عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


فضيحة لبنان في "خصوصيته" الســـــــــــــــــــــــــــــــورية

 الأحد, 01 أبريل 2012 

"لقد أبدوا تفهما لخصوصية لبنان"!

هذه العبارة، تكاد لا تغيب عن ألسنة "المسؤولين" اللبنانيين، كلّما أوجزوا لقاء مع مسؤول عربي أو دولي أو مشاركة في منتدى عربي أو عالمي، حيث يكون الموضوع السوري مطروحا للنقاش.

وقد أجريتُ، بمعونة بعض الأصدقاء ممن تربطهم علاقات بمواقع قرار في العالم العربي والمجتمع الدولي، إستطلاعا لمعرفة ماذا يقصد هؤلاء بعبارة "الخصوصية الللبنانية" التي يتفهمونها، لأنني، بصفتي مواطنا لبنانيا، لم أتمكن من تقديم أي تعريف إيجابي لهذه العبارة.

وللأسف، جاءت نتائج هذا الإستطلاع، بما يتناقض وطموحات أي لبناني لصورة بلده.

ظهر أنّ من يتفهّم الخصوصية اللبنانية، لا ينظر الى لبنان، على أنه دولة قائمة بذاتها وتملك قرارها السيّد والمستقل.

بالنسبة لهؤلاء، فإن لبنان، دولة موجودة على الورق وليس في الواقع، فمسؤولوه هم أضعف خلقه.

فرئيس جمهورية لبنان، بغض النظر عن مزاياه الشخصية، مغلوب على أمره، بفعل تسلمّه مقاليد رئاسة معقودة، عمليا، للأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله، على اعتبار أنه هو من يقيل حكومات ويشكل حكومات، ومن يحرّك الأجهزة الأمنية ومن يجمّدها، ومن يطلق ملاحقة قضائية ومن يوقفها، ومن يراعي التوازنات الداخلية، لإصدار قرار حكومي أو لمنعه، ومن يدقق في أعمال المؤسسات العسكرية، فيحكم لها أو عليها، ومن يُدقق في المعاهدات الدولية، فيلعن هنا، ويبارك هناك.

أما رئيس مجلس النوّاب، فهو، باعترافه، ساقط بقبضة "حزب الله"، عسكريا وأمنيا وماليا وسياسيا وانتخابيا!

ورئيس الحكومة، شخصية هزيلة تحاول الإيحاء بالصدقية، مستعينة في ذلك، بـ"حزب الله" مانح القدرات على المناورة هنا، وعلى المناكفات هناك، على قاعدة "حماية المقاومة في الداخل والخارج".

وفي هذا الإستطلاع، يظهر أن للرؤساء الثلاثة في لبنان خصوصية مستقلة في المسألة السورية، فجميعهم، تربطهم تبعية تاريخية للرئيس السوري بشار الأسد، وتملك مخابراته ملفات ضدهم ، وهم ملزمون باسترضائه!

ونظرا لهذه الخصوصية، فإن محاوري أي من هذه الشخصيات الثلاث لا يتعمّقون في البحث في المسألة السورية معهم، لأنها لن توتي ثمارها، فلا هؤلاء قادرون على صناعة قرار لبناني مميّز ولا هم يملكون الصفات اللازمة لنقل الرسائل أو الإنذارات أو التمنيات.

وبناء عليه، يجري تجاوز هذه المسألة الإستراتيجية فورا، من أجل البحث معهم في كل ما يعنيهم، أو في استطلاع ما يملكون من معلومات.

وهكذا، فإن العبارة التي يحاول "المسؤولون" اللبنانيون استغلالها ترويجا لحكمة "النأي بالنفس"، ليست سوى إدانة لهم، بالعجز والتبعية و... انتحال صفة !

وهذه الإدانة، تتجلّى في أن "الخصوصية اللبنانية" لا تنسحب حتى على مكوّنات مجلس الوزارء.

"حزب الله"، صانع الحكومة، متورط، حتى تلطيخ يديه بالدماء، في دعم نظام بشار الأسد. والعماد ميشال عون، يلعق من دماء الثوّار السوريين. وعلى هدي هذين "المتفاهمين" يسير "السوريون القوميون" و"المردة" و"البعثيون" و"الأمليون".

أمّا "جبهة الوسط" فتفسّخت كليا!

ففيما واظب رئيس الجمهورية على "الخصوصية" وترك رئيس الحكومة لابن شقيقه الأكبر عزمي ميقاتي أن يغرف ما شاء من "خصوصيات أسماء الأسد"، إنتقل وليد جنبلاط الى خصوصية دعم الثوّار!

وهكذا، بدل ان تكون "الخصوصية اللبنانية" موضع اعتزاز تحوّلت الى مركز اهتزاز، وهي باتت أشبه بامرأة متاحة لمن يرغب، ومتجرا مفتوحا أمام من يشتري، ورجلا يخضع لكل من يعتلي، وموظفا يسيّر معاملة كل من يرشي!

هذه لم تعد "خصوصية لبنانية" بقدر ما أضحت "لصوصية لبنانية"!

الخصوصية تعبير إيجابي، لا يمكن توسله لتعريف السلوكية الرسمية اللبنانية تجاه المسألة السورية!

الخصوصية - في حال رغب البعض بها- تفترض إيجاد معادلات خلّاقة، تحاول التوفيق بين الإتجاهات المتناقضة لدى المكوّنات اللبنانية، بما يتلاءم مع الإلزامات الدستورية والمواثيق الدولية!

هذه الخصوصية- حتى يتم التغني بها- تعني أن يجد المسؤولون صيغة، تسمح بأن يكون لبنان ملاذا للمضطهدين المسالمين، بدل أن يكون سجنا خلفيا في خدمة نظام الإضطهاد!

وهذه الخصوصية – حتى تتوافر- شرطها أن يتحدث الرئيس ميشال سليمان مع برهان غليون بالقدر الذي يتحدّث به مع بشّار الأسد، وأن يحظى نجيب ميقاتي برضى المعارضة السورية بقدر ما يحظى برضى القيادة السورية، وأن يحظى العماد جان قهوجي بشهادات حسن سلوك من النازحين السوريين مماثلة لتك التي يتلقاها يوميا من النظام السوري، وأن يتوقف حسن نصرالله، بصفته صانعا للحكومة اللبنانية، عن تنفيذ أوامر مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي بالدفاع عن النظام السوري، وأن يستحي عدنان منصور على نفسه، فلا يعود مجرد رجع صدى لجهاد المقدسي أوالصوت المرتفع لوليد المعلّم المختفي صوته!

الخصوصية، بالنتيجة، هي معادلة خلّاقة، تحفر للبنان موقعا عل الخارطة، وليست عبارة هروب من الواجب الى... الإذعان !

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها