عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


لو كنتُ شيعيا

 الأربعاء, 11 يوليو 2012
 

لو كنتُ شيعيا معارضا، لما ترددتُ لحظة، في إعلان ندمي والإنخراط في صفوف مؤيدي "حزب الله"!

لبنانيتي التي دفعتني الى معارضته، تكاد تنقرض لمصلحة الطائفيين. لم يعد "حزب الله" وحده يحدث بيئته عن الدفاع عن وجودها ومصالحها وديمومتها وعزّتها. الجميع باتوا يفعلون الشيء نفسه!

الدولة التي أبعدتني عن دويلته أصبحت أوهن من مزرعة. ما رفضته في الضاحية وبعض الجنوب وبعض البقاع، يستنسخ نفسه في كل لبنان.

رفضي أن يتحكم رجل دين بالشارع، قابله تحكم رجال الدين بالشوارع الأخرى.

إستيائي من تفلت السلاح والإستقواء به علينا، لم يحل دون اعتماد المنطق نفسه في كل دسكرة وزاروب .

رؤيتي لمؤسسات تستقوي على الضعيف وتزحف أمام القوي، جعلتني ضحية محتملة لغضب كل قوي منّي!

انتفاضتي على النموذج الإجتماعي الذي يريد "حزب الله" فرضه عليّ، لم تجد سوى انصياع لدى الآخرين أمام نماذج مماثلة تنتشر بالقوة في البيئات الأخرى، فهم لا يجدون سوى في سلاح الحزب مشكلة، وكأنهم يوافقون ضمنا على ما أنتفض ضده علنا!

لو كنتُ شيعيا معارضا لـ"حزب الله"، لعدتُ صاغرا الى "حظيرتي"...

خارجها أنا شارد، فليس هناك بيت يأويني. المذهبية التي أهرب منها تطاردني. الظلمة التي أتفاداها تجتاحني. ما كان يحكى عن ذبح على الهوية، لم ينتهِ بعد. الجميع يتلصص على هويتي!

معارضتي أنهكتني. لم تعد تجلب ليّ سوى السيئات. في بيئتي أنا خاطئ وملحد وعميل، وفي بيئة الآخرين أنا هامشي ورافضي وجاسوس محتمل!

وجهة نظري مهملة. إن حاوروا حاوروا "حزب الله". إن ناشدوا ناشدوا نصرالله. وإن تشاركوا تشاركوا مع "حزب الله"!

كلّما هلّ الربيع في بيئتي، خرج من الزوايا "بعبع" يعصف بالزهر والبراعم!

كلّما اصطف الى جانبي من يسأل ومن يسائل، وجد في مقابله من يخيفه ليعيده الى الإنصياع الكامل!

لو كنتُ شيعيا معارضا، لما استمريتُ كذلك...

"حزب الله" أصبح نموذجا يُقتدى به، في كل مكان في بلادي، فإلى أين أذهب؟

نصحتهم، مرارا وتكرارا، أن خلاصنا من بطش "حزب الله" لا يكون باستنساخ "حزب الله"، فلم يسمعوا!

قلنا لهم إن هروب النخب يستدعي إنشاء "ملاجئ" آمنة، فلم يهتموا!

قلنا لهم إن الضد يظهره الضد، فلم يفهموا!

قلنا لهم إن محاربة "ثقافة الموت" تكون في إعلاء شأن ثقافة الحياة، فلم يأبهوا!

قلنا لهم إن العثور على الفردوس المفقود لا يكون بإطلاق العنان لمصارعة مفتوحة بين الشياطين، فلم يكترثوا!

قلنا لهم إن الخميرة الصالحة لا توضع في الزوايا العفنة، فلم يعتبروا!

لو كنتُ شيعيا معارضا، لاستسلمتُ وما عدتُ كذلك...

لماذا أستعدي خطاب نصرالله إذا اعتمده الآخرون!

لماذا أخاطر باغتيال سبابة نصرالله إذا رفعها الآخرون!

لماذا أتكبد معتقلات نصرالله، إذا فتح الآخرون معتقلات!

لماذا أتضرر في مكافحة أضرار نصرالله، إذا ذهب الآخرون الى استجلاب الأضرار نفسها!

لو كنتُ شيعيا معارضا، لأصبحتُ مواليا...

في صراع المجانين، لا مكان لمعارضتي...

في صراع الطائفيين، لا مكان لوطنيتي...

في صراع الغرائز، لا مكان لعقلي...

لو كنتُ شيعيا معارضا، لأدركتُ أن ثمة مؤامرة تستهدفني، وأن ثمة عواصف تقتل براعم ربيعي، وأن ثمة صراخا يمنع سماع معزوفتي، وأن ثمة قاتلا على الهوية ...يخنقني!

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها