عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


خُذوا خزعة من "حزب الله"

لم تعد فحوص الحمض النووي ( دي.أن. آي) تنفع، في تحديد هويات القائمين بالأعمال الإنتحارية، لأن هويات هؤلاء عاطفية، وليست بيولوجية.
الإنتحاري لا ينتسب الى أب وأم وشقيق وشقيقة، بل هو يترك أباه وأمه وبيته، ويلتحق بعائلة، إنتمى إليها، عن سابق تصوّر وتصميم!
كل من موقعه، يمتدح الإنتحاري أو يذم به. هذا يسميه إرهابيا وذاك يصنّفه استشهاديا.
التأرجح في التوصيف، يرتبط بالإختلاف في النظرة الى الهدف، فإذا كان الهدف " صديقا" سمي الإنتحاري إرهابيا، وإن كان الهدف عدوا، سمي الإنتحاري استشهاديا.
الذم لا يكون باعتبار الإنتحار أسلوبا حربيا مدانا، أيا كان المستهدف، إنما يرتبط حصرا بهوية القائم به وبالنظرة الى الهدف!
وهنا، تكمن إشكالية جديدة في النظرة الى "حزب الله"، الذي قدّس الأعمال الإنتحارية ومارسها وخلّدها، وبالتالي اعتمدها نمطا في السلوكيات الحربية، ضد التطرف المتفوّق عسكريا!
ولم تعرف الأمة العربية والإسلامية مفوّها بالدعوة الى العمليات الإنتحارية، أفضل من حسن نصرالله!
تبرير نصرالله ورفاقه لاعتماد العمليات الإنتحارية، يكمن في أنها تستهدف العدو الإسرائيلي، من أجل الإنتصار عليه، وعلى آلته العسكرية المتفوّقة استراتيجيا!
كان كل من يرد على نصرالله بأن هذا الأسلوب مرفوض، أيا كانت مبرراته، يوضع، فورا في خانة العمالة للإمبريالية والصهيونية، وتنقر عيونه السبابة، وتنهشه فرق " الحراسة" الدعائية!
لم يكن نصرالله ورفاقه، بفعل غشاء خاطه ورم القوة فأعمى بصيرتهم، يعتقدون، لوهلة، بأنهم يمكن أن يصبحوا هم العدو، الذي يمارس الطغيان، مستفيدا من تفوق استراتيجي!
حسبوا، وقد أصابهم فيروس العظمة، أنهم يمسكون بناصية التحريم والتحليل، وبقاموس تحديد الأعداء، وباحتكار ...الإنتحار.
نسي نصرالله ورفاقه أنهم خلق الله، وتصرفوا كأنهم هم خالقو الله!
منذ اللحظة الأولى، لإعلان حسن نصرالله انخراطه في الحرب السورية، خرج من جزم بأن هذه السلوكية ستجذب الموت الى لبنان عموما والى بيئة "حزب الله" خصوصا، فتصدّى "حزب الله" لهؤلاء، وصنّفهم في خانة التكفيريين.
قيل له إنه لا يحتكر الحياة والموت، ولا ينفرد بالعمليات ذات الطبيعة الإرهابية، ومن بينها الإنتحار. سخر ممن قال، وكأنه في عقله المتحجّر، كان مطمئنا الى أن علي خامنئي وحده من يُفتي، بذلك!
وانخرط "حزب الله" في الحرب السورية. مشهد مقاتليه، في سوريا، كان استنساخا، لمشهد جنود الجيش الإسرائيلي، لباسا وعتادا وتفوّقا تقنيا، في مقابل مشهد الثوار السوريين الذين يربطون ذخيرة بنادقهم بأكياس النايلون!
هذان المشهدان المتقابلان، كانا كفيلين بتأكيد ما ينتظر لبنان، بسبب "حزب الله"!
وحين بدأت بوادر رسائل الموت ترد على لبنان، إعتبر حسن نصرالله ورفاقه كل من ذكّرهم بنتائج انخراطهم في النزاع السوري، إرهابيا أكثر من الإرهابيين، ويُبرر الإرهاب. لقد كفّرهم من يدّعي أنه يحارب التكفيريين!
ومنذ انفجرت عبوتا السفارة الإيرانية بانتحاريين-وهي عملية إما مصابة بنقص كبير في الإحتراف وإما مشوبة بعيوب الصناعة الإستخباراتية الذاتية-خرج علينا نصرالله من خلال رفاقه، ليفهمنا بوجود قرار بالقضاء على البيئة الحاضنة للإرهابيين-التكفيريين-أدوات الإسرائيليين!
ويعني بهذه البيئة، كل صوت يعارض انخراط "حزب الله" في النزاع السوري، وبالتالي يجعله يحمل تبريرات للعمليات الإرهابية التي تضرب هنا وهناك.
تبريرات "حزب الله" للإنقضاض على " البيئة الحاضنة" تكاد تشبه تبريرات إبن قتل والده لأنه قال له إن التدخين يتسبب بأمراض مميتة، أو إبنة ضربت والدتها، لأنها قررت إرسالها الى مصح للتخلص من الإدمان على المخدرات!
البيئة الخائفة من استقدام الإرهاب على لبنان، أصبحت، عند "حزب الله" بيئة حاضنة للإرهاب، وبالتالي فهو يريد ضربها.
ولكن من يضرب من؟ ومن يخيف من؟ ومن يسيطر على من؟
تهديد ناجم، مرة جديدة عن ورم القوة وما صنعه من غشاء على البصيرة!
صلّوا معي ألا يكون معين أبو ضهر أحد إنتحاريي عملية السفارة الإيرانية(الحمض النووي يكشف الهوية البيولوجية ولا يحسم بالأفعال)!
صلاة لا تهدف الى تبرئة عائلته وصيدا وسنة لبنان منه. فكل إنسان مسؤول فرديا عن أعماله، إنما تهدف الى أن يكون أمامنا متسع من الوقت، للحيلولة دون أن يُنتج تسلط "حزب الله" إنتحاريين " بلديين". وفي لبنان دائما "البلدي" أكثر جاذبية من المستورد!
إنّ تهديد "حزب الله" بضرب ما يسميه البيئة الحاضنة للإرهابيين، لن يُنتج إلا مزيدا من الإرهابيين والإنتحاريين. هذه تعاليم مدرسة انتفاضة الضعيف على القوي، والمظلوم على الظالم، والمقهور على القاهر!
في الواقع، ثمة حاجة الى ضرب البيئة التي تُنتج الإرهابيين، أي "حزب الله" بالتحديد!
الخائف فعلا على لبنان وأهل لبنان وسلامة لبنان، لا يُلهي الناس بردّات الفعل، بل يجنّدهم لتغيير الفعل. الفعل العدائي يُنتج ردة فعل عدائية. الفعل المنحرف يُنتج ردات فعل متهوّرة. الفعل السلمي ينتج ردة فعل سلمية.
إن كان ثمة حاجة الى إجراء فحوص الحمض النووي لأي انتحاري، فلا بد من أخذ خزعة من "حزب الله"!
 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها