته وأولاده تكلموا بالآرامية. وهو أيضاً ما أدلى به كثيرون من أرباب الديانة المسيحية، بقولهم إن الآراميةهي اللغة الأقدم في العالم.

يمكننا سرد الصفحات الطويلة في هذا المجال العقائدي - الديني غير العلمي، ليس لأنه بحث موضوعيّاً، بل لما له من تأثير معنوي في قلوب وعقول الملايين من الناس في ما يخص لغتنا القديمة - الجديدة. يكفي أن نذكّر المسيحيين والمسلمين بأن النبيّ محمّد أوصى زيداً بتعلّم السريانيّة، وقد تعلّمها هذا الأخير بأيّام، أو أسابيع، أو...

ونحن إن ذكرنا هذه المعلومات، فلأننا نحترم آراء اولئك الناس، الذي بعقيدتهم، يسعون لتقريظ تلك اللغة، نظرا للأهمية التي احلّتها في مسيرة البشرية والمقام الذي ما زالت تتميّز به اليوم، وكأن الجوهر الصافي يبقى دون مسٍّ على مرّ الزمن.

* أمأ من الناحية العلمية التني نهتم بها نحن شخصيّاً، فإننا نُعلم القراء، بأن لغتنا صلبة لأسباب عديدة، علمية وغير علمية، أي: تاريخية، دينية، قومية، وثقافية.

ففي الفترة السابقة للقرن الرابع قبل الميلاد، كانت لغتنا واحدة، راسخة بأبجدية واضحة، تكرّست في حفريات ونقوش في كلِّ من شرقي تركيا، سوريا، العراق، وشمالي غربي إيران...

وإذا كانت الأمبراطورية الآشورية، آشوريةً من الناحية العسكرية، فلقد كانت آراميةً من الناحية الثقافية. لم يستطع الآشوريون القدامى، الذين لم تكن لهم لغة خاصة بهم (رغم كل ما يحاول البعضُ اليوم قوله بأنه كانت لهم لغة معينة...)، سوى اللغة الآكادية بكتابتها المسمارية المستمدة من الكتابة السومرية الأولى في العالم، إلاّ أن يعتمدوا لغتنا الآرامية لسهولة استيعابها من قبل الناس، وضوح أبجديتها وطريقة كتابتها السلسة، وعظمة انتشارها. نعم، كانت الأبجدية الآرامية مستقاة جوهريّا من أبجدية أجدادنا الكنعانيين، إنما محوّرة بعض الشيء فقط. وظلت لغتنا الآرامية راسخة، حتى بعد انهيار تلك الأمبراطورية الآشورية إثر سقوط نينوى في سنة 612 قبل الميلاد، على أيدي الآراميين وغيرهم. لا بل، عظمت لغتنا الآرامية بعد ذلك الانهيار، وانتشرت ثقافيّا في المشرق، رغم سقوط الآشوريين و"ذوبانهم التام" اجتماعيّاً، في الكيان الآرامي الذي انخرطوا فيه، والذين كرموها باحترام، لدرجة أنهم اعتمدوها في دواويينهم، وراحوا يتكلمون بها بعدما تخلوا عن لغتهم الآكادية.

وامتد سلطان لغتنا الآرامية ليتكلم بها العديد من شعوب المشرق وجواره، من عموريين، وحثّيين، وآشوريين، وكاسيين، كما تكلم بها العرب أيضاً، وشعوب أخرى مختلفة ومتنوعة.

لكن حذار! إذا ما رأينا نقوشاً آرامية في بريطانيا، في قلاع معينة منها، فذلك لا يدلّ على أنها كانت محكية في تلك الآراضي، وأن الآراميين وُجدوا فيها، بل أن الجنود الآراميين الذين دخلوا في الجيش الروماني، وكانوا يجيدون الكتابة الآرامية، نقشوا كتاباتهم على تلك القلاع لتخليد ذكراهم. وهذا ما تردد في بلاد أخرى بالطبع.

بالفعل، وفي كتاب " أدب اللغة الآرامية " (للأب ألبير أبونا الصفحة 291 ) نقرأ عن نقوش آراميّةدُوّنت سنة (781) في "سي- نغن- فو" خاصة بنصّ تذكاريّ يدلّ على العلاقة بين الآراميّين والأمبراطور "تاي- تسونغ ".

إذاً الثقافة الآراميةكانت أعظم من الفتوحات العسكرية والانتصارات المتنوعة، لا بل، أعظم من الممالك الآرامية نفسها، التي انهارت كليّاً بعد القرن الثامن قبل الميلاد، إلى ما لا رجعة، بسبب الغزو الاشوري لها.

* وماذا يسعنا القول في سيرة لغتنا، في ما بين القرن الثامن ق. م.، ولغاية القرن الرابع قبل الميلاد؟

إننا أمام هيبة الآرامية الرسمية، الأمبراطورية، كما عُرفت علمياً، أي تاريخيّاً، بالمصطلح: (Araméen D’Empire). وقد سادت من الزمن الآشوري المسيطر، وازدهار مدينة بابل التي كان الآراميون قد قصدوها منذ القرن الحادي عشر قبل الميلاد. وبازدهار الديموغرافيا الآرامية، وانتشار لغتهم، حقّ لهم اكتساب التسمية في وسط وجنوب العراق = (ܒܶܝܬ̥ ܐܰܪ̈ܰܡܰܝܶܐ)، أي: بيت/ أو: موطن/ الآراميين؛ فكان هذا فخر وانتصار لهم، لا يستطيع حتى التاريخ سوى تمجيد بزوغهم وتقريظ بروزهم. وبقيت لغتنا محكية ومكتوبة بشكل مكثّف لغاية السابع بعد الميلاد.

والجدير بالذكر أن التسمية: (Lingua Franca) التي كرّمت لغتنا بهذا اللقب الذي لم تبلغه أية لغة أخرى، لم يكن قد ساد واقعا في سنة 500 كما يُقال، وإنما قرنين قبل تلك السنة، وإن لم يُقل عن لغتنا أنها اللغة المحكية. إن تكريس لغتنا كلغة دبلوماسية، يعني أن الدول أصبحت مضطرة أن تتعامل بها؛ ولتصل اللغة إلى تلك المرحلة، فإنه من المنطقي أن نفكر بأن رواجها كان قد على كل شفة ولسان.

نعم، كلما عظمت لغتنا، راحت لغات العالم القديم تتبخّر الواحدة تلو الأخرى. وإذا ما رأينا أن عملة فينيقية ظلت تُصكّ في لبنان فينيقيا، حتى حوالى القرن الأول بعد الميلاد بدافع الوجود الكنعاني في أراضينا، فإنه كان محتّما أن لغتنا الأولى الكنعانية أصبحت في حال نزاع، أسوة بجميع اللغات القديمة التي خدمت دهراً وغابت مستقبلاً. ولم تعد رائجة كثيرا في لبنان، تماماً كما اندثرت اللغة الآكادية - التي انزوت في المعابد - ، قبيل المسيح، لتجتمع في عالم الغيبيات، بسائر اللغات المرافقة...

(ونفتح هنا الهلالين لنعلم قرّاءنا ببعض المعلومات الخاصة بلغتنا وعلاقتها بلغة القرآن وحال المسلمين بشكل عام. ونبدأ بونبد بفي الأبجدية الحميرية الخاصة باليمن السعيد، غير العربي آنذاك - إلاّ للجهلة والمتعصبين - التي لم تكن يوما أبدا عربية (كما يروج المستعربون لعقد نفسية ودينية بمفعول رجعي)، فإنها بدات بالزوال، رغم انبثاقها في مرحلة قديمة أظهرت عبقرية الحُمَيريين في وقت الظلام الفكري. وبالمناسبة، ما يقال عن انتشار الأبجدية الحميرية في الحجاز، وما شابه ذلك من تعظيم ومبالغات المعرفة في تلك البقع الصحرواية من الوجود، لا يخدم العلم التاريخي على الاطلاق، إذ نذكر بأن أبجدية ما، تضمحل، عندما تظهر أبجدية أنسب منها. فالأبجدية الكنعانية هي الأولى في العالم، وقد أسقطت جميع الأبجديات الأخرى، ولم يكن الآراميون سوى ثاقبي الفكر عندما اعتمدوها، لأنها المن والسلوى في التفكير البشري والمعرفة.

ولتذكير القراء بحال ساكني الصحراء العربية، نعلمهم ببعض ما دوّنه المفكرون في هذا المجال، لنقفل النقاش نهائيا ونضع خاتمة لمسعى البعض في السعي وراء نيل عظمة ما، من نسب أبجدية (أي كانت) لشعب معين، عُرّبت لاحقا، وما زال العرب المسلمون يدّعون أن اليمنيين الأولين كانوا عربا بعكس معطيات التاريخ.

المسلمون، في بادىء الأمر - كما نقول في سلسلتنا: "السريانية للجميع" الجزء الثاني منها - كانوا ينطقون بالعربيّة، لكنهم كانوا يكتبون بالسريانيّة. وٳذ تأثّروا بالمعرفة الآراميّة - السريانيّة، ظهر الخطّ العربيّ مشتقّاً من القلم النبطي. واذا كان الشك بالنسبة للبعض، كبيرا في طبيعة الأنباط وهويّتهم الآرامية، فقد كانت لغتهم آراميّة مشرقيّة. وعلى ضريح امرئ القيس النبطيّ المسيحيّ، كانت نقوش دفنه مدوّنة بالخط النبطيّ - الآراميّ. لم تكن عربيّة على الإطلاق كما يدّعي بعض المتعصّبين لّلغة العربيّة ومزوّري تاريخ تفرّع اللغات، أو الجاهلين للمعلومات اللغويّة واشتقاق اللغات من بعضها البعض. هكذا أيضاً في ما يخصّ الخطّ الكوفيّ العربيّ الجميل، فإنّه مشتقّ من الخطّ السريانيّ المفتوح الذي استنبطه السريانيّ بولس بن عرقا الرهاوي، والذي هو نوع من الخط الاسترانغلي الذي بدا بالظهور في القرن الأوّل للميلاد والذي اكتمل جماله قرونا فيما بعد.

ونذكّر بأن الخط او النمط الاسطرانجلي اكتمل في القرن الخامس الميلادي ليُسيطر في القرنين السابع والثامن الميلاديين، وليبقى رائجاً حتّى القرن الخامس عشر في سوريا المشرقيّة؛ وقد أنتج ذلك الاسطرانجلي، الخطََ الكلدانيَّ - النسطوري الذي يستعمله السوريون المشرقيّون منذ القرن السادس عشر ميلادي.

نعم، الاسطرانجلي نبعَ عبر الآرامي - الپلميري، من المربّع (مربّعو = ܡܪܰܒܥܳܐ ) القديم.

لم تكن اللغة العربيّة بعد مدوَّنةً، ولم يكن لها أبجديّة. وقرآن النبيّ محمّد، دُوِّن دون تنقيط فوق أو تحت الحروف والكلمات على اﻹطلاق. ولم تنته عمليّة التنقيط للقرآن والكتابة العربيّة، ٳلاّ على أيدي "أبو الأسود الدؤلي"، الضليع باللغة السريانيّة والمتتلمذ على أيدي الكهنة السريان، وأيدي "الحجّاج" أيضاً المطالب بتنقيط القرآن، وذلك في القرنين السابع والثامن الميلادييّن. وكانت النقاط مقتبسة من اللغة السريانيّة؛ ولولا التنقيط المستجدّ، لما فُهمت معاني الكلمات، مثلاً: "مئة أو فئة"؟، "علب أو غلب"، "روّحنا أو زوّجنا"...؟!، كما أنّ علامات الشدّة والسكون والتنوين، يقال ٳنّها من اجتهاد لاحق للخليل بن أحمد الفراهيدي.

وراح المسلمون يضعون النقاط باللون الأحمر، نقلاً عن التنقيط الأحمر السرياني، إلى أن أضافوا اللونين الأخضر والأصفر فيما بعد، في مزيد من الاستنباط اللغوي...

والتأثير السريانيّ بالغ في العربيّة من حيث الكتابة. فاذا قرأنا، على سبيل المثال، في السريانيّة كلمة "الرحمن"، أو، اسم النبيّ الآراميّ "ٳبرهيم"، أو، الصفة "الظلمون"، ...ومئات الكلمات الأخرى.، فانّنّا كنّا نقرأ سابقاً في العربيّة (وفي القرآن أيضاً) الكلمات نفسها دون "ألف" فيها. لكن وبفضل تطوّر اللغة، أضيفت لاحقاً الألف، وأصبحت الكلمات تكتب: "الرحمان"، و"ٳبراهيم"، و"الظالمون"، بألف خنجرية مضافة...

وهكذا، راح الخطّ العربيّ يتطوّر رويداً رويداً، الى أن وصل الى ما هو عليه الآن.

وقال ابن عبد ربّه في كتاب "العقد الفريد": "وجاء اﻹسلام (في القرن السادس الميلادي)، وليس أحد يكتب بالعربيّة غير بضعة عشر ٳنسانا".

وفي كتاب أصول الكتابة، الصفحة (278)، قال عالم الآثار الشهير فيليب برجه، في لغة الغرب، انّ الكتابة العربيّة كان أصلها آراميّاً، تماماً كما كتب أيضاً الدكتور علي عبد الأحد في كتابه "فقه اللغة"ـ الصفحة (56)، مؤكّد"ا أنّ الآراميّة - السريانيّة كانت اللغة المستعملة في بعض مناطق عربيّة.

كذلك المستشرق ويل، فهو يؤكّد أنّ اشتقاق القلم العربيّ جاء من النبطيّ، المتفرّع من الآراميّ.

والمستشرق ولفنسون يعلمنا تاريخيّاً، أنّه في ذلك الزمن (ويعني في زمن نصّ النمّارة سنة 328 ) لم تكن الكتابة العربيّة قد وُجدت بعد. ولم يعثر حتى الآن على أيّة كتابة عربيّة ترجع الى ذلك العهد. ذلك النصّ الخاص بامرىء القيس بن عمرو، احد الملوك اللخمييّن في شمال الجزيرة العربيّة، كان بالحرف النبطيّ واللسان الشماليّ.

ٳلى  أن  وجد  نقش  زيد  سنة ( 512)، ونقش  حرّان (568 ). لذلك، فانّ  الخطّ  العربيّ (القرآنيّ) نشأ ونما بين عهد النمّارة وعهد نقش حرّان، أي، بين القرن الرابع والقرن الخامس ب. م.، أي، بعد تكوين قبيلة قريش على يد قصيّ، الجدّ الرابع للرسول. وهكذا، تكون الحضارة الخاصة بغرب الفرات (والحيرة...)، هي التي ساهمت في نقل الأبجديّة الآراميّة والمعرفة ٳلى بلاد الصحراء العربيّة، ٳلى مكّة والحجاز.

وأصحاب ذلك القلم الآراميّ، المسيحيّ، كانوا المناذرة، واللغة العربيّة انطلقت من أياديهم في الحيرة.

وعندما احتلّ خالد بن الوليد الحيرة سنة ( 634/ 633 )، بدات نهاية المناذرة. ونقل الغساسنة المسيحيّون العرب، بعد دخول اﻹسلام اليهم، العلم، والحضارة، والفلسفة، من اليونانيّة الى السريانيّة، ومنها الى العربيّة وأصبح العرب- والمسلمون خاصة" - بفضل احتلالهم للهلال الآراميّ الخصيب (العراق وسوريا...) على علاقة، ليس ببلاد الشام وما حواليها فحسب، بل بالفرس، والروم، واليونان، وبكلّ العالم المتحضّر.

وفي الجزيرة العربيّة، كانت المنطقة الشماليّة منها، الأكثر معرفةّ وٳلماماً وتقدّماً بالكتابة والثقافة. ولم يردنا أبداً في المنطقة العربيّة الوسطى، أي: من نجد وتهامة والحجاز، أيّ نصّ يحمل في كلماته لفظة: "عرب".

هذه الكلمة أوجدها الآراميّون عندما أسموا قبائل البدو المتواجدة "غرب الفرات"، والتي كانت من كلّ لون، وعرق، ونسب، ودين، ولغة، ولهجة، وعقيدة...- كما يعلمنا بذلك العدبد والعديد من المؤرّخين المشرقيّين والغربييّن ومن بينهم المؤرّخ اللبنانيّ الدكتور فيليب حتّي في أكثر من كتاب وموضع ب: "ܥܰܪ̈ܒܳܝܶܐ" (عربويه).

أجل، اللغة الآراميّة كانت لغة بلاد الهلال الآراميّ الخصيب كلّه. والدكتور أبو عسّاف في الصفحة (89 ) من كتابه: " Les Araméens "، يعلمنا أنّ كلّ سكّان سوريا يتكلّمون الآراميّة، ولم تتحوّل لغة سوريا الى لغة العرب الفاتحين، الاّ في ما بعد الغزوات الاسلاميّة - العربيّة الى الأقطار الآرامية وغيرها، بحيث أنّ لغة سوريا الآرامية بدأت بالتلاشي بعد القرن السابع الميلاديّ.

واعلم أيّها اللبنانيّ، بكلّ فخر ومعزّة، أنّ المسعوديّ يقول: "إنّ جزيرة العرب كلّها، لسانها واحد سريانيّ". وأهل نجران العرب الأقحاح، وهم من المسيحيّين (وكان أوّل وفد مسيحيّ حقيقيّ قابله النبيّ محمّد في حياته. وعندما نقول:  "مسيحيّ "، فانّنا نفرّقه عن النصرانيّ المذكور في القرآن وغيره...)، كانوا يتكلّمون باللغة الآراميّة في طقوسهم الكنسيّة).

وعودة إلى فقرتنا ما بين القرن السابع والقرن الرابع ق. م.، نُعلم مستبقين أحداث التاريخ في موضوعنا، بأن لغتنا الارامية بقيت محكية ومكتوبة بشكل مكثف جداً لغاية القرن السابع ميلادي.

ونذكرّ أنه، في سنة 583 عندما سقطت بابل في يد الفاتح الفارسي سيروس، بدأ عهد ما يُعرف بالسيطرة الفارسية الاخمينية التي امتدت من نهر دجلة إلى البحر الأبيض المتوسّط، وشملت مصر الفرعونية أيضاً. هذا دعم أكثر فأكثر الانتشار اللغوي الارامي، الذي نعيد القول فيه بأنه رسّخ كيان لغتنا كلغة دبلوملسية ومحكية ومتداولة في المراسلات الدولية. فكان أكبر انتصار للسان حالنا. وهذا لا يعني أن سكان مصر كانوا يتكلمون الآرامية، وإنما أن اللغة الدولية حتّمت على الديوان المصري التعامل بلغتنا، لأنها لغة بلاد فارس الرسمية! وبالطبع، كانت أمبراطورية الفرس أوسع وأهمَ من الأمبراطورية الآشورية، تماماً وبعكس ما يصرّح أخوتنا السريان النساطرة (أي: ألاشوريون بحسب تسمّيهم...)، كما كانت أيضاً الأمبراطورية الرومانية، ومن بعدها الأمبراطورية العربية...، وكلها تميزت بمساحات أرضية أضعاف أضعاف ما كانت عليه الأمبراطورية الأولى.

إن المخطوطات الآرامية، بالخط الآرامي الرسمي، موجودة في عشرات الأمكنة، ومحفوظة بشكل تام. وقد كانت بالنمط المربع (ܡܪܒܥܐ) الذي يعتبره البعض جهلاً أو تعصّباً - بسبب التسمية الطارئة الجغرافية: كتابة آشورية، أو كتابة عبرية...- أنه قلم آشوري أو يهودي - عبري.

لا! إنه قلم آرامي محض، قديم الطراز، وإن ليس بقدم الخط الآرامي البدائي. إنه الخط المربّع الذي اعتمده اليهود منذ أن كانوا في السبي البابلي، وتملكوا كتابته لينجزوا به أهم كتبهم الدينية: التوراة والتلمود...؛ فكان طبيعياً أن يطلقوا عليه اسم: "الخط العبري أو الكتابة العبرية (Ecriture Hébraïque)". وكان طبيعيّاً أيضا ان يطلق النساطرة عليه اسم: "الخط الآشوري"، وكأنه لقب يكسبهم لغ  خاصة بهم، لم تكن يوما موجودة، على الأقل من الناحية العلمية، أو باعتراف الرأي الأكاديمي. الكتابة الآشورية لا تعني قلما آشوريّا، وإنما انبثاق القلم الآرامي من منطقة كانت في حكم الآشوريين سابقا. تماماً كما أن التعبير: "علم الآشوريات" لا يعني أبداً مَن هو متخصّص بلغة آشورية، وإنما، وبحسب الرأي العلمي والألسني: المتخصص باللغات القديمة. المضحك المبكي أن التسمية فارغة من قوت لغوي لأخوتنا النساطرة. هناك العشرات من اللغات القديمة، لكن لا يوجد بينها ما يدغدغ شعور النساطرة، لغويّا.

* ماذا عن معطيات لغتنا في الفترة الواقعة ما بين القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الثاني بعده؟

إننا في خصوصية ما يُعرف بحال الآرامية المتوسّطة، التي عمّت في غرب تركيا، أفغانستان، القوقاز،، مصر وما يُعرف اليوم بالسعودية...

إننا أمام جبروت الفاتح المقدوني، الاسكندر ذو القرنين،، أكبر فاتح في التاريخ. وقد سعى ككلّ فاتح في التاريخ والغزوات، إلى بسط اللغة الإغريقية في البلاد الآرامية وغيرها. لكن سعيه لم يتمّ. فلم تندثر بقوة اللغة الآرامية، بل سارت "بجانب" اللغة اليونانية، لغة الثقافات في العالم. واغتنت لغتنا باللغة الجديدة (كما أظهرناه في قاموسنا: من اللهجة اللبنانية - غير العربية- إلى اللغة الآرامية- السريانية)، لا بل، أغنت ثقافة العالم، بترجمة الكثير من النتاج الإغريقي، ذلك التراث الذي تاه، إنما ظلَّ موجوداً للإنسانية بفضل الترجمات السريانية له. ولغتنا الآرامية تتضمن مئات المفردات اليونانية التي ما زلنا ننطق بها. فكان طبيعياً والحال هذه، أن نقرأ منحوتات ومخطوطات باللغتين: الآرامية والإغريقية، جنباً إلى جنب. وكان الخط المربع هو دوماً المستخدم. لم يكن هناك بعد خط آخر مسيطر. والبراهين هي بالنقوش المتواجدة في فلسطين، العراق (بلاد الرافدين إن شئنا، لكن ليس أبدا بلاد ما بين النهرين أو ما يُعرف بال: "موسوبوتاميا/ Mesopotamia"، لأن هذه الأخيرة هي الجزيرة السورية)، سوريا، أرابيا، الخليخ، القطيف، ألامارات، وصولاً إلى أرمينيا، تركمانستان، جورجيا، أفغانستان...

وفي مطلع هذا الفترة، لم نكن بعد في مرحلة انتشار الخط الپلميري (تدمر)، والخط النبطي (بترا)، وغيرهما...

الأمبراطوريات تندثر، ولغتنا تنتشر!

لكن، كنا على وشكّ تضعضع لغتنا الرسمية. حصل ذلك بسبب تشقق القوى اليونانية. وبدأت تظهر تدريجيّاً لهجات آرامية، أهمّها القلم التدمري (أي: اپلميري بحسب التسمية اليونانية)، والنبطي (الذي كان في أصل الكتابة القرآنية الأولى، ومنها المخطوطات في صنعاء اليمن - بلاد الحميريين - الأصيلة والأصلية، وبعضها مخالف لمصحف الخليفة عثمان الذي حرق جميع القرائين والنسخ القديمة والمخطوطات والكتابات، بحيث انه فرض على المسلمين، بدافع ديني، المصحف الذي كوّنه، وأيضاً بحيث انه لم يعد ممكنا على الاطلاق التأكد من أي آية قرآنية، إلاّ عن طريق الايمان، ما لم يحصل في المخطوطات المسيحية، وما يرذله الفكر اللعلمي الساعي للتحقق من المكتوب بالمستندات).

إن تلك الأقلام، عُرفت في القرن الأول للميلاد، وربّما في مرحلة أبكر بقليل، أي، في القرن الثاني السابق للميلاد، علماً أن كلَّ بدء ثقافي، يكون له بعض الامتدادات الثقافية البطيئة، العائدة بشكل أو بآخر، إلى جذور زمنية أقدم بقليل. لكن، لا يوجد في هذا خلافٌ كبير بين الباحثين، بحيث ان يستغل البعضُ السعي على مسؤوليته ليأتي بادّاعات لغوية لتلك الأقلام أو غيرها، مما لم يحصل في الواقع.

في الحقيقة، لو لم تتقهقر عظمة القوى الاغريقية السلوقية التي لم تدم 3 قرون، لتحلّ مكانها أمبراطورية الرومان العظيمة، ربما لما حصل الزلزال اللغوي في كياننا الآرامي.

أنماط مخطوطات آرامية بلهجات جديدة، بدأنا نراها موجودة في سوريا، في تدمر الآرامية، كما لدينا أيضا وبالقلم النبطي في الأردن (پترا)، نقوش آرامية جميلة؛ كذلك الأمر بدأت أنماط آرامية أخرى بالظهور بشكل علني أكثر من ذي قبل، سيما واننا وصلنا إلى القرن الثاني بعد الميلاد، كالقلم المندائي، الصافي لغاية اليوم. وجميع هذه الخطوط ليست من النمط المربع.

ونصل إلى العراق، في منطقة جنوب غربي الموصل، لنقف أمام نقوش آرامية عديدة في هترا، أنجزت في القرن الأول بعد الميلاد وظلت تنقش حتى القرن الثالث منه. إلى أن أدى بنا المطاف لندخل مدينة إديسا (تسمية يونانية)، أي: الرها (تسمية عربية)، عنينا بها اورفا اليوم (تسمية تركية)، والتي هي في الارامية - السريانية: اورهوي. إنها المدينة المسيحية بامتياز التي كان لها ملوك كبار (أبجر...) ونتاج سرياني لم يشهد له التاريخ مثيلاً! وهذه الأورهوي الشهيرة، سقطت في ايدي الرومان سنة 213! ولنا بعد قليل شرحٌ موجز في اهميتها.

(وهنا نفتح هلالين صغيرين، لنعلم القراء ببعض الأمور التي ينبغي عليهم تذكرها دوما، لما لها من أهمية في مسيرة كياننا من عدة أوجه، عنينا بعض أنماط الكتابة الآرامية(التوسع الأشمل موجود في كتبنا القومية واللغوية)، التي نلخّصها كما يلي:

أوّلاً:

- الآرامية اليهودية بشكل لعام، قبل المسيح وبعده، وقد كانت بالخط الآرامي المربّع.

- الآرامية السامرية، وقد كانت بالخط الآرامي المربّع (كما هي الحال في أسفار موسى).

- الآرامية الجليلية، وقد كانت بالخط الآرامي المربّع. وهذه الآرامية اليهودية، ميّزت لغة المسيح (رجاءً! كفى جدلاً بيزنطيّا بالقول إنه تكلم الكنعانية التي قلنا إنها بدأت بالزوال...؛ ورغم أن المسيح كان جنتيكيا من الكنعانيين، ورغم تكلمه العبرية، مع الحاخامات، إلا أن لغة اليهود كانت منذ قرون الآرامية)، كما ميّزت كتابات التلمود الفلشطي والأورشليمي..

- الآرامية اليهودية الخاصة بحبرون وبرشابا...، وقد كانت بالخط الآرامي المربّع.

- آرامية شرقي الأردن...، وقد كانت بالخط الآرامي المربّع.

- آرامية التلمود البلبلي، وقد كانت بالخط الآرامي المربّع.

- الترجوم البابلي وقد كانت كتابتُه بالخط الآرامي المربّع.

-الترجوم الفلشطي وقد كانت كتابته بالخط الآرامي المربّع.

ثانياً:

الآرامية المندائية. مستقلة ونحن في القرن الثاني ب. م.

ثالثا:

آرامية ماري. ووصلنا إلى القرن الثالث ب. م.

رابعاً:

آرامية السريان الملكيين في فلسطين والأردن.

خامساً:

آرامية الرُها، أي: آرامية العلماء، والملافنة، والعظماء، والكبار من مؤلفينا وقديسينا وكتابنا وشعرائنا، عنينا بذلك: آرامية برديصان، وعائلة ملوك أبجر، وأفرام السرياني، وحنين بن إسحاق، والبطريرك ميخائيل الكبير، وبر هبريوس، وآرامية كمّ ضخم من المشهورين، حيث تحوّل القلم الآرامي إلى التسمية النهائية: القلم السرياني، قلم فصاحة الأدب وبلاغته، قلم الكثوڤونويو،...سيما واننا دخلنا القرن الثالث بعد المسيح، وسرنا باتجاه القرن الرابع لنكمل بالقرن الخامس صعداً...؛ وبكلمة: إننا الآن أمام العصر الذهبي السرياني بكل معنى الكلمة.

ولا بد من الاشارة في هذا المجال، إلى أن قلم الرها الكلاسيكي، كان النمط الاسطرانجلي، الذي هو أجمل الخطوط السريانية قاطبةً. والاسطرانجلي لم يكن موجوداً في عصر المسيح، وإنما بدا بالظهور بعده ليكتمل وينضج...في عدة قرون. وقد حافظ عليه السريان النساطرة والكلدان.

ثم، نتج الخط السرطو (الخاص بالموارنة والسريان الكاثوليك والسريان الأرثوذكس)، وذلك منذ القرن السادس بعد الميلاد، واندمجت الأحرف السريانية، بعضها ببعض؛ هذا الخط الأسهل والأقل جمالاً، والذي دام أيضاً قرونا لينضج، لم يكن قد ظهر في مراحل سابقة. وبات يُسمّى بالخط الاديسي السرياني، وليس الآرامي، علميّاً.

والجدير بالذكر أن كمّاً ضخماً من العطاء الأدبي الثقافي الأديسي، لم يُطبع بعد، كما أن الديانة المسيحية كانت الحافز الأكبر في تنشيط نتاجنا ونشره في أصقاع المعمورة، وفي "مسحنة" شعوب الشرق والغرب، كالهند والقوقاز، والصين، والتيبت، وأسيا...).

إلى أن ظهر الاسلام!

* إنه جوهر الحديث على صعيد تحجيم لغتنا الآرامية - السريانية . والحقّ يُقال. ما بعد فترة القرن السابع الميلادي، وبظهور ما يُعتبر أنه الدين السماوي الثالث والأخير، عنينا به الإسلام، بدأت لغتنا الآرامية بالتقهقر تدريجيّا، عبر العصور، وكأنها جسم دبّ فيه المرضُ "المؤلم"، وبات يضعف، ثم يستعيد بعض قواه، ثم ينهار، ويحاول التنشّط من جديد، وهلمّ جرّا، إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه، نهائيّا، كتابةً وحكياً. إن تراجعنا المؤلم، لم يحصل بلمح البصر، سيّما وأنّ لغتنا بقيت محكيّة قروناً طويلة بما يغسل ماء الوجه، وأحياناً بما يتوق إليه أيّ بلد يطمح إلى بلوغ المجد والكرامة والرقيّ الفكريّ. وقد عظم شأنها في فترات في المشرق، وبات عظماؤنا مسؤولين عن مناصب عديدة في بلاط العرب، وعن الترجمات العامة والخاصة، وجميع فروع المعرفة وحقول الطب والثقافة، في جميع الموضوعات، بحيث أن الكثيرين من العرب والمستعربين وغيرهم، صرّحوا بأمور لم تقل في علوّ شأن أبناء قومهم، واعترفوا بأهمية المعرفة السريانية، التي لولاها، لبقي أخوتنا العرب في الظلام الفكري مدة لا يُستهان بها، في حين أن سائر الشعوب تكون قد قطعت المزيد من الأشواط في التقدم العلمي والتطور الحضاري. إنّ هذا لم يكن حبّا بالآراميين- السريان، أو تقييما لاعتقادهم الديني وما شابه، أو ارتقاءً لمعاملة صافية من الندّ للندّ بين الشعوب الغالبة والمغلوبة، كما روّج بعضنا من المتزلّفين على الشاشات (وقد ذكرناهم كلهم بأسمائهم في كتبنا)، وإنما حصل ذلك بشكل رئيسي، طمعاً بتقبّل الحضارة ومرافقةً لعجلات التقدم الاجتماعي.

إن الفاتح، عندما يستولي على مدينة ما، سواء اقتحمها أو دخلها سلماً، سرعان ما يسعى، بشكل أو بآخر، إلى بسط دينه ولغته، تماماً كما حصل في جميع العصور والعهود والظروف، وسيظل هذا الأمر على هذا النحو، طالما بقي الانسان في هذه المعمورة. وقد توسعنا مرارا وتكرارا في العديد من مؤلّفاتنا وأفلامنا الوثائقية، في سرد حسنات ومساوىء كلّ فتح جديد يحصل، وكيف أن السكان المغلوبين على أمرهم، يصبحون على مرّ الزمن، رهائن أحياء في أيادي الحاكمين الجدد، في جميع القارات، بتفاصيل كثيرة ومتنوعة، موضوعية ودقيقة، وحتى في تفاصيل تخدش شعور المرهفين. وما قيل في عمل مشكور عليه من جانب الفاتح، إن على الصعيد السياسي، أو الاجتماعي، أو الاخلاقي، كان يجب أن يقال أيضاً في ما يوازيه من عشرات الأمور والأفعال التي يكون وقعها السلبي كبيراً أو تأثيرها السلبي دوماً عظيما في تقزيم وتحجيم العديد من مكنونات وتراث وتقاليد وكرامة الشعوب، بحيث أن عجلة الحكم الجديد، عادةً ما تطبع الشعوب الخاضعة بكيانِ يناسبها إلى أعلى الدرجات ويوافق مفاهيم الحكم الجديد، الذي يصبح الخاضعُ مرغماً على القبول به، وإلاَ عليه الرحيل.

إن تفاوت المعاملة بين الشعب المسيطر (العربي تحديداً) والشعب المقهور (الآرامي خاصةً)، لهو مدوَّن في آلاف الصفحات، في غالبية الكتب التاريخية والعلمية، الخاصة بتراثنا وفي الكتب الأجنبية الأكاديمية، وأيضاً وإن بشكل أقل بكثير طبعاً، في بعض الكتب العربية والإسلامية، التي لم يكن من المعقول ألاّ تدوّنها، حفاظا على أقل نوع من المصداقية في كتابتاها. ولا أحد ينادي على زيته بالعكر. وعلى سبيل الحشرية العلمية التاريخية، نذكّر بأسطر خجولة وغيض رمزي من غيض لا يمكن تصوره، كي يكفّ بعضنا عن المزايدة بمزايا الفاتحين، وأنهم دخلوا البلاد بالبخور والورود، لا بالسيف والقوة، والسجود لهم طمعا بمكاسب مادية ومناصب إجتماعية ومنافع شخصية وسياسية، وأيضاً كي يخفّف من تبرير بعض تصرفات الفاتحين العرب التي كانت من الأسباب الرئيسية في تقهقر لغتنا وأضعاف ديموغرافيتنا، إلى أن أصبحت في المشرق تشكل ال5% بعدما كانت الكلّ بالكل!

- يعلمنا فؤاد قازان في كتابه: "لبنان ص.118" أنّ الشعب السرياني المعارض للحكم البيزنطي - الروماني والمنفصل بعد مجمع "خلقيدونيا" عن مرجعه الأوّل المسيحي، كان مرحّباً بالاحتلال العربي، ظنّاً منه أنّ العروبة ستخلّصه من النير البيزنطي. فالمؤرّخ الشهير، ابن العبري اليعقوبي، يفيدنا بجملة مؤثّرة: " إله النقمة أرسلَ العرب لكي يخلّصنا من الروم....نجونا من ظلم الروم وبغضهم لنا، فكان الانتقال من السيّء إلى الأسوأ " (!).

- الفتح العربي - الاسلامي في تسريع عمليّة الغزو، وَضَعَ بعض المسيحيّين، وفي ظروف معيّنة وموثّقة، تحت خيارات ثلاثة لا مفرّ منها :

أ ) الأسلمة أو الموت. فالمؤرّخ ابن عبد الحكم في "فتوح مصر"، تأكيداً لهذا الخيار الأول، يعلمنا بجواب عمرو بن العاص للمقوقس، عند حصاره الأراضي المصريّة: "إنّه ليس بيني وبينكم إلاّ إحدى ثلاث خصال: إمّا ان دخلتم في الاسلام فكنتم أخواننا وكان لكم ما لنا، وإمّا أن أبيتم وأعطيتم الجزية وأنتم صاغرون، وإمّا أن جاهدناكم بالصبر والقتال حتّى يحكم بيننا وهو خير الحاكمين" (راجع الدكتور فيليب حتّي في "تاريخ العرب. دار الكشّاف. 1952. ص 220"). (راجع أيضاَ سورة التوبة، 29). لكنّنا كلّنا نعلم كيف أن فيلم الرسالة الشهير، أوضح هذه الفكرة عندما أُرسل وفداً يُعلم ملك الحبشة (الذي استضاف النبي محمد في ضيقته لئلاّ يُقتل...بين بني قومه) بالقول الاسلامي الشهير: "أسلم، تسلم مرّتين" (الأولى من غضب الله، والثانية من سيفي).

ب) الذميّة والجزية. هذا ما اضطرّ أن يقبلَ به العديدُ من المسيحيّين السريان كخيار ثان، إلى جانب ضريبة "الخراج" (القاسية جدّاً على الأملاك العامة). وتأكيداً لهذا الخيار الثاني، يعلمنا المؤرّخ الضليع، الطبري (ج 4 ص 40) - والبلاذري أيضاً (ص251) - بخطّة الخليفة عمر بن الخطّاب في تطبيق الضريبة الدينيّة على مسيحييّ بني تغلب، "في إصراره على ألاّ ينصروا وليداً لما أسقط عنهم الجزية".

ج) الترحيل أو الاقلاع. فإذا ما اتّصفت العهودُ الاسلاميّة الأولى بالمسامحة، ولو يكن في الدين الاسلامي من إكراه، وسمحت بهجرة المسيحيّين إلى أراض مسيحيّة مجاورة، إلخ... (راجع المطران ميشال يتيم في تاريخ الكنيسة ص(168)...)، فإنّ البلاذري يعلمنا بأنّ الخليفة عمر بن الخطّاب قام بإجلاء بقايا النصرانيّين الذين لم يعتنقوا الاسلام، من نجران (السعوديّة حاليّاً) إلى العراق سنة (635) (راجع فيليب حتّي في "تاريخ العرب. دار الكشّاف. 1952. ص 96")، كما أنّه طرد بعض المسيحيّين واليهود أيضاً من الجزيرة العربيّة بحجّة: "لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان"، أو بحجج أخرى...كما ورد في مسند ابن سنبل (راجع دكتورة سلوى صالح في "المسيحيّة العربيّة وتطوّراتها". ص (145)).

- الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز ( 717- 720) فرض ضرائب كبيرة على مواطني الدرجة الثانية (أي: المسيحيّين...)، كونهم أهل ذمّة، وأثقلهم بقوانين اجتماعيّة، مثل حرمانهم من بعض الوظائف الحكوميّة، ومنعهم من لبس العمائم، وألزمهم الغيار (زنانير من نوع يُعرفون به)، وحظّر عليهم استعمال السرج لركب الدابة، وبناء الكنائس، وحتّى خفض صوت تراتيلهم فيها...(راجع تاريخ لبنان لفيليب حتّي. ص 312).

- وفي افتتاح الاسكندريّة، دُوّن القول الديني لعمر: "احرقوا جميع هذه الكتب، فالقرآن يغني عنها".

- أمّا المتوكّل، فقد نهج عكس نهج أبيه (الخليفة العباسي المأمون الذي كانت له اليد الطولى في نقل الحضارة اليونانية إلى العربيّة بواسطة علماء السريان المترجمين، والذي بانفتاحه العلماني، كان يقول إنّ القرآن غير منزل...) في سياسة التسامح الديني وحريّة التعبير...، إذ أنّه اشتدّت الهجرة المسلمة إلى لبنان في عهده...

- أمّا الامام علي بن ابي طالب، فلقد قال في التغالبة: " لئن بقيت لهم، لأقتلن مقاتلتهم، ولأسبينَ ذَرّيتهم، فإنّهم نقضوا العهدَ ونصّروا أولادهم" (أحكام أهل الذمّة، محمّد بن أبي بكر أيوب الزرعي ابو عبدالله - القرنين السابع - الثامن هجرين الجزء 1، ص 211). نذكّر بأنّ المرجع في هذا التفصيل التاريخي، يعود بين ما يعود إليه، إلى الأب شربل جورج صموئيل - مقال على صفحات الانترنت (راجع موقع التنظيم الديموقراطي الآرامي في ستوكهولم) - الذي دوّن أحداثا لا نريد الان ذكرها كي لا يتحجج البعض من المتوترين أو المتعصبين بنوايا تعصبية لا تخدم الحلول التي سنقدمها للابقاء على كرامة شعبنا واهمية لغتنا. والمراجع تفي بالغرض لمن يريد التعمق في تاريخ الفتوحات. لكن ما نريد التشديد عليه، وبعكس ال95% ممن كتبوا التاريخ بعصبية وتعصب وطائفية وتزوير للمعطيات التاريخية - التي نوردناها بصراحة لا فوقها صراحة (في سلسلتنا: الآراميون قومية ولغة، بأجزائها الخمسة)- ، انه لم تبقَ فعلاً، أعداداً، موضوعيّاً، مسيحيّة ترزق بعد أسلمة القبائل المسيحيّة كلّها إثر حربها مع النبي. فكفى تغنّ بعروبة مسيحية وهمية يومياً على الشاشات، وفي الفن، والسياسة، وبرامج الدين المسيحي بفم المسؤولين من بعض مطارنتنا وكهنتنا الخنّع هنا وهناك (كما في شخص مطران القدس حنا عطالله ومئات الشخصيات المشابهة له)، والاعلان الذي يضطر مقدمي البرامج فيه كلهم دون استثناء، للنجاة براتبهم تحت طائلة الطرد من عملهم، والاستجداء لدى محطة تلفزيونية أخرى، أن يمدحوا الباطل في التاريخ ومحو هويتنا الآرامية...

- ومعروف أنّ معاوية (661- 680) استقدم عشائر فارسيّة مسلمة من إيران لتستوطن في هضاب بعلبك، وطرابلس، وحتّى في كسروان. (وهذا، قد يراه البعض - كما سنرى بعد قليل - برهاناً على وجود الشيعة منذ الأزل (!) في جبل لبنان).

- وفي زمن الخليفة العبّاسي هارون الرشيد (786-809)، وزمن خلافة المتوكّل( 847- 861)، ازدادت الهجرة الاسلاميّة إلى لبنان. وفي منصرم القرن العاشر م.، أصبحت سوريا والعراق ومصر تبدو إسلاميّةً في عيشها وعاداتها، لا سيّما في مصر - بلاد المقوقس (الأقباط) حيث أنّ الخليفة الحاكم بأمر الله (996- 1021) أجهز على معالم المسيحيّة لتبدو في الأجيال اللاحقة وكأنّها غير مسيحيّة في الأساس. رغم ذلك، حاول المسيحيّون المحافظة على لغتهم التي باتت جوهر وجودهم. لكن، كما يقول المثل الفرنسي: " La raison du plus fort est toujours la meilleure " ، سرعان ما سيطرت الّلغة العربيّة على البلاد المسيحيّة في الّلغة، فباتت لغةُ الفاتحين العرب في منصرم العهد العبّاسي - أي في أوائل القرن الثالث عشر - لغةً يتكلّم بها الشعبُ المغلوب (راجع فيليب حتّي، تاريخ لبنان، ص(313)).

- وفي كتب التاريخ تَعلَمنا بأنّ الخليفة العبّاسي المنصور، وابتداءً من سنة (758)، سهّلَ استيطان المسلمين (كما فعل سواه أيضاً وفقاً لما رأينا أعلاه) على السواحل اللبنانيّة، اعتماداً على القبائل المستقدمة من الجزيرة العربيّة، وأهمّها قبائل التنّوخيّين. وبعد حين، بات هؤلاء القوم يعتبرون أنفسهم أنّهم أصحاب الأرض أساساً. فكان لا بدّ من حصول صدامات بين السكّان الأصليّين المسيحيّين في لبنان والمسلمين التنوخيّين (راجع وليد فارس، التعدّدية في لبنان، منشورات الكسليك، 1979، ص 52).

- والحكم العبّاسي أعلن البلاد مفتوحةً (راجع مسعود خوند، الموسوعة التاريخيّة الجغرافيّة، ج 16، ص.(72))؛ فهزم السكان وشُتّتوا وذُبح منهم الأطفال والأولاد والشيوخ والنساء...(راجع البلاذري، فتوح البلدان، دار النشر للجامعيّين،1957، ص (162))، وابن عساكر، تاريخ دمشق، ج 5، ص (341)). إلاّ أنّ الامام الأوزاعي (+774) بعث برسالة إلى والي الشام العبّاسي يعرب عن اعتراضه على تلك المجازر، وأنهّ حلّ ظلم كبير بأهالي جبل لبنان...

من هنا، نفهم لماذا حصل جلاء لبعض المسيحيّين في الجبل من جهة، واستقدام التنوخيّين من الجزيرة العربيّة سنة (763) من جهة أخرى، كما يعلمنا بذلك محمّد علي مكّي في كتابه : "لبنان من الفتح العربي إلى الفتح العثماني"، دار النهار، ص (65).

- واستوطنت جماعات من الشيعة متأتّية من بعلبك - خلال حكم آل عسّاف على كسروان حيث كانت غزير عاصمتهم - مناطق فاريا، وحراجل، كما جاء مسلمون سنّة من البقاع ليستوطنوا ساحل علما وفيطرون، كما انتشر الدروز بعد سيطرتهم على الشوف، في المتن وعاليه.

- وعلى عهد المماليك (الذين هم من الأتراك والشركس السنّة)، عمّ الخراب في البلاد، وكثرت الأوبئة، وانتشر الطاعون، وخاصةً في صيدا وصور وجبيل (وليس في البترون أو جبل لبنان عامةً)، وطبعاً في خارج لبنان (عسقلان...،كما يعلمنا ابن بطوطة في رحلاته (1304- 1377)). ويعلمنا المؤرّخ الدويهي باستشهاد البطريرك جبرائيل حجولا سنة (1367) حرقاً على أبواب طرابلس، خارج جامع طيلان، بسبب هجوم الصليبيّين من قبرص على مدينة الاسكندريّة سنة (1365) من جهة، وخيانة الموارنة لبعضهم البعض لأسباب دينيّة (انقسام بعضهم ومناصرة اليعاقبة)، ما أدى إلى تسليم نفسه للخصوم الفاتحين من جهة أخرى.

- وقدم المغول وأنجزوا الابادات العديدة بالكهنة الآراميين في القرنين الرابع عشر والخامس عشر ب. م.، في هذه الفترة التي دخلنا فيها في ظلمة لغوية آرامية. ثم، اقبل المماليك ونشروا الفساد والحروب الطائفية في لبنان، تلاهم الأتراك الذين أكملوا ما قام به قبلهم اخوانهم...، وأنجزوا أعظم مجازر التاريخ حيث ذهب ضحيتهم حوالى ال1.000.000 ارمني، وحوالى 250.000 آرامي (كفى زندقة بترويج التضليل الاعلامي على شاشات ال (LBC) و ال (MTV) بالقول بانهم آشوريين، بدلاً من تسمية الشعوب تاريخياً، بأسمائها. إنهم آراميون. والاشوريون ما هم سوى السريان النساطرة)...، وفي كل هذا، ما يبيد المعنويات، ويخفض الأعداد للسكان الأصليين، ويقهقر اللغة الآرامية السريانية....

- إخواني:

العلم والتاريخ والأحداث السياسيّة...كلّها، تعلمنا بأنّ الأقليّة، عدداً، هي التي تذوب في الأكثريّة. لقد سيطرت الجيوش العربيّة - المسلمة - بألويتها الثلاثة (النازحة وقتئذ من الصحراء العربيّة إلى سوريا، مصر، والعراق) على الأراضي الآراميّة وما حولها، وهي لم تكن تتجاوز بعدادها، الثلاثين ألف مقاتل في أبعد تقدير. فأسلمت البلاد المكتسحة، تدريجيّاً، وسيطرت الّلغة العربيّة الدخيلة على أراضي الآراميّين، كلغة الفاتحين في الشرق الأوسط (ودوماً تدريجيّاً). ثمّ، عُمّمت فيها العبارات: "الوطن العربي"، أو: "ألأرض العربيّة" ، أو: "ألأمّة العربيّة"، ...تماماً كما عُمّمت أيضاً الّلغةُ العربيّة. لكنّ الحقيقة، أنّ العدد الضئيل من الأعراب، أو العرب (المسيحيّين - بما فيهم القبائل العربيّة المجاهدة مع المحمّديّين -، والمقاتلين المحمّديّين) هو الذي ذاب في العدد الكبير من الآراميّين السريان (حوالى ال7.500.000 نسمة. البعض يقول 5.000.000 )؛ وبالتالي، فإنّ العربَ هم آراميّون، وذلك لذوبانهم في الغالبيّة الموجودة من السكّان أو المواطنين الآراميّين، وضياع عامل الدنّا (D.N.A. ) جزئيّاً، أي: "معالم الوراثة الخاصة بهم"، في دنّا الأكثريّة الآراميّة (هذا من الناحية العلميّة الصرفة، وليس أبداً من الناحية الدينيّة أو السياسيّة)، وإن سيطرت الّلغة العربيّة وانتشر الدين الاسلامي لاحقاً. والحق يُقال.

بالفعل، المؤرّخ فيليب حتّي والمؤرّخ لامنز (La Syrie  ) يعلماننا في كتبهما، بأنّ عدد المسيحيّين في القرن السابع ب. م. والقرن الثامن ب. م. - أي في العهد الأموي - كان 4.000.000 نسمة مقابل 150.000 من المحمّديّين. ولم يكن عدد سكّان فرنسا آنذاك يتجاوز ال4.000.000 نسمة. وعلينا أن نعي أنّ الذوبان يحصل في الأقليّة المسلمة، وليس في الأكثريّة السريانيّة. أمّا عدد المقاتلين المسلمين الآتين من الصحراء العربيّة، فكان ما بين 21 و 30 ألف بأقصى حدّ. لم يكن عدد المسلمين في الهلال الآرامي الخصيب في أثناء الفتح العربي الاسلامي إلاّ نسبة قليلة نسبياً من مجمل عدد السريان. وهذا يذكّرنا بالديموغرافيّة اللبنانيّة، إذ كان عدد سكان لبنان حتّى مطلع القرن العشرين بغالبيّته مسيحيّاً، وكان في الفترات السابقة (كما أعلمنا بذلك على الشاشات، العديد من الباحثين، ومن بينهم الوزير ميشال إدّه، في أثناء تحدّثهم في قضيّة إلغاء الطائفيّة السياسيّة) مسيحيّاً، بنسبة (85 %).

- كلنا نعرف جميعاً بأنّ لبنان وُجد قبل سنة (1943)، وقبل الجملة المشهورة: "لبنان ذو وجه عربي"، وقبل الطائف السياسي، الحديث الولادة، الذي كرسّ سياسيا هوية لبنان بسبب ظروف سياسية تدخل فيها الرئيس السوري الراحل، بشار الأسد، حيث بات لبنان بشطبة قلم سورية لبنانية: "عربي الهوية والانتماء" !؟ ويحاول البعض من اخوتنا العرب المسلمين، وضع كتب التاريخ في مدارسنا تبعاً لسياستهم الحاليّة،...

فنسأل: أين نحن اليوم من قول الرئيس المذكور عند استقباله المجمع المقدّس للسريان الأرثوذوكس في 17-3-1997 : "أيّها السريان (المقصود: السوريّون الأصليّون): سوريا بلدُكم أينما كنتم، وهذا حقُكم؛ وعندما أقول ذلك، لا أعطيكم ما ليس لكم"؟

- أيها القراء:

صحيح أن إخواننا في المشرق، كانوا أحياناً يسعون لعدم نشر بذور الطائفية وإثارة النعرات في أرضنا المشرقي. وهناك من الأقاصيص في حسن المعاملة ما يعجز القلم عن وصفه. وهل يخفى القمر؟ وصحيح أن بعض الحكام العرب كانوا يتجنبون دخول كنيسة مهمة في تاريخ الآراميين السريان (كل مسيحيي المشرق هم آراميون، ما عدا الأرمن والأقباط) لئلاّ يسعى بعضُ أتباعهم إلى هدم الكنيسة وإنشاء كنيسة مكانها. لكن فكرة إقامة المسجد كانت دائمة واردة عند أولئك الأتباع، لا بل، ولمن له ذرة إدراك في تاريخ الفتوحات الاسلامية، يعلم تمام العلم، بعشرات وعشرات الكنائس التي هدمها حكام آخرون وقيّمون دينيون في المشرق - الذي يُسمى اليوم عربيا-، والتي أسماؤهم تُطلق على الأطفال المسيحيين (الوليد، طارق، إلخ...). وصحيح أن فاتح القدس، صلاح الجدين الآيوبي، الكردي (ليس هو بعربي) كان قد أظهر نبل أخلاق كبيرة ضد الصليبيين المحتلين، في حربه على اورشليم (إنها أصلاً كنعانية من جميع النواحي، لكن العرب باتوا يطالبون بتعريبها وكانه ليس لها أي تاريخ سابق كنعاني!)، لكن العديد من الناس لا يريد الآن يذكر بعض أمور تعصبية أقدم عليها في تلك الظروف، وكأن الجيد يمحو السيّء أو لا يذكّر به!

انظروا اليوم، إلى مفاتيح كنيسة القيامة والتي شاء القدر أن يسلمها ذلك القائد العربي القوي، إلى أتباعه في الدين. بمعنى آخر: الكنيسة نفسها لا يمكن فتحها اليوم ليدخلها المؤمنون المسيحيون، إلاَ إذا حضر ناطور الكنيسة المسلم، وفتحها بنفسه، أو سلمها لهم!

نعم، صحيح أن هناك ألف تفصيل جميل ونبيل سجله التاريخ لاخواننا في أثناء حكمهم. لكن العديد لا يعرف أن دخول المقرات المقدسة الآرامية، كان أمرا طبيعيا، لا بل مفخرة في الفتح العربي، وحتى أنه كان منتظرا أن تستبدل الكنائس بالمساجد. لنتذكّر هذه اللمحة التاريخية:

(سقطت مدينة "دمشق الآراميّة - السريانيّة"، في وجه المهاجمين تبعاً لفيليب حتي كما يلي: " وكان سقوطها في أيدي العرب بعد حصار دام ستّة أشهر بسبب خيانة بعض الموظفين المسيحيّين الكبار في الدولة". وخيانتهم كانت مرتبطة بالعوامل الدينيّة والإضطهادات التي تعرّض لها المسيحيّون الخارجون عن العقيدة البيزنطيّة. أمّا الرحّالة "إبن بطّوطة" في وصفه لمسجد" دمشق"، فيقول: "وكان موضع المسجد كنيسة، فلمّا افتتح المسلمون "دمشق"، دخل "خالد بن الوليد"، من إحدى جهاتها بالسيف، فانتهى إلى نصف الكنيسة؛ ودخل "أبو عبيدة الجرّاح "، من الجهة الغربيّة صلحا...") رحلة "إبن بطّوطة"، ص 83. (لذا، راج التعبير في ذلك الجزء من الفتح: "دُعي الفتح العربي يسيرا" ).

- إخواني:

الحكام العرب، تدريجيّا، راحوا يفرضون اللغة العربية الاسلامية على جميع البلاد التي احتلوها. وقد توسعنا في ذالك بما يشفي غليل العديد من المثقفين في الكتب المشار إليها. وننقل ومضة تاريخية في هذا المجال، من قاموسنا: من اللهجة اللبنانية، إلى اللغة الآرامية، بهدف الحرص على البقاء أوفياءً للتاريخ في شرحنا لتقهقر الآرامية - السريانية في البلاد المكتسحة عربياً:

لما رسخت قدم العرب في بلاد ارام (اي: بلاد الشام - سوريا البيزنطية)، أخذ عدد المتكلمين باللغتين اليونانية والآرامية يتضائل شيئاً فشيئاً. فإن الخليفة عثمان بن عفان قد طرد الروم من مدن ساحل فلسطين (المنطقة بين غزة ويافا)، ونقل العرب اليها، فسكنوا فيها (استيطان). ولما أفضت الخلافة الى عبد الملك بن مروان، منع هذا الأخير استعمال اللغات الأجنبية في دواوين الحكومة، كما جعل اللغة العربية اللغة الرسمية الوحيدة، ليس في بلاد ارام، فقط، بل في العراق ومصر وبلاد فارس، وفي سائر الأقطار التي كان العرب قد استولوا عليها حتى ذلك التاريخ. ناهيك بتشديده وتشديد غيره من الخلفاء والحكام على المسيحيين في أوقات مختلفة بعدم استعمال لغة أخرى غير العربية.

ومن المعلوم ان العرب، بعدما استولوا على هذه البلاد، هاجموا قبرص وكريت ورودس، واخذوا يهاجمون عاصمة الروم فيها بين آونة وأخرى. وكانوا كلما فشلوا، يشدّدون الضغط على مسيحيي سورية وفلسطين، ولا يسمحون لهم باستعمال لغة أخرى غير العربية، وذلك حتى في كنائسهم، خوفاً من ان يكونوا عيوناً عليهم وينقلوا أخبارهم للروم. وكان المنصور العباسي أشدّ الخلفاء السابقين تدقيقاً من هذه الجهة، فلم يكتف بإصدار الأوامر المشدّدة، بل أمر بترجمة الكتب الكنائسية اليونانية جميعها الى العربية وحظر على البطاركة والأساقفة وسائر رجال الاكليروس، بمنتهى الشدّة، استعمال أية لغة غير العربية. فأصبحت - بعد عهد ذلك الخليفة - اللغة العربية والحالة هذه، لغة الكنيسة والشعب معاً. ولذلك، أصبحنا نرى بعد ذلك التاريخ مؤلفات دينية عربية لا يزال الشيء الكثير منها محفوظاً في مكتبة دير الروم الأرثوذكس في اورشليم وفي مكتبة كنيسة مار يعقوب الكاتدرائية، وفي مكتبة دير الصليب المصلبة حيث يصل عدد المجلدات العربية المخطوطة إلى ال: 150، ومن بينها الأناجيل الأربعة التي كتبت في القرن الحادي عشر للميلاد -وفي مكتبة دير طور سيناء حيث عدد المجلدات العربية يصل إلى ال: 602 - (مجلة النعمة السنة الأولى الجزء الثاني)، وهناك كتب أيضاً في مكتبة دير صيدنايا بسورية وفي غيرها من المكاتب...، عدا ما نقل منها الى مكتبة الڤاتيكان والى غيرها من مكاتب اوروپا الشهيرة.

وقد ذكر حبيب الزيات في كتابه (وهو من طائفة الروم) عملية حرق مكتبة دير العذراء في صيدنايا حوالى سنة1900 التي كانت تحوي آﻻف الكتب والمخطوطات السريانية والتي كانت خير دليل على آرامية الروم.

لكن الاوامر اتت لمسح الأثر الآرامي من الدير، وتم اشعال النار في افران الخبز لمدة اسبوع كامل، فلنتصور مدى حجم الكتب والمخطوطات التي احرقت.

وأخيراً وليس آخراً، يقول المؤرخ فيليب حتي في كتابه: "تاريخ سوريا" ان 65% من الشعب السوري كان لا يزال يتحدث باللغة السريانية حتى اواسط القرن الثالث عشر الميلادي، اي: بعد زوال الخلافتين الاسلاميتين الاموية والعباسية(.

لكن، وبوصولنا إلى القرن التاسع عشر، بعد ركود لغوي - قومي، أوضحنا أسبابه عبر التاريخ، ذاكرين لكم عشرات المراجع التاريخية المتنوعة والمتعددة، وبعضها إسلامي ليكون شاهدا على ما أوردناه، أيمكن القول أننا في حال نزاع في كياننا الآرامي؟

الجواب هو على دفعتين، أوّلاً: في ما لدينا من نتاج منذ هذا الزمن، وثانياَ: في ما لدينا شخصيّا من حلول لدعم وجودنا والمحافظة على تراثنا الشامل.

1) نتاجنا الآرامي الكتابي.

نظرة سريعة على ما أنتجه ملافنتنا بعد 3000 سنة، تكفي لاعلامكم بأنهم حملوا راية الوفاء لوجودهم وجذورهم ومسيرتهم عبر التاريخ. ولا يمكننا في أسطر قليلة أن نفي بحقهم ونهبهم ما يستحقون من شكر وتقريظ، كما أنه مستحيل في مقطع مبسط أن ندون كل ما هو متوفّر لدينا في هذا المجال، إنما نورد عيّنة من جبل الجليد:

- ها هو قاموس المونسيور توما أودو في القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين، يعطيك من مضمون المعرفة ما يشفي غليلك ويريح بالك. لم يعبأ كبيرنا بالمجازر التي كانت تنجز بين الحين والحين لاكمال إبادتنا، نذكر نمطاً منها، الا وهو مجزرة 1896، حين أبيد الآلاف من الآراميين السريان.

- لم نأت في المقال وفي الموضع المناسب كرونولوجيّاً، على ذكر أحد كبار ملافنتنا العظماء، العلامة غريغوريوس ابن العبري، في القرن الثالث عشر، حين أصدرت الأوامر في لبنان، بتدريس اللغة العربية على أنها اللغة الرسمية في لبنان! انه وبالرغم من تدهور حالنا على أصعد كثيرة، بعد ذلك القرن، واستمرار التهجير لنا، وانقسام الآراميين فيما بينهم لحماقات وتفاهات وخيانات للثوابت كما يحصل اليوم علناً في بعض الأحزاب الخانعة...، ورغم وصولنا لمجزرة السيفو (Sayfo) العثمانية، في الحرب العالمية الأولى، ورغم ظاهر الأحوال المشرقية المذلة بنا ولنا طيلة قرون الانحطاط الآرامي، وأمور كثيرة لن ندخل الآن في تحليلها، كسبا للوقت...، نؤكّد أن شعبنا الآرامي الطالب بحقه في الوجود، عاد ليظهر للعالم أن الدنا الفكري ما زال مشعّاً في خلايا أحفاده. ومن منّا لم يسمع بالمفكر المناضل فايق نعوم (1868- 1930)، أو باستاذ الجامعة اللبنانية، فاولوس كبريال (1912/ 1971)، أو بدنحا غطاس مقدسي الياس المولود في سنة 1911، وابراهام عيشو ( 1978)، وحنا سلمان، ويوحنا دلباني، وبرصوم أيوب (نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين)، والمطران يعقوب اوجين منّا (1867 -1928)، ويوحنون قشيشو المطبوعة كتبه في منتصف القرن العشرين، والملفونو عبد المسيح قره باشي التي له أهم الكتب التدريسية المدرسية (التي ما زالت مدرسة الترقّي اللبنانية، تلقّن تلامذتها بها لغاية اليوم)، والراهب الكفرنيسي صاحب المؤلفات العظيمة، والأب القرداحي وقواميسه وكتبه، ومئات المفكرين الآراميين السريان، ولا أريد ذكر المزيد من أصدقائي الأحياء، الآن...؟

لكن رغم ما قلناه، علينا تدوين واقعنا الأليم الحالي. إن وضعنا اللغوي في لبنان، لهو حزين في محيطه المسمى اليوم: عربي. لقد أقفلت جميع المدارس اللبنانية السريانية (وقد قمنا بأكمل دراسة في هذا المجال، دوّنّاها في 3 كتب لنا، منها: لماذا علينا التكلم بالآرامية السريانية؟)، وقلَّ عدد الآراميين السريان بعد حروب منتصف القرن العشرين التي شهدناها كلها، ولم يعد كهنتنا يجيدون النطق باللغة السريانية، متنكرين لما أوصاهم به أبوهم الراحل الكفرنيسي، بل راح بعضهم، كالأب مونّس (نذكّر بأننا دوّنّا أسماء العشرات منهم، بالاسم الكامل، وفي أي مكان يعملون، وما قالوه لنا شخصيا، أو ما سمعناه منهم علنا على الشاشات اللبنانية ، كشاشة النور...، في سلسلتنا الخماسية: الآراميون: قومية لغة. من فمك ادينك يا اورشليم!) يتحدّى العرب والمسلمين بأن الموارنة والمسيحيين هم أقرب إلى بني قحطان من أي عربي أصيل!؟، وراحت أيضا جميع الشاشات وخاصة المسيحية منها، تنادي كل ثانية، في برامجها المتنوعة، بعروبة لا تنادي بها أية شاشة عربية على الاطلاق، وكأنها ترفع الراية بدلاُ عن جميع عربان العالم، وبمزايدة ومبالغة !!، ناهيك عن رئيس الحزب العوني، الجنرال عون، المصرح بفمه: سنتحوّل إلى مجتمع عربي!، وكأنَّ التاريخ الآرامي هو ملك ابيه، ويكرر أتباعه دون اطّلاع على تاريخنا، الجملة نفسها، دون تفهم أبعادها التي من مغزاها، نرى ما يحصل في العراق وسوريا وفي العديد من البلاد، من ابادة لحضارتنا، وتهجير لأبنائنا، واقصاء لكبارنا، واكراه في الدين، وتقتيل لابنائنا، وتدمير لممتلكاتنا،.... والانكى، أن أحباءنا العربان، يقولون ويبررون إبادة المنعصبين المسلمين المتطرفين...أنهم ليسوا منهم ّ!؟

اخوتي: قادتنا باعوا الهيكل، باسم الانفتاح والتسامح. لقد اخطأت روما مرارا عديدة بحقنا - لن ندخل الان في تفصيل ذلك، كما في قرارات مجمع خلقيدونيا في القرن الخامس م.، والقرارات شبه الحديثة بحرق الهرطقات الارامية غير الرومانية...وفعل الندامة لا ينفع الان - ، كما أخطانا نحن بتسليم ارواحنا للغير وتحطيم لغتنا بكامل ارادتنا، مكررين تسليم مفاتيح تراثنا لسوانا، كما سلم أهم رجال دينا وقادتنا في دمشق مفاتحيها للفاتحين العرب.

والحال هذه، وبوجود ما كان لنا، وما لدينا من عطاء حديث قديم، وما نسشهده اليوم من تقاعس مسؤولينا في إكمال المسيرة الآرامية في جميع أبعادها، نسأل ما هو الحل للاستمرار؟

2) الحل لدعم وجودنا والمحافظة على تراثنا الشامل.

العودة إلى دراسة اللغة الآرامية - السريانية على مسؤوليتنا وبمفردنا. لم نعد بحاجة إلى قادة بعد رحيل القائد الأشرف في تاريخنا، بشير الجميل، لأنهم سجدوا للمصالح العربية والانانيات الفردية. لم نعد بحاجة إلى إعلاميين جهلة ومراوغين، يعطونكم من حلاوة اللسان ما يلدغ. لم نعد بحاجة إلى الاباء الذين يظهرون على شاشة النور ويروجون الدمار الآرامي باسم الدين والعروبة التي يحتمون وراءها وهماً وتزويرا لواقعنا التاريخي - الليتورجي اللغوي - والاجتماعي.

لقد قمنا بمئات المحاولات في دعم مسيرتنا وفق ما جاء في هذا المقال لدى عدد كبير جدا من اولئك المسؤولين...وكان مسعانا عندهم جميعا، دون أي استثناء على الاطلاق، كمن يحاول الحفاظ على الماء في الغربال.

لذا، قررنا ان نقوم بما قام به أسلافنا لتستمرّ المسيرة: دراسة تاريخنا ولغتنا. بل مضينا في أبعد من ذلك، إذ وضعنا حوالى ال55 كتاباً في هذين المجالين، إضافةً إلى موسوعة يتيمة ضخمة في جذور المفردات اللبنانية (وهي براهين على هويتنا الآرامية) كي نسهل لأبناء قومنا دراسة ما عانينا منه، سيما وانه يصعب احيانا الحصول على تلك المعلومات في ظل الظروف الصعبة من جميع النواحي.

لغتك تناديك. وتاريخك امامك. ماذا تنتظر؟

اننا لسنا في مجال الدعاء إلى أي مجهود غير المجهود الثقافي: اللغوي والتاريخي، لأنه الوحيد الذي سيبقيك حيّاً، رغم مليار تبرير قد يحاول الكذبة تمريره اليك لاستغلالك لمصالحهم.

ايها اللبناني:

إذا كان في متناول يدك كتابٌ تاريخي ولغوي يُعلمك بهويتك الآرامية (والكنعانية أيضاً)، ويذكّرك بتراثك، ويحثّك على تعلم لسان حالك (السريانية)، فإنك قد تشعر بأنه عليك الاستماع إلى ضميرك الحي، في أثناء مطالعتك ذلك الكتاب. فكيف بموسوعة لبنانية آرامية لم تترُك لك موضوعاً في جذورك، إلاّ وأعلمتك به، ولم تغض النظر في ذكر تخاذل حكامك ورؤسائك المسؤولين عن تقهقر كيانك واندثار لغتك الأصلية، إلاّ وعيّرتهم دون مراوغة؟ وعندما تتعلّم الجرأة في إدراك المعرفة، وتثق بمعلوماتك، وتنكب على دراسة تاريخك ولغتك، رويداً رويداً، فسرعان من تنتعش عزيمتك، وتعم المعلومات في جميع اللبنانيين، بأنه لا يضيع حقٌّ وراءه مطالبٌ. لكن، طالما لا تنتشر المعلومات الصادقة تاريخياً التي يتجنب ترويجها خونتنا على جميع الأصعد، ولا تعمّ المعارف اللغوية السليمة بيننا، سيبقى الكذبة والمنتفعون يبررون الوجود العربي وغيره لمصالحهم، ويأتون بحجج بالمئات ليستمروا بأباطيلهم، فيُبعدونك عن الحقائق التي نعلمك بها، لأنهم "خراف پانورج". المشكلة انه لم يظهر بعد، ايُّ فريق آرامي عزم على اتّخاذ هذا الموقف المعمِّم لنشر حقوقنا، ولم يأتِ اي رجل قومي حقا، ليبسطَ هذه المعارف بتضحية مادية من عنده، كما ضحينا طيلة حياتنا بوضع ال55 كتابا في آراميتنا، وكأنَّ التضحية باتت محصورة في أشخاص قلة، لا يمكن ان تثمر بنتيجة واضحة لاستعادة هويتنا وتنشيط لغتنا.

وتذكر أن الأمبراطوريات الأعظم في التاريخ زالت، فيما لغتك استمرّت، لتضع مستقبلها بين يديك! ·

ما قلناه، نأمل أن يصل إلى بيت كل قومي وفيّ لتاريخه ولغته. والمكتوب، مهما كان صادقا محقاً، ومنيراً، إذا لم يُنشر، يبقى في الدرج أو على الرّف للزينة. نأمل من آرامي قومي أن يحمل لواء هذا الشعور برسالة نشر ضخمة، يقوم بها على أوسع نطاق، كي يتحقق حلم الأوفياء للآرامية).

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها