عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


بشّار الأسد وعقدة شمشون

الأحد, 03 يونيو 2012 

أنهى الرئيس السوري بشّار الأسد، عن سابق تصوّر وتصميم، مهمة كوفي أنان!

قدّم الأسد، في خطاب ألقاه أمام "النسخة الجديدة" لمجلس الشعب السوري، كل المبررات لذلك، فإطلاق المعتقلين، لن يحصل "فورا"، بل وفق شروط سبق وضعها، للمسامحة، ووقف العمليات العسكرية لن يحصل، لأن واجب إستئصال "الإرهاب" يفرض نفسه في الأولوية، والحوار المطلوب لن يحصل، لأن من تعتبرهم المبادرة محاورين، ليسوا أكثر من عملاء للخارج!

بطبيعة الحال، لا علاقة لما قاله بشار الأسد بـ"الخطوة الكبيرة والجريئة" التي طلبها منه كوفي أنان!

وعلى خلاف ما يفترضه منظرو الغرب، من أن الضغوط الدبلوماسية يمكن أن تفيد، فإن الدكتاتوريين الذين ينتمي بشار الأسد الى فصيلتهم، هم من النوع الذين يزيدون من شدّ الخناق على شعبهم، كلّما زاد المجتمع الدولي الضغط عليهم!

وهكذا يترافق قرار الأسد إنهاء مهمة كوفي أنان، مع قرار الغرب طرد السفراء السوريين من عواصمهم!

وبذلك، يكون بشّار الأسد قد جدّد قرار الحسم، الذي عجز عنه سابقا، مما يعني أن سورية ستدخل، في القريب العاجل، في دورة دموية جديدة، يتوقع لها أن تكون أعنف من سابقاتها!

وبخطابه أمام مجلس الشعب الجديد، قدّم بشّار الأسد كل المبررات لحمّام الدم المقبل!

فهو إستقال من مهمة رئاسة كل السوريين، فأصبح رئيسا لمن هم معه فقط، أي أن مصلحة هؤلاء، هي التي تقوده!

والسوريون، بالنسبة له، أصبحوا فئتين: الفئة التي تؤيده، وهي الفئة الوطنية المتوجب عليه حمايتها، والفئة التي تعارضه، وهي فئة العملاء، المتوجب عليه ...إعدامها!

والمنادون بالحرية والديموقراطية، لم يعودوا أصحاب مطلب، فهم باعتقاده، يدركون بالتجربة أنهم خلقوا بيئة منتجة للإرهاب، وبالتالي فدماؤهم مباحة كدماء الإرهابيين الذين أعلن حرب القضاء عليهم!

والمبررات الأخلاقية، بالنسبة للأسد كما لكل الديكتاتوريين، من أجل مواجهة قسم من الشعب، متوافرة، وهو استقاها، مرة أخرى، من "الأدبيات" الطبية، فالطبيب الجرّاح، لا يلام على الدم الذي يريقه، خلال العملية، بل يشكر عليه، لأنه بذلك يكون يشفي مريضه. بشّار الأسد، في هذه الحالة، لا يعتبر نفسه متعطش للعنف والدماء، بل طبيب وطن يعاني من داء الإرهاب، ويجب شفاؤه منه!

والأسباب الوطنية قائمة، فجبهته لم تعد في الجولان، على اعتبار أن "العدو" أصبح في الداخل، ولا بد من ...طرده!

أما المبررات الإعلامية، فهي متوافرة بقوة. كل ما يتم اتهامه به لا يعدو كونه سوى تزوير وتضليل واستهداف، وليس أدلّ من ذلك، سوى اتهام غيره بمجزرة الحولة الرهيبة، وحجته الوحيدة هذه "الفلسفة" المكررة المعادة، منذ نجاته (المؤقتة) من الملاحقة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعنوان: إسألوا عن المستفيد!

وحمايته الدولية القائمة، فروسيا والصين يشهران "الفيتو" وإيران توفر المقاتلين والسلاح!

أما قواته المسلحة هذه المرة، فلا تقتصر على المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية الموجودة، بل تضم أيضا، كل من هو مؤيّد له!

كل ذلك، يعني أمرا واحدا، أن بشار الأسد ذاهب الى المواجهة الشاملة مع الثائرين عليه، بكلفة يعرف أنها مرتفعة ولكنه يعتبر أنها مبرّرة!

وبذلك، بدل خطاب النصر الذي وعد به الإيرانيون العالم، ها إن بشار الأسد يلقي خطاب الحرب!

وحربه المعلنة لا تقتصر على سورية فحسب، بل تشمل لبنان أيضا، فحديثه عن انتهاء "الرمادية" يعني أمرا بإنهاء حالات النأي بالنفس، وهذا ما يفسّر التركيز الأسدي، خلال فترة مهمة أنان، على لبنان، كمعبر لتسليح "الإرهابيين" في سورية، وعلى شخصيات توفر هذا التسليح، مع توسيع الرقعة لتشمل، هذه المرة، الى الرئيس سعد الحريري كلا من وليد جنبلاط وسمير جعجع!

إذن، هي الحرب الشاملة يعلنها بشّار الأسد، ولكن كيف سيكون الرد؟

هل ثوّار سورية أصبحوا جاهزين للمواجهة؟

هل الجيش السوري سيحدث مفاجأة بمزيد من الإنشقاقات؟

هل المعنيون بهجوم الأسد عليهم، إنطلقوا بعمليات التسليح الدفاعية؟

هل طرد السفراء في الدول الغربية، سيجعل هذه العواصم تعتمد صوت المعارضة السورية، وتاليا تلبي دعوتها الى التدخل، المباشر وغير المباشر؟

هل صحيح أن واشنطن، أعجز من أن تتخذ قرارات جريئة في زمن ما قبل الإنتخابات الرئاسية، عندما يستصرخ المزيد من الدم المزيد من الوجدان على مستوى الرأي العام؟

هل تتحمّل الحكومة اللبنانية الموصوفة من أطرافها بأنها حكومة الفشل والعجز أن تندمج بالخطة الأسدية وتنأى بنفسها عن قرار إشعال لبنان، وهل تصمد، والحالة هذه، وحدة الجيش اللبناني، طالما أنه يُبرر عدم الحسم مع حملة السلاح، بغياب القرار السياسي؟

أسئلة كثيرة، يفترض توافر أجوبة واضحة عنها، لأن الأسد قرر أن يلعب بكل الرصيد الذي بقي له، على طاولة ميسر، هو المحروق الوحيد فيها!

حسابات الحسم، بالنسبة لبشار الأسد، تؤشر إلى أنه أصيب بمسّ الجنون، لأنه أعجز عن ذلك!

لكن العاجزين، وفق تجارب التاريخ، هم أخطر الحكّام على شعوبهم، على اعتبار أنهم من تلك الطينة التي تتصرف على قاعدة الشمشمونية: علّي وعلى أعدائي، يا رب!

أمام هذه الحقيقة، ثمة حاجة ملحة لإخلاء الهيكل، حتى يكون سقوطه عظيما على رأس بشار الأسد..فقط!
 

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها