المَخطوطات السريانية الطَقسية : تُراث المَوارنة العَريق وأدَبهم
الجَليل (3)
هناك الكثير من المخطوطات ينبغي نشرها ، وقدس الاباتي يوحنا تابت
(يعاونه حاليا الاب جوزف عبيد) الأكفأ في هذا الموضوع ، لأنّه لا يمكن
لكل إنسان يعرف السريانية أن يقوم بنشرها . فهي تحتاج الى خبرة واسعة
ودقّة ومنهجيّة رصينة وتروٍ وانتباه ومسؤولية لعظمة هذا التراث ، الذي
يُنشَر بتؤدة ودقة ورصانة لا مثيل لها ، لأوّل مرّة . والاباتي يوحنا
تابت ، هو الأعرف في لبنان والكون كلّه ، في الليتورجيا المارونية .
هناك متخصّصون كُثر ، وباحثون أكثر ، ومجتهدون متاكثرون . ولكنّ
الاباتي يوحنا تابت فوقهم جميعًا بمعارفه الواسعة ومداركه الدقيقة
وعلمه الرصين والدقيق والعميق والفهيم . لذلك يحظى من غبطة البطريرك
الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير ، بدعم كبير ، ومن سيادة المطران
بطرس الجميّل السّامي الاحترام (رئيس اللجنة البطريركية للشؤون
الطقسية) بتأييد واسع ورحب ، لأنّ جهوده العلمية ، مع سواه ، تأخذ
بالنمو والتقدّم . لذلك ينبغي متابعة العمل الحثيث ، بوتيرة متصاعدة ،
لنشر أهم الأجزاء للمصادر الليتورجية المارونية ، سواء كانت أعياد ، أو
قراءات أو صلوات أو فروض أخرى .
هنالك الكثير من المخطوطات المارونية الطقسية الثمينة ، الموجودة في
المكتبات الديرية في لبنان ، وخارجه في المتاحف والمكتبات العالمية ،
تحتاج الى نشر تدريجي ، لنصل الى درجة ، يكون تراثنا الماروني ، بكافة
أنواعه وألوانه الطقسية ، ماثلة أمام عيوننا ، وملموسة بأيدينا .
إن المصادر الليتورجية التي يقوم بنشرها (تحقيق وتبويب ومقارنة وتقديم
وترجمة) – مشكورًا - قدس الأباتي يوحنا تابت الجَزيل الاحترام : هي
أطهَر وأقدَس وأعظَم وأصفى وأشرَف وأبهى وأجمل وأزهى وأكمَل وأروَع
النصوص المارونية السريانية الطقسية على الإطلاق . هي الأدب الماروني
السرياني الانطاكي العريق ، الُمدوّن بأيادي النساك الأطهار والنسّاخ
والعلماء ، والتي صُلِّيت بأنفاس مقدسة وأنغام عذبة ، على مرّ الازمان
.
هذه المخطوطات ليست هويّة الكنيسة المارونية وحسب ، بل هي هوية الشعب
الماروني ، وتراثه وتاريخه وحضارته . ولذلك ينبغي الإستفادة منها بشكل
أقصى ونهائي ، في الكنيسة ككل ، والرعايا والرهبانيات ، وأن تُعَلَّم
في كليات اللاهوت والجامعات والمدارس ، وان يروّج لها لنشرها بين
المؤمنين والمهتمين .
5- قيمة الادب الماروني وفوائده :
نعني هنا بالأدب الماروني ، أنّه أدب الكنيسة المارونية وتراثها
المدوّن العريق . وهذا التراث هو مقدّس بكلّ ما للكلمة من معنى وقوّة ،
لأنّه تراث طقسي تبنّته الكنيسة المارونية واستخدمته في صلواتها
وطقوسها ورُتبها وأعيادها الغنيّة والرائعة . لذلك علّة حضور الموارنة،
أن يعوا تراثهم ، ويفتخروا به ، بأنه تراث مقدّس وشريف وطاهر .
لا يمكننا حصر قيمة هذا الادب الجليل وفوائده ، فإذا أخذنا المصادر
التي نشرَت حتى الآن ، من سنة 2000 وحتى 2009 ، نجدها كتبًا متلألئة
بالجمال والحيوية والهيبة والعظمة . فكل الكتب التي تصدر تحمل فوائد لا
عدّ لها ، وتحتاج طويلاً لإيفاء ما تحويه من كنوز : روحية ، إيمانية ،
لاهوتية ، إنسانية ، لغوية ، أخلاقية ، تعليمية ، ليتورجية ، موسيقية ،
تاريخية ، أدبيّة ، ثقافية ، إجتماعية ، تربوية ، نُسكية ، رعائية ،
رهبانية ، تأمّلية ، نفسيّة ، وغيرها من الفوائد الكثيرة . وهي كنوز
فعليّة ، وليست كنوز للكنيسة كي تستفيد من نصوصها للتجديد الطقسي فقط ،
بل كنوزًا لكل المؤمنين والعلمانيين ، ليغرفوا من محتواها الثمين
للغاية ، المليء طهرًا ورقّة وعمقًا وإحساسًا .
خاتمة :
إنّ للموارنة أدبًا عريقًا ، هو الأدب الطقسي الليتورجي الأصيل ، الذي
تبنّته الكنيسة المارونية ليصير أدبها العريق . هذا الادب هو ادب
أنطاكي سرياني عريق ، له الانتماء الماروني الواضح والاكيد ، دون أن
ينفي هذا الإنتماء ، شرقيّة هذا الطقس ، وأنطاكيته ، وسُريانيّته ،
وأصالته الرائعة . ومن ينفي هذا الانتماء او الهوية المارونية عن هذا
الادب ، فمجرّد خُزَعبلات لا معنى لها ، وأوهام لا طائل لها . ومن
يقلّل من قيمته الانطاكية ، فهذا كلام غير علمي مطلقًا . ومن ينسف
أصالته السريانية ، نكون أخرجنا الفرض الماروني من الهذيذ الروحي ، الى
هذيان من يدّعي هذا الادّعاء اللامنطقي ، ومن ينزعه من هويّته الشرقية
المتجذّرة ، يكون في جهل للطقوس ولا علم له بشيء بها ، ومن ينفي طابعه
السامي الآرامي المتجذّر في القدم والعراقة ، يكون لا يُدرك شيئًا في
التاريخ وتراث الشعوب وحضارات الأمم . |