حاجز الأسد
وجدار نصرالله
17
فبراير 2012
بعد رد الأمين العام لـ"حزب الله"
السيّد حسن نصرالله، بكل ما تضمنه من صراخ وسخرية و"شوارعية"، على ما طرحه
الرئيس سعد الحريري بمناسبة الذكرى السنوية السابعة لاغتيال الرئيس رفيق
الحريري، بات حقا لنا أن نعلن عن أننا نصاب بالغثيان، كلما ذُكرت كلمة
"حوار" على مسامعنا !
ذلك أن الحوار ليصح كمخرج من الأزمات يجب أن يكون بين متساوين، إن لم يكن
بالقوة فبالطبيعة، وهذا ما لا يتوافر بين أي تيار سياسي لبناني، مهما كان
كبيرا، وبين "حزب الله" !
و"حزب الله"، بغض النظر عن قوته العسكرية والأمنية والسياسية، فهو من طبيعة
مختلفة ، إذ إنه، ومهما صرخ نصرالله وابتسم باصفرار وتكلم بازدراء، مجرد
فصيل عسكري ينتمي ، أمرة وتمويلا وتسليحا وعقيدة، إلى الحرس الثوري
الإيراني، وبالتالي فصاحب القدرة على الفصل إيجابا أو سلبا، بأي قرار أساسي
يتخذه أو يمكن أن يتّخذه، لا علاقة له بكل تلك الوجوه التي تطل علينا، سواء
على المنابر أم على الشاشات، أو بتلك القامات التي تجلس مع الزعماء
السياسيين الى طاولة الحوار !
وحسن نصرالله، يتجه، رويدا رويدا، إلى الإفصاح عن ذلك، فهو بعدما كان قد
أعلن أنه مجرد جندي في جيش ولاية الفقيه، طوّر الإقرار، فاعترف أنه ينال
ماله وسلاحه وقوته من إيران.
وما لم يقر به نصرالله بعد، تقر به الوثائق والوقائع، فمن يقارن بين قناة
"المنار" والتلفزيونات الإيرانية المحلية، يدرك أنها شاشة "مترجمة"، ومن
يقارن بين جمهور حسن نصرالله وبين جمهور مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي،
يدرك أنه "جمهور مستنسخ" ، ومن يدقق بطريقة إدارة الشؤون المحلية للإنسان
الواقع تحت سطوة "حزب الله"، بما يعانيه الإنسان الواقع تحت سطوة النظام
الإيراني يعرف أن السلوكية المتبعة في لبنان ليست سوى سلوكية مقررة في
إيران، ومن يلتفت الى الأدبيات التي يتوسلها "حزب الله" في توصيف خصومه
اللبنانيين يتأكد أنها " نسخة طبق الأصل" عن الأدبيات التي يستعملها النظام
الإيراني ضد خصومه الإيرانيين، ومن يتمعن في كيفية استعمال النظام الإيراني
للشعار الأميركي لبسط سطوته على الداخل، يدرك ماذا يفعل "حزب الله" بالشعار
الإسرائيلي !
ومع اختلاف الطبيعة بين "حزب الله" من جهة وبين سائر المكوّنات السياسية
اللبنانية من جهة أخرى، تصبح كلمة "حوار" ممجوجة، لأن ما يعتبره البعض
مشكلة يجب إيجاد حلول لها، يعتبره "حزب الله" ثوابت يجب إيجاد ما يحصّنها،
وما يعتبره البعض ثوابت، يعتبره "حزب الله" ...مزحة !
وبناء عليه، قد يكون من المستحسن ، من الآن فصاعدا، إستبدال عبارة "حوار"
بعبارة " تفاوض"، والتهيؤ لمقتضياتها، ذلك أن التفاوض لا يحتاج الى نيات
حسنة ولا إلى شعارات جيدة ولا إلى حضور سياسي، إنما يحتاج الى أوراق قوة !
وأوراق القوة لا تهطل على أي فريق سياسي من السماء، بل هي تصنع صناعة !
حتى يوم 14 شباط ، كانت قوى الرابع عشر من آذار، تنظر الى "حزب الله" على
قاعدة أنه محاور، وبالتالي كانت تسلك مسلك ذاك الذي يثبت أن هناك مشكلة
ويستدعي الجميع الى الحوار من أجل حلّها. كان هناك اعتراض و" نق" وتغيّب
وتثبيت وجود، ولكن لم تكن هناك صناعة لأوراق القوة!
حان وقت ... التغيير!
وقت التغيير يعني وقت صناعة أوراق القوة !
وصناعة أوراق القوة تعني كسر كل حواجز الخوف !
"حزب الله" ، ولنتصارح، هو قوة مرعبة.
منذ حرقت " فرقة الدراجات النارية" بيروت، لم يعد حسن نصرالله يظهر في أي
كاريكاتور، على أي تلفزيون لبناني. كل ما فيه يجذب الكاريكاتور والبرامج
الساخرة، وحده الترهيب يمنع استغلال هذه الميزات المضحكة !
منذ تبيّنت أدوار مجموعته الأمنية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين،
باتت تهديدات "حزب الله" لها قدرة على نفي هذا واختباء ذاك واصياع ذيّاك !
منذ غزوة السابع من أيار 2008، باتت المواضيع التي تطرح على جدول الأعمال
الوطني ، تحتاج الى موافقة مسبقة من "حزب الله"، وثمة من قال إن محمد فنيش،
في مجلس الوزراء، كان يمنع موضوعا وييسّر آخر، برمشة جفن !
منذ اتخذ القرار في سورية وإيران بالتخلص من سعد الحريري في رئاسة الحكومة،
كانت فرقة القمصان السود، كافية لتحويل الأقلية أكثرية والأكثرية أقلية !
إذن، لا بد من تأمين هذه القدرة من أجل التصدي لهذا الرعب !
وتأمين القدرة، ليس عملا فرديا، بل هو عمل جماعي !
في سورية ، حيث طغيان بشار الأسد يسود، نجح الشعب السوري في كسر حاجز
الخوف. في لبنان، حيث طغيان "حزب الله" لم يسُد بعد، ثمة من يعمل على تحويل
حاجز الخوف الى جدار.
لا يمكن لمن يفكر، ليلا ونهارا، برفاهيته، أن يواجه من لا يأبه إلا بسلاحه!
مصير المتلهي عن تطلعاته وعن حقوقه وعن حريته وعن أمنه وعن العدالة، أن
يخسر أمام من لا يهتم الا بسلاحه !
وكسر حاجز الخوف، يبدأ بالجرأة لدى المؤيدين للثورة السورية في تأييدها.
بشار الأسد يسقط حكومات ويقيم حكومات في لبنان، وهو يستدعي من يشاء من
لبنان الى مكتبه،وشاشاته ملأى باللينانيين يدافعون عن نظامه، في حين أن قوى
14 آذار تتراجع عن دعوة شخصية في المجلس الوطني السوري ليلقي رسالة عن
مستقبل العلاقات اللبنانية – السورية!
وكسر حاجز الخوف، يبدأ في الجرأة في الدفاع عن أي لاجئ سوري يدخل الى
لبنان، في وجه أي عملية اضطهاد يتعرض لها. جرأة لا تكتفي ببضعة كلمات، بل
تترجم نفسها، في المنتديات السياسية وفي الشارع!
وكسر حاجز الخوف، لا يكون باستدعاء "حزب الله" ليلا ونهارا الى حوار سوي،
بل يكون في إيجاد إطار موثوق به ، يسمح بخلق حالة شيعية لبنانية وطنية ،
يتم الحوار معها، والإتفاق معها، على مستقبل لبنان، بعض النظر عما يريده
"حزب الله" وما يرفضه، إذ يكفيه ما قّدم له من " أضحيات" بدءا بحبيب صادق
وصولا الى العلامة علي الأمين ، فمن يؤمن بأن هناك فرقا شاسعا بين شيعة
لبنان وبين "حزب الله" عليه أن يترجم إيمانه الى أفعال. مع هؤلاء، وبالحوا،
يمكن إيجاد خارطة عمل، لإسكات الفتنة، وللتوصل الى تفاهم حقيقي من شأنه أن
يقدم رؤية واضحة لما يحصل على امتداد الإقليم ، بما في ذلك البحرين!
وكسر حاجز الخوف، يفترض إيجاد وسائل إعلام لبنانية محمية، حتى لو اقتضى
ذلك، إقامة إحداها في الخارج، مهمتها، الدفع الى مساواة حسن نصرالله بجميع
القادة اللبنانيين ومساواة علي خامنئي بكل القادة الإقليميين !
وكسر حاجز الخوف، يقتضي عملا متفانيا، يحوّل كل لبناني مؤمن بوطن معافى الى
مصدر معلومات إجتماعية وأمنية وسياسية، لفضح ما يخطط له "حزب الله" !
"حزب الله" لا يخشى استدعاءه الى ميدان المواجهات العسكرية، فهو يتقدم على
جميع اللبنانيين بالعتاد والعديد والخبرة والساحات.
الميدان الوحيد الذي يخشاه "حزب الله" هو أن يستعيد اللبنانيون تلك الجرأة
التي تحلّوا فيها في 14 شباط 2005 ، حيث بدا اللبنانيون أقوى من تهديدهم
بالموت، وأصلب من تهديدهم بتحالف عسكري يضم كل من كانوا يحملون بندقية
ومتفجرة في زمن الوصاية اللبنانية- السورية !
حينها، لا يعود لبنان مسرحا مريحا لـ"حزب الله"، بل يتحوّل الى أرض صعية
للغاية !
وحينها فقط يطلب الحوار، فنعرض عليه التفاوض !
|