عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


طهّروا الجيش من ... الطامحين!


ما حصل في عرسال، في أثناء تنفيذ قوة من الجيش اللبناني، "مهمة سرية"، لم يعد هو المهم، طالما أنّ الإجراءات العسكرية والقضائية أخذت مسلكها الطبيعي، على رجاء كشف الحقيقة – من دون تأخير- وإحقاق الحق!

ما أصبح مهما للغاية، هو ما تستخرجه من معطيات، إعادة قراءة الأسلوب الذي عالج هذا الملف، الذي لا فرادة فيه على الإطلاق، في بلد شهد مواجهات مع الجيش واغتيالات للجيش وكمائن لوحدات الجيش، وسلبا لدور الجيش!

في إعادة القراءة يتضح أن هناك عملية تزوير غير مسبوقة للوقائع التي حصلت فعلا، في أثناء الإشتباك بين بعض الأهالي من جهة، وبين الفرقة العسكرية من جهة أخرى، وفي أثناء رفع الجثتين وانتشال الجرحى، وفي أثناء التعبئة لتوقيف " لائحة المطلوبين".

إعادة القراءة هذه تظهر أن حملة التجييش ضد ما حصل في عرسال بُنيت على باطل.

الباطل الأول: وجود كمين للقوة العسكرية.

في الواقع، حصل اشتباك بعد قتل الوحدة لمطلوبها الناشط لمصلحة الثورة السورية، بسبب الأسلوب السري للعملية في بلدة تعاني " القلق" من عمليات محتملة لـ"حزب الله" الناشط عسكريا ضد الثورة السورية، كما " الخوف" من اقتحامات " سرية" لقوى النظام السوري.

الباطل الثاني: نكّل أهالي عرسال بالجرحى.

في الواقع، إن وسائل إعلام ، بعدما منعتها مديرية التوجيه في الجيش اللبناني من عرض شريط مصوّر عن عملية انتشال الجثتين والجرحى، عادت فنشرت، أجزاء محددة من الشريط ، أظهرت أن أهالي عرسال غير إنسانيين ويريدون تصفية جريح. لاحقا، ومع توافر نسخة أكمل من الشريط، تبيّن أن شخصية معتبرة لدى الأهالي، كان حريصا على سلامة الجريح، وخائفا عليه.وكان يصرخ، بأسلوبه، من أجل إنقاذ هذا الجريح، وعدم إلحاق أي أذى طبي به، من خلال عملية إسعافه.

الباطل الثالث: قتل الرائد الشهيد بيار بشعلاني بواسطة فرّاعة، وبطريقة بربرية.

في الواقع، إن الرائد الشهيد قتل دهسا بسيارة عسكرية بعدما فقد المعاون أول الشهيد ابراهيم زهرمان سيطرته على السيارة العسكرية التي كان يقودها ، بفعل الإصابة.( كشف ذلك النائب نهاد المشنوق، ولم يصدر أي تكذيب)

الباطل الرابع: توزيع صور للشهيد بشعلاني عن شق عميق في رأسه.

في الواقع، أن الصورة لم تكن له ، بل هي لأحد مشجعي فريق “توتنهام” الانكليزي الذي تعرض للضرب بآلة حادة من قبل مشجعي فريق “لاتسيو” في العاصمة الايطالية روما ابان مباراة جرت بين الفريقين في تشرين الثاني الماضي.

الباطل الخامس: إن الجيش اللبناني لا يتوانى عن ملاحقة المجرمين أينما كانوا.

في الواقع، الجيش اللبناني لا يأبه بالمتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولا بالمدعى عليه بمحاولة اغتيال النائب بطرس حرب، ولا يتابع ملف اغتيال اللواء الشهيد فرانسوا الحاج، وصامت على التلاعب الذي حصل في قتل النقيب الطيّار سامر حنّا، وينسق مع "حزب الله" كل عملية عسكرية أو أمنية يقوم بها في مناطق نفوذه.

هذا غيض من فيض!

وتأسيسا على هذه العناصر الخمسة للباطل في أسلوب التعاطي مع عرسال، توسعت هوة التعصب الطائفي، بفعل دخول " خبيث" لـ"حزب الله" على الخط، ومحاولة استثمار واضحة قام بها " التيار الوطني الحر" من خلال قطع الطرق، وإقناع قائد الجيش العماد جان قهوجي- وهنا الطامة الكبرى- بأن " الإرهاب" ... بيّيع. ذكّر هؤلاء قهوجي بأن أميل لحود باع الغرب معارك الضنية، في حين جرى اعتماد ميشال سليمان بعد معركة نهر البارد.

وبذلك، ومن دون أن تبقى حادثة عرسال في إطارها الواقعي، جرى حرفها الى مسار تخريبي في البلاد، أخرج المؤسسة العسكرية عن دورها البديهي ، في حماية السلم الأهلي في لبنان.

وبكل صراحة وبوضوح، يتضح أن الآلة الإعلامية التابعة للجيش اللبناني ، لعبت دورا غير سليم على الإطلاق في موضوع عرسال. هي التي تحدثت عن أسلوب بربري يذكّر بما كان يحصل في أفغانستان، في مقتل الرائد بشعلاني. هي التي تواطأت في طريقة نشر الشريط المصوّر. هي التي صمتت على إقفال الطرق حتى بات البعض يظن أن الجيش في لبنان أنصاره ليسوا سوى قطّاع طرق. هي التي تركت الشائعات تأخذ مجراها مدعومة بصور مزوّرة.

ولا يمكن لأحد، مهما تمادى في محاولة التحريض على عملية الإنتقاد، أن يبرئ الآلة الإعلامية – المخابراتية التابعة للمؤسسة العسكرية عن اللعبة السياسية. سبق لهذه الآلة أن لعبت دورا خطرا في أثناء وجود جميل السيّد في مخابرات الجيش، تماما كما لعبت الأدوار المشبوهة حين تسلّمها الياس فرحات. كانوا يردون بتبرئة فرحات من الهوى السياسي. لاحقا، بخروجه على التقاعد، وامتشاق القلم، تبيّن أنه متورط حتى أذنيه ، مع "حزب الله".

على أي حال، المسألة أعمق من عرسال، ومما حصل ويحصل في عرسال، لأنها تتصل بالسلوكية التي تعتمدها المؤسسة الضامنة للإستقلال والوحدة والسلم الأهلي.

كان المنطق يفترض أن تهدّئ المؤسسة العسكرية الشارع، لا أن تساهم بإشعاله.كان المسار الطبيعي للأمور، أن تعمل قيادة الجيش على منع التحشيد، لا على رعايته. كان من البديهي أن ننتظر أن يرفع إعلام الجيش التزوير، لا أن يتواطأ معه ، أقلّه، بالصمت عليه.

مشكلتنا مع " الطامحين" أنّ الهوس بأهدافهم يُلهيهم عن رؤية الحقائق.

هؤلاء، لا يدركون أن لبنان، يعيش حاليا في ما يمكن تسميته بحرب أهلية باردة.

هؤلاء، لم يفهموا، بطريقة سليمة، الخلفية الحقيقية التي أملت الموافقة على قانون " الفرز المذهبي"، المتمثل بفكرة القانون الأرثوذكسي.

هؤلاء، لم يدركوا أن الإنقسام الحاد على عناوين لبنانية وإقليمية، كان السبب الدائم في إشعال حروبنا الأهلية.

هؤلاء، لم ينتبهوا الى أن الذل يولّد أعنف الحروب، مثله مثل التصلّف. وفي لبنان، هناك مجموعة ذلّها القهر. قهر الإستقواء بالسلاح. وهناك مجموعة أفقدها تصلّف الإستقواء بالسلاح القدرة على توقع سلوكيات الآخر.

هؤلاء، لم يكترثوا الى أن الإنفجار الأهلي في لبنان، أصبحت له حاضنة محلية، ولم يعد ينقصه إلا قرار خارجي، بالتسليح والتمويل!

في بعض المفاصل، لا بد من قول الأمور على حقيقتها.

لسوء الحظ، الحقيقة التي يراها البعض ويصمت عليها، تستدعي صرخة واحدة: طهّروا الجيش من...الطامحين!

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها