سورة "البقرة" تحت المجهر(2)
الأحرف الثلاث في بداية "البقرة" {الم} هي نوع من الابداع الأدبي او
الخلق اللغوي، الذي تجلت من خلاله عبقرية محمد الشعرية في ابهار الناس
بشيء جديد غريب مختلق وغنائي مدغدغ للسمع وليس للعقل لم يألفوه من قبل.
الا انه لم يصل في نبوغه الشعري الى مستوى شعراء المعلقات الذين كانت
قرائحهم العملاقة هي السباقة في التأسيس لفصاحة وبلاغة وسلاسة وجذالة
وليونة وعذوبة وغنائية موسيقى لغة الضاد قبل الاسلام بأكثر من مئة عام.
ومحمد لم ينطلق في دعوته للدين الجديد من فراغ، وانما بنى على قاعدة
صلبة ثقافية ودينية مسيحية يهودية وادبية وفورة شعرية عامرة هزت اطراف
الجزيرة، وكانت مكة صاحبة البيت العتيق موئلها، وسوق عكاظ الشهير
مركزها.
محمد لم يكن هدفه كتابة الشعر، وانما هاجسه الأكبر تثبيت الدين الذي
اخترعه من خلال الآيات المسجعة لنشره مغلفا بجمالية الصوت الغنائي
تلحينا أي ترتيلا ليطرب او يرعب به آذان السامعين فيخروا خاشعين ساجدين
شاكرين الله صاحب البيت العتيق على نعمه وخائفين من بطشه وشدة انتقامه.
ونتابع مع س. "البقرة"2}
-5} التي تقول:
"ذَلِكَ
الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ".
تستوقفني عبارة "لا ريب" وتدفعني الى الريبة والحذر وعدم الاطمئنان،
وطرح التساؤلات، والشك بكل ما سيأتي بعدها من فرائض وشرائع ونصوص
وآيات.
لماذا؟ لأنها عبارة زائدة. والزائد اخو الناقص كما هو معروف. وكل ما
زاد نقص!
والله الذي هو الكمال، هل من الممكن ان يرتكب هفوة كهذه؟
وهل من المعقول ان كلاما مقدسا يدعي صاحبه نزوله عليه من السماء، ان لا
يكون: ميزان الفكر ونور العقل وقمة الكمال و عين الاكتمال؟
وهل رب السماء ضعيف الثقة بنفسه الى هذا الحد ليؤكد كلامه بعبارة "لا
ريب"؟
خاصة وان المعنى بدونها لا يتأثر البتة، بل ويخرج سهلا سليما بلا تعقيد
ولا تاكيد ولا تصعيد لو قال:
"ذَلِكَ
الْكِتَابُ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ".
كلمة "فيه" تعطي قوة مباشرة للمعنى المقصود، وقدرة معنوية لما في
الكتاب! وتظهر الثقة بالنفس كاملة واضحةً وضوح الشمس.
فلماذا استعمل محمد عبارة "لا ريب" وهو لم يكن بحاجة اليها؟
نردها الى السبب التالي: كما هو معروف فالصادق يري الناس صادقين، ولذلك
فهو لا يحتاج ليؤكد صدقه ويدَّعيه، وانما يقول كلمته بثقة وثبات وصدق
ونقطة على السطر. والمخادع يرى الناس مخادعين!
هنا اقول: وكاد المريب ان يقول اكتشفوني، وليس خذوني!
ومن هم هؤلاء المتقون؟
هم
الخائفون المرعوبون من الموت وما يليه،
والمتقون من عذاب النار . ولهذا فهم:
{3} "الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ"
وهنا تبدأ المشكلة الجوهرية مع دين محمد المبني على الغيب أي على فكرة
الله وعلى الغيبيات أي
بِمَا غَابَ
عن اللمس والنظر من نزول للقران وجبريل والْبَعْث
والقيامة
وَالْجَنَّة وَالنَّار.
فحتى في ايام محمد لم ير احد نزول آيات القران من السماء كما ينزل
المطر مثلا.
يعني هكذا وبدون ادنى برهان يجب ان نسخِّر حياتنا للايمان بالغيب
وتلبية رغباته وما يليها من التزامات وعبادات كصلاة وصوم وتعقيدات حولت
حياة الانسان المسلم الى زنزانة غيبية.
فالمؤمن المتقي قَبِلَ بالزنزانة وهو يعيش بها طيلة العمر يحلم بآخرة
مبنية على كلمات جادت بها قريحة محمد الشعرية. هذا مع العلم ان كل ما
جاء به القران من غيبيات وافكار وعقائد وقصص كانت معروفة ومنتشرة في
الجزيرة العربية قبل الاسلام عبر الوثنية والزرداشتية والهندوسية
والمسيحية واليهودية.
فقبل الاسلام كانت شبه الجزيرة العربية تنعم بالحرية الدينة فكانت هناك
الديانات الوثنية الى جانب اليهودية والمسيحية يتعايشون سلميا ولم نسمع
ان حربا شبت قبل ظهور الاسلام على اساس ديني. سمعنا بحروب بين القبائل
وغزوات ولكن لم نسمع بحرق معبد او كنيس او كنيسة كما يحدث الآن في
باكستان وكما حدث مؤخرا في لبنان.
لقد كان هناك تسامح كبير قبل الاسلام وكل قبيلة لها صنمها او ديانتها
وتحترم صنم القبيلة الأخرى حتى ان الكعبة كانت ملتقى الديانات قبل ان
يستولي عليها محمد ويطرد الجميع منها ويكسرهم.
وهكذا وبكل احترام قبل الاسلام كان تمثالي العذراء مريم والمسيح
موجودين في الكعبة جنبا الى جنب مع مئات الاصنام أي الآلهة التي عبدتها
قبائل العرب.
بعد انتصار الاسلام بالسيف تدعمه فكره الغيب تم تكسير الاصنام والقضاء
على باقي الاديان. حيث حل الاستبداد أي الزنزانة التي يعيش بها
المسلمون اليوم ويشقون ويتخلفون ويختلفون ويتصارعون ويتكاثرون.
وماذا لو لم يظهر الاسلام؟
لكانت اليوم الجزيرة العربية باديانها المختلفة المتسامحة شبيه بدولة
الهند الديمقراطية الكبيرة على أسوأ تقدير. هذا مع العلم ان الهند لا
تملك الثروات النفطية الهائلة التي تملكها شبه الجزيرة العربية.
المشكلة هنا ان من لا يؤمن بالغيب يصبح في نظر القران كافرا يجب
محاربته. وهكذا اعلن القران في ايات كثيرة الحرب على الكفار في الدنيا
يريد طردهم منها كما طردهم من الكعبة، ورميهم بعذاب عظيم في الآخرة.
لا ادري هنا ما هو الفرق بين عبادة الاصنام وعبادة الغيب؟
فالاصنام تمثل آلهة والغيب يمثل الله!
ولا الاصنام يستطيع احد برهنة وجود آلهتها حسيا،
ولا القرآن قادر على ان يقدم لنا برهانا على وجود الله حسيا.
كلها ادعاءات ونظريات ومعتقدات مغلفة بالشعر والسحر والزجر والنهر
والقهر والحرق في النار.
واذا اراد الله ان يفرض الإيمان علينا عليه الظهور للعيان! وعندها
يستطيع فرض ما يشاء. و"البقرة" نفسها تؤكد شك الانسان الدائم بالغيب
وقدرة الغيب حيث جاء :
{260}"وَإِذْ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى
قَالَ
أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
قَالَ فَخُذْ
أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ
اجْعَلْ عَلَى كُلِّ
جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ
يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ
أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ".
لا ادري اين هي الحكمة في هذا الكلام السطحي، الذي يؤكد تهافت الفكر
الاسلامي على روايات وهمية متناقضة. نفهم من هذا الكلام ان ابراهيم
تكلم مع الله خالق الكون.
وماذا يريد ابراهيم اكثر من هكذا اطمئنان؟
هو عندما يقول لله "أرني كيف تحي الموتى". انما بقوله هذا يؤكد لي انه
لم يتكلم مع الله. لان الكلام بحد ذاته مع الله الخالق يجاوب على كل
الأسئلة الكونية الاخرى ومن ضمنها احياء الموتى.
يعني القصة كلها غيبيات ووهميات وفرض عبادات على المساكين المؤمنين
بلقاء الحوريات.
محمد من خلال فكرة الغيب التي فرضها علينا باعنا سمك في السماء وليس في
البحر. فهو لو باعنا سمك في البحر لقبلنا بالبيعة لاننا على يقين ان في
البحر سمك وربما سنحصل على سمكة نتيجة صلاتنا وصيامنا . اما ان يبيعنا
سمك في السماء! وماذا اذ لم يكن في السماء سمك؟ ونحن صلينا وتعبدنا
طول العمر للحصول على السمكة الغيبية الطائرة بأجنحة الملائكة!
وهنا يقفز احدهم قائلا: وهل تريد ان يظهر علينا الله؟ وماذا سبقي
عندئذ من فكرة الغيب؟ واذا ظهر الله فالناس كلها ستتعبد وتصلي وتصوم.
وكيف سيعرف عندها الله الصالح من الطالح.
مهلا مهلا يا صديقي على اله محمد ان يحل مشاكله بنفسه ولا يرميها من
السماء علينا. ولماذا الله يريد التمشكل معنا؟
هل هناك من أجبره على ان نكون على هذه الأرض؟
او هل نحن على هذه الأرض غصبا عن ارادته؟
عدا انك بهذا الأسلوب تضع العربة امام الحصان، وتضع العقدة في المنشار.
فلا الحصان سيجر العربة، ولا المنشار سيقطع العقدة.
وبكل بساطة اذا انت تريد الإيمان بالغيب فهذا حق لك بشرط عدم فرضه على
الآخرين.
أنا اريد أن ارى الله جهرة وأكلمة واحاوره واعاتبه وهذا حق من حقوقي لا
افرضه ايضا على الآخرين.
ومن هنا فالآخرين ليسوا قصارا ويجب ان يتمتعوا بالحرية الكاملة
والتعبير عنها في اتخاذ قراراتهم الإيمانية الغيبية دون ارهاب
المنظومتين السياسية والدينية في كل الدول العربية والاسلامية.
فالله العادل :
إما ان يظهر مباشرة ويفرض ما يشاء
واما ان يبقى غائبا ومن حقنا عندها ان نختار ما نشاء!
سورة
"البقرة" تحت المجهر(1) |