عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


بشار الأسد ونظام السخافة - قراطية في سوريا ولبنان

كتبها فارس خشّان الخميس, 30 أغسطس 2012

مرة جديدة، وبمناسبة التدقيق في كلامه الى قناة " الدنيا"، إستوقفني منسوب السخافة المرتفع لدى بشار الأسد!

مصطلح " السخافة" هنا ، هو توصيف وليس شتما. سأبرره لاحقا.

هذه السخافة التي تتجلّى في كلام الأسد، تثير فيك ، كلبناني، عاصفة من علامات الإستفهام، خصوصا، وأنت تُدرك أن مصير بلدك، إرتبط ولا يزال، بصاحب.. السخافة!

تسأل نفسك ألف سؤال وسؤال عن الطريقة التي يمكنها أن تجعل سخيفا يتحكم بمصير وطنك!

تبحث في ألف جواب وجواب، ولكن لا يترسّخ في ذهنك، سوى واحد لا غير: الإجرام!

تجول في مفهوم الإجرام، فتجد أن مرتكزه الأول هو السخافة!

ولأن الجريمة لا يمكن تبريرها إلا بالسخافة، ولذلك ما من مجرم يعتبر نفسه مجرما. البعض يصور نفسه ضحية. آخرون يلقون على أنفسهم ألقاب البطولة!

عموم الناس، لا تلتقط سخافة من يملك سهولة التعبير. تعتبره فهيما، منطقيا،وقويا.

هم لا يدركون أن انعدام الحس بالمسؤولية يجعل النطق سلسلا، والجواب عن كل سؤال جاهزا، وتبرير كل حدث سهلا!

هم لا يُدركون أن القدرة على حل مشكلة ناجمة عن الكلام بالإجرام، تُسهّل النطق: ثمة من يحل مشكلته بالكذب وثمة من يحلّها بالقتل!

لن أتوسع في تقديم النماذج. تاريخ الإنسانية " معجوق" بفاشلين أصبحوا قادة. نموذج أدولف هتلر يكفي. وحاضر لبنان كذلك. أكتفي بـ"بدل عن موجود"، أعني ميشال سماحة، عاجق " الفكر السياسي" على قنوات ميشال عون ونبيه بري وحسن نصرالله!

السخافة، خلافا لما يعتقد، لا تقتل صاحبها، بل المحكوم من صاحبها.

السخيف لا يعترف بحدود لسلوكياته. حدوده إفتراضية، وهي تتوسع باتساع قدراته اللامحدودة على التبرير. ما يقترفه هو، مهما كان خطرا، يمر بعبارة. ردة فعل الآخرين، مهما كانت بديهية، تصبح جريمة تستوجب العقاب.

حرب تدميرية هائلة تعرض لها لبنان، إنتهت فيها حدود المساءلة الداخلية، عند عبارة واحدة" لو كنتُ أعلم."

جريمة فظيعة كانت سترتكب في لبنان، أنهاها ميشال سماحة بعبارة واحدة" شكرا للعناية الإلهية التي منعت ارتكاب الجريمة".

مجزرة فظيعة تتعرض لها سوريا ينهيها بشار الأسد بعبارة واحدة" نبحث عن أدلة لنعاقب من أخطأ".

" السخافة- قراطية" التي تتحكم بسوريا ولبنان، تنتج كل أنواع الويلات.

من يستمع الى ما يقوله هذا المجرم وسام علاء الدين، منذ إخراجه من سجنه بعد حرق مقر تلفزيون إستضاف شخصا أخذ راحته في الكلام ضد حسن نصرالله، يستطيع أن يقيس، على مستوى ضيّق، الحجم الخطر لـ"سخافة- قراطية".

" السخافة- قراطية" أقسى من الديكتاتورية. الطغاة يمنعونك من الكلام. " السخافة- قراطية" تجعل الزعران قضاة والأزقة قانونا!

لنعد إلى سخافة بشار الأسد!

منذ أشهر عدة، كان بشار الأسد يعد بالحسم وبتضييق رقعة ما يسميه العمليات الإرهابية. ولكن خلافا لما كان يقوله، توسعت دائرة الثورة ، لتمتد، فجأة الى العاصمتين الإدارية والإقتصادية لسورية. في كلامه الى قناة " الدنيا"، وبعد اعترافه بهذا التمدد،( "لديهم إرادة تدمير البلد.. بدأوا بدرعا.. انتقلوا إلى حمص ودمشق وحلب ودير الزور واللاذقية.. إلى كل المحافظات") أنهى الحديث بعبارة واحدة:" أننا نتقدم إلى الأمام."

هذه السخافة ، على عظمتها، تبقى مقبولة أمام ما سوف يرد لاحقا.

بشار الأسد ، وبعد تجديد تسويقه لفكرة مفادها "نحن نخوض معركة إقليمية وعالمية"، يبدأ بتبرير الوضع في الدول المجاورة( أي الدول الإقليمية المشاركة في ما يسميه مؤامرة إقليمية وعالمية) فيقول:" إن بعض دول الجوار تقف مع سورية ولكن ربما لا تستطيع تماماً أن تسيطر على تهريب الإمدادات اللوجستية للإرهابيين. بعض الدول تغض النظر وتنأى بنفسها.( أرسل للبنان ميشال سماحة ليورطه) بعض الدول تساهم في هذا الموضوع...على سبيل المثال تركيا.. موقف الدولة التركية معروف... فهل نعود إلى الوراء بسبب جهل بعض المسؤولين الأتراك... أم ننظر إلى العلاقة مع الشعب التركي وخاصة أن هذا الشعب وقف معنا عملياً خلال الأزمة .هذه الشعوب هي التي ستقوم عملياً بحمايتنا فالإمداد اللوجستي إن لم يكن هناك احتضان شعبي له يبقى ضعيفاً."

وبهذا الكلام ،لا يبرر الأسد " إنبطاحه" السابق أمام الأتراك، فحسب ، بل يكشف أن الثوار في سوريا يعانون من مشكلة في السلاح والذخيرة، والسبب في ذلك، وبخلاف ما قاله، هو غياب " المؤامرة الدولية والإقليمية"، على اعتبار أن تمرير السلاح من تركيا ومن غيرها، لا يتم بتنظيم حكومي، وفق ما تقتضيه " المؤامرة الكونية"، بل بالتهريب، والتهريب يتولاه الشعب، لأن الحكومات لا تقوم به داخل أرضها بل داخل أرض " المتآمر عليه"!

وأيضا ، تبقى سخافة الأسد معقولة عند هذا الحدود، لأن ما سيليها يدل على مستوى أخطر من السخافة.

عند التحدث معه عن سبب عدم الحسم في حمص، قال الأسد:"القوات المسلحة إذا أرادت أن تستخدم كل قدراتها العسكرية بما فيها القدرات النارية تستطيع أن تسحق العدو في وقت قصير.. ولكن هذا مرفوض ولا يحقق النتائج المطلوبة."

وهذا التبرير لا يفتح الأفق على صور حمص المدمرة تدميرا، وعلى آلاف القتلى فيها، فحسب، بل على سؤال منطقي بديهي عن الأدوات التي يمكن أن تشكل الحد الأقصى من بطش القوات المسلحة: الصواريخ. المدفعية. الدبابات. المروحيات الحربية. الطائرات المقاتلة.

بربكم، هل نأى بشار الأسد بسلاح واحد عن الإستخدام في حمص وغير حمص، حتى يعطي لنفسه، حق ما ينطق به!

السخيف لا يحاسب!

لنكمل مشوارنا.

نصل الى مفهوم " العدو".

بشار الأسد غيّر هذا المفهوم نهائيا.

الدول عندما تتحرك ضد دولة أخرى، تصبح عدوة. الشعوب عندما تتحرك ضد نظامها تصبح ثائرة.

بشار الأسد أضفى صفة العدو على الثوار، لأنهم يثورون عليه.

هذه العبارة لم يطلقها بشار الأسد على " أجانب" يمكن أن يكونوا قد دخلوا لمساندة الثوار، بل أطلقها على السوريين تحديدا.

خلط الأمور ببعضها. أخذ من قانون العقوبات مفهوم التعامل مع العدو وأسبغه على جماعات شعبية. أصبح الثائر مجرد جاسوس للخارج، ولا بد من إعدامه.

قال بشار الأسد:" هذه المرة تحرك العدو من الداخل وليس من الخارج.. وقد تقول لي إنهم سوريون وأقول لك ان أي سوري يقوم بتنفيذ مخطط أجنبي ومعاد يتحول إلى عدو ولا يعود سورياً.. الدليل إذا تجسس سوري حكمه في القانون هو الإعدام.. في الحقيقة من ينفذ مخطط عدو فهو كالعدو.. تحرك العدو من الداخل فتحركت القوات المسلحة."

إنها " السخافة – قراطية".

وعلى الرغم من فداحة ما قاله، لا يزال بشار الأسد هنا، على مستوى وسطي من سخافته.

لنكمل !

سبق لبشار الأسد، وفي خطابه الأخير الذي ألقاه أمام مجلس الشعب الجديد، أن عدد مراحل " الأزمة" في سوريا، فتحدث عن مرحلة إمتدت من شرارة درعا حتى منتصف رمضان. وصف هذه المرحلة بأنها كانت غير مسلحة.

في حديثه التلفزيوني غيّر رأيه.

هاجم نفسه.

وصف نفسه بنفسه أنه بسيط وسطحي وأحمق.

قال:" هذا التفسير غير دقيق لسبب بسيط إذا كانت غير مسلحة فما الذي يفسر أنه في الأسبوع الأول من الاضطرابات والأحداث سقط عدد من الشهداء من قوى الأمن والشرطة.. إذاً كيف سقط هؤلاء... سقطوا بالصراخ.. بالأمواج الصوتية للمتظاهرين.. هذا الكلام غير منطقي والحقيقة أنهم سقطوا بسلاح ولكن نوع التسليح وهدف التسليح كان مختلفاً.. ففي ذلك الوقت كان الهدف الأساسي هو إثارة الشعب من خلال القيام بإطلاق النار على متظاهرين وعلى الأمن والشرطة لكي تقوم الشرطة والأمن بالرد وقتل المزيد من المدنيين وبالتالي انتشار حالة من العداء للدولة... في الحقيقة انه منذ الأيام الأولى ظهر المسلحون.. والصور التي بثت في التلفزيون السوري عما حصل في درعا من إطلاق نار من قبل المسلحين والتي قالوا في وقتها انها مفبركة هي حقيقة."

وبتكذيب آخر لما سبق وادعاه من أن النظام حاول في بداية الثورة الإستجابة لمطالب الإصلاح، ولم يتعاط مع " الإضطرابات بمنطق الحسم" قال بشار الأسد: " إن القوات المسلحة عندما شعرت أن هناك تصعيداً كبيراً في درعا في بدايات الأحداث في الأشهر الأولى دخل الجيش إلى درعا.. لم نتردد لحظة واحدة في الحسم.. ولكن مع كل خطوة كانت تقوم بها الدولة كان هناك تطوير لأسلوب أعمالهم وبالمقابل كانت الدولة بحاجة إلى مزيد من الخطوات المقابلة."

ونصل الى الدرك الأسفل من سخافة بشار الأسد.

الرجل نفسه الذي كان يصنف شعبه عدوا ويستحق الإعدام، لمجرد أنه وقف ضد النظام، أصبح يتحدث بلغة الأدلة، عندما وصل الى فساد جماعته وخطاياهم.

إقرأوا ماذا قال:" هناك أخطاء حصلت.. هناك اعتداءات حصلت.. هناك انتهاكات.. سرقات.. تم كشف البعض منها ولكن بعدد محدود وتم تحويل هؤلاء إلى القضاء منذ أشهر عديدة.. فلا بد من محاسبة كل شخص ارتكب خطأ أو كل شخص أراد أن يطيل الأزمة لأسباب مختلفة.. هذا الموضوع محسوم وليس محل نقاش أو جدل.. ولكن السؤال كيف تعرف هؤلاء.. أنت تحاسب معلوماً ولا تحاسب مجهولاً ومعظم الدعاوى التي ترفع والشكاوى التي تأتي هي ضد مجهول.. وفي الحالات التي تمت فيها معرفة الأشخاص ومحاسبتهم أتى صاحب المظلمة بالاسم وتم التدقيق والتحقيق وثبتت الجنحة أو الجناية وتم تحويله إلى القضاء. ان التحدي الأساسي هو كيف نعرف من هم الأشخاص وخاصة انه في ظروف الأعمال الأمنية وفي ظروف الفوضى تصبح عملية التحقيق أصعب من قبل."

فظيع أليس كذلك؟

ونصل الى تبرير الإنشقاقات.

الإنشقاقات عن أي نظام، تأتي اعتراضا على أدائه وعلى أسلوبه، وتقدم الحجة للثوار على أن نهجهم سليم، وتفهم النظام أنه يسير على درب الجريمة.

بشار الأسد فهمها بالعكس.

نزع عن هؤلاء صفة الوطنية.

وكأن الوطنية هي تبعية لنظام معيّن. وكأن الوطنية تأبى الإعتراض وتأبى المعارضة وتأبى الإستقالة.

يتحدث بشار الأسد عن المنشقين على قاعدة أنهم فارون من الوطن. وكأن من يسمعه لا يدرك أنه يعيش في ظل نظام ممنوعة فيه الإستقالة، وممنوعة فيه المعارضة. وحدها الإقامة الجبرية متاحة كبديل عن المعتقلات والقبور.

وفجأة يعلن حبوره بالإنشقاقات:" هذه العملية هي عملية إيجابية وعملية تنظيف ذاتية للدولة أولاً وللوطن بشكل عام.. فعلينا ألا ننزعج من هذه العملية لأنها ايجابية.. كثير من الأشخاص لم نكن نعرف بأنهم بهذه المواصفات.. هم كشفوا عن حقيقتهم بأنفسهم.. وهذا الشيء إيجابي."

ولم ينه الأسد هذه المقدمة، حتى أوقع نفسه في فخ سخافته. فجأة، راح يكشف، من دون أن يقر، بأنه يتجسس على الجميع، حتى يعرف من سينشق ومن لن ينشق.

يقول:" في بعض الحالات لدينا معلومات وشكوك عالية.. لا نقول دراية كاملة. ولكن كان السؤال من المؤسسات المعنية ماذا نفعل.. كيف نتصرف.. هل نمنع... وكان هناك توجه باتجاه المنع لكننا قلنا لهم لا!"

وقبل الخاتمة!

هل تعرفون كيف وصل حافظ الأسد الى الحكم؟

بانقلاب، طبعا!

ولاحقا، بانقلاب على انقلاب ، في ما اصطلح على تسميته " حركة تصحيحية".

عظيم!

لكن بشار الأسد، وبفعل إرادة التبرير للتبرير، وصل به الأمر الى اعتبار والده، عدوا لسوريا، ومتآمرا عليها.

لنقرأه يتحدث عن الإنقلابات:

"بعد الاستقلال والجلاء الفرنسي كل الانقلابات كانت انقلابات ممولة من الخارج تهدف للسيطرة على سورية وعلى السياسة السورية وجرها باتجاه المحاور التي كانت موجودة في ذلك الوقت حتى بدأت سورية بانتهاج سياسة مستقلة."

ونصل الى الخاتمة!

في علم المنطق، لا يمكن مقارنة ما لا يقارن!

بشار الأسد فعلها.

عند الحديث عن الوضع الإقتصادي السوري في ظل العقوبات، أخذ ايران مثلا، عن إمكان التطور في ظل الحصار العقوبات الإقتصادية.

ربما لم ينتبه بشار الأسد الى الفرق بين موارد سوريا وموارد إيران. الأولى لديها غنم، وفق ما سبق وأعلنه وليد المعلم، في خطاب تهديد الخليج الشهير، والثانية من أكبر الدول المصدرة للغاز، في العالم.

ومع ذلك، فإيران فيها شعب يجوع، وفيها شبيبة سبق وحاولت أن تثور، ولكنها تراجعت قليلا، عندما وجدت أن قرار القتل لا عودة عنه، في نظام يحمي بشار الأسد!

إنها أزمة " السخافة- قراطية"!

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها