عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


تجتاحني رغبة عارمة بالإستسلام!

السبت, 23 يونيو 2012

تجتاحني رغبة عارمة بالإستسلام!

كلّ ما ناضلنا من أجله ينهار!

بدل أن ندفع حسن نصرالله الى أن يتغيّر، بدأ يستنسخ نفسه في كل الطوائف!

بدل أن نضع بندقية "حزب الله" المتفلتة في مخازن الجيش اللبناني، بدأت البندقية المتفلتة تنتشر لدى كل فئة ترغب بذلك!

بدل أن نحل الميليشيات، بدأت الميليشيات تحلّ المؤسسات!

بدل أن نرفع علم لبنان عاليا، بدأت رايات فئوية تعلو فوق هاماتنا!

بدل أن نعيد الطائفية الى قمقمها،بدأت كل طائفة تُخرج ..ماردها!

بدل أن نجعل لبنان قبلة الحياة، بدأت الحياة تهرب منه!

بدل أن ننقل النقاش من الحتميات الى الرفاهية، بدأ المصير ينحدر الى مستوى غريزة البقاء!

بدل أن نطلق العنان لحرية التعبير، بدأ التعبير يخنقنا بعدما أوقفناه في حلقنا!

كل ما يحصل في لبنان، لا صلة له بكل ما ناضلنا من أجله!

فعلا، تجتاحني رغبة عارمة بالإستسلام!

كلّنا يسخر من كلّنا. كلّنا يشتم كلّنا. كلّنا يكذّب على كلّنا. كلّنا يهرب من كلّنا.

كلّنا يخوّن كلّنا. كلّنا يقامر بكلّنا. كلّنا يتزعم على كلّنا. كلّنا يتربص بكلّنا.

كلّنا يفشل ويدّعي الإنتصار. كلّنا يُخرّب ويدّعي البناء. كلّنا يعمّم الجهل ويدّعي نشر الوعي.

كلّنا نثرثر وندّعي التحاور. كلّنا نطمع وندّعي التعفّف. كلّنا نسرق وندّعي التشاطر. كلّنا نجبن وندّعي الحكمة.

كلّنا جثث متحركة. كلّنا غرائز ملتهبة. كلّنا حماة لقتلة. كلّنا بلا ثوابت.

رجال ديننا أباطرة. رجال سياستنا سماسرة. رجال أمننا قياصرة . رجال عدلنا نهام. رجال أعمالنا صيصان. رجال صحافتنا عبيد. رجال فكرنا " بلاطيون".

فعلا، تجتاحني رغبة عارمة بالإستسلام!

الإستسلام مريح. مضحك. مربح.

الإستسلام يضفي عليك صفات مزوّرة ولكن منتجة. تصبح معتدلا. تصبح وفاقيا. تصبح عاقلا. تصبح وزيرا. تصبح رئيسا.

الإستسلام يوفّر لك صفقات. يوسّع لك مكانا في المقاعد الأمامية. يعفي أذنيك من الشتائم. يضمن نجاتك من المعارك. يسمح لك بالوعظ.

فعلا، تجتاحني رغبة عارمة بالإستسلام!

ولكنها، مثلها مثل الرغبة بالخطيئة !

مثلها مثل التعب من السهر على عائلتك، ومثل إهمال مريضك، ومثل نكران سجينك، ومثل الكفر بالله!

الإستسلام يقلب مسار الأمور ويغيّر التاريخ. ماذا لو استسلم يسوع الناصري للتجربة في صحراء صومه لينعم بالخبز والمال والسلطة؟ ماذا لو أنكر ذاته لينجو من آلام الصلب؟ ماذا لو استنكر شارل ديغول لخيار تحرير فرنسا؟ ماذا لو قبل البريطانيون بسيطرة أدولف هتلر؟

الإستسلام مُنتج وهمي. صنع ليهوذا الإسخريوطي حبلا على تلك التينة. وصنع للجنرال فيتشي بطل فردان لعنة تاريخية.

تجتاحني رغبة عارمة بالإستسلام، ولكنها كالرغبة بالإنتحار!

لا بد من الصمود.

الأمم كالإنسان. تسقط في طريقها الى النهوض. تجتاحها السخافة في مسار توكيد الذات.

قيام الدولة – الحلم ، ليس أمنية تنفّذ بأمر، بل هي ولادة صعبة تحتاج الى عملية قيصرية. آلام المخاض تشبه آلام الموت. شحوب الوجه في الولادة مثله مثل شحوب الوجه لدى لفظ الروح.

الرؤى اللبنانية تشبه الكابوس. تشبه الحرب الأهلية. تشبه الذبح على الهوية. تشبه الحاجة الى اليأس.

تشبه كل ذلك، ولكنها ليست كذلك، بالضرورة!

الهر الخائف يتصرف كالنمر، ولكنه يبقى هرّا!

والقوى الخائفة تبقى خائفة حتى لو أخافتنا بصراخها وعويلها وسباباتها وطائفيتها وتعصبها !

والمستسلمون تنتظرهم مذبلة التاريخ، حتى لو لعت أنفسنا من شعاراتهم وخبثهم وتذاكيهم وهربهم!

الرغبة بالإستسلام، تشبه الرغبة بالنوم، وكم خاطبنا سائقا، حتى لا يغلبه النعاس، لننقذ أنفسنا من اصطدام قاتل، وكم صرخنا بوجه جريح، أن يبقى مستيقظا، ليكسب الحياة!
 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها