عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


الإغتيال ليس قدرا

الجمعة, 03 فبراير 2012

عند كل مفترق سياسي، تتلاحق المعلومات عن مخططات لاستهداف شخصيات لبنانية تنتمي بمعظمها الى " ثورة الأرز"!
وفجأة ، تحفل وسائل الإعلام بالتنظيرات عن الجهة المحتملة وعن الدوافع الممكنة ، فتتشتت هذه القيادات، سواء بالمكوث في منازلها، إن كانت محصنة، أو بالهجرة الى الخارج، إن كانت منازلها تقع في مناطق "ساقطة أمنيا".
رئيس الجمهورية ومجلسا النواب والوزراء وقيادة الجيش وقادة الأجهزة الأمنية يلتزمون صمتا عميما، فيما المنتسبون الى الفريق المستفيد من مخططات الإغتيال ، الذي يكون قد أمعن في تقديم الدوافع الى التصفية، يشن حملات السخرية على الخائفين، في محاولة لاغتيال الروح المعنوية لدى جمهور "ثورة الأرز"!
ووفق هذا السيناريو المكرر المعاد، ثمة فريق في البلاد خسر وتشتّت وتمزّق!
ووفق قراءة الخط الإنحداري، فإن هذا الفريق سوف يخسر أكثر ويتشتت أكثر ويتمزّق أكثر!
وهكذا، فإن التطورات الحاصلة في المنطقة، مهما تسبّبت بانهيارات لدى الفريق المعادي لـ14 آذار،فهي ستبقيه الأقوى والأقدر على المبادرة، لأن الفريق المستفيد – نظريا- يتم استهداف روحه المعنوية ، كما تواجده الميداني، كما صلابته السياسية.
ومنذ عصور، يقول الفرنسيون إن من يذهب الى الصيد يخسر مكانه!
وحديثا، تقول التجربة اللبنانية إن ليس هناك أيّ شخص لا يستغنى عنه!
ودائما تقول التجارب العلمية إن الفراغ يتم ملؤه بالموجود !
ليس في كل ما سبق، دعوة لأي شخصية كانت ، إلى ان تغامر بذاتها، فإذا كان الفراغ المؤقت الناجم عن " الشلل الإضطراري" أو " الخروج الإضطراري" مشكلة، فإن الفراغ الدائم الذي يمكن أن ينجم عن الإغتيال هو كارثة !
إلا أن الموافقة على وجوب تجنيب الشخصيات السياسية اللبنانية المهدّدة، مغامرة لعبة " المسدس الروسي" القاتلة، لا تعني ، بتاتا، الموافقة على اعتبار تجنب المخاطر هدفا قائما بذاته، إلا إذا كان المطلوب ، في لحظة معيّنة، إعلان الإستسلام أو رفع الرايات البيضاء أو الدخول في تسويات – إذعان، أو ترك العمل السياسي نهائيا !
وبالعودة قليلة الى الوراء ، فإن فريق 14 آذار، لم ينجح في بسط إرادته- مؤقتا- على البلاد، بفعل الحكمة السياسية ولا التخفّي الجسدي، إنما بفعل المواجهة !
وليد جنبلاط– قبيل محاولة اغتيال مروان حماده وبعد اغتيال رفيق الحريري- لم تتلبّسه الحكمة ، بقدر ما كان يشع جرأة وشجاعة وصلابة !
الشخصيات السياسية التي صدمتها جريمة الرابع عشر من شباط 2005، لم تتشتت على قاعدة حماية الذات، بل تجمعت، على قاعدة مواجهة آلة الموت بالجسد الحي !
الشعب اللبناني، بإعلامييه وصحافييه ونخبه وقواعده، لم يأبه لكل النظام الأمني اللبناني- السوري الذي كان جاسما على صدر البلاد والعباد، بل سجّل أول ثورة عرفها العرب ضد الطغيان والديكتاتورية، قبل أن ينفجر في وجه "حزب الله" عندما رد على تجمع 8 آذار 2005 بتجمع 14 آذار 2005 !
إلا أن هذه الثورة ، سرعان ما جرى إجهاضها، يوم انزلقت الى مصالح القيادات، فتشتت في صراع الأحجام، وفي لعبة تصنيف الثوار بين عاقل ومعتدل ومجنون ومتطرف، وفي عملية استفراد الطاقات بحيث بات كل ثائر يحاول أن ينجو بنفسه بعدما شعر بأنه مهمل، وفي عملية توزيع الناس على زعامات وأحزاب بحسب انتمائهم الطائفي، وفي صعود ديكتاتوريات حزبية لا تترك مجالا حتى لمعارضة بنّاءة!
إلا أن الطامة الكبرى ، تجسدت يوم انتقل أصحاب المواقع الى محللين سياسيين، في حين انبرى المحللون السياسيون الى التفتيش عمّن يمكنه أن يتخذ قرارا يتناسب مع التحليل!
وهكذا، تاه المنتسبون الى "ثورة الأرز" ، وتمكنت خطة استهدافهم بالمفرق من النيل منهم، حتى بات القتلة غير مضطرين للقتل، إذ يكفيهم تسريب مخطط من أجل تحقيق الغايات التي يبتغونها !
إنطلاقا من هنا، فإن ثمة حاجة الى ثورة ضمن ثورة الأرز، بمناسبة حلول الذكرى السابعة على ولادتها مع استشهاد الرئيس رفيق الحريري !
الثورة من ضمن الثورة تعني إعادة تجميع الطاقات، وتعني إعادة شحذ الهمم، وتعني إعادة إنتاج جيل مستعد للإستشهاد، وتعني أيضا وأيضا مجموعة قادرة على المواجهة بدل اللجوء الى الشلل كوسيلة وحيدة للإحتماء !
ثورة لا تهادن القتلة لأي سبب من الأسباب، ولا تقبل أن يسرح في البلاد متهمون بالإغتيالات، وكأنهم أبطال الأمة !
ثورة تقيم توازنا في البلاد، بحيث يسمح للشعب، بسلميته ، أن يواجه المجموعات التي تعتدي، وأن يحمي المجموعات التي يتم تهديدها بالإعتداء عليها !
ثورة تضع المديريات الأمنية كلها أمام مسؤولياتها، بحيث تضطلع كل المديريات الأمنية بواجباتها في حماية المعارضين قبل الموالين!
قبل ايام ، عدت الى مشاهدة فيلم تاريخي بعنوان " الملكة العذراء". قصة الفيلم تدور حول ملكة بريطانيا إليزابيث التي وصلت الى العرش في بدايات القرن السادس عشر. ملكة جميلة وشابة وغير متزوجة. إستقطبت الى يدها ، أمراء فرنسا وإسبانيا ولوردات بريطانيا. في بداية ملكيتها، كانت تلهو وتمزح وتمرح فيما كان أعداؤها يتآمرون عليها، بحيث نجت ، بالصدفة من عمليات اغتيال. أمام مشهد الموت، قررت المواجهة. لم تعرف الى ذلك سبيلا. إستدعت مستشارا أمنيا له خبرته ووزنه. وضع الخطة لها. وفي ليلة ليلاء جال على من يخطط لاغتيال الملكة ، وكان بينهم عشيق اليزابيث.
أمضت الملكة الضعيفة والخائفة ليلة الحسم الى جانب تمثال للسيدة العذراء، وفي الفجر جاءها المستشار الأمني وأبلغها أن الأمور جرت تسويتها.
كانت تبكي وسألته : لماذا أحبوا السيدة العذراء ولم يتآمروا عليها؟
أجابها متشارها الأمني: " لأنهم لم يكونوا قادرين على المساس بها."
ومنذ تلك الليلة، إستنسخت إليزابيث العذراء مريم، قلبا وقالبا، وتمكنت من أن تحكم لأربعين سنة، وأنتجت عصرا ذهبيا، جعلها تترك العرش البريطاني وافر الثروة بعدما استلمته خاوي الخزينة !
ما أشبه حال ثورة الأرز ببداية مُلك إليزابيث وما أحوجها الى من يصنع تلك الليلة الليلاء !

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها