عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


جميل السيّد...براءة

كتبها فارس خشّان الثلاثاء, 11 سبتمبر 2012

قد لا يعود جميل السيّد إلى السجن بسبب قضية ميشال سماحة، لأن المنطق القضائي لا يتطابق، دائما، مع المنطق.

المنطق يفترض ألا يكون جميل السيّد، في الأساس حرّا، فما من أحد يحاسبه على تهديداته العلنية بعزمه على الإنتقام شخصيا، بكل الوسائل، من أولئك الذين يدرجهم على قائمة خصومه، ولا أحد يسائله عن الثروة والقصور التي خرج بها من الوظيفة العامة، ولا أحد يتابع معه التحقيق في حقائق اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولا أحد يهتم بما يطلقه بحق الجميع من افتراءات وكذب وتركيب وقائع.

في قضية ميشال سماحة قد يلعب المنطق القضائي لمصلحة جميل السيد ضد المنطق، في حال لم تتوافر الأدلة القاطعة على أنه كان شريكا في المشروع الجرمي الذي كان يعمل عليه " قائد سيارة المتفجرات" ميشال سماحة.

ولكن بما أن المنطق القضائي شيء والمنطق شيء آخر، فلا بد من النقاش في المنطق، بعدما لوّث جميل السيد الهواء بتنظيراته!

هذا المخلى سبيله في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تربطه علاقة متينة جدا بميشال سماحة، ولطالما اعتُبر ميشال سماحة من أهم مساعدي جميل السيد الذي لم يعمل في حياته سوى في الملفات الأمنية والمخابراتية.

ولم يخرج ميشال سماحة، مرة إلى الشاشات والإعلام واللقاءات السياسية واللقاءات الأمنية، إلا وكان ذلك بالتنسيق مع جميل السيّد، الذي يعرف القاصي والداني، أن سر ميشال سماحة لديه، كما أن سر جميل السيد لدى ميشال سماحة.

ومن يتابع جميل السيد، يرى أن هذا الرجل يدعي معرفة كل الأسرار، لا بل يوحي وكأنه يملك محاضر كل اللقاءات.

وفق الإيحاءات التي يتركها جميل السيد يتضح أنه يعرف ما يحصل في البيت الأبيض وفي الإليزيه وفي مكاتب الصحف العالمية وفي معراب وقريطم وفي رئاسات الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء وفي مكاتب جهاز المخابرات وشعبة المعلومات.

هذا الرجل الموسوعي، لا يجهل سوى مسائل محددة، وهي التي تتصل بأقرب المقربين إليه.

على سبيل المثال، لا يعرف ماذا يوجد في سيارة "كاتم أسراره" ميشال سماحة، على الرغم من أنه كان برفقته في السيارة كما في دمشق، تماما كما لا يعرف من اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي كان يتابع التنصت الذي يخضع له ويعرف تفاصيل اجتماعات التحريض ضده، وغالبيتها من صنع يديه ومخيلته.

وجميل السيّد ، الذي يعشق القانون ويحترمه بحذافيره ويطرح نفسه قاضي القضاة ورئيس الرؤساء ووزير الوزراء، يرسل ابنه الى التحقيق متخفيا بوكالته عن ميشال سماحة من أجل أن يدافع وقائيا عنه هو، خلافا لكل أصول ولكل واقع ولكل قانون.

هو استغل ابنه ووكالته عن سماحة من أجل أن يمرر لرفيق السيارة حاملة المتفجرات أن دائرة الكلام عن الشركاء توسعت لتطال جميل السيد.

وجميل السيّد الذي اخترع نظرية جنائية غير مسبوقة-ساعده فيها " ضعف " القضاء اللبناني- وهي تقوم على معادلة شل الأجهزة الأمنية عن العمل ضد جرائمك بمجرد أنك شتمتها وتكلمت ضدها، يرفض أن تحقق شعبة المعلومات مع سماحة لأن سماحة أعلن عداءه لها تلفزيونيا، ونسي أنه سبق له أن سلط مديرية المخابرات في الجيش، حين كان يتحكم بها، على سمير جعجع، على الرغم من أن القاصي والداني كان يدرك إدراكا واسعا، بأن هذه المديرية، وبناء لاتفاق مع النظام السوري، هي عدوة حقيقية لجعجع ولذلك يتركزعملها حصرا على إسقاطه وإلغائه!

وجميل السيّد، على كثرة ما هو دقيق في معلوماته، يقلب الحقائق ويخلطها بكل زيف.

فمحمد زهير الصديق لم يهرب من لبنان، لأنه في الأساس ومنذ تقدم الى التحقيق شاهدا، كان خارجه. وعبد الباسط عودة لم يهرب الى أي مكان آخر، بل جرى تسليمه الى سوريا، بقرار قضائي بعد انتهاء مدة محكوميته، وحسام حسام لم يهرّب الى أي مكان بل جرى نقله ، باتفاق بينه وبين "حزب الله" والنظام السوري الى دمشق التي فيها استعمله جميل السيد ليستصدر مع ما يسمى زورا بالقضاء السوري، مذكرات التوقيف الشهيرة.

ويذهب جميل السيد قدما في تزوير المعطيات ليغطي ذاته القبيحة، فيدعي أن زج اسمه في ملف ميشال سماحة يهدف الى مقايضته على الدعاوى في سوريا وفي فرنسا، مستغبيا رأيا عاما يدرك جيّدا الحقيقتين وهما :

أولا، إن من صدرت بحقهم مذكرات توقيف في سوريا لا يأبهون لنظام يتهاوى، وهو حاليا يعاديهم لأسباب أهم بكثير من دعوى جميل السيد.

ثانيا، إن هناك دعوى واحدة يقيمها جميل السيد في فرنسا وهي دعوى قدح وذم ضد السفير جوني عبدو، وبدأت، ترتد عليه وعلى محاميه أنطوان قرقماز الذي جرى، وعلى غرارا مالك السيد في ملف سماحة، إرساله " جاسوسا" الى المحكمة الخاصة بلبنان.

وجميل السيّد الذي لا يطلب من "حزب الله" أن يرسم خطا أحمر عليه، إلا ليساعده في رد الظلم عنه، يحاول التأثير على معنويات القاضي رياض أبو غيدا(وصلته، أساسا، جملة رسائل تهديدية منذ توقيف سماحة) بأنه خيار "حزب الله" و" أمل" في الإنتخابات النيابية المقبلة!

هذا غيض من فيض عن جميل السيد الذي، وإن كان لا يزال قادرا على التهرب من المنطق القضائي، إلا إنه سقط بضربة المنطق القاضية، ومنذ زمن بعيد!
 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها