اقرأ المزيد...

سعيد علم الدين

 كاتب لبناني. برلين

 2010.09.06

   سورة "البقرة" تحت المجهر(1)

سنحاول من خلال مجهرنا الفكري البحثي التركيز بدقة متناهية على حروف وكلمات وآيات القرآن.

سنبدأ ب س. "البقرة" وسنتابع من خلال باقي السور لاظهار الاخطاء والهفوات والمغالطات والتناقضات التي تحتويها والنظر اليها بمنظار:

نقدي لا تبريري، تحليلي لا تجميلي، منطقي لا هرطقي، عقلاني لا عاطفي، هادئ لا انفعالي، علمي لا تضليلي، صادق هادف عارف كاشف.

فلقد أشبعنا مفسرو الماضي وأتخمنا مفسرو الحاضر:

تبريرا وتجميلا، هرطقة وعاطفة، انفعالا وتضليلا لآيات القرآن.

هم يصنعون حسب أهوائهم من الحبة قبة واحيانا من القبة حبة.

هم ينهلون من كلمة وردت ينابيع خيالات جميلة واعدة، ويخترعون من حروفها تخيلات عجيبة زاهية، ويفترضون نظريات علمية شائكة، ويؤلفون فلسفات وهمية تغييبا للعقول.

هم استطاعوا من خلال هذا الأسلوب التبريري التجميلي التبجيلي تغييب العقل العربي والتسبب بتخلفه لتتحول جموع الملايين الى مخطوفين مصدقين مهللين مكبرين مرددين لكلمة آمين!

هدفنا هو النقد وليس المدح، الحوار وليس السجال، النقاش وليس الكباش، اشعال مصابيح التنوير وليس التخبط على غير هدى في ظلام الأضاليل، وانتشال شعوبنا من الغرق اكثر في متاهات الغيبيات واضاعة الوقت في اقامة الصلوات والتيمم بعسل الخرافات لجنة وهمية من حوريات فاتنات لن يرونهن ابدا بعد الممات.

فلا صنعَ الغيبُ سيارة، ولا سخر بحرا، ولا حرك موجا، ولا سيَّرَ مركبا، ولا شفى مريضا، ولا احيا ميتا، ولا بنى منزلا، ولا زرع حقلا، ولا اشبع بطنا، ولا كسا عريانا، ولا علم تلميذا، ولا انقذ طفلا من الموت جوعا، ولا غرس شجرة، ولا انزل مطرا، ولا شق قمرا، ولا نثر كوكبا، ولا خلق انسانا، ولا أشرق شمسا، ولا سطح أرضا، ولا رفع ناطحة سحاب، ولا أعاد حقا لأصحابه، ولا حل مشكلة، ولا فك حصارا عن غزة المنكوبة!

وباسم  الغيب الغائب عن الوجود صارت الناس وحوشا كاسرة بلا قيود واحزاما ناسفة مشرِّعَةً للقتل دون اخلاق وقيم وحدود.

ومن هنا فواجبنا وواجب كل مثقف حر ومفكر نبيه التنوير ثم التنوير!

والتنوير لا يمكن ان يتحقق دون الكشف عن الحقيقة لتسطع شمسها! والاصلاح الحقيقي في العالم العربي لا يمكن ان يبدأ دون نقد النص القرآني العربي مباشرة دون لف ودوران وخلع ثوب القداسة عنه.

كتَّابُ العربية، أي اصحاب اللغة الأم، ولكون القرآن عربيا، يتحملون المسؤولية الأولى في تنوير شعوبهم من النصوص لكي يتم تنوير كل الشعوب الاسلامية من هذا الهوس الديني الذي غيب العقول وادخل المجتمعات في غياهب التيه والجهالة والفوضى والمجهول.

ويخطئ جدا من يعتقد اننا حاقدون على الاسلام او على محمد، على العكس تماما نحن نجدد رسالة محمد من خلال نقدها أي اصلاحها.

نحن نعرف ان الطريق شائك وصعب وطويل جدا فتراث ممجد ومقدس ومتراكم من 1430 سنة لا يمكن اصلاحه بعشرات السنين.

ولكن لا تراجع عن هدف التنوير فنحن على حق!  

ولو ان محمدا بن عبد الله نهض من قبره الآن، ورأى حال المسلمين، وكيف ان لمن ارادها ان تكون خير امة اخرجت للناس، صارت في مؤخرة الأمم افلاسا وعجزا وضعفا وتفككا وانحطاطا وتخلفا وتخبطا، لأغمض عينيه فورا وعاد الى قبره خجولا مذهولا من الحاضر المشين والواقع الأليم الذي وصلت اليه ملايين العرب ومعشر المسلمين!

ولو اننا استطعنا في هذا العصر من خلال النص القرآني والفكر الإسلامي، أي الاسلام دين ودولة:

بناء دولة مؤسسات نزيه عادلة، وبقوانين عصرية ديمقراطية عاقلة، ومجتمعات مزدهرة اسلامية راقية، وانسان يتمتع بكامل حقوقه في وطنه، لما كنا في وارد انتقاد القرآن بحرف واحد.

ولكن والحق يقال فلقد اوصلنا تسلط الفكر الاسلامي بشعوبنا ووصايته عليها، وبرمجته لعقل إنساننا، وهيمنته على مفاصل مجتمعاتنا  الى الجهل والتخلف والنفاق والفساد والرشوة والمحسوبية، والمتاجرة بالدين والآيات، وابراز المظاهر والشكليات، وتغليب الماديات على كل شيء. ما يحصل في ايران اليوم يؤكد ان الدين هو حكم استبدادي دموي قمعي قصير النظر وقاصر على ان يقود المجتمع الى التطور الطبيعي.

كل ما يستطيع فعله نظام اسلامي كنظام طالبان او نظام ملالي ايران او نظام الاخوان او نظام وهابي سلفي هو قمع المجتمع وقهره واعادته بقوة السلاح الى العصور الحجرية. ولا عجب ان يعيش ابن لادن في الكهوف الحجرية في عودة واضحة الى تلك العصور.

يقول المفكر الإسلامي السيد أحمد القبانجي خريج الحوزتين، في النجف بالعراق وفي قم بإيران:

" أن جبر الناس على ممارسات دينية يخلق منافقين أكثر مما يخلق مؤمنين حقيقيين". لقد اصاب كبد الحقيقة هذا السيد المعمم العليم!

فنحن نبني دول عشائر، وأحزاب مذاهب، وحركات ارهاب، ومجتمعات نفاق، والا لما حل بنا هذا البلاء!

ولهذا فان الهوس الديني بتغطية فضائية ورسمية شاملة الذي تعيشه معظم المجتمعات الاسلامية، اصبح هوسا مرضيا ماديا مؤذيا وهستيريا جماهيرية اكثر منه إيمانيا روحانيا خالصا.

واريح شيء للحاكم العربي الهاء الجماهير بأفيون الغيب ودغدغة أذنيها  بترتيل الآيات بالأصوات الغنائية الجميلة الصادحات.

المجتمعات الإنسانية كلها تحررت من ركام الماضي وخرافاته واساطيره وخرجت من هالة المقدس اكثر حيوية وشبابا. الا المجتمعات الاسلامية العجوزة التي ما زالت تحمل على كاهلها المنهك اوهام الغيب وخرافاته وبأساطيره تشقى وتتعس.

نحن ننتقد القرآن بشجاعة واحترام، كيف لا وهدفنا الوحيد هو الخير العام.

نحن لا ندعي الكمال، وافكارنا ليست منزلة من السماء، هي عرضة للنقاش الهادئ وتتحمل الخطأ والصواب.

العقل هو مرجعيتنا!

ومن هنا فإننا سنتراجع عن الخطأ باعتذار وسنتمسك بالصواب بإصرار!

نحن نبحث عن الحقيقة وعندما نجدها سنقولها معبرة عن افكارنا بجرأة وبلاغة وصلابة ووضوح، سنصوغها بحكمة ودبلوماسية وتحليلات وشروح، لاننا نحترم الآخرين ولا نريد ان نستفز احدا وبالأخص اهلنا الغلابة المرهقين المسلمين.

فكفى ما يعانونه في يومهم من فروض صلاة مستمرة قاهرة تُنهي العمر وترمي المسلم مبكرا في القبر متعثرا بين صبح وظهر وعصر!

وكفى ما يكابدونه من صيام شهر هو جوع كافر جائر ليس منه مرتجى وليس لفرْضِهِ من عذر!

وباقي الشعوب التي لا تصوم هي في منتهى الصحة والعافية والنشاط والتألق. الشعب الصيني على سبيل المثال بملياراته البشرية!

لقد كان محمد ذكيا وعبقريا ومبدعا وفيلسوف زمانه، واستطاع فهم النفسية العربية وما يسحر روحها فهما عميقا.

وبما ان العرب كان الشعر بأوزانه وبلاغته وموسيقاه يطربهم ويأخذ بألبابهم فيحفظونه ويرددونه ويغنونه وينشدونه ويتفاخرون به، بل ويقدسونه بتعليقه على الكعبة، تماما كما كانوا يضعون آلهتهم المقدسة في داخلها،

وبما ان محمدا لم يكن قادرا على كتابة الشعر ومجاراة فطاحل شعراء المعلقات: كأمرؤ القيس، وطرفة بن العبد، وزهير بن أبي سلمي، وعنترة بن شداد، و عمرو بن كلثوم وغيرهم،

وبما انه اراد ان يبدع من خلال عبقرية الأدبية ويبهر الناس بشيء جديد لم يألفوه من قبل.

فلم يكن منه الا ان عوض عن ذلك لدغدغة الأذن العربية وإطراب الروح بمخارج الكلام النثري المسجع المقفى. أي ان كتاب محمد هو كتاب غلب فيه السجع على الفكر. أي انه غلف افكاره ووضبها بموسيقى الكلمات.

ارجو الانتباه الى مخارج الجمل او قوافيها

تبتدئ س. البقرة ب:

المعذلة  : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم 

البسملة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ      

الأحرف الثلاث: "الم"                    

فلقد فسر ابن كثير الحروف الثلاث "الم" بموسوعة مطولة من  31.388 حرفا، وكلها تكهنات وأحاديث وتخبيصات وخرافات  وروايات قيل وقال تنتهي بكلمتين: والله اعلم.

يعني دق الماء بالماء دون ان يقدم لنا تفسيرا مقنعا. يعني هو يطمئن بالنا الى ان الله يعلم اسرار هذه الأحرف. وماذا يفيدنا ذلك ان علم الله او لم يعلم؟ لا شيئ!  

اما تفسير الجلالين فلقد كان مختصرا وفسرها ب 32 حرفا، وهي:

اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِكَ .

اما الطبري فلقد وصلت موسوعته التفسيرية الى 28203 حرفا.

والقرطبي فقد وصل معه تفسير الثلاث حروف الى 10588 حرفا.

وهكذا تتسجع مخارج كلمات بداية "البقرة" بالتالي:

رجيم: ميم – رحيم: ميم – "الم": ميم – المتقين: نين – وهكذا دواليك نون- نون- نون- نون- ميم- نين- نون ... الخ.

ومن هنا فتفسير الاحرف الثلاث "الم" الذي غاص بها المفسرون بآلاف الحروف تفسيرا دون ان يقتنعوا او يقنعونا، ان ليس لها تفسي.

هي احرف عادية كأخواتها استعملها محمد لتحلية السجع وموسيقاه ليس الا، دغدغةً للأذن العربية، وسلبا للعقول، وسحرا للروح المتعطشة الى الخلود.

 يتبع!

سورة "البقرة" تحت المجهر(2)

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها