إبتُليت الثورة في سورية بهذه المعارضة السياسية الموسومة بالضعف والتشرذم والأنانية والحقد والعجز والفشل والتسرع و..انعدام الفاعلية !

من واكب ملحمة الثوار في بابا عمرو وسلوكية المعارضة السورية، أدرك عمق الهوة التي جعلت من ارتضى ،من أجل الحرية، أن يلبس كفنه، يبتلي بمن سعى ،باسم الحرية، أن يُعلي من شأنه !

ليست قوة بطش بشار الأسد هي التي أسقطت بابا عمرو بل انعدام فاعلية المعارضة السورية، على مختلف تسمياتها ووجوهها وارتباطاتها وتنظيراتها !

وفيما كان أبطال باب عمرو وأطفالها ونساؤها وشيوخها ، يتساقطون شهيدا وراء شهيد،و يئنون جريحا وراء جريح، كان سعاة الوجاهة يتراشقون بالإتهامات ويتنازعون المناصب ويتبادلون الكمائن !

وفيما كان ثوار سوريون يدفعون غاليا ثمن الحلم الكبير، كان المعارضون يتطلعون الى المكاسب .

هناك في أرض الثورة كان الحالم يحفر قبره بيده. وهنا في رحاب المكاسب كان المعارض يرسم كرسي مجده !

إنها لعنة كل الأزمان. دائما تتحوّل الأحلام إلى سلعة في واجهة التجار !

26 يوما من القصف على بابا عمرو . 26 يوما حفلت بكتابة ثوار بابا عمرو وصايا الوداع. 26 يوما من النداءات التي تدمي القلب من قلب بابا عمرو. قابلتها 26 يوما من الإنقسامات، ومن المنازعة على السفر ومن الثرثرات في الفنادق ومن التناتش على المناصب و.. كل أنواع التعتير !

26 يوما وأبناء بابا عمرو يُقصفون وشباب بابا عمرو يستشهدون ونساء بابا عمرو يترملن ويُثكلن، وما من معارض يحن قلبه ويتفتق خياله ويتعالى على الأنا المهووسة بمجد تائه !

لم يوحّدهم الدم ولم يخجلهم الإستشهاد. لم يجذبهم بكاء طفل ولم يؤثر فيهم عويل أم.

قست قلوبهم. انعمت بصيرتهم . تعاظمت أطماعهم.

إنها معارضة تتفشى فيها لعنات صندوق بندورة الذي انفتح ، فجأة !

تلهّى الدبلوماسيون عن أنباء المآسي وسطور البطولة في بابا عمرو ، بخلافات المعارضين. بقيت التقارير الواردة عليهم من بابا عمرو مهملة على المكاتب، المزدحمة مقاعدها بمعارضين يشكون بعضهم بعضا، ويتآمرون بعضهم على بعض، ويقدمون التقارير بعضهم على بعض.

مغمورون وجدوا فرصة للظهور. صغار وجدوا فرصة ليكونوا بين من يعتقدون بأنهم كبار. منظرون وجدوا فرصة للثرثرة.

بدت دماء الأبرياء المسفوكة في سورية كأنها عرش يتناتشونه!

بدل أن يكونوا رافدا للثورة تحوّلوا الى عبء عليها !

أبخسوا الدماء قيمتها، بجعل أعظم ثورات الربيع العربي، مادة للتندر في مكاتب صنّاع القرار.

تسويق الذات، أطفأ الغضب على أكثر أنطمة القرن الحادي والعشرين إجراما !

تشرذمهم جعل مراكز القرار أكثر تفكيرا بالمصالح التي يمكن أن يوفرها لهم نظام اللصوصية المسيطر على سورية !

معارضة تلهّت بنفسها، فلم تنظّم تظاهرة لها قيمة في الخارج. ولم يخرج من بين المنادين بعظمتهم شخص واحد يفترش الطريق ويعلن الإضراب عن الطعام حتى الموت أو حتى يتحرك الضمير العالمي لمساندة من يقتلون في سورية. حوّلوا منصات شبكات التواصل الإجتماعي الى مركز دعاية لإطلالاتهم التلفزيونية، بدل أن يحوّلوه الى منصة لتجميع ناسهم في مكان واحد، لتهدر أصواتهم فتقوّي خائفا، وتشد إزر ثائر، وتفرغ بيوت دمشق وحلب من سكانها لمصلحة التظاهرات في الشارع.

برهان غليون. هيثم المناع. رياض الأسعد. عقيل هاشم. مصطفى أحمد الشيخ. بسمة قضماني. هيثم المالح. وليد البني. ميشال كيلو. فايز سارة. أحمد رمضان وغيرهم الكثير – الكثير، سقطوا في امتحان عبد الرزاق طليس، وعمار الواوي، ورامي السيد، وخالد أبو صلاح، وداني عبد الدائم، وأصغر منشق في كتيبة الفاروق أو كتيبة خالد إبن الوليد أو كتيبة الأبابيل، وأصغر طفل في " ملاجئ" بابا عمرو والخالدية وكل حمص وكل ريف دمشق وكل حماة وكل دير الزور وكل إدلب وكل حوران وكل سورية، وكل خيمة في تركيا، وكل فيأة في الأردن، وكل مدرسة في لبنان!

ثورة لم يتخيّلها عقل، إبتليت بمعارضة لم يشته بشار الأسد أفضل منها !

ثورة كتبت صفحات مجيدة من سعي الإنسانية الى تحررها ، تقابلها معارضة تكتب بشهواتها المكبوتة والمعلومة صفحات من الذل، وكأن من سهر على تركيبها هو آصف شوكت أو علي مملوك !

ليزعل من يزعل، فهذه حقيقة ما يسمّى زورا وبهتانا المعارضة السورية.

ليزعل من يزعل، فهؤلاء هم من يجب أن يُسألوا، مع بشار الأسد، عن تدمير بابا عمرو، وعن شهداء بابا عمرو، وعن الإنسحاب من بابا عمرو.

ليزعل من يزعل، فإن استمرار هؤلاء، بأنانياتهم وأطماعهم، بالنطق باسم أنظف ثورة وأشجع ثورة ، ستُنهي الثورة.

اليوم بابا عمرو. غدا كل حمص. بعده كل إدلب.

بسبب هؤلاء، بدل أن تنتشر رقعة الثورة فهي تضمر.

بفعل هؤلاء، بدل أن يزداد البركان اشتعالا، فهو يخمد.

حرروا الثورة منهم.. إن عجزوا عن تحرير أنفسهم من أنانياتهم وخلافاتهم ونميمتهم وأطماعهم !

إرموهم الى الجحيم.. إن أصرّوا على مساعدة بشار الأسد على إبقاء سوريا في الجحيم !