عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


تيه جمهور و"خيانة" قيادة

كتبها فارس خشّان الاثنين, 05 نوفمبر 2012

المشاركة الشعبية غير الكثيفة في النشاطات الميدانية المعارِضة ،عقب اغتيال اللواء وسام الحسن، تطرح أسئلة حقيقية عن مصير القوة الجماهيرية التي طالما، ميّزت إئتلاف 14 آذار.

حتى الساعة لم يقدم أحد جوابا شافيا عن هذه المسألة ، على الرغم من أهميتها القصوى على مستقبل الحركة السيادية في لبنان، ذلك أن انتفاضة الإستقلال التي تفجرت، عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في 14 شباط 2005، نصّبت قيادات وترسخت في المكوّن اللبناني، بفعل الحاضنة الشعبية الضخمة.

إذن، أين هم عشرات الآلاف؟ لماذا يقتصر الحضور على بضعة مئات؟ هل أصبحت القيادات بلا جمهور؟ وهل أضحى الجمهور عصيا على سماع أصوات القيادات؟

عند الإعلان عن اغتيال اللواء وسام الحسن، أصيب جمهور 14 آذار بالصدمة. لم يكن يتوقع ، مطلقا، أن تتمكن يد الإغتيال من الوصول الى الشخصية التي اشتهرت بمكافحة الإرهاب، والتي كانت تدرك أنها مدرجة على قائمة التصفية.

هذا الجمهور إنتظر أن تأتي ردة الفعل على قدر الصدمة، ولكنها جاءت صادمة، لأن قوى 14 آذار التي اجتمعت، بعيد الجريمة، إستعادت ، في بيانها، ما كانت قد ذهبت إليه، عندما جرى استدعاؤها الى طاولة الحوار الوطني، مجددا.

بدا تركيز قوى 14 آذار منصبا على الحكومة ووجوب تغييرها، في وقت كان مطلوبا التركيز على الجريمة في لبنان ووجوب وضع حدّ لها.

بالنسبة للبنانيين، ومهما كان موقفهم سلبيا من حكومة يترأسها نجيب ميقاتي، فإن الجريمة في لبنان، أثبتت أنها تملك آلية عابرة لكل أنواع الحكومات، وبالتالي يستحيل معالجتها بنقاش حكومي.

يوم استعيدت مخاطبة اللبنانيين بالجريمة، في الأول من تشرين أول 2004، كان الرئيس رفيق الحريري يعمل على تشكيل حكومة جديدة. يوم زرعت العبوات الناسفة في المناطق اللبنانية، كان نجيب ميقاتي يترأس حكومة انتقالية تشارك فيها قوى 14 آذار. ويوم اغتيل سمير قصير وجورج حاوي، كانت قوى 14 آذار تحصد انتصارات في الإنتخابات النيابية التي تشرف عليها الحكومة الحيادية. ويوم جرت محاولة اغتيال الوزير الياس المر، كانت الأكثرية الناشئة عن الإنتخابات قد سمّت فؤاد السنيورة لتشكيل حكومة جديدة . يوم جرت محاولة اغتيال مي شدياق ولحقها اغتيال جبران تويني فأنطوان غانم فبيار الجميل فوليد عيدو، كان فؤاد السنيورة رئيسا للحكومة، وهذا حصل أيضا عند محاولة اغتيال سمير شحادة واغتيال وسام عيد.

بدا ثابتا للبنانيين عموما ولجمهور 14 آذار خصوصا، أن الحكومات عابرة ولكن الجريمة ثابتة، مما يعني أن هناك دائما من يصف دواء لا علاقة له بالمرض.

وإذا كانت جرأة اتهام بشار الأسد باغتيال الرئيس رفيق الحريري قد استقطبت جمهورا أضناه الهمس سرا بجرائم النظام السوري المتمادية في لبنان، فإن العودة الى اتهام بشار الأسد في اغتيال وسام الحسن لم يكن بالنسبة لهذا الجمهور عملا شجاعا، لاعتقاده الراسخ ، خصوصا بعد المعطيات التي كشفتها المحكمة الخاصة بلبنان، بأن المجموعة الأمنية في "حزب الله" هي الأداة التنفيذية ميدانيا، حتى لو كان الهدف مطلبا ...أسديا.

وبفعل ذلك، لقد بدا لهذا الجمهور أنه مدعو إلى تشييع فولكلوري وإلى دعم عملية سياسية هو متيقن بأنها لن توقف الجريمة في لبنان، لأن الحلول التي طرحتها قوى 14 آذار في بيانها الذي أعقب اغتيال وسام الحسن، هي حلول سبق لها أن طرحتها قبل أن تقع الجريمة، بأشهر!

وعلى الرغم من ذلك، كادت حيثيات التشييع تعيد الحماسة الى الجمهور المُراقب.

في التشييع، راح هذا الجمهور يكتشف حقائق لم يكن يعرفها عن وسام الحسن، وراح يكتشف في دموع إبنه الصغير مجد البعد الإنساني الكبير لهذه الخسارة، وراح يكتشف في خطاب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، في المقر العام لقوى الأمن الداخلي، جرأة في ملامسة حقائق ما كان يظن أن العماد ميشال سليمان، يمكن أن يتطرق إليها.

ولكن، هذا المسار الإستنهاضي لجمهور 14 آذار، سرعان ما تعرّض لضربة قاسية، عندما وجد أقل من 20 شخصا يتحركون باسم حاملي شعار " العبور الى الدولة" ليهاجموا، بعد غطاء خطابي، السراي الحكومي التي رممها رفيق الحريري، ويحرسها رفاق سلاح وسام الحسن.

أنسى هذا المشهد المرتجل- حتى ولو كان مخططا له- اللبنانيين وسام الحسن وإنجازاته وعائلة وسام الحسن ودموع ابنه مجد، وتسمّرت العيون على هجوم سخيف فكريا وتكتيكيا، تتعرض له حمايات السراي الحكومي.

وفجأة، لم يعد القاتل هو الهدف، بل أحد عوارضه.

نجيب ميقاتي هو عارض أنتجته سلوكيات العنف، وإسقاطه يجب أن يكون من تداعيات الهجوم على القاتل، وليس العكس. إسقاط ميقاتي والتفاهم لاحقا مع القاتل في السياسة، لا يلغي الجريمة. يمكن أن يرجئها، في أحسن الأحوال، لكنه لا يلغيها.

ثمة متهمون بالقتل في لبنان محميون. ليست مؤسسات الدولة من تحميهم، بل "حزب الله" من يفعل ذلك، لأنه يملك قوة تفوق كل مؤسسات الدولة.

في 28 شباط 2005، لم يستقل عمر كرامي بفعل هجوم على السراي الحكومي. بل استقال لأن اللبنانيين سلكوا مسارا ديموقراطيا ضاغطا، رفع الى مستوى الضمائر إسم رفيق الحريري وأسقط قتلته في درك الغضب العام.

في 16 شباط 2005 لم يكن عدد المشاركين في تشييع رفيق الحريري بضخامة عدد المشاركين في تجمع 14 آذار 2005. المسار الديموقراطي الضاغط الذي اتسم بالعاطفة والشجاعة والصدق هو الذي عاد فصنع الإنفجار الشعبي، الذي بقدر ما كان يستهدف النظام السوري المهيمن على لبنان، كان يستهدف "حزب الله" الذي قاد "تجمع القهر" في 8 آذار 2008، لمصلحته ومصلحة النظام السوري.

إذن، لا يمكن الحكم بوجود عطب في جمهور حركة 14 آذار، بل العطب موجود على مستوى خطاب قيادة 14 آذار التي، على الرغم من تعرضها لخطة تصفية شاملة، لا تزال تُمعن في تكبير الهوة التي تفصلها عن القاعدة ومخاوفها وآمالها.

القيادة توحي بأنها لا تفكر إلا بالسلطة. القاعدة تؤكد أنها لا تهتم إلا بالمجرم.

القيادة توحي بأنها تتنافس على المناصب والأحجام. القاعدة لا تأبه إلا لحلمها بالوصول الى وطن معافى.

القيادة توحي بأنها ترتجل أفعالها وردات أفعالها. القاعدة تطمح برؤية تصور واضح يضمن لها مستقبلا تدفع ثمنه تيها في حاضرها.

القيادة توحي بأن نفسها طويل ويمكنها أن تنتظر. القاعدة أعياها الإنتظار ورؤية جثث قياداتها تصل إليها محترقة وممزقة على قارعة الطريق.

القيادة توحي بأنها لا تعرف من يقتل. القاعدة لم تعد تحتاج الى أدلة إضافية لتوكيد المؤكد.

ثمة عطب في جمهور 14 آذار، مرده، بالتدقيق، الى عطب أساسي موجود في القيادة.

كل شيء قابل للإستدراك، شرط أن يتخلّى من هم فوق عن هذا التصلّف الذي لا يقود إلا إلى ... الهاوية!

في بعض الأحيان، قمة الحكمة تكون في أن يتصرف القائد بجنون، لأنه، في المفاصل التاريخية، ينعدم الفارق بين الحسابات الباردة وبين ... الخيانة!

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها