عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


حزب الله" شيطَن لبنان ومقدَدَه"

كتبها يقال الأحد, 09 سبتمبر 2012 

في العام 2006، وبفعل التسبب بحرب تموز، حققت المنتجعات التي يملكها المتموّلون اليهود في حوض البحر المتوسط، أكبر نسبة أرباح، ذهب جزء كبير منها الى إسرائيل، لتعويض ما فاتها من خسائر بسبب هذه الحرب، مما أتاح لها بتحقيق أكبر نسبة نمو في الواردات.

في العام 2012، ومع نهاية شهر رمضان المبارك، ازدحمت فنادق باريس ولندن وغيرها، بأعداد هائلة من الخليجيين، وجلّهم من سبق له وألغى حجوزاته الى لبنان.

ولم تكن تلتقي بأحد من هؤلاء إلا ويردد عليك ما مفاده: لبنان جنّة، ولكنهم أصبح الآن، بفعل "حزب الله"، جحيما!

لا يعتقد هؤلاء بوجود أي فرق بين الدولة و"حزب الله". يظنون بأن "حزب الله" يحكم لبنان. لا يهتمون بالفوارق التي يتحدث عنها المسؤولون، لأن الحقيقة الميدانية بالنسبة لهم تتمحور حول "حزب الله" الذي يملك قدرات التهديد وتنفيذه!

في البداية، وبفعل تفلّت "حزب الله" من كل ضوابط ردعية ، خضع جميع المسؤولين لتسميم "حزب الله" للأجواء اللبنانية، ولكنهم مع تقدم الأيام، والعودة الى القراءات المالية والإقتصادية في البلاد، إكتشفوا أن خطر الإنهيار الكبير، خرق أسوار لبنان، وبدأ يرفع راياته، على أكثر من موقع: المستثمرون يهربون. الباقون يفلسون. توقعات الخزينة من ضريبة القيمة المضافة إنهارت، بسبب التراجع المرعب في الإستهلاك. المتمولون السوريون الذين لجأوا الى لبنان تشرف ثورتهم على النفاذ في ظل الحظر على التبادل المصرفي مع سوريا، فيما حاجات فقراء الللاجئين تكبر، إستشفائيا وتربويا وإيواء وطعاما وأمنا.

حصل ذلك، فيما وضعت الوعود الكريمة للحكومة الحالية على الطاولة. إن لم يتم الإلتزام بها، تسقط الحكومة في الشارع، لأن موظفي الإدارات العامة وأساتذة المدارس والجامعات، سيداومون في الشوارع وليس في مكاتبهم. وإن تمّ الإلتزام بها، يفترض بالحكومة أن ترفع مصاريفها السنوية ملياري دولار أميركي غير متوافرة، مما يضطرها الى رفع المديونية العامة وخدمتها المرهقة للغاية، في ظل حالة إقتصادية، أعاقت النمو، الكفيل لوحده أن يسمح للدولة بأن ترفع قيمة مدفوعاتها.

أمام هذا المأزق، لم يعد أحد قادرا أن يصمت على ما ارتكبه "حزب الله": حوّل لبنان الى متراس متقدم لإيران في صراعها على الملف النووي مع المجتمع الدولي. أقحم لبنان في محور الحرب الإيرانية على الخليج من بوابة الدعم لاضطرابات البحرين، في وقت يقف بقوة الى جانب بشار الأسد. أعاد لبنان، من خلال الأجنحة العائلية المسلحة، الى زمن الطاعون، وفق التسمية الأميركية في العام 1984.

بهذه السلوكيات، صنع "حزب الله" مصيبة لبنان. جعل وطن الأرز على عداء مع عمقه الإستراتيجي. تفكيره العسكري يجعله يعتقد بأن سوريا هي العمق الإستراتيجي للبنان. التفكير الإستراتيجي العالمي الجديد، لا يفهم العمق الإستراتيجي إلا إقتصاديا وماليا. وبهذا المعنى، وجه ضربة الى علاقة لبنان بالعمق الإستراتيجي الحقيقي: الخليج العربي.

في الخليج العربي، يعمل عشرات آلاف اللبنانيين. وإلى الخليج العربي تعود أكبر إيداعات دعم الخزينة في المصرف المركزي. ومنه يأتي المدخول الحقيقي للسياحة، الركن الأهم للإقتصاد اللبناني.

ثمة من يعتقد بأن "حزب الله" يفعل كل ذلك عن سابق تصوّر وتصميم. كلما فقرت البلاد، كلما سهل تحويلها الى جبهة مساندة عسكرية لإيران. كلما فقر الشعب كلما ازدادت أهمية الأموال الإيرانية التي تأتيه، مما يعينه على استكمال استملاك العقارات المتمادية التي يخطط لشرائها، ملبننا خطة الوكالة الصهيونية في السيطرة على فلسطين.

وبعيدا من مخطط محتمل لـ"حزب الله"، فإن النتائج المباشرة لسياسته سببت إرباكا كبيرا على مستوى السلطة السياسية في البلاد. إرباك بدأ بالظهور مع قراءة الواقع المالي، بفعل اضطرار الحكومة للبت بموضوع سلسلة الرتب والرواتب.

في النقاش مع "حزب الله"، فهمت قيادته أنها مضطرة لتقديم تنازلات ظاهرية لإنقاذ حكومتها من انهيار محتمل باستقالات مفاجئة، خصوصا بعد اللقاء " المزعج" الذي جمع وليد جنبلاط " بيضة قبان " الأكثرية الحالية بسعد الحريري، زعيم الأكثرية الحقيقية.

وعلى هذا الأساس، وضع سيناريو أكبر مسرحية يشهدها لبنان حاليا: مداهمات الجيش اللبناني في الضاحية الجنوبية: جرى الإفراج عن ضباط حاجز الكويخات. جرت تغطية هذا الإفراج بالمداهمات لملاحقة بعض الرموز المعروفة تلفزيونيا لما سمي الجناح العسكري في عائلة المقداد!

مداهمات بدت كأنها تحصل في منطقة مستقلة عن "حزب الله" المتفق معه عليها. أحد لا يعرف مكان الخاطفين التنفيذيين. أحد لا يعرف مكان المخطوفين.

ومع ذلك، كانت هذه المسرحية لإطلالات مسرحية لعدد من المسؤولين المساكين بالخيانة والتواطؤ على بلد يؤتمنون عليه. إطلالات لتوكيد الوجود ، من جهة، وللطلب من العمق الإستراتيجي الخليجي للبنان بأن يعود الى لبنان، من جهة أخرى.

ضعيفة هذه المسرحية ومتأخرة.

ضعيفة لأن الجيش اللبناني الذي يملك قدرة على إجراء مداهمات في الضاحية الجنوبية، إنما يفعل ذلك بتنسيق كامل مع صانع الخطف الأساسي، أي "حزب الله" ، الذي يحمي المتهمين باغتيال رفيق الحريري وكبار تجار المخدرات ومن بينهم شقيق نائب في كتلة "حزب الله".

متأخرة لأن "حزب الله" باستعماله الخطف والتهديد وتبني اضطرابات البحرين والوقوف في الصفوف الأمامية للدفاع عن نظام بشار الأسد والإعلان عن أنه مجرد نقطة استراتيجية متقدمة لإيران على الحدود مع إسرائيل، أعاد ذكريات العام 1984 الى لبنان، وجعل من لبنان أرضا للمغامرة وليس للسياحة، وأعاد ذكريات العام 2006، ومشاهد بواخر الترحيل وقوافل السيارات الهاربة عبر سوريا المقفلة اليوم.

"حزب الله"، باختصار، شيطَن لبنان و..مقدده!
 
 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها