عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


فارس خشّاناقرأ المزيد...

 

 

 

فارس خشّان


 إستفزازي و...غير إستفزازي

ثمة صفة واحدة لازمت المروّجين لترشيح النائب تمام سلام الى منصب رئيس الحكومة: غير إستفزازي!!!

وعندما أقدم ذوو القمصان السود، على قلب معادلة الأكثرية في لبنان، ونجحوا في تنصيب النائب نجيب ميقاتي، في منصب رئيس الحكومة، خرج على اللبنانيين ، من يفهمهم أن " لا إستفزازية" ميقاتي هي التي أملت اختياره ، دون غيره!!!

وهذا يعني، أن اللاعبين الكبار في لبنان، يدركون جيّدا ، أن البلاد لا تستطيع أن تقدم الى السلطة أيّا من رجالاتها الإستفزازيين، إن كانت تريد أن تحافظ على الإستقرار والإستمرارية!!!

وهذا يعني أيضا، أن كل من يصل الى منصب سلطوي على أساس صفة " اللا إستفزازية" يسقط حكما كلما اتخذ خطوة من شأنها أن تستفز هذا الطرف أو ذاك، ممن ساروا به الى فوق على أساس أنه " غير استفزازي"!!!

ولأن " اللا إستفزاز" مفهوم نسبي، فإن كل شخصية مؤهلة أن تكتسبه إن التزمت الصمت أو تحدثت بعموميات، أو تلت قراءات من " فصول الحب"، أو أرجأت تقديم الأجوبة الواضحة عن المسائل الشائكة!!!

وعلى أساس هذه النسبية، فإن كل شخصية مؤهلة لتفقد صفة " اللا إستفزازية" ، بمجرد أن تجد نفسها، بحكم المنصب، مضطرة على حسم قرارها، في اتجاه أو آخر!!!

ولذلك ، فإن أغرب ما في " استفزازية" المتحكمين بالقرار اللبناني، إنتاجهم" غير إستفزازيين" لكثير من المواقع المهمة في السلطة: رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، وزارة الداخلية، وزارة الدفاع وغيرها وغيرها!!!

إلا أن هذه الإنتاجية، لا تبدو أنها محكومة بالقناعات أو بتحسين نسل الحكام، بقدر ما هي ترجمة واضحة للإستعانة بشخصيات هادئة لتمرير مصالح الشخصيات الصاخبة!!

وعلى هذا الأساس، فإن الهوة تتسع ، يوما بعد يوم، بين السلطة وبين الأمر الواقع، بحيث أصبحت الأمور في لبنان تشبه الهرم المقلوب: سلطة تضعف أكثر فأكثر وأمر الواقع يقوى أكثر فأكثر!!!

وعلى سبيل المثال لا الحصر: تضعف المؤسسات العسكرية والأمنية في مقابل تقوية أجهزة "حزب الله" العسكرية والأمنية. تلامس مواقف رئاسة الجمهورية أوهام اللبنانيين بأن لديهم دولة، في حين أن مواقف الشخصيات السياسية والحزبية هي التي تبسط سيطرتها عند التنفيذ، فموقف الرئيس ميشال سليمان من الإنتخابات النيابية جرى الإنقلاب عليه في اجتماع بكركي الماروني، حتى بدا أن قصر بعبدا هو مقر بروتوكولي ومقر بكركي هو مقر تنفيذي.وموقف نجيب ميقاتي من التمديد للواء أشرف ريفي، لم يكن أكثر من تمنّ ووسيلته التنفيذية الوحيدة القدرة على الإستقالة، في حين أن القرار كان لدى الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الذي أتعبته معادلة " قوة ميقاتي في ضعفه"!!!

ولأن الطبيعة تحدثك عن أن كل شجرة لها ثمرة طبيعية، فإن كل شجرة تعطي ثمارا مختلفا عما يفترض أن تُنتجه، يفترض أن تعالج أو تُقطع.

ولبنان يتحوّل ، رويدا رويدا، الى " شاذ عن الطبيعة "، بحيث أصبح إنتاج شجرة السياسة اللبنانية غير طبيعي، لأن " الإستفزاز" لا يمكن أن يثمر" لا إستفزازيين"!!!

في واقع الحال، إن " اللا إستفزازيين" هم شخصيات " منصِبية" ( نسبة الى المنصب)، لم يُلامسوا في الإنقسام ، العناوين الحقيقية ملامسة حقيقية، بل أبقوا أنفسهم على الهامش، حتى لا يصيبهم أيّ ضرر!

أما " الإستفزازيون" فهم من خاضوا في العناوين العريضة وحاربوا من أجلها، وجرّوا عليهم غضب الأطراف المقابلة المقاتلة ، هي الأخرى!!

إن مشكلة لبنان لا تكمن في من يتكلم أو لا يتكلم، ولا في من يرفع صوته أو يخفته، بل في عجز الطبقة السياسية الحاكمة عن إرساء معادلة الدولة القوية، التي يفترض أن تحتكر السلاح والأجهزة الأمنية والدفاع عن الحدود ورسم السياسة الخارجية وتوفير بيئة صالحة لجذب الإستثمار والسياحة وتنظيف القضاء من الإستخدام الفئوي وخلافه!!

والحل في لبنان، لا يمكن أن يكون إلا من خلال العمل على إيصال أقوياء مؤمنين بواجب توفير هذه الأدوات اللازمة لقيام دولة قوية!

ولأن للطبيعة أحكامها، فإن البحث المستمر عن " اللا إستفزازيين" ، يعني إطالة فترة الفراغ في السلطة مما يزيدها وهنا وضعفا، في مقابل رفد " قادة الدويلات" بمزيد من القوة والنفوذ والتأثير!!

ليس من حقنا أن نحكم مسبقا على تمام سلام، ولكن صفة " غير إستفزازي"بهدف تطمين فريق "حزب الله" الذي يقدم لرئاسة مجلس النواب شخصية مقاتلة تتستر بلسان دبلوماسي...إستفزتني!!!

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها