سلاح جعجع وشريعة الغاب
فارس خشّان
لا أعرف لماذا
ذهب سمير جعجع ، للمرة
الأولى، منذ سنوات طويلة، إلى
التأكيد على إمكان العودة الى
البندقية!
هل ضاقت السبل اللبنانية بالعمل
السياسي الى هذا المستوى؟
هل لم يعد أحد يملك جوابا عن
أسئلة سياسية مصفّحة بسلاح "حزب
الله" سوى التلويح بالدفاع عن
حقوقه بالسلاح أيضا؟
هل طارت الحكمة من العقول،
والآذان تسمع أن "حزب الله"
سيتسفيد من تفوقه العسكري على
الآخرين، لفرض نظام دستوري جديد
على لبنان، بعدما أمعن في تعطيل
الآليات الدستورية للنظام الحالي
، بقوة سلاحه؟
للأسف، الجواب عن هذه الباقة
المختارة من الأسئلة هو : نعم!
في لبنان، لا يوجد عمل سياسي. من
يقول غير ذلك، هو واهم!
في لبنان يوجد رئيس جمهورية لا
تأثير لكلمته. في لبنان يوجد رئيس
مجلس نيابي أسير عند ميليشيا
حاربها سابقا وخسر أمامها. في
لبنان يوجد رئيس حكومة يصرّف
أعمال. في لبنان يوجد رئيس حكومة
آخر يشكل أرقاما ويؤلف عبارات. في
لبنان يوجد جيش لا يقوى إلا على
الضعفاء. في لبنان يوجد أمن عام
يتعامل مع من ضبطوا بمخطط تفجير
البلاد، سواء من خلال ميشال سماحة
أم من خلال مسجدي السلام والتقوى
في طرابلس. في لبنان، توجد شعبة
معلومات، لا يعرف ضباطها متى
يقتلون.
في لبنان توجد ميليشيا تتدثر
بصورة حزب وباسم الله، تدير سياسة
خارجية وأمنية وعسكرية، بأمر وارد
من إيران، وتتحرك ميدانيا كلما
ضاقت أمام قياداته السبل السياسية
لفرض كلمتها على السلطة، وتنفّذ
عمليات أمنية تستهدف كل من يقف في
دربها أو يزعجها، وتحمي كبار
المتهمين بالإرهاب.
في لبنان، توجد طبقة سياسية، إما
تسجن نفسها في منازلها، وإما تنفي
نفسها الى الخارج، حتى لا تلحق
بركب قافلة الشهداء.
في لبنان، يوجد شجعان وأصحاب
مروءة، يتعرضون لحملات الكذب
والتزوير والفبركة، وسط قضاء لا
تحركه الفضائح بل دعاوى المطبوعات
، حيث يشكو كبار الشاتمين من قول
كلمة قوية بحقهم!
في لبنان، ومن دون توازن رعب، لا
خيار أمام السياسيين، إلا
الإستسلام لتقطيع المراحل، وإما
التخفي والنفي، لإبقاء صوت
مقاومتهم حيّا!
بات توازن الرعب هو الحل الوحيد
المتاح ، للبقاء على قيد الوجود
في لبنان!
غاندي لا قيمة له في بلادنا، على
ما يبدو، فالعاطفة الطائفية أصبحت
عاطفة قاتلة. من يُقتل يكاد
يتساوى مع من ينتحر، وإن أكملت
الأيام دورتها، على ما هي عليه،
فإن رجال الدين لن يصلوا على من
يموت شجاعا. سيدرجونه في خانة من
قد انتحر!
في لبنان، ثمة 3 نماذج للسياسيين:
سعد الحريري، وليد جنبلاط وسمير
جعجع!
سعد الحريري، مهما قيل فيه وعنه،
فهو من المؤكد أنه مصاب بإحباط من
العمل السياسي. قاوم في السياسة
حتى آخر نفس. ما تغيّر شيء. حاور
في السياسة حتى آخر رمق، فلم
يتغيّر شيء. إبتعد جسديا عن
البلاد، ولكنه لا يقترب منها
معنويا كثيرا. ربما يبحث عن درب
جديدة تعيده الى بلاده مع حل لا
يزال حتى الساعة مستحيلا!
وليد جنبلاط، مهما قيل فيه وعنه،
فهو من المؤكد أنه يخشى من أي
انتصار. رمى خلفه زعامة 14 آذار.
رمى خلفه مقاومة الجبل لغزوة أيار
2008. قرر أن يعود الى معادلات
زمن الوصاية. هدوء عندما تشتد
الرياح وصخب عندما تهدأ. هذا
الرجل يخشى الإنتصار ولكنه لا يحب
الخسائر. يفضل أن يبقى على ضفة
النهر، تاركا لميزان القوى أن
يلعب لعبته!
سمير جعجع، مهما قيل فيه وعنه،
فهو رجل يرفض الإحباط والاستسلام.
كان، منذ خروجه من السجن حتى
الأمس، مقتنعا بقوة العمل
السياسي، في إحداث التغيير.
حاليا، يبدو أن الإحباط من اللعبة
السياسية قد أصابه، فرفع لواء
توازن الرعب، إذا ما تعرضت بنية
النظام القائمة على المناصفة
للخطر، لمصلحة المشروع المضمر
الذي يهدف الى إقامة نظام
المثالثة في لبنان.
وفي واقع الحال، من يمعن النظر في
خطاب "حزب الله" يدرك أنه خطاب
يقوم على معادلة القوة لا غير. في
أدبيات هذا الخطاب، فإن لا مكان
لك بأي معادلة، إن لم تكن تملك
القوة. مع هذا الحزب، لا وجود
للحق بلا قوة. هذه ليست شريعة
الله. هذه شريعة الغاب.
مع "حزب شريعة الغاب" البقاء هو
للأقوى.
والأقوى، هو من يحمل سلاحا، ومن
يدفع بشبابه الى القتل والقتال،
ومن لا يقيم اعتبارا لأي صوت غير
صوت الرصاص.
في شريعة الغاب، كما في شريعة
البحار، الأقوى يأكل الأضعف،
والأكبر يأكل الأصغر.
في شريعة الغاب، لا مكان للصراع
السياسي. الثعالب تعيش على تقديم
الأضحيات للأسود فتأمن وتتغذى من
الفتات.
في لبنان، حيث تسود شريعة الغاب،
الجريمة لا تكون في تقوية الذات ،
بل في الإستلام لأنياب الوحش! |