عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


لبننة التجربة المصرية!



تقييم ما يحصل في مصر، يحتاج الى الكثير من الهدوء وإلى عقول باردة!

غلو مؤيدي " إقصاء " محمد مرسي في المديح والدعوة الى الإستنساخ ، يحتاج الى تدقيق، تماما كما غلو الإسلاميين في الدفاع عن خط مرسي الديموقراطي!

في الواقع، ومهما كانت التبريرات، فما قام به الجيش المصري، هو انقلاب بكل المعايير، مستفيدا من عاطفة جياشة لجزء من الشعب المصري، تماما كما أن ذهاب مرسي، ومن خلال جماعة الإخوان المسلمين، الى رسم مستقبل لمصر، يُهمل تطلعات جزء كبير من الشعب المصري، هو انقلاب على الديموقراطية " الثورية" التي فتحت له بوابة رئاسة الجمهورية!

فلا العسكر المصري، أحدث إنجازا تاريخيا، وقد بدأ "حكمه، بقمع الإعلام المعارض له، ورمي "الحكام" في السجون- وهذا مشهد يذكّر الإنسانية بالأزمنة المرعبة- ولا مرسي، كان قد فهم الثورة المصرية وروحية محركيها، عندما انتقل من السجن الى القصر، معتقدا بأنه قادر على استنساخ النظام الإيراني في مصر!

وبهذا المعنى، فما يحصل في مصر ليس صراعا بين ملائكة وشياطين، بين أخيار وأشرار، وبين أبطال ولصوص، بل هو صراع بين مُخطِئين: الأول، رمى النتائج الديموقراطية في سلة المهملات، والثاني وضع جزءا كبيرا من صانعي الديموقراطية في الهامش!

وقد تصلح عبرا الصيداوية، كنموذج صغير، لما يحصل في مصر، من دون الذهاب في تصوّرات البعض الى الحد الأقصى، والتي تعتبر ما حصل في مصر، بدأ في عبرا الصيداوية!

مشروعية خطاب الأسير لم تتواكب مع تجنب اقتراف الأخطاء الكبرى، التي جعلت شرائح كبيرة من اللبنانيين تحمل مطلب الإطاحة به، وشرعية تحرك الجيش اللبناني للإطاحة به، لم تخل من خطايا مشاركة ميليشيات مسلحة في تفاصيل المعركة!

وما تطلبه الدول الكبرى من القيادات العسكرية في سوريا للإطاحة ببشار الأسد، في عملية انقلابية ، تلبية لرغبات جزء كبير من الشعب، لا يقل أهمية عمّا نفذه الجيش المصري ضد مرسي!

وهذا يعني أن سيناريو نابوليوني ينشأ في الشرق الأوسط. الثورات العربية، كما الثورة الفرنسية، تنتج فوضى "أكل أبنائها"، فيتم استبدال الملك المريض بعد حين بإمبراطور معافى!

الإمبراطور الفرنسي، لم يكن قادرا على تلبية طلبات شعبه التي كانت وقود الثورة على الملك، ومن ثم على الثوار، فيلجأ الى حرب توسعية، هدفها الأساس كان توفير المال لخزينة الدولة!

الأباطرة العرب الذين يتم انتاجهم في هذه الفترة، لا حل أمامهم للديمومة، سوى إنتاج حروب لا تمس بأي خط أحمر، تحل مشكلة العوز بـالتقاتل الداخلي!

ومهما كان عليه الأمر، فإن رياح العسكر تهب مجددا في الشرق الأوسط، بعدما أوصد الجيش المصري الباب أمام رياح الإسلاميين!

وهذا يعني أن من يتحكّم بالعسكر يحكم!

معركة العماد ميشال عون لإيصال محسوبين عليه الى قيادة الجيش، لا تخرج من هذا السياق الواضح للأمور، ولهذا السبب فتمايزه عن "حزب الله" ليس مجرد مناورة، بل هو صراع على من يحكم لبنان، في الآتي من الأيام!

ومن أجل ذلك، فعون مستعد أن يتنازل عن كل حروبه المحورية، وعن كل مواقفه من المملكة العربية السعودية، وحتى من " تيار المستقبل" و" القوات اللبنانية"!

فالعسكر هم طريق السلطة والجاه!

" الفكرة الأميركية" التي كانت قائمة على اعتماد الإسلاميين للمصالحة مع الشارع العربي، ماتت بسرعة. ثمة عودة مجددا الى المسار الثابت. الجيش يرشد الجمهورية. لا أحد غيره!

وللحالمين بسيناريو مصر، فهو لا يمكن أن يستنسخ في لبنان، لتوفير أي مخرج، جلّ ما يمكن أن يصنعه الجيش في لبنان، هو قدرته على إيصال رؤساء للجمهورية ضعفاء، ومن ثم التعاقد مع الأقوياء على الساحة، لإنتاج رئيس آخر للجمهورية!

الجيش اللبناني، خلافا للجيش المصري، ليس مؤسسة تنتج قياداتها، بل يتم إسقاط القيادات عليها، بتوافق الطبقة السياسية الحاكمة التي تتآلف في مجلس الوزراء، مما يوفر لها قدرة على مواصلة صراعاتها، حتى الميدانية، بكل حرية!

وعندما يتنازع السياسيون الكبار، إما تحيّد المؤسسة العسكرية نفسها، وإما تسير مع الأقوى، وإما تنقسم!

ثلاثة نماذج، عرفها لبنان، منذ الإستقلال حتى اليوم!

وفق دروس التاريخ، رياح مصر تلفح، دائما دول الشرق الأوسط!

ثورات " الوعي القومي" التي قام بها " الضباط الأحرار"، إنطلقت من مصر الى ليبيا واليمن وسوريا والعراق وغيرها، ولكنها تسببت بأول حرب أهلية في لبنان، سميت يومها "ثورة الـ58". الربيع العربي الذي رفع قامة الإسلاميين، هبّت رياحه الخمسينية هو الآخر من مصر ، تحديدا!

الآن، ثمة ثورة جديدة تنطلق من مصر أيضا، هي ثورة الإنقلابات العسكرية التي تركب موجة الغضب الشعبي!

ثمة حاجة لدى اللبنانيين الى تعميق صياغة أحلامهم، لإنتاج ثورتهم الخاصة!

ثورة عابرة للطوائف والعسكر، تحفظ مكانا مرموقا لكل المكوّنات، وتنتج ديموقراطية حقيقية يكون الجيش حاميا لها!

مهما يئسنا، يجب أن نتذكر دائما، أن الجيوش لا تصنع الديموقراطيات، بل تحميها، والأحزاب العقائدية، مهما حسنت نياتها، لا تملك قدرة على الحكم، لأنها تتوسل الديموقراطية لإرساء أسوأ أنواع الديكتاتورية !

ودائما قيل إن دواء الديموقراطية يكون بمزيد من الديموقراطية!
 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها