عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


الجهاد مع العماد

 الجمعة, 06 يوليو 2012

لمعت عينا "إم طوني" وابتسمت ابتسامة تعكس حبورا داخليا عارما، وقالت: "يبدو أن المسيحيين، قرروا أن يتوحّدوا".

كانت تعلّق على التوافق بين الكتل المسيحية التي عارضت التصويت على قانون تثبيت مياومي شركة الكهرباء!

كان صعبا مناقشة هذه السيدة الستينية، فلها الحق في أن ترى المستحيل قد تحقق، فعوارض التجارب القاسية، مثلها مثل الضياع في الصحراء، تتيح لغريزة البقاء أن تقتنع بأنّ السراب هو أنهر دفّاقة!

ولكن، كان صعبا أيضا، هو دفعها، من خلال عدم التفاعل معها، إلى إنهاء حديث، يبدأ من الطائفية وإليها يعود!

مع أمثال "إم طوني" تُدرك بقوة أن سوق بيع الأوهام الطائفية، يُقفل أسواق التحليل السياسي، حتى لو كان مستندا الى آلاف الوقائع والحجج والبراهين، التي تدفعك إلى التحذير من مآسي "صراع الآلهة على الأرض".

"إم طوني" لا تحب ميشال عون، فهي، في "حياديتها" تفضّل سمير جعجع، ولكن تلميح "الجنرال" إلى استعداده لإقامة تحالفات سياسية جديدة، بما يحمي حقوق المسيحيين في لبنان، أعجبها، خصوصا بعدما علمت أن جورج عدوان إجتمع بجبران باسيل.

تلميحات عون، أفهمت "إم طوني" أن عون ليس بالسوء الذي يحدثونها عنه، فها هو، عندما وجد المسيحيين في خطر، إنتفض "على الشيعة"، ووقف في وجههم.

دليل "إم طوني" على أن عون يقف في وجه "الشيعة"، إنضمام "المستقبل"، بعد الجلسة، إلى السير مع "المسيحيين".

وبهمس تخبرنا أن جارتها "سهام"، العونية "حتى العضم" إتصلت بها وقالت لها: "لم تكوني تصدقيني عندما قلت لك إن الجنرال يسايرهم ليأبى شرّهم. أنظري كيف وقف في وجههم، عندما مسّوا بالمقدسات."

ما هي هذه المقدسات؟

تثبيت مياومين في شركة كهرباء لبنان، أكثر من ثلثيهما من المسلمين. عدم السماح لجبران باسيل أن يكمل كلامه. عدم الرضى على طريقة احتساب التصويت. عدم الوقوف على خاطر العماد ميشال عون الذي قال إن هذا القانون لن يمر!

هذه هي مقدسات "إم طوني" و"سهام"؟

إبتسمتُ لـمحدثتي. إفتعلتُ حاجة. تركتُ المكان.

وهمتُ في هذا التساؤل عن المقدسات، وجلتُ على الوقائع!

في العام 2005، خان العماد ميشال عون أمانة جماهير 14 آذار. لم تكن ثمة وحدة مسيحية فحسب بل وحدة وطنية. طلب الأمان من نظام الوصاية المنتفض عليه، وعاد الى لبنان على جناح صفقة أبرمها في باريس من خلال كريم بقرادوني وإميل إميل لحود.

ومع عودته الى لبنان، أعلن أن يوم 14 آذار 2005، على عظمته، هو يوم عابر، في حين أن 14 آذار الثابت هو إعلان "حرب التحرير" التي انتهت بهزيمة ماحقة وباستسلام وبنفي!

وفي الإنتخابات النيابية، لم يفكر بالمبدأ بل بالمصلحة، فأعلن أمام الملأ، وفي مقابلة تلفزيونية أن من "يزركه" في الزاوية على أساس مبدئيته، لا يعرف عنه أنه "إنتهازي بامتياز".

وبعد هذه الإنتخابات، خاض مفاوضات تشكيل الحكومة المنبثقة منها، على أساس موقف الأكثرية الجديدة منه كرئيس للحكومة، وبعدما أعلن من قريطم، أنه يلتقي مع الرئيس سعد الحريري على 99 بالمائة من الأمور، غلّب الواحد بالمائة المتبقي وشنّ حربا على "الإستقلال الطري".

نأى بنفسه عن شهداء ثورة الإستقلال الذين بنضالهم مكّنوه من أن يعقد صفقة العودة من المنفى، وتورط في تضييع المسؤوليات. فجأة، أصبح من اتهم النظام السوري باغتيال الحريري، بعد دقائق على انفجار "سان جورج"، يرفض أن يتّهم سوى القاضي والمحقق و...الضحية!

إستأجر إعلاما أسودا من قوى 8 آذار، وأتخمه بكتبة التقارير للأجهزة المخابراتية، وراح بواسطتهم ، يشوّه سمعة الراقدين على رجاء القيامة.

وفي حمأة التفاوض على رئاسة الجمهورية، عقد صفقة علنية هذه المرة مع "حزب الله". صفقة لا توصله الى الرئاسة إنما تهدّم ما تبقى من ...جمهورية.

وبهذه الصفقة أصبح من قاتل المسيحيين وقتلهم وهجرهم وأضعفهم، باسم "توحيد البندقية" هنا وباسم "التخلص من الميليشيات هناك"، يقف مع سلاح "حزب الله" على حساب وحدة السلاح في كنف الدولة.

وبهذه الصفقة، تذكّر من خاض معارك إدراج "حزب الله" على لوائح الإرهاب، ومن رفع الصوت ضد مخاطر السلاح الفئوي في لبنان على وحدة لبنان، ومن رفض مقولة اندحار إسرائيل في الجنوب أمام "حزب الله" مؤكدا أن انسحابها يدخل في إطار الضغط على النظام السوري، ( تذكّر) أنه مقاوم منذ نعومة أظافره!

ومن بوابة "حزب الله" دخل الى سوريا، خاتما صفحة المواجهة، ومكرّسا إستسلاما نهائيا لنظامها الذي حاربه واعتبره راعي الإرهاب في لبنان واتهمه بقتل قياداته، ليُحسن تصويب سلاحه على الداخل المسيحي بالتحديد، في استعادة سياسية – عسكرية لكل مجريات "حرب الإلغاء".

وفّر العماد ميشال عون الغطاء لـ"حزب الله" في كل ما كان يقترفه هذا الحزب من موبقات بحق كل لبنان. كان "الليموني" غطاء تمدد شبكة هاتف الحزب الخاصة في المناطق ذات الغالبية المسيحية، و"سمسار" بيع العقارات الإستراتيجية لتمكين "حزب الله" من شق طريق عسكرية تمكنه من السيطرة على لبنان في ساعات. كان "الليموني" قائد عملية التصدي للتحقيقات الداخلية والدولية، من خلال عرقلة التعاون المطلوب، ولا سيما على مستوى داتا الإتصالات. كان "الليموني" راعيا للإضطرابات الأهلية قبيل انعقاد مؤتمر باريس 3. كان التغطية المسيحية لإقفال وسط بيروت. كان الجهاز الدعائي للسابع من أيار 2008. كان الساخر الأوّل من محاولة اغتيال سمير جعجع.

ليست المرة الأولى التي "يبتز" فيها العماد ميشال عون طرفا سياسيا. سبق له أن هدّد "المستقبل" بتحالف مع "حزب الله" إن لم يقبل به رئيسا للجمهورية. سبق له أن "ابتز" حزب الله" فكرر، في كل مفصل تحدّ، مقولة "حماية المقاومة من الفساد"، وكان يرضى بزيارة علنية لمحمد رعد وقبلها بأخرى سرية "تعوّضه" عن خسارة جزئية.

في هذه اللحظة، حاجة عون تكبر وحاجة "حزب الله" الذي يخسر بشار الأسد، تكبر الى تغطية عون. كبّر "الجنرال" حجر الإبتزاز. هدّد بتحالفات جديدة. إستفاد مسيحيو 14 آذار من ذلك، فعقولهم في معركة الكورة، و"مسايرة "الجنرال، ومساعدته في فضح "حزب الله" وحلفائه، من شأنها أن تدفع المستقلين الى أن صبّ أصواتهم لمصلحة مرشح "القوات اللبنانية".

مسكينة "إم طوني". أحلامها لن تتحقق. غدا ستستيقظ على كابوس آخر. المستقبل لا ترسمه تمنياتنا بل مسار الرجال الذين نراهن عليهم.

مسكينة "سهام" سرعان ما ستتخلّى عن مباهاتها أمام "إم طوني" ، فـ"حبيبها" رجل إلغائي، وهمّه كرسي الجمهورية وليس ناسها، و"كنوز" الجمهورية وليس..مسيحييها!.
 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها