وأنا " أسيري"
..أيضا الخميس,
28 يونيو 2012
ثبت ، بالوجه القاطع،
أننا في 14 آذار، نعاني من مرض "جَلد الذات"!
دائما، نعتقد، وفي سياق تربية قاسية مارسها علينا النظام الأمني اللبناني-
السوري، بأننا نحن المذنبون!
نُذنِب إن قلنا للمحتل أنت محتل، وللديكتاتوري أنت ديكتاتوري، وللمجنون أنت
مجنون، وللسارق أنت سارق، وللجبان أنت جبان، وللعبد أنت عبد، وللقاتل أنت
قاتل، ولـ"حزب الله" أنت ...سرطان!
نُذنب إن تصرفنا بطريقة صحيحة فردّ عليها المجرم بإجرام، وإن رفضنا فواجهنا
شبيحة قمصانهم سوداء، وإن عارضنا فعوقبنا بتهديد الإستقرار!
نُذنب إن سألنا عن الوظيفة الدستورية للمؤسسة العسكرية، وعن تداعيات خيانة
رئيس أو زعيم أو سياسي لأصوات المقترعين، وعن دور رئيس الجمهورية، وعن
مستوى ذكاء وزير الداخلية، وعن خواء وزير الدفاع، وعن لصوصية وزير الطاقة،
وعن تآمر وزير الإتصالات، وعن الممحاة التي يمسكها قادة في 14 آذار لما
يكتبونه في بيانات!
نُذنب إن سألنا عن مصير جوزف صادر، وعن موزعي الحلوى باغتيال جبران تويني ،
وعن التمنيات بقتل أحمد فتفت، وعن تواطؤ القضاء العسكري على سامر حنّا، وعن
شيكات رئيس الحكومة لشادي المولوي، وعن سيارات ميشال عون وأحمد صفدي ونقولا
فتوش العاملة على خط السجون، وعن الصمت على فلتان المتهمين بقتل الرئيس
رفيق الحريري، وعن صانعي 7 أيار 2008 الذين عادوا الى الشارع مثبتين أنهم
يسيطرون على عاصمة لبنان!
نُذنب إن ساندنا الثورة السورية على عدوّ الشعبين اللبناني والسوري، وإن
ساهمنا في دفع الربيع العربي الى فهم عميق لمسألة الشراكة العابرة للطوائف،
وإن كشفنا أن شبكات تجسس "حزب الله" تنخر إداراتنا ، وخدّامنا، وجيشنا و..
مومساتنا!
نُذنب كلّما قُلنا الحقيقة!
لم يترك قادة 14 آذار شيئا إلا وجرّبوه. مدّوا اليد، فقُطعت. شكلوا حكومات
وحدة وطنية، فبُترت. ساروا في مساعي التسويات، فانقلبوا عليهم. أشاعوا
الثقة بكل الوطن، فحُذفوا. لم يُدركوا أن سلوكيات التواصل والهدوء
والتفهّم، إنتهت، يوما، في حفرة الـ"سان جورج".
الشيخ أحمد الأسير، ليس " اختراعا" يهبط علينا. هو جزء من جمهور 14 آذار.
ليس في مواقفه أي شيء جديد. هو تعبير صارخ عن اليأس من تسويات تقبيل اللحى.
هو ترجمة لتفكير موجود في أعماق كل منا عن وجوب اعتماد معادلة" وداوني
بالتي كانت هي الداء"!
لا يحدثني أحد عن " تطرف ديني" وعن " سلفية" وعن " أصولية"!
ما هو "حزب الله"؟ منذ متى كان هذا التنظيم رمزا للإعتدال، بقادته
وبسلوكياته، وبخطاباته، وبإعلامه "الطالباني"؟
من يأخذ على الأسير لحيته، لا يخبرنا عن لحية حسن نصرالله شيئا!
من يأخذ على الأسير زيّه، لا يخبرنا عن زيّ نعيم قاسم شيئا!
من يأخذ على الأسير لهجته، لا يخبرنا عن لهجة هاشم صفي الدين شيئا!
من يأخذ على الأسير سقفه المرتفع، لا يخبرنا عن سقف التخوين المبرر
للإغتيال، شيئا!
مطلوب أن نرجم أحمد الأسير، ونتحاور مع "حزب الله". مطلوب أن نخشى من أحمد
الأسير ونطمئن الى "حزب الله". مطلوب أن نسوّق لإنهاء أحمد الأسير ونصمت
على محاولة اغتيال سمير جعجع وعلى مخططات قتل سعد الحريري وفؤاد السنيورة
وجميع الآخرين!
مطلوب أن نجد في أحمد الأسير كبش المحرقة، فنعتبر أنه صنع كل ويلات لبنان.
أين كان يوم مددت ولاية أميل لحود بالتهديد؟ ويوم اغتيل رفيق الحريري ومن
قبله ومن بعده؟ ويوم صنعوا الثامن من آذار 2005 في محاولة لقهرنا بالعدد،
ويوم صنعوا إرهاب مخيم نهر البارد، ويوم اقترفوا 7 أيار 2008، ويوم انتشر
ذوو القمصان السود، ويوم نُقرت عيوننا بسبابات نصرالله وصحبه، ويوم خاننا
وليد جنبلاط ونجيب ميقاتي ومحمد الصفدي ونقولا فتوش، بحجة الخوف علينا من
غضب "حزب الله"، ويوم أشعلوا طرابلس، ويوم هرّبوا تجار مخدراتهم، ويوم
أبلغونا أن متهميهم بقتلنا قديسون، وأن بشارهم المجرم أزلي، أبدي.. سرمدي!
ضميريا، في 14 آذار مليون أحمد الأسير.
في 14 آذار، من سبق أحمد الأسير إلى رفع السقف والمطلب. ولكن، أحمد الأسير
يملك استقلالية تامة، ليتحرك، ولحية لتحمي، وجاذبية إنتخابية دعائية ضيّقة
لمسيحي 8 آذار وعلمانييهم، ليوفّروا له المنابر والصوت والصورة، فساعدوه
على نجومية يرفض إعلام 14 آذار أن يوفّرها لأحد!
نحن جيل يفترض أن يكون قد تعلّم من التاريخ.
دعاية المنتصر في الحرب العالمية الثانية، لا تُلغي التأكيد الحتمي أن
أدولف هتلر، كان إبن الظلم الذي لحق بالشعب الألماني، بعد هزيمة الحرب
العالمية الأولى.
الإنتصار علينا الذي يحدثنا عنه "حزب الله" ويهيننا به ويهددنا به ويتسلبط
علينا بسببه، ليس أقلّ إذلالا من إتفاقية فرساي.
حوّلتنا 7 أيّار إلى ألمان ما بعد الحرب العالمية الأولى، وفتحت ساحتنا
رحبة لنشوء من يمكن أن يشعرنا برد كرامة مهدورة، وبمنع الركود في خسارة
مديدة.
تخافون من تمدد ظاهرة أحمد الأسير، عالجوا سبب نشوئها!
لولا مذهبية "حزب الله" لما كان أحمد الأسير.
ولولا تهديدات "حزب الله" لما كانت الآذان أصغت لصراخ أحمد الأسير.
حتى هذه الساعة، لا يزال بالإمكان تفادي انتشار حالة مماثلة لـ"حزب الله"
على امتداد لبنان، ولكن في الغد، سيفوت الأوان!
مثلنا مثل حالة الثورة السورية. إستكبار بشار الأسد الذي منعه من معاملة
صحيحة تجاه أطفال درعا، فجّر الثورة، وايمانه المطلق بفائض القوة سلّح
الثورة، وثقته بقدرته على الحسم، هدّم سوريا، وتمسكه بسلطة عاتية زلزل
الأرض طائفيا!
وحتى يقوم كل طرف بما عليه، لإنهاء حالة الإستكبار المتمادية عند "حزب
الله"، سنكون ، نحن، بغض النظر عن كل نظريات المؤامرة وعن كل معادلات العقل
البارد، مجموعة ...أسيريين!
وحتى تلك الساعة، لا تخيفوننا من حرب أهلية، فهي واقعة، ولا تهددوا مدننا
بـ7 أيار جديدا، فهي ساقطة، ولا تهددوا سياحتنا بالإنقراض فهي مغتالة، ولا
تهددوا مصارفنا بالإنحسار، فشبكات "حزب الله" سبق لها الفضل، ولا تهددوا
مصانعنا بالإغلاق، فهي تسرّح عمّالها، ولا تهددوا شركاتنا بالإفلاس، فهي
تعلن إفلاسها، ولا تهددوا دولتنا بالسقوط، فهي ساقطة، ولا تخيفوننا بشبح
المذهبية، فهو طاغ، ولا تطيلوا علينا بياناتكم، فهي لا تُقرأ! |