-هل فوجئت بموقف الرئيس سعد الحريري "العالي النبرة" من الأحداث في سوريا؟

* لم يفاجئني موقف الرئيس سعد الحريري. كنتُ ممن ينتظرون صدور موقف مماثل عنه، لأنني أعتبره موقفا طبيعيا وبديهيا.

وفي قراءتي لموقفه ، لأ أجده "عالي النبرة" أبدا، لأنه أتى على وقع العمليات العسكرية الدموية ،التي كانت تستهدف حماة ودير الزور، أي تستهدف النقطتين اللتين شهدتا أكبر تظاهرات للمعارضة.

لم أكن لأفهم غياب موقف مندد للحريري، حيال استهداف مماثل، لأنه بطبيعته استهداف لمعارضة شعبية كبيرة.

-إلام تردّ هذا التغيير المفاجئ- المعلن في الموقف؟ هل هو لزوم استيعاب قاعدة 14 آذار المتملمة؟

* إن الحريري لم يغيّر موقفه مما يحصل في سوريا. هو في الأساس كان صامتا. وعندما تكلم نطق باقتناعاته. الصمت ليس موقفا مناقضا لموقفه المعلن في بيانه.

في مرحلة الصمت ، لم يكن الشعب السوري يطلب مواقف من أي دولة عربية وإسلامية. بيان الحريري، جاء يوم طلب الشعب السوري، في جمعة "صمتكم يقتلنا" ، من الجميع النطق بما هم مقتنعون به.

في القراءة السياسية للموقف، لا أعتبر أنه جاء ليحاكي تطلعات جمهور 14 آذار. هذا الجمهور لم يحسم موقفه بعد من الثورة السورية. هناك فئات، وبسبب ما يتم تداوله يوميا من تخويف على مصير هذه الفئة أو تلك، تفضل البقاء على الحياد ، في موضوع الثورة السورية.

أنا ممن يعتقدون بأن الحريري يُحسن توقيت خطواته لتأتي منتجة. هو قارئ ممتاز للحركة العربية والدولية. هو لم يعبر عن تطلعاته ، إلا بتوقيت كانت فيه كل الدول قد اقتربت من التفاهم على إدانة سلوكية الأسد القمعية.

ومن يدقق ببيان الحريري، يجد أنه جاء متضمنا تلك العبارات التي وردت في قرار مجلس الأمن الدولي.

وبما أنني من مؤيدي الثورة السورية، منذ اليوم الأول لاندلاعها، فأنا أشكر الحريري على موقفه، الذي برّأ جمهور 14 آذار وقياداته، من موقف لبنان المخزي في مجلس الأمن الدولي.

أكثر من ذلك، أنا أعتبر هذا الموقف مجرد بداية، وعلينا أن نكون أكثر "تورطا" لمصلحة الثورة السورية، لأنها ثورة تحاكي معاناتنا الدائمة. ما يعانيه الشعب السوري من نظامه سبق وعانينا منه نحن في لبنان، وما تقوم به الشبيحة في سورية يقوم به حلفاء النظام السوري في لبنان.

من جهة أخرى، تبقى قراءة موقف الحريري ناقصة إن لم يتم قياسها على المستوى النفسي. لعل سعد الحريري، بفعل ما قام به ، خلال السنة التي تولى بها الحكومة، هو الأكثر إدراكا لسلوكيات هذا النظام. يبيع الناس من كيسها وحين يأتي الوقت الذي يجب عليه أن يدفع، ينقض على "شريكه" ويقتله.

وبالمحصلة، أنا أعتقد بأنه يجب أن نتحرك جميعنا، كل بما يملك من "وزنات" من أجل دعم الشعب السوري.

كل من يعظنا بأننا شعب واحد في دولتين، عليه ألا يحرمنا من أن نكون جزءا من وجدان الشعب السوري المضطهد. وكل من يفهمنا أن لبنان يستحيل أن يعيش من دون علاقات مميزة مع سورية، عليه أن يدرك أن علاقات مماثلة تبقى مستحيلة، إذا لم تتحرر سورية.

بشار الأسد، يدرك ان العلاقات المميزة تحتاج الى "تشابه" في الأنظمة، لذلك سعى جاهدا لتغيير طبيعة النظام اللبناني، حتى يكون متجانسا مع طبيعة نظامه. إن الإنتصار على نهج "تبعيث" لبنان يكون بنصرة الحرية في سورية.

-لا بدّ ان تكون قد توقفت، مثل الكثيرين، أمام إشارات وليد جنبلاط الجديدة... هل تعتبر أن "راداره" قد التقط تحولات المرحلة المقبلة؟

* عفوا، أنا لم أعد أصدّق أسطورة "رادار " جنبلاط. وإذا كان ثمة من يصر على أنه بالفعل يملك "رادارا"، فيكون من المؤكد أن "راداره" مصاب بعطل تقني كبير." الرادار" بطبيعته ، يلتقط ذبذبات لأمور لم ينتبه الى وجودها أحد. حين ترك جنبلاط 14 آذار، لم يكن المراقبون غافلين عن أن ثمة انفتاحا دوليا على سورية وعن أن "حزب الله" متفوق عسكريا على قوى 14 آذار. و"الرادار" بطبيعته يهيء أجواء دفاعية تسبق الهجومات، ولا يستعمل لاستباق الهجوم باستسلام مبكر.

أعود الى أصل السؤال. جنبلاط يستوعب قاعدته التي لا يربطها ود بالنظام السوري، كما أنه يحمي طائفته من أي "انتقام " مقبل ، بسبب غضب الثوار السوريين عليها، بعدما أصبح حيادها في سورية دعما للنظام، وقد صدرت مقالات مهمة في هذا السياق.

بشار الأسد لا يفهم جنبلاط. لقد حاول ، في الأشهر الأخيرة إستعماله ضد الثورة، فقرر جنبلاط تحييد نفسه عن الرئيس السوري لئلا يدفع وطائفته أثمانا لا يقوى عليها.

لقد أعطى جنبلاط كلا من الأسد و"حزب الله" ما يعينهما على الصمود في هذه المرحلة، من خلال موافقته على نقل الأكثرية من ضفة الى أخرى، ولكنه لا يستطيع أن يقدم لهم ما ينعكس سلبا على مستقبل الدروز في كل من لبنان وسورية.

لهذا السبب، أنا أعتقد بأن جنبلاط يخلق نوعا من التوازن: يعطي النظام السوري ما يطمئنه في السياسة اللبنانية، من خلال تسليم السلطة الى حزب الله، ويعطي الشعب السوري وجمهور 14 آذار مواقف تعينه على تفهم الموقع الجنبلاطي.

أنا شخصيا، ممن يدعون الى عدم المسارعة الى أي رهان على جنبلاط قبل تصحيح موقعه وليس موقفه. تصحيح الموقع يكون بإعادة نفسه مع كتلته النيابية الى مكانها الطبيعي، ليساهم بذلك في إسقاط حكومة "حزب الله" والنظام السوري القائمة في لبنان، بفضله.

مع جنبلاط، من السهل إسقاط هذه الحكومة العاملة لمصلحة النظام السوري، لأنه يوفر أكثرية تستطيع سحب الثقة في المجلس النيابي.

-سمعنا في اليومين الأخيرين أصواتا كثيرة من جهة الأقلية الجديدة تدعو الشعب اللبناني ليقف الى جنب الشعب السوري بدل الوقوف مكتوف اليدين... فماذا يمكن لشعبنا ان يفعل؟

*سأبدأ من المستوى الإنساني العادي. نقول نحن في لبنان إن "المحزون عينه ضيقة"، وبالتالي فهو يتخذ مواقف عنيفة تجاه كل من لا يقف معه، في أحزانه.

الشعب السوري منكوب وكل يوم يدفن عشرات الشهداء، فهل نبقى صامتين ولا نواسيه، حتى على مستوى الكلام؟

أما على المستوى الأعلى قليلا، هل يجوز أن تبقى الأقلية في موقع المتفرج في حين أن الأكثرية هي في موقع الفاعل. على الأقل، يجب إيجاد دينامية، تعطل اندفاعة الأكثرية ضد الشعب السوري. الأكثرية تدعم النظام السوري بوقاحة وتتبنى مقولاته بشكل مخز، وتتحرك ميدانيا لمصلحته، وترسل له ما يطلبه من معونات، على كل المستويات.

إن الأقلية تملك ما يكفي من أدوات لإرباك هذه السلوكية غير المقبولة :المناطق الحدودية تختزن شعبية تميل الى الأقلية، وبالتالي يجب توفير الإمكانات لاحتضان اللاجئين الينا. في الأقلية قوى مسيحية لها رمزيتها، وعليها أن تُفهم الشعب السوري أن المسيحي اللبناني الحر، ليس مناصرا لنظام يستعبد الشعب السوري. لدى الأقلية وسائل إعلام، وعليها ألا تترك الميدان للجزيرة والعربية وفرانس 24 و"بي.بي.سي"، بل عليها أن تقتحم الميدان السوري بقوة، لأن الصوت اللبناني "بودّي". وللأقلية علاقات مميزة في العالمين العربي والغربي، وعليها أن تحرك آلياتها، لمصلحة الشعب السوري.

إن من يطالب الأقلية بالحياد، عليه أن يكون محايدا. الأكثرية ليست محايدة والنظام السوري ليس محايدا.

الأكثرية متورطة ضد الشعب السوري الثائر، والنظام السوري متورط بجعل الأقلية أقلية بعدما كانت أكثرية.

شخصيا لا أفهم الفكر السياسي، الذي يدعو الى شل الأقلية في المسألة السورية، طالما أن هذا النظام السوري، في حال تمكن من قمع الثورة فإن شراسته ستزداد ضد مكونات الأكثرية، مسيحية وإسلامية.

وهنا أريد أن أكشف سرا، من خلال علاقاتي الخارجية، لقد اكتشفت أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعمل، ليلا ونهارا، على مد جسور مع المعارضة السورية في الخارج.

إن الهدف من مد هذه الجسور، هو تكوين تحالف إحتياطي لمصلحة "ممرات حزب الله في سورية" في حال فشل النظام السوري في الصمود.

ومن يدقق بأداء المعارضة السورية في الخارج يكتشف أن هناك قرارا كبيرا بتحييد إيران من كل هجوم على النظام السوري.

أكثر من ذلك، فإن إيران أوجدت ترتيبات "وقائية " مع تركيا، بحيث يعمدان معا على تصفية "جيوب كردية" تحسبا لانهيار النظام السوري.

هذا يعني أن أعتى الداعمين لبشار الأسد، يعملون على إيجاد بدائل له ، في حين أن الأقلية مطلوب منها الشلل، حتى إذا انتصر الشعب السوري حاسبها على تواطئها ضده.

-سألت في مقال كتبته: كثيرون يتساءلون عما كنا نستطيع أن نفعله لو كنا نحن... أنتم... ماذا كنا نستطيع أن نفعل لو كنا نحن اللبنانيون... هم السوريين؟

* كنا التهينا 30 سنة بصراع حول المناصب والطوائف والتعيينات ، وانتظرنا اغتيال رفيق الحريري، وأخذنا وهم سلطة وتخلينا عن ثورة وليدة.

للأسف، لقد فضحنا الشعب السوري. فلّاح درعا ظهر أكثر وعيا من بروفسور في الجامعة الأميركية.

- هل ننتظر موقفا حاسما من مجلس الأمن في خصوص الجرائم السورية أم أن اللغة ستستمر الى حين لينة؟

* فترة السماح لبشار الأسد إنتهت مع حلول آب 2011. استعمل في حماه ودير الزور خرطوشته الأخيرة، ولكنها لم تنفعه. بدأ العد العكسي. هذا نظام سوف تزداد عزلته وبشار الأسد وأركانه سوف يستدعون الى محاكمة بجرائم ضد الإنسانية.

-كيف تحلل المرحلة المقبلة في سوريا وفي لبنان إنطلاقا من معلوماتك؟

* سورية تتجه الى تغيير كبير. علينا أن نكون شركاء في التغيير، حتى لا نترك الساحة. علينا أن ندفع المسيحيين أكثر فأكثر الى خطب ود الشعب السوري، حتى يكتسب الإنفتاح على الآخر ، وهو لما يزل جنينا في "رحم الثورة". علينا أن نشجع الرئيس سعد الحريري على اتخاذ مواقف أكثر، حتى يكون اعتداله مؤثرا في توجهات الشعب السوري المستقبلية.

لسوء الحظ ولحسن الحظ في آن ، أن لبنان يؤثر في رسم مستقبل سورية.

لسوء الحظ، لأنه مطلوب من اللبنانيين أداء فعالا لمصلحة الثورة. ولحسن الحظ، لأن خوض هذا التحدي سيرسم لنا مستقبلا أفضل بكثير من كل الماضي ومن كل الحاضر.