عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


أصولية الثورة السورية وعسكرتها

كتبها فارس خشّان السبت, 25 فبراير 2012

يعمل النظام السوري والملتحقون به، على إلحاق الثورة السورية بركب المنظمات الأصولية العنفية، معتمدين في ذلك، على تسليط الضوء حصرا على بعض الظواهرالدينية وعلى بعض رجال الدين، في محاولة لإثارة المخاوف لدى الأقليات الدينية من جهة، ولدى النخب الإجتماعية من جهة أخرى، مقدمين بذلك صورة مشرقة لنظام بشار الأسد، على اعتبار أنه نظام يضمن التنوع الطائفي والحريات الدينية والليبرالية الإجتماعية !

وتجد هذه السلوكية أرضا خصبا لدى مجموعات تفتش عما تبرر به وقوفها الإنتهازي، الى جانب نظام بشار الأسد !

إلا أن هذه العملية التسويقية، ولمن يدقق بالأمور، تعتريها كل أصناف الخداع !

لنبدأ النقاش!

النظام السوري، ليس نظاما ليبراليا ، بل هو، باختصار، نظام ديكتاتوري يتوسل العنف، منذ انطلاقته، ليفرض نفسه على شعبه وعلى شعوب آخرين.

والنظام السوري، ليس نظاما علمانيا، بل هو نظام امتيازات الأقلية على حساب حقوق الأكثرية. الأقلية هنا، لا تعني الضرورة الطائفة العلوية، بل تعني مجموعة الإنتهازيين التي سلّمت بقيادة بشار الأسد!

والنظام السوري، لا يعتبر العلمانية مبدأ، بل وسيلة لتبرير سيطرته على مقدرات سورية وخيراتها، ولهذا السبب، هو لم يترك نظاما مذهبيا أو مجموعة طائفية إلا وتحالف معها، من أجل تحقيق أهداف سطوته على الداخل السوري. هذا ينطبق على تحالف موضوعي أقامه مع تنظيم " القاعدة"، وينطق أيضا، على تحالف استراتيجي أقامه مع الجمهورية الإسلامية في إيران، ومع " حزب الله" في لبنان.

والنظام السوري ، مثله مثل كل الأنظمة الديكتاتورية، ينتج التطرف الديني، فمن لا يجد ملاذا آمنا في "جنة" السلطة، من الطبيعي أن يلجأ، في ظل القمع، إلى وعد نفسه بالجنة الحقيقية، مع ما يعني ذلك، من انقياد كلي، وراء من يرسمون الطريق الى هذه الجنة، فمن يخضع لديكتاتور، بلا قيد أو شرط ليتنعم بهبات السلطة، من البديهي، أن يخضع لما يقولون إنه إرادة الله، ليتنعم بخيرات الجنّة !

هذا على مستوى النقاش النظري، أما على مستوى النقاش التطبيقي، فإن الثورة السورية ، مع إطالة أمدها ومع الخسائر البشرية الفادحة التي منيت بها، وفي ظل عملية قمع غير إنسانية تعرضت لها، تتحوّل شيئا فشيئا الى البعد الديني، تماما كما تتحوّل شيئا فشيئا الى البعد العسكري، ذلك أن من لا يجد سوى الموت أمامه، سيلتجئ حتما الى الله ، بالطريقة التي عرفها وشبّ عليها، تماما كما سيلجأ الى مواجهة العنف بالعنف، كل من يعتبر أنه بذلك يمكن أن يحمي نفسه أو يدافع عن عائلته وعن أهله وناسه !

ومن يراقب تطور أحوال الثورة السورية منذ انطلاقتها حتى اليوم، سيجد فروقات طبيعية شاسعة!

إن الثورة التي بدأتها محادثة بين طبيبتين في درعا كانتا تتمنيان الحرية نفسها التي بدأت تظهر في تونس ومصر، فجرى اعتقالهما مما تتسبب بامتعاض أطفال في هذه المدينة الساحلية الفقيرة، فكتبوا على جدار مدرستهم ما كتبوه، قبل اعتقالهم وتعذيبهم وإهانة ذويهم ومشايخهم، ليست هي الثورة التي يجد فيها المناضل نفسه شهيدا كلما سار في تظاهرة ويضطر في ظلها الثائر أن يكتب وصيته على مواقع التواصل الإجتماعي قبل استشهاده ، او يصور نفسه وهو يحفر قبره بيده، قبل أن يلقى حتفه !

ولولا استعانة النظام السوري بالساسة من رجال الدين لما كان رجال الدين قد تقدموا منابر الثورة السورية، فالمفتي أحمد بدر الدين حسّون حاول تعطيل الثورة السورية بأمر مخابراتي، والسيد حسن نصرالله دخل على خط التعطيل بأمر من قائده الإيراني السيد علي خامنئي الذي يسيطر على نظام بشار الأسد!

مع انطلاق الثورة السورية، لم يوجه بشار الأسد التهمة لا الى الأصوليين ولا الى تنظيم القاعدة. كان يتحدث حصرا عن "جيش" مشكل من الخارجين على القانون ، ومن المهربين. بعد إقحامه " كوتا" رجال الدين من السياسيين، بدأت الثورة السورية تكتسب بعدا دينيا!

وهذا البعد يُقدّر له أن يتوسع، كلما تسامح العرب والغرب مع نظام بشار الأسد، فمن يريد لسورية أن يكون مستقبلها أكثر ليبرالية، عليه أن يضع حدا سريعا لبشار الأسد، فالمواجهة مع نظام مقبوض عليه من إيران هي مواجهة لها بعد مذهبي، ومواجهة الموت مواجهة تفتح الشهية الدينية!

وفي مطلق الأحوال، فإن الليبراليين الحقيقيين، يستحيل تخويفهم بالبعد الديني الذي تتخذه الثورات العربية عموما والثورة السورية خصوصا، ذلك أن التعايش الطويل مع نظام ديكتاتوري كنظام آل الأسد، يمكن أن يخلق آليات تعايش، أكثر رحمة، مع أنظمة يغلب عليها البعد الديني، كما أن من يتعايش مع "حزب الله" يستحيل عليه أن يخشى تعايشا مع نظام يمكن أن تتقدم فيه جماعة الأخوان المسلمين !

ذلك أن من يخيفون العالم من حكم ديني في سورية، يتناسون أن نظام بشار الأسد أرسى نظاما مذهبيا في لبنان، فـ"حزب الله"، ومهما حاول أن يستر نفسه بشعار المقاومة، هو حزب مذهبي بامتياز، وعلى كل الصعد !

إن اللاهثين وراء مستقبل مشرق للعالم العربي عموما ولبلاد الشام خصوصا، لن يجدوا خلاصا إلا بالمساعدة على التخلص سريعا من نظام بشار الأسد. نظام يتحمل المسؤولية الكاملة عن توليد الآفات في سورية وفي هذه المنطقة !
 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها