عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


الحوار و...الأغبيـــاء

كتبها فارس خشّان الأربعاء, 30 مايو 2012 

نحن أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما أن الطبقة السياسية التي يبتلي بها لبنان اليوم غبية، وإما أن هذه الطبقة تعتقد بأننا أغبياء!

لسوء الحظ، لم أجد إحتمالا ثالثا، وأنا أتابع هذا الكم الهائل من الكلام على أهمية انعقاد طاولة الحوار، بهذا التوقيت بالذات.

جميع هؤلاء يريدون إقناعنا بأن الإنقاذ يكون بالحوار، ومن دونه تكون...الفتنة !

وجميع هؤلاء يستعجلون انعقاد الطاولة المستطيلة، لأن ما حصل في الشمال وبيروت والبقاع، ينذر بعواقب وخيمة، لا بد من التصدي لها بالتفاهم بين أقطاب المعارضة والموالاة، بحضور ...الوسطيين!

يقولون ذلك، ولا يرف لهم جفن، حتى يظن المراقب لوهلة، أن الحوار، بشكله هذا وبمعطياته هذه، وبموازين القوى هذه، وصفة سحرية غير مسبوقة!

ولكن، وبما أن هذه الطبقة السسياسية، تتعاطى معنا، بتكتيك الإغماء بفعل قصفنا بشعاراتها المعلّبة، فإننا سنتعاطى معها كما لو أنها مجرد "فئران بيضاء" تستعمل في المختبرات!

إن فعلنا ذلك، نكتشف أن الحوار المدعوة إليه القيادات والشخصيات اللبنانية، هو دواء ثبت فساده، أكثر من مرة، وتسبب بقتل مواطنين لبنانيين وبتدمير ممتلكاتهم وبشل اقتصادهم وبإسقاط حكوماتهم وبتوسيع هوة الخصام الى حدود ملامسة العداء!

لنعدد التجارب ونتائجها:

حوار 2006، الذي كانت قراراته محكومة بالإجماع، إنتهى الى ذهاب "حزب الله" منفردا الى ما وراء الحدود، في عملية "الوعد الصادق"، مما تسبب بحرب إسرائيلية عدوانية قاتلة ومدمرة.

يومها كان التواصل قائما بين كل الأطراف اللبنانية، وكان الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله يجتمع دوريا بالرئيس سعد الحريري وغيره من القادة.

وعلى أساس الثقة المتبادلة، نقل الحريري رسالة دولية الى نصرالله مفادها أن أي مس بالخط الأزرق سيتسبب بتدمير لبنان.

إستمع نصرالله الى الرسالة، وذهب في موسم اصطياف كان الأكثر وعدا للبنان، الى " وعده الصادق" الذي، وكما قال هو لاحقا، لسمير القنطار، وفي كلمات سجلتها الميكروفونات، إن تحريره "كلّفنا حربا"!

ومن حرب تموز، إستمرت عملية ممنهجة لتدمير البلاد، فبُترت الحكومة، وشلّ وسط بيروت، وارتفع الخطاب الطائفي في البلاد، وكان 7 أيّار 2008!

وعلى قاعدة 7 أيّار، كان "الإستدعاء" الى حوار، وهذه المرّة في الدوحة، بحيث كتب تفاهم من بنوده الحوار...أيضا!

وتنفيذا لاتفاق الدوحة، دعا رئيس الجمهورية ميشال سليمان الى تلك الطاولة في بعبدا.

إنعقدت وانعقدت وانعقدت.

كانت نتيجتها أن أصبح الحوار سوريا-سعوديا، ومن ثم لبنانيا – سوريا.

بقي الحوار قائما. فشلت المفاوضات اللبنانية- السورية. رفع "حزب الله" ومن معه لواء ملف شهود الزور الى مرتبة الأولوية الكاسحة. ربطوا حضورهم الى طاولة القصر الجمهوري بتنفيذ رؤيتهم لهذا البند.

وهكذا، انتهى كل شكل من أشكال الحوار الى إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وتشكيل "حزب الله" لحكومة تحالف فيها مع "الوسطيين"، أي أولئك الذين انجبتهم نوابا أصوات المدى الشعبي لـ14 آذار.

وكان نتاج هذه الحكومة ما نرى من تسيّب تهديمي على كل المستويات: مقاطعة خليجية غير مسبوقة لصيف لبنان، عدوان النظام السوري على لبنان في المنتديات الدولية وعلى الحدود، ضياع في سلوكيات المؤسسة العسكرية، قرارات أسدية تنفذها الأجهزة الأمنية في لبنان، اكتشاف بصمات "حزب الله" في كل الفتن المتنقلة!

ويأتي الرد على كل ذلك، بالدعوة مجددا الى الدواء المسموم: الحوار!

من سبق له وتناول جرعات هذا "الدواء"، إكتشف أنه مجرد فسحة إلهاء للبنانيين، من أجل تحضير الأرضية لانقلاب جديد، يصب في مصلحة وضع "حزب الله" يده تدريجيا على البلاد!

يُستدعى المختلفون الى الطاولة للبحث في هذا السلاح، ولكن هذا السلاح يخرج منها، بسرعة، ويبسط سيطرته لاحقا على الشارع، ليحقق معادلات يستحيل التفاهم حولها!

سلاح ذهب الى "الوعد الصادق"، وبعده الى توفير مظلة واقية لاعتصام وسط بيروت، وبعده الى 7 أيّار 2008، وبعده الى انتشار القمصان السود، وبعده الى "المرتزقة"، وبعده الى التهديد بالويل والثبور وعظائم الامور!

ثمة من يحاول أن يحدّثنا عن النيات الحسنة، ولكن طريق جهنم مرصوفة بهذه النيات. هؤلاء يسدلون ستارا على كل التجارب المرّة، التي من شأن التذكير بها، أن يؤكد أن العودة الى الحوار لا يعتبر أقل خطرا من الدعوة الى الولائم المسمومة!

صحيح، ثمة أزمة، ولكن الحل لا يكمن في تجربة ...المجرّب!

ذلك أن سلاح "حزب الله" لا يحتاج الى حوار بل إلى قرار. "حزب الله" أعلن قراره ، مرات ومرات. هو سيقطع كل يد تمتد الى هذا السلاح.

والسلاح بات متفلتا على امتداد البلاد، وضبطه لا يحتاج الى حوار بل الى تنفيذ القوانين المرعية الإجراء. قوى 14 آذار سبق لها وطلبت سحبه من الجميع،على مستوى بيروت وطرابلس، فمن يمنع ذلك؟

والمؤامرة لا يحتاج قطع دابرها الى حوار، بل إلى أجهزة أمنية غير متآمرة، أو الى سلطة سياسية معنية بمنع التآمر. توقيف شادي المولوي، مثلا، تسبب باشتباكات في طرابلس، فهل هو إرهابي، والحالة هذه لماذا احتضان نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي له؟ وهل هو بريء، وفي هذه الحالة، لماذا تعاطى الأمن العام معه، على أساس أنه أخطر الإرهابيين؟

والموقف من سوريا، لا يحتاج الى حوار، بل الى استقلالية. "حزب الله" مرتبط بهذا النظام استراتيجيا، كما هو موصول كليا بموقف الحرس الثوري الإيراني الشريك بقمع الثورة السورية.

تأسيسا على كل ذلك، فإن الحوار، ليس أكثر من مساحة تكشف حقائق التباينات وعمقها وخلفياتها، وتتيح لمن يؤمن بالقوة، أن يتوسلها، مرة جديدة!

لبنان مريض، لكن، لسوء حظه، فهو في يد طبيب...فاشل!
 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها