مطالباً
بمحاكمة نصرالله... خشان لموقعنا: حكومة ميقاتي تتذاكى لضرب المحكمة...
وتصورنا عن ميشال عون كان أرقى من حقيقته الفعلية
20110816 غسان عبدالقادر:
مع فارس خشان، المحكمة هي محور الحديث
أما الجوهر فهو حرية لبنان واللب هو استقلال القرار الوطني والغاية هي
تحقيق سيادة طال انتظارها. فارس خشان يبدو أصلب عوداً وأكثر اصراراً فتسمية
المتهمين بالنسبة له كما بالنسبة لغالبية اللبنانيين تعني أصابع تشير الى
بيت الداء وكذلك الى الطريق الصحيح لإحقاق الحق. الحوار مع فارس خشان كان
أقل ما يقال عنه شيقاً أضاء من خلاله على جوانب بعضها كان ملتبساً لدى كثر،
واختلطت به السياسة المحلية بالتوازنات الأقليمية والقوانين
الدولية...فلديه لكل سؤال أجوبة مقنعة وغير متوقعة.
يتساءل الكثيرون حول قدرة الحكومة الميقاتية على رفض
تمويل المحكمة الدولية في العام القادم من خلال عدة اساليب. ما تعليقكم؟
إن الحكومة الميقاتية، أنشئت ، أساساً، بهدف ضرب المحكمة الخاصة بلبنان.
فسبب إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، مرتبط حصريا بعدم توصل المفاوضات
التي جرت بواسطة السعودية بداية وبواسطة قطر وتركيا لاحقا، إلى اتفاق يوقف
مسار المحكمة لبنانيا. لذا فإنني أؤكد على أنّ هذه الخلفية التي جرت تسمية
ميقاتي على اساسها ومن أجلها. وفي ظل هكذا خلفية واضحة وضوح الشمس، فإنّ كل
تصور للحكومة الميقاتية بأنها ستلتزم بواجباتها تجاه المحكمة، هو تصور قاصر
وغير دقيق. وتحاول حكومة ميقاتي التذاكي على قسم كبير من اللبنانيين، عندما
تتجاهل وضع الموازنة العامة للدولة، لأنه حينها، تتحجج بعدم وجود موازنة
لعدم دفع حصة لبنان، في تمويل المحكمة. وهذا التذاكي، شاهدناه بوقاحة لا
تعلوها وقاحة، في مسألة تبليغ مذكرات التوقيف الى المتهمين الأربعة بإغتيال
الرئيس رفيق الحريري. ثم رأينا كيف أن حكومة ميقاتي لم تقل إنها لن تبلغ بل
نأت بنفسها عن الموضوع، وتركته بيد النيابة العامة التمييزية، العاجزة عن
القيام بخطوة مماثلة، إن لم تحظ بغطاء سياسي كبير. اما الذي حصل فهو أن
التبليغات بقيت في الأدراج، ونفذ كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن
نصرالله. والجميع يدرك هذه التمثيلية. لقد اختيرت فرقة أمنية، سمح لها
بالذهاب حصراً إلى مختارين تابعين لحزب الله، وهؤلاء قالوا لهم: لم نشاهدهم
منذ سنوات!
باختصار، أنا احذرهم من أنّ هذا التذاكي كله لن يوصل الى أي نتيجة،
فالتمويل يمكن توفيره ، من دون الحاجة الى لبنان، وذلك عملاً بما كان أساسا
قرار إنشاء المحكمة قد لحظه، أي توفير تمويل من دول أخرى، عن طريق الأمين
العام للأمم المتحدة.
إذاً ميقاتي وجكومته سائرون باتجاه اسقاط المحكمة.
وكيف سيتّم ذلك؟
في هذا السياق، أريد ان أشير الى دور وزير العدل شكيب قرطباوي الذي أراقب
أداءه عن كثب. هذا الرجل أعرفه ، منذ سنوات طويلة، وبالتالي أفهم سلوكياته،
فهو، كلما سئل عن المحكمة، يحاول أن "يُسخّف" الموضوع، من خلال القول أن
المحكمة موضوع مهم ولكنه ليس الأهم، فحاجات اللبنانيين اليومية تتقدم عليه.
هذا يعني أنه يريد أن يحيّد نفسه عن اتخاذ أي موقف أخلاقي من المحكمة،
فيهرب الى حيث كان يرفض أن يهرب، حين كان نقيبا للمحامين. يومها كان يحسب
أن المواضيع اليومية مهمة، ولكنها ليست بأهمية السيادة والإستقلال والقرار
الحر والعدالة السليمة والقادرة. وثمة من ينسب قرطباوي كلياً الى العماد
ميشال عون. من جهتي، أعتقد بأنه يشكل نقطة تقاطع بين عون وميقاتي، فهو
بالإضافة الى أنه مال الى "التيار الوطني الحر" ، بعد انتهاء "لقاء قرنة
شهوان"، فإنه يشارك الرئيس نجيب ميقاتي في مجلس إدارة بنك عودة.
ما هي الرهانات المتبقية لدى حزب الله وحكومته
لاسقاط المحكمة الدولية الخاصة بلبنان؟
الجميع مدرك ان هناك استحقاق استمرار المحكمة الذي يدق في العام 2012. ففي
هذه السنة تنتهي مدة الثلاث سنوات، وبالتالي يجب أن يكون هناك تفاهم بين
لبنان والأمم المتحدة على تمديد عمل المحكمة ثلاث سنوات أخرى. مع انتهاء
الثلاث سنوات الأولى، لن تقبل الحكومة بتمديد عمل المحكمة، وبالتالي يكون
"حزب الله" قد حقق هدفه وألغى المحكمة، ويظن الرئيس نجيب ميقاتي أنه أدى
المهمة المنوطة به، من دون أن يشتبك مع شارعه.
ولكن في هذا النوع من التفكير الكثير من الخفة، فمحكمة سمّت متهمين يستحيل
أن تذهب مع الريح، لأن الوقت انقضى ولأن الجهة التي تأوي المتهمين بالقيام
بأعمال إرهابية تعمل لتقويض وجود المحكمة. ولهذا السبب ، فإن هذا الرهان
يكشف "حزب الله" وميقاتي، ولكنه لا ينهي المحكمة. مجلس الأمن أنشأ المحكمة
تحت الفصل السابع، ولحظ تمديد ولايتها، ولذلك ، فهو قادر على تعديل بند في
الإتفاقية لإعطاء المحكمة قدرة على الإستمرار . وربما لدى "حزب الله"
رهانات على مواقف دولية في مجلس الأمن، من شأنها تعطيل قرار يبقي المحكمة
على قيد الحياة، كالرهان على موقف روسيا أو الصين أو الهند. ولكنه لن يكسب
هذا الرهان، لأنّ سلوكية الحكومة اللبنانية التي يضع "حزب الله" مدوّناتها،
يستحيل أن تقنع أي دولة بوجوب وضع حد لصلاحية المحكمة.
هل كان لدى الحزب وسائل اخرى في مواجهة المحكمة التي
يعتبرها معادية؟
في الحقيقة، ما لم يدركه حزب الله أنه كان يمكن الرهان على موقف من هنا
وهناك لاستبدال المحكمة الخاصة بلبنان بالمحاكم اللبنانية، ولكن أداء الحزب
اسقط كل صدقية عن كل مؤسسات الدولة. وهنا اريد ان انبه الى أنه لم يتح
المجال أمام القضاء اللبناني بعد ليستعيد عافيته، بل على العكس جرى إغراقه
بمزيد من الفساد ومن الشلل ومن التبعية السياسية ومن التهويل الإعلامي.
واريد ان اطرح جملة تساؤلات: لماذا لم يصدر قرار اتهامي في موضوع فتح
الإسلام على الرغم من أن التحقيق قد أنجز، منذ سنة كاملة، ولماذا جرى ما
جرى في ملف مقتل الرائد سامر حنا؟ ولماذا يبقى جوزف صادر من المواضيع
الممنوع التعامل معها؟ ولماذا "البهورة" في ملف الأستونيين السبعة الذي لم
يتوج بقرارات قضائية؟ ولماذا خطف شبلي العيسمي وغيره من القضايا غير
القابلة للتداول؟ ولماذا "حزب الله" هو من يختار للقضاء المتهمين بالتعامل
مع إسرائيل على الرغم من براءة غالبيتهم؟ ولماذا يقيم حزب الله قضاءه
الخاص، فيخطف ويحقق وأحياناً يعدم؟ حزب الله لن ينجح في مسعاه لاسقاط
المحكمة ولن ينتصر في معركته ضدها حتى لو عمل من أجل ذلك 300 عام، لأن
المجتمع الدولي لن يقبل ان يضعف أمام مجموعة كهذه كما أن شريحة كبيرة من
اللبنانيين لن ترضى بذلك.
لماذا برأيك اتخذ السيد حسن نصرالله موقف المتبني
للمتهمين الأربعة ودافع عنهم؟
لأن "حزب الله لم يقرر، بعد التخلي عن خدماتهم! وبالعودة الى القرار
الإتهامي، فإنه كان مباشراً وواضحاً حين سمى المتهمين. بالمقابل رأينا، أنّ
حزب الله دافع عن هؤلاء المتهمين وتبناهم كما رفعهم الى مستوى القداسة!
وهذه السلوكية تعني، أن هؤلاء، معنيين بإنهاء وجود المحكمة، وسوف يحكمون
لبنان ، ولن يحاكموا في لبنان. وعليه، يستحيل أن تقبل بذلك أي هيئة في
العالم.
كيف يمكن ان يكون لهم مهام أخرى؟
دعني أشرح: عندما كان "حزب الله" ينكر أي صلة له بعماد مغنية، كان هناك
قرار كبير في "حزب الله" وإيران وسوريا بالتخلي عن النهج الذي كان ملتصقا
باسم عماد مغنية، أي نهج السيارات المفخخة وخطف الأجانب والمقايضة
بالرهائن. والتخلي عن النهج، جعل "حزب الله" يتخلى عن إسم عماد مغنية. صحيح
أن عماد مغنية بقي في "حزب الله" ولكن إسمه تغير وحتى شكله. "حزب الله" صفى
الشخصية التي كان يتمتع بها عماد مغنية الأول، واستبدله بالحاج رضوان. إن
"حزب الله" ، يستحيل أن ينكر مصطفى بدر الدين ورفاقه، إن لم يتخذ قرارا
بالتنكر للعمليات الإجرامية المطلوبة منهم. هذا يعني ، أن تبني "حزب الله"
لهم، يأتي في سياق استمرار القرار المركزي في "حزب الله" بإتباع سلوكيات
الإغتيال والعنف، لتحقيق أهداف سياسية، في الداخل اللبناني. إن إنكاره
لهؤلاء، لن يسمح لـ"حزب الله" لاحقا، بإيجاد من ينفذ له العمليات القذرة.
وهل تعتقد أن لذلك علاقة بمبدأ مسؤولية الرئيس عن
مرؤوسيه؟
لا! أريد أن اشير، هنا، الى نقطتين. أولاً، هناك استحالة في معرفة من هو
القائد الفعلي لهكذا جماعات. ففي الفكر الجنائي لا يمكن لك ان تتبع
الاستنتاجات. إستنتاجاً، يمكن القول أن السيد حسن نصرالله هو رئيس مصطفى
بدر الدين. في الواقع، قد يكون العكس هو الصحيح، وفي الإستنتاجات أيضاً قد
يصح القول ان بدر الدين كان يتلقى اوامره من عماد مغنية الذي قتل في العام
2008 والذي بدوره كان يتلقى اوامره من ايران أو سوريا، أو من الإثنين معاً،
وبالتالي فهو يعمل بمعزل عن الأمين العام.
ثانياً، إنّ القرار الأخير الصادر عن غرفة الإستئناف في المحكمة الخاصة
بلبنان انتهى الى نتائج اسقطت الآلية التلقائية التي تربط الرئيس بما
يرتكبه مرؤوسه، على اساس ان ذلك يصح في قضايا الجرائم ضد الانسانية، حيث
يعتبر الرئيس مسؤولا عن أعمال مرؤوسيه إن ثبت أنه علم بجريمته قبل ارتكابها
هذا يصح في الجرائم ضد الإنسانية، ولكن في حالة الجرائم الارهابية فإن
الحاجة ملحة الى وجود أدلة ثابتة تؤكد هذا الترابط بين الرئيس والمرؤوس.
ولكن هنا أريد أن الفت نظر الجميع إلى أن حسن نصرالله ارتكب جرماً عندما
حقّر المحكمة الدولية. هذا لم يحصل عندما قال نصرالله ما قاله عن رئيس
المحكمة والمدعي العام وقضاتها ومحققيها، إنما عندما بنى على هذا القول
قرار منع العدالة من تحقيق أهدافها، ونجح في تنفيذ قراره. بهذا الترابط بين
القول والفعل، يكون حسن نصرالله، قد أكمل كل عناصر ارتكابه جرم تحقير
المحكمة، المعاقب عليه، في قواعد الأدلة والإجراءات.
أزاء التصور العام لدى عدد من اللبنانيين أن المحكمة
الدولية لن تأتي بنتيجة في ظل محاكمة غيابية، ماذا يمكن ان نقول؟
يجب ان نوضح مسألة أنه مجرد نشر اسماء المتهمين او المطلوبين يحولهم الى
سجناء. اسماؤهم أصبحت متشحة بالسواد ومطلوبة في دول العالم. إنهم كذلك، حتى
ولو منحوا لقب "قديسين". اريد ان اذكر ان ميلوسوفيتش كان في وقت من الأوقات
يعدّ، في بيئته من مطوّبي "القديسين". وكان يحظى بغطاء روسي كبير في ظل
تواطؤ أوروبي كشفته كارلا دل بونتي، مراراً وتكراراً. ولكن الأمور تغيّرت،
مع تغير الظروف والزمن، والقي القبض عليه وسجن وانتحر. وما لا يدركه
الكثيرون، هو أن يد العدالة قد تكون قصيرة، ولكن مفعولها كبير، لأنها تُنهي
المطلوبين إليها.
وفي اعتقادي فإن تسليم المتهم لنفسه، في حالات مماثلة، هو أفضل من تواريه
عن الأنظار، لأنه يمثل فعلا، أمام عدالة تتمتع بالمواصفات المطلوبة، وأهمها
علنية المحاكمة وشفافيتها والحقوق واسعة للدفاع.
فلو سلّم المتهمون بإغتيال الرئيس الحريري أنفسهم، فيمكن أن اتخيّل
السيناريو الآتي: يطلبون محاكمتهم، وفق نظام التواصل بالفيديو، ليتجنبوا
التوقيف الإحتياطي، ويرسلون محامين أشداء, يترافعون بالبراءة، ولكنهم في
الوقت نفسه يقولون لماذا كانوا يعيشون إشكالية في النظرة الى الرئيس رفيق
الحريري وغيره من المستهدفين. ويقدمون مبرراتهم السياسية بدءاً بدور
الحريري في القرار 1559 والتناغم مع ما يسمونه الإمبريالية العالمية والضرر
الذي ألحقه بدول الممانعة وقواها. بناء عليه، ثمة من سيجعل من هذا القاتل
بطلاً قومياَ، بدل أن يكون شخصاً، هارباً، يخجل بإسمه وبشكله وبكل ما يمكن
أن يشير اليه.
حالياً هذه الأسماء أصبحت في وضع يرثى لها، وكذلك وضعيتهم الشخصية. سيضطر
هؤلاء الى الإقامة الجبرية، وسعيشون في هواجس الخيانة والتصفية، إما من
خلال اختراق كبير أو من خلال جماعتهم بالذات. وهم سبق لهم ونفذوا تصفيات.
كما سبق لهم وعرفوا كيف جرت تصفية عماد مغنية ومحمد سليمان وآخرين.
ولكن قد يقول قائل أنه من غير العدل محاكمة المتهمين
غيابياً وعدم منحهم فرصة الدفاع عن انفسهم. فهل هذا عدل وانصاف؟
وهنا لا بد من التنويه إلى أن المحاكمات الغيابية، تقع في صلب القانون
اللبناني، وقد توسلها "حزب الله" وحلفاؤه، لتشويه سمعة خصومهم السياسيين،
على الرغم من عدم استقلالية القضاء اللبناني، ومن عدم قدرته على توفير
الحماية للمطلوبين أمامه. أضف الى ذلك، أن المحاكمات الغيابية ستجري، على
الملأ. والكل سوف يرى الأدلة ويعرف كيف تحركوا. التاريخ سيكتب في قاعة
المحكمة وليس بمؤتمرات حسن نصر الله الصحافية. وليعذرنا "حزب الله"، إن
تكلمنا عنه علنا، وبلا قفازات، فنحن، في هذا الموضوع، نتعلم منه الأصول
واللياقات، إذ لن ننسى كيف عاملتنا قناة "المنار" وأخواتها، حين صدرت في
حقنا مذكرات التوقيف الغيابية، عن سلطات قضائية سورية، مشبوهة بنزاهتها
واستقلاليتها، لا بل من تمتعها بحد أدنى من مكونات تسمية القضاء. إننا،
وأمام هذه المجموعات التي لا ترحم الأبرياء لا يمكن نحن ان نتهاون امام
المجرمين المنتسبين إليها.
ماذا يريد ميشال عون؟ الى ماذا يطمح؟ وهل رئاسة
الجمهورية لا تزال حلمه الاوحد؟
لقد وقع العماد ميشال عون في التجربة الممنوعة. هو يريد السلطة والمال
والأمان، بأي ثمن. هو من الأشخاص الذين ارتكبوا الخطيئة العظمى: يحسب أنه
الله! ويظن أن لديه جنة وجهنما! فقبل سنوات، إجتمعت بواحد ممن كانوا أقرب
المقربين، عائلياً وسياسياً، إلى العماد ميشال عون، وتذكرت معه، ما كان
يقوله لنا. أنا عندما كنت أزوره في منفاه الباريسي، وذاك، عندما كان يعيش
معه يومياته. معاً، إتفقنا أن العماد ميشال عون لم يغشّنا، ولا مرة، بل كان
أمامنا شفافاً جداً، ولكن نحن كنا مصرين على أن نفهمه بطريقة خاطئة. كان
تصورنا عنه أرقى من حقيقته هو. في هذه اللقاءات، لم يكن العماد عون يتحدث
معنا، لا عن مصلحة لبنان ولا عن مصلحة المسيحيين، بل عن مصلحة من يفترض
أنهم كانوا خصومه. كان يقول: "سأجعل السوريين يأكلون أصابيعهم ندامة. لقد
راهنوا على مجموعة مسيحية فاشلة. سوف يكتشفون أنهم خاصموا الرجل القوي
واعتمدوا "الضعفاء.
وفي انتخابات النيابية الفرعية في بعبدا، على إثر موت النائب بيار الحلو
قال لنا: "إن الرئيس أميل لحود، أمام خيارين، إما أن يقف مع أجهزته الى
جانب مرشحي ( أي حكمت ديب) أو الى جانب مرشح الرئيس أمين الجميل( أي هنري
حلو). ثم يغرق في الضحك. والآ، يفعل العماد ميشال عون الشيء نفسه، مع
الرئيس سعد الحريري.
ما الغاية وراء العداء المفرط لسعد الحريري؟
بكل بساطة، ميشال عون يقول للحريري: منعتني من الوصول الى رئاسة الجمهورية،
سوف أثبت لك، أن لا مكان لك في السلطة، وحتى في لبنان، من دوني. سبق له
وعرض على الرئيس الحريري التحالف، على أساس أنه المسيحي القوي الوحيد، ولكن
الحريري رفض. بعث برسائل الى الحريري ومفادها أنه إن لم يتواطأ معه ضد
الجميع ، فهو ذاهب الى تحالف مع "حزب الله". يوم أرسل هذه الرسالة، جعل من
حمّله إياها، وأنا أعرفه معرفة يقينية، يرى وفد "حزب الله" يدخل الى مكتب
جانبي في منزله في الرابيه. النظام السوري و"حزب الله" أدركا، في اللحظة
الحرجة، نقاط ضعف العماد ميشال عون، فدخلا عليها؛ الأول عقد صفقة مكتملة
معه قبل وصوله الى لبنان، والثاني أكملها، بعد عودة عون. لقد أرسل النظام
السوري و"حزب الله" كل من كانوا يشتمون عون إليه واحدا واحدا، حيث استغفروه
وتلوا فعل الندامة أمامه، وكان هو، بكل الفخر "الكهنوتي"، يمنحهم الغفران.
ونجح عون في اقتياد ناسه الى حيث يريد، على أساسين. الأساس الاول ، إستهدف
المقربين منه بحيث أقنعهم بأن السياسة مجموعة مصالح، والمصالح فيها تتقدم
على المبادئ. الأساس الثاني، إستهدف جمهوره العريض، بحيث أعادهم الى حقبة
الكراهية، فأيقظ غرائز حرب الإلغاء وغيرها. لذلك نرى نسبة الثراء السريع
لدى المحيطين بعون، ومنسوب الكراهية ضد سمير جعجع وغيره من المسيحيين لدى
الجمهور العوني العريض. وهنا، دعني أنوه بمشهد خطر للغاية. مشهد يجسد حالة
لا بد من دراستها لاحقا في علم السياسة. إسمها حالة أدونيس عكرا. لم أكن
أتصور أن شخصا مثله، يقبل أن يحوّل مناسبة 7 آب ، الى مناسبة لتشويه
الحقائق. قرأت كتابه، يوم أصدره. فيه يتحدث عن الثمن الذي دفعه كل من
الرئيس رفيق الحريري والنائب وليد جنبلاط، بسبب وقوفهما ضد عمليات القمع
والإعتقال التي شهدها المعارضون المسيحيون، في 7 و 9 آب. وتحدث عن الأدوار
القذرة للرئيس السابق أميل لحود والمخابرات والأمن العام والأوصياء
السوريين.في الإحتفال هذه السنة الذي شهد توقيع كتابه، قبل أدونيس عكره،
وبابتسامة عجز عن إخفائها، كل الحقائق رأسا على عقب، بحيث تحول الى أكبر
شاهد زور على وقائع سياسية ثابتة، بقلمه.
التيار العوني بدل مواقفه مراراً وتكراراً حتى من
الشهيد رفيق الحريري. كيف نفسر ذلك؟
نعم، جميعنا نذكر يوم اغتيل رفيق الحريري، كيف تعاطى العونيون بهستيرية مع
الحدث. بالنسبة إليهم، كأن السماء "طربقت " على الأرض. زحفوا الى الضريح.
وأشعلوا ساحة الحرية بشعارات لا تقبل أي نوع من أنواع التسوية. ولكن، مع
تغير المصالح السياسية، انقلبوا على ذكرى رفيق الحريري، وهم يتولون شتمه،
ليلاً نهاراً. ونتساءل هنا: هل تغير رفيق الحريري، بعد موته؟ هل استدان بعد
موته؟ طبعا، لا. هم تغيرت مصالحهم فغيروا نظرتهم الى رفيق الحريري. للأسف،
لقد تحولت الحالة العونية الى وضعية تثير الإشمئزاز. مصالحهم فوق أي اعتبار
ونقدهم الذاتي، انحدر الى مستوى الإنعدام. والله حرام!
كما اريد هنا ان اقارن بين جمهور تيار المستقبل وجمهور ميشال عون. إن جمهور
المستقبل كان من ابرز المنتقدين لسعد الحريري في مرحلة السين سين. وأنا من
الأشخاص الذين ، على الرغم من أنني أعمل في مؤسسة من مؤسسات الحريري، كان
لهم موقف سلبي من سعد الحريري على خلفية السين سين. والآن، نحن نرى، برغم
الضائقة المالية التي يمر بها تيار المستقبل، أن هذا الجمهور لا يزال
متمسكاً بمبادئه وهذا ما لا يمكن ان نراه في قوى 8 آذار التي اصبحت تسعى
بجميع شرائحها وراء المال بالدرجة الأولى وجمع الثروات. الحالة الانتفاعية
في 8 آذار وصلت مرحلة الفجور حيث نرى على سبيل المثال لا الحصر كيف أنّ
شخصاً معيناً يترك تلفزيون لكي يفتتح فضائية خاصة به، ومحررا آخر في جريدة
يصبح بامكانه ان يتحول الى صاحب صحيفة بين ليلة وضحاها. وهذا يؤكد ان بيئة
14 آذار ليست بيئة انتفاعية مادية قائمة على المصالح كما يحاولون تصويرها.
وأنا اعتقد بأن الأزمة المادية في تيار المستقبل هي أزمة صحية، لأنّ من
يعمل من دون بدائل مادية هو مناضل حقيقي ومبدئي يؤمن بقضيته، لذا انا فخور
بهذا الجمهور. ولو حصل الأمر نفسه، مع 8 آذار لكفروا بكل القضايا
والمقاومات والممانعات.
في سوريا منح النظام مهلة اسبوعين يبدو انها قابلة
للتجديد بحسب الحاجة. فهل تبقى حالة اللاغالب او المغلوب الى الأبد؟
انا برأيي انتهت مهلة التسامح المعطاة للرئيس بشار الأسد و أصبح الأسد هو
من يطلب المهل ويقنع تركيا واسرائيل بأنه قادر على منحهم كل ما يطلبون
وتوفير مصالحهم. ولكن ما سيكتشفه العالم ان بشار الأسد الجديد هو ليس ما
كان قبله، بمعنى أنه لن يستطيع ان يؤمن مصالحهم كما من قبل. قبل 15 آذار
كان بشار الأسد يوحي بأنه حافظ الأسد وخليفته في كل النواحي. حافظ الأسد لم
يمت إلا على يد هذه الثورة السورية. بشار لم يدفن سلوكية عصر بائد، بل
توسلها ليحكم. الشعب السوري بثورته هو من دفن هذه الممارسات. الآن بدأ عصر
إنهاء بشار الأسد، بعد إنهاء كامل لحافظ الأسد، ولذلك، فأنا أتخوف من أن
تكون الثورة السورية، هي ثورة المليون شهيد، لأنهم لا يواجهون نظاما يملك
آليات مرنة للتغيير، بل مجموعة أفراد يدافعون عن مصالح هائلة بكل ما أوتوا
من قدرة إرهابية.
ولكن ألا يتناقض موقف 14 آذار بالشأن السوري مع
مقولة "لبنان أولا"، ومع مصلحة لبنان؟ وأليس من الأفضل النأي بالنفس عن ذلك
على طريقة الرئيس ميقاتي؟
أجزم بأن مبدأ "لبنان اولاً" لا يتناقض ابداً مع الموقف الداعم للشعب
السوري في ثورته على بشار الأسد لأنّ في ذلك مصلحة للبنان ولسيادته
ولاستقلاله. إن ذلك لا يتحقق إلا إذا كان الشعب السوري راضيا ومرتاحا
وحرّا. لن تزهر في بيروت ان لم تشرق في دمشق نتيجة التداخلات الاجتماعية
والاقتصادية والحياتية والثقافية المختلفة. لذا فإنني انبّه إن كل موقف
لمصلحة الشعب السوري يعيد لبنان الى حياديته. بسبب سلوكيات 8 آذار السياسية
والإعلامية والأمنية والسلطوية، ظن الشعب السوري أننا كلنا منحازون الى
نظام الأسد. المواقف التي تصب في مصلحة الشعب السوري، أعادت لبنان الى
"حياديته". هناك مؤيدون للنظام وهناك مؤيدون للشعب. ومؤيدو الشعب لا
يتحملون مسؤولية ما يتخذه مؤيدو النظام من قرارات، بل هم ضحايا مثلهم مثل
الشعب السوري.
واريد أن أعلق على موقف الرئيس ميقاتي بأنه ينأى بلبنان عن التدخل بالشأن
السوري. ميقاتي لا ينأى بنفسه عن شيء بل يفعل مصلحة بشار الأسد وينفذ اوامر
الأسد المباشرة التي تأتي اليه من خلال شقيقه طه ميقاتي.
المصدر : خاص موقع 14 آذار
14march |